الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (58)
* قَالَ اللهُ عز وجل: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ} [غافر: 58].
قال تعالى: وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ} هذان المَثَلان بيّنهما الله عز وجل: الأوَّل: الأَعْمى والبَصير لا يَستَوِيان، ولا أَحَدَ من الناس يَقول: إنَّهما يَستَويان، ولا الذين آمَنوا وعمِلوا الصالحِاتِ ولا المُسيءُ. يَعنِي: إذا تَقرَّر أنه لا يَستَوِي الأعمى والبَصيرُ، فكذلِكَ لا يَستَوِي الَّذين آمَنوا وعمِلوا الصالحاتِ والمُسِيءُ، لا يُمكِن.
تنبيه: ليس المُرادُ ذمُّ الأَعْمى والبَصير حتى يُقال: إنَّهما ليس لهما إِرادة، المُرادُ بَيان حالهِم أنهما لا يَستَوِيان بالاتِّفاق.
قال المفَسِّر رحمه الله: [فهُمْ] أي: الَّذين لا يَهتَدون [كالأَعْمى ومَن يعلمه كالبَصير] جاء بذلِك المفَسِّر تَوطِئةً لبيان مُناسَبة الآية لما قَبْلها، ولكن قد يُقال: إنها استِئْناف، بيَّن الله بها أنه لا يَستَوِي هَؤلاءِ وهَؤلاءِ {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى}؛ أي: لا يَتَساوَيان {الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} قال المفَسِّر رحمه الله: [وهُوَ المُحسِن {وَلَا الْمُسِيءُ} فيه زِيادة اللَّام]، وكأن التَّقدير على كَلام المفَسِّر: ولا الَّذين آمَنوا وعمِلوا الصالحِات والمُسيء، وهذا المَعنَى واضِح، لكن قوله:
[وهُوَ المُحسِن] يَعنِي: أن الذي آمَن وعمِل الصالحِاتِ محُسِن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "الْإحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ الله كَأنَّكَ ترَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ترَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ"
(1)
.
وقوله عز وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} {آمَنُوا} بالقَلْب {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} بالجَوارِح، وذلك أن الإيمان مَتى وقَر في القَلْب صدَّقَتْه الأَعْمال، وقوله:{الصَّالِحَاتِ} وَصْف لمَوْصوف مَحذوف، والتَّقدير: الأَعْمال الصالحِات، والعمَل الصالِح ما اجتَمَع فيه أَمْران:
الأوَّل: الإِخْلاص لله عز وجل.
والثاني: المُتابَعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فبفَقْد الأَوَّل يَكون الشِّرْك، وبفَقْد الثاني تَكون البِدْعة، والله عز وجل لا يَقبَل عَمَلًا أُشرِك فيه معَه غيرُه، ولا يَقبَل بِدْعة ابتَدَعها أَحَد في دِينه.
قال الله تبارك وتعالى في الحَديث القُدسيِّ: "أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ"
(2)
وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ"
(3)
.
إِذَنْ: فلا بُدَّ من إخلاص لا شِرْكَ معه، ومُتابَعةٍ لا ابتِداعَ معَها، وبذلِك يَكون العمَل صالِحًا.
(1)
أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، رقم (50)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب معرفة الإيمان، رقم (9)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه مسلم: كتاب الزهد، باب من أشرك في عمله غير الله، رقم (2985)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
أخرجه مسلم: كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، رقم (1718)، من حديث عائشة رضي الله عنها.