الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا لازِم، وقال تعالى:{فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 83] ، هذا مُتعَدٍّ، فلا مانِعَ من أن يَكون الفِعْل الواحِد لازِمًا في سِياق ومُتعدِّيًا في سِياق آخَرَ، ومن ذلك "أَبانَ".
فهل قوله سبحانه وتعالى: {وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} مَعناها بَيِّن، أو مُبين مُظهِر للحَقِّ؟ نَنظُر أيُّهما أبْلَغُ البَيِّن في نَفْسه، أو المُبِين لغَيْره؟
الجوابُ: الثاني؛ لأنَّ المُبِين لغيره لا بُدَّ أن يَكون بيِّنًا في نفسه، وعلى هذا فكلِمة {مُبِينٍ} من المُتعدِّي، تكون أَشمَلَ وأَوسَعَ مَعنًى، وما كان أَوسَعَ وأَشمَلَ مَعنى فإنه يُؤخَذ به، ولا نَقول: يُترَك الثاني؛ لأنَّ الثانيَ داخِل في الأوَّل.
من فوائد الآيةِ الكريمةِ:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: تَأكيد رِسالة موسى عليه الصلاة والسلام بالمُؤكِّدات الثلاثة التي ذكَرْناها آنِفًا. {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا} .
وَيتفرَّع على هذه الفائِدةِ: إقامة الحُجَّة على بني إسرائيلَ، الَّذين كفَروا واعتَدَوْا مع أنَّ الله قد أَرسَل إليهم هذا الرسولَ الكَريمَ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ الله سبحانه وتعالى يُكرِّر ذِكْر قِصَّة موسى، ويَبسُطها تارَةً، ويَختَصِرها تارَةً، ويُنوِّعها، فهي جمَعَت بين الكَثْرة والتَّنويع من حيث الأُسلوب، والتَّنويع من حيثُ البَسْط والاختِصار؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عاش في قوم مُشرِكين أوَّل الرِّسَالة، وفي قوم يَهود بعد الهِجْرة؛ ولهذا جاءَتِ السُّوَر المَكِّية يُذكَر فيها قِصة موسى ببَسْط واختِصار تارة؛ لأَجْل أَنْ يَتهيّأ النَّبيُّ- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لمُجَادَلة اليَهود الذين سَتكُون الِهجرة إلى بلَدٍ هُم سَاكِنون فيه؛ ولهذا لا تَجِد قِصَّة نبيٍّ مثل قِصة مُوسى عليه الصلاة والسلام لا في تَنوُّعها، ولا في تَكرارها، ولا في أُسلوبها.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: فَضيلة موسى صلى الله عليه وسلم وذلك بما أَكرَمه الله به من الرِّسالة.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ موسى صلى الله عليه وسلم أُوتِيَ آياتٍ، وبيَّن الله تعالى في آية أُخرى أنها {تِسْعَ آيَاتٍ} .
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ موسى أُوتِيَ سُلْطانًا؛ أي: سُلْطة وقوَّة في إقامة الحُجَّة، وفي غير ذلك؛ لقوله:{وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} ، وإذا أَرَدْت أن تَعرِف شيئًا من سُلْطانه الذي آتاه الله، فانظُر إلى مُحَاوَرتهِ في سورة الشُّعَراء مع فِرعونَ، حيثُ أَلجمه وأَلقَمه حجَرًا، وفي النِّهاية تَوعَّده بالقوَّة؛ فقال فِرعونُ:{لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: 29] ، هذه كلِمة إرهاب، {لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} أشَدُّ إرهابًا ممَّا لو قال: لأَسجُنَنَّك. كأنه يَقول: عِندي أُناسٌ سُجَناءُ كَثيرون، وأنا قادِرٌ على سَجْنك، وسأَجعَلك من بينهم، فيَكون هذا أشَدَّ في الإرهاب ممَّا لو قال: لأَسجُنَنَّك.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: ما أَشَرْنا إليه في الآية التي قبلَها أنه ما من رَسولٍ أُرْسِلَ إلَّا وأُوتِيَ آياتٍ بيِّناتٍ تَدُلُّ على صِدْقه، وهذا من حِكْمة الله، ومن رحمة الله، ويَأتِي -إن شاء الله- بَقيَّة الكَلام على القِصَّة.
وقد أكَّدَ ذلك الحَديثُ الثابتُ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله مَا بَعَثَ نَبيًّا إِلَّا آتاهُ مِنَ الْآيَاتِ مَا يُؤْمِنُ عَلَى مِثْلِهِ الْبَشَرُ"
(1)
.
