الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليس المَعنَى، بل المَعنَى: وأنا أُفوِّض أَمْري إلى الله، فالواو هنا للاستِئْناف، أُفوِّضه إلى الله؛ أي: أَكِلُه إلى الله عز وجل.
وقوله: {أَمْرِي} هذا مُفرَد مُضاف يَعُمُّ والمُراد به الشَّأْن، أي: شَأْني كلَّه، {إِلَى اللَّهِ} ، وهذا غاية ما يَكون من التَّوكُّل، وسيَأتِي -إن شاء الله- في الفَوائِد.
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} هذه الجُملةُ التَّعْليلية للحُكْم السابِق، وهو قوله:{وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} كأن قائِلًا يَقول: لماذا فوَّضَ أَمْره إلى الله؟ فأَجابَ بأن الله تعالى بَصير بالعِباد.
وقوله: {بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} ؛ أي: بأَحْوالهم، وحاضِرهم ومُستَقبَلهم، وجميع شُؤُونهم، فهو جَلَّ وَعَلَا يَعلَم ما بين أيديهم وما خَلْفهم، يَعلَم كل أحوالهم.
قال المفَسِّر رحمه الله: [قال ذلك لمَّا تَوعَّدوه بمُخالَفة دِينه] يَعنِي: كأنهم تَوعَّدوه، فقال: أُفوِّض أَمْري إلى الله. ولكِن التَّوعُّد ليس في الآية دَليل عليه، والظاهِر -واللهُ أَعلَمُ- أنه لم يَقُل ذلك حين تَوعَّدوه، ولكنه قال ذلك حين أَيِسَ من أن يَمتَثِلوا لنَصيحته، فقال كالمُودعِّ لهم:{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ} ، وأمَّا أنا فأُفوِّض أَمْري إلى الله؛ لأني قُمْت بما يَلزَمُني من نصيحة، وهذا أكثَرُ ما يَجِب علَيَّ.
من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: بَيانُ تَحذير هؤلاء الذين يَنصَحُهم المُؤمِن بأنهم سوف يَذكُرون كلامه، ويَعرِفون أنه الحقُّ، لكن ذلك في حال لا تَنفَعُهم هذه الذِّكْرى.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: قُوَّة تَوكُّل المُؤمِن حيث قال: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} ، وهكذا يَجِب على كُلِّ مُؤمِن إذا أَراد أن تُقضَى أُموره وتُسهَّل فلْيُفوِّض أمرَه إلى الله؛ لأن الله
تعالى قال: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، وقال لنَبيِّه صلى الله عليه وسلم:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)} [الأنفال: 64]، ومَن كان الله حَسْبَه فهو رابِح وناجِح.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثبات عِلْم الله سبحانه وتعالى بكُلِّ عِباده؛ لقوله: {إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر: 44]، وهذا -كما سَبَقَ- تَفسير يَشمَل الأحوال والأعيان.
* * *