ومَعنَى "مِثله": أي مثل الآيات التي جاء بها، عدَدًا وكَيْفيةً؛ على مِثله يُؤمِن البَشَر، بحَسب الذي أُرسِل إليهم. يَعنِي: مَعناها أنَّ الآياتِ التي يَأتِي بها الرُّسُل
(1)
أخرجه البخاري: كتاب الاعتصام، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"بعثت بجوامع الكلم"، رقم (7274)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس، رقم (152)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
يُؤمِن البَشَر على مثلها، يَعنِي: أنها آياتٌ مُقنِعة.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أنَّ الآياتِ سُلطانٌ وحُجَّة على مَن أُرسِلوا إليهم -أَعنِي: الرُّسُل- بدليل قوله: {وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} ، وعلى هذا فيَكون عَطْف (سُلطان) على (آيات) من باب عَطْف الشيء على نفسه؛ لبَيان فائِدته وثَمَرته، فالآياتُ هي السُّلْطان.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنة: أنَّ الآياتِ لا بُدَّ أن تَكون مُبيِّنة مُظهِرة للحَقِّ، لقوله:{وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} ثُمَّ قال {إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ} إلى آخِره.
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: أن الزُّعماء يَقومون مَقام الأَتْباع، لأنَّ الرِّسالة ليسَتْ إلى هَؤلاء الثلاثة فقَطْ؛ بل إلى آل فِرعونَ كلِّهم، لكن الأسياد يَقومون مَقام الأَتْباع.
الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: أن العُتاة المُعانِدين للرُّسُل تَتَنوَّع أسبابُ عِنَادِهم ومُعَارضتهم للرُّسُل، قد تَكون السلطة، وقد تَكون الوزارة، وقد يَكون المال، وقد تَكون القُوَّة البدَنية؛ ففي هذه الآيةِ ثلاثة أسباب: المُلْك، والثاني: الوَزارة، والثالث: المال. وفي عادٍ: القُوَّة البدَنية، {وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت: 15].
الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: مُكابَرة المُكذِّبين للرُّسُل، حيث قالوا لهذا الرَّسولِ الكريم: إنه ساحِر، وإنه كذَّاب.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أن ما قالوه في رَدِّ الدَّعوة مجُرَّد دَعوة، لأنهم لم يُقيموا على دَعْواهم أيَّ دليل مجُرَّد قالوا:{سَاحِرٌ كَذَّابٌ} ، وهذا يَلجَأ إليه الضُّعَفاء العاجِزون، إذا عجَزوا عن مُدافَعة الحُجَّة بالحُجَّة ذهَبوا إلى السَّبِّ والشَّتْم، وما أَشبَه ذلك.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أنَّ الآياتِ التي تَأتِي بها الأنبياء يَعجِز عن مِثْلها عامة
الناس؛ لقوله: {سَاحِرٌ} والساحِر مَن يَأتِي بأمور تُعجِز الناس، لكن الفَرْق بين الساحِر وبين النَّبيِّ أن النَّبيَّ مُؤيَّد من عند الله عز وجل لا بفِعْله هو، بمَعنى: أنَّ السَّاحِر هو الذي يُعَالِج الشيء حتى يَأتِيَ بالمُعجِزة، أمَّا النَّبيُّ فإن الآياتِ تَأتِيه بدون أيِّ عمَل منه، بل بإرادة الله عز وجل.
فإذا قال إنسان: إِذَنْ ما الفَرْق بين الكَرامة وآية النَّبيِّ؟
قلنا: الفَرْق بينهما أنَّ الكرامة تَأتِي لمتَّبع النَّبيِّ، وأمَّا الآية فتَأتِي للنَّبيِّ نفسه، أي أنَّ مَن آتاه الله كَرامة من الأولياء، ليس يَقول: إنه رَسول، ولا إنه نَبيٌّ. ولكِن الله يُعطيه الكَرامة تَأْييدًا له، أو تَأْييدًا للإسلام، وفي ذلك أيضًا آيةٌ للنَّبيِّ الذي يَتبَعُه.
فإن قال قائِل: هناك مَن يَقول: إنَّ في السَّابِق كانت المُعجِزات الحِسِّيَّة خارِقة للعادة، ثُم حين تَطوَّر العقل البشَريُّ وبلَغ أَوَجه في عهد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أتى القُرآن؟
فالجَوابُ: هذا رُبَّما نَقول: هذا صحيح. لكن الرسول عليه الصلاة والسلام محمدٌ أتى بمُعجِزات حِسِّية، ومُعجِزات مَعنَوية، له مُعجِزات حِسِّية عَظيمة؛ انشِقاق القمَر مُعجِزة، نَبْع الماء من بين أَصابِعه
(1)
مُعجِزة، فوَران الماء من البِئْر التي نضَب ماؤُها لمَّا مجَّ فيها شيئًا من فمِه
(2)
؛ كل هذه مُعجِزات حِسِّية.
أمَّا السِّحْر والشَّعْوذة فهو كل خارِق للعادة يَظهَر على يَدِ مخُالِف الرسول.
وقد أَنكَرت المُعتَزِلة الكراماتِ وقالت: لو أننا أَثبَتْنا الكراماتِ لاشتبَه النَّبيُّ
(1)
أخرجه البخاري: كتاب الوضوء، باب الوضوء من التور، رقم (200)، ومسلم: كتاب الفضائل، باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، رقم (2279)، من حديث أنس رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم (3577)، من حديث البراء رضي الله عنه.
بالوَليِّ، والوَليُّ بالساحِر! فيُقال: هذه مُغالَطة، لأن النبيَّ يَقول: إنه نبيّ. والذي ظهَرَت كرامةٌ على يَدِه يَقول: إنه ولىٌّ وليس بنَبيٍّ. والساحِر ليس نَبيًّا ولا وَليًّا، مَعروف بأنه فاسِقٌ مخُالِف للشَّرْع، فلا يُمكِن أن يَكون التِباسٌ.
فإن قال قائِل: بالنِّسبة لبعض الناس الذين يَعتَقِدون في المَشايخ، وكذا يَقولون: إن الشَّيْخ يَنفَع ويَضُرُّ، ولكن بإِذْن الله تعالى، فنُريد رَدًّا حاسِمًا عليهم، يَقولون: هم يَنفَعون وَيضُرُّون، ولكن بإِذْن الله.
فالجَوابُ: نَقول: أين الدَّليل على أن الله أَذِنَ لهم؟ فإن قيل: الدَّليل الحِسُّ، وهو كَثْرة حُصول هذا الشيءِ. قيل: كَثْرة حُصول هذا الشيءِ إمَّا أن يَكون شيئًا يُدرِكه كل إنسان، فلا مِيزةَ للمَشايخ مِثْل الدُّعاء يَدعو فيَستَجيب الله، وإمَّا أن يَكون شيئًا لا يُدرِكه الإنسان فهو من الشَّياطين، الشياطين تَخدُم هَؤلاءِ الشيوخ؛ لأنهم يُضِلُّون عن سبيل الله، والشَّيْطان لا يُريد منَّا إلَّا أن يُوقِع بينَنا العَداوة والبَغْضاء، وَيصُدَّنا عن ذِكْر الله فنَقول هذا، ولا شَكَّ أنهم يُضِلُّون العوامَّ، فيقولون: تَعالَ تُريد أن تَصير حِمارًا حصانًا، يَدعو الله عز وجل ظاهِرًا، والشَّيْطان يُحوِّل هذا الحِمارَ إلى حصان بالرُّؤْية، يعني نوع من السِّحْر نَوْع بالتَّمويه، وهُمْ يَأكُلون أموال الناس بالباطِل.
وأنا سمِعْت من بعض الجِهات في إفريقيا المَشايخ يَقولون: إنه قد رُفِع عنَّا التَّكليف، لا أحَدَ يَصوم ولا نُصلِّي ولا نُزكِّي ولا شيء، ورُفِع عنَّا كل المُحرَّمات؛ ولهذا يَكون الواحِد منهم مثل التَّيْس يَتزوَّج خَمسين امرأةً أو أكثَرَ بعَقْد النّكاح، فهو وليٌّ مَرفوع عنه التَّكاليف، ويَقول: هذه التَّكاليفُ ما هي إلَّا وسائِلُ حتى تَصِل إلى الغاية، إذا وصَلت إلى الغاية بطَلَت التّكاليفُ، كالرجُل يَتَأهَّب إلى السفَر وَيركَب السَّيَّارة، أو يَأخُذ عصا الجمَل، فإذا وصَل إلى البَلَد رَماها -نَسأَل الله العافِيةَ-
والشياطين تَخدُمهم، حتى ذكَر شيخ الإسلام رحمه الله
(1)
أن بعض الناس يَقول: إني رأَيْتك أنت في عرَفةَ، أنت يا ابنَ تيميَّةَ. وهو في الشام لم يحُجَّ، يَقول: هذا الشَّيْطانُ يَتمَثَّل بي. يَقول: أنا ابنُ تَيميَّةَ. وَيقول للذي يجيء إليه: يَقول ابن تيميَّةَ: هذا حلال، وهذا حرام.
وقول الله تعالى: {إِلَى فِرْعَوْنَ} مُتعلِّق بإِرسالنا، وفِرعونُ هو حاكِم مِصرَ، الذي مَلَكها وسُلِّطَ على بني إسرائيلَ؛ فكان يُقَتِّل أَبناءَهُم ويَستَحيِي نِسَاءَهم، قيل: إنه كان يَفعَل ذلك من أَجْل أنه قيل له؛ أو قال له بعضُ الكَهَنة: إنه سيَكون في بني إسرائيلَ رجُل يَكون زوالُ مُلْكِك على يَدِه. هذا قول؛ وقول آخَرُ: إنه فعَل ذلك إِذْلالًا لهم وإهانةً؛ لأنَّه إذا قُتِّل الرِّجال وبقِيَت النِّساء هلَكَتِ الأُمَّةُ، وهذا القول أقوى، وذلك لأنَّ القول الأوَّل مُعتمَدُه النَّقْل عن بني إسرائيلَ، ومَعلوم أنَّ النَّقْل عن بني إسرائيلَ لا يُصدَّق ولا يُكذَّب، والمعنى المَعقول لكونه يُذَبِّحُ أبناءَهُم وَيستَحْيي نِساءَهم، هو إذلال هذا الشَّعبِ، وهو قِلَّةٌ بالنِّسبة للأَقْباط.
قوله: {إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} هامانُ وزيرُ فِرعونَ، وقارونُ تاجِرُ آل فِرعونَ؛ لأن قارونَ كان غنِيًّا غِنًى عظيمًا، حتى قال الله تعالى:{وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ} أي: من الذهَب والفِضَّة {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ} أي: الذي إن مِفاتِحَه {لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص: 76] تَنوء يَعنِي: تَثقُل بهم؛ أي: تَثقُل، العَصَبة؛ أي: الطائِفة من الناس الأقوياء هذه مَفاتيحه.
إِذَنْ: فالخَزائِن كثيرة وعَظيمة {قَارُونَ} فقالوا: الضَّمير يَعود على الثلاثة، فِرعونَ وهامانَ وقارونَ {فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} {سَاحِرٌ} خبَرُ لمُبتَدَأ مَحذوف،
(1)
انظر نحوه في: مجموع الفتاوى (1/ 83، 13/ 92).
قدَّره المفَسِّر رحمه الله بقوله: [هو {سَاحِرٌ كَذَّابٌ}].
والساحِرُ اسم فاعِلٍ من السِّحْر، وهو الذي يَسحَر الناس؛ فيُريهم الحقائق على غير ما هي عليه، وليس هو الذي يُغيِّر الحقائِق؛ لأنه لا يُغيِّر الحَقائِق إلَّا الخالِق عز وجل، لكن يُرِي الناس الحقائِق على غير ما هي عليه، مثل ما فعَل السحَرة -سحَرة آل فِرعونَ- حين أَلقَوُا الحِبال والعِصيَّ؛ فرآها الناس وكأنها حيَّاتٌ تَسعى، وهي ليست كذلك.
هؤلاء قالوا: إن موسى ساحِر، كيف يُلقِي العصا فتكون حَيَّة؟ ! كيف يُدخِل يدَه فتَخرُج بَيْضاءَ من غير سوء؟ ! ليس هذا إلَّا سِحْر. {كَذَّابٌ} .
وقوله: {كَذَّابٌ} أي: كاذِب فيما ادَّعى من الرِّسالة، فهو في آياته ساحِر، وفي دَعْواه كاذِب، ثُم قال:{كَذَّابٌ} صيغة مُبالَغة أو نِسبة، والفَرْق بين صيغة المُبالَغة والنِّسبة أنَّ النِّسبة وَصْفٌ مُلازِم، وصيغة المُبالَغة فِعْل حادِث مُتكرِّر. فكلِمةُ النَّجَّار هذه نِسْبة، وقد تَكون صيغة مُبالَغة لكَثْرة نِجارته. وأمَّا إذا قيل: فُلان أكَّالٌ للطعام فهذا قد لا يَكون نِسبة، ولكن لكَثْرة أَكْله سمَّيْناه بأنَّه أكَّال.