المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (18) * قَالَ اللهُ عز وجل: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ - تفسير العثيمين: غافر

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌مقدمة

- ‌(الآيات: 1 - 3)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (5)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (6)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (7)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (8)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌(الآية: 9)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (10)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (11)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (12)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (13)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (14)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (15)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (16)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (17)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (18)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (19)

- ‌الآية (20)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (21)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (22)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (23، 24)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (25)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (26)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (27)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (30، 31)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآيتان (32، 33)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (24)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (35)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (36، 37)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآيتان (38، 39)

- ‌من فوائدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (40)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيات (41 - 43)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمة:

- ‌الآية (44)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (45، 46)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآيتان (47، 48)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآيتان (49، 50)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (51)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌[الآية (52)]

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌[الآيتان (53، 54)]

- ‌من فوائدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌[الآية (55)]

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌[الآية (56)]

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (57)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (58)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (59)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (60)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (61)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (62، 63)

- ‌من فوائِد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (64)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (65)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (66)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (67)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (68)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (69)

- ‌الآيات (70 - 72)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمة:

- ‌الآيتان (72، 74)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (75)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (76)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (77)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (78)

- ‌من فوائلِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (79، 80)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (81)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (82)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (83)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (84، 85)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

الفصل: ‌ ‌الآية (18) * قَالَ اللهُ عز وجل: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ

‌الآية (18)

* قَالَ اللهُ عز وجل: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18].

* * *

قال تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ} قال المفَسِّر رحمه الله: [يومَ القِيامة مِن أَزِف الرَّحيل: قَرُب].

{وَأَنْذِرْهُمْ} الضَّمير الفاعِل يَعود على الرسول والمَفعول به الناس، يَعنِي: أَنذِر الناس هذا اليومَ، وهذا العامِلُ استَوْفَى مَفعولَيْن الهاء وهي المَفعول الأوَّل، و {يَوْمَ الْآزِفَةِ} المَفْعول الثاني.

وقوله: {يَوْمَ الْآزِفَةِ} ؛ أيِ: اليوم الآزِف، فهو من باب إضافة المَوْصوف إلى صِفته؛ أي: أَنذِرْهم اليومَ القَريب، وإن شِئْت فقُل:{الْآزِفَةِ} صِفة لمَوْصوف مَحذوف، والتَّقدير: يوم القِيامة الآزِفة، والآزِفة بمَعنَى: القَريبة، قال الله تعالى:{أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} [النجم: 57 - 58]، وقال الشاعِر:

أَزِفَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا

لمَّا تَزَلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قَدِ

(1)

أي: وكأَنْ قد زالَت.

(1)

البيت للنابغة الذبياني، انظر: ديوانه (ص: 89).

ص: 176

فالحاصِلُ: أن الأزف بمعنى القُرْب، فالآزِفة القريبة، وهو يوم القِيامة، قال الله تبارك وتعالى:{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب: 63]، {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} [الشورى: 17].

فهي قَريبة مَهما طال الوَقْت، لو تَبقَى الدنيا مَلايين الملايين من السِّنين فهي قَريبة، وإذا شِئْت أن يَتبَيَّن لك ذلك فانظُرْ ما تَستَقْبِله الآنَ، إذا أَرَدْت أن تَعرِف ذلك فانظُرْ إلى المُستَقبَل، المُستَقبَل تَنظُر إليه نظَر البَعيد فإذا به يَأتِي وبسُرعة، كأنه بَرْق خاطِف، هكذا مُستَقبَل الدنيا كلها قريب، فإن أَدرَكْته أَدرَكْته، وإن لم تُدرِكه قامَت قِيامتُك قبلَها، فقِيامتك قَريبة، وإن بَقِيت إلى القِيامة الكبرى فهي أيضًا قَريبة، إِذَنْ كلُّ آتٍ قريب، وكل ماضٍ بَعيد، الماضِي ولو كان قبلَ وَقْتك بساعة بَعيد؛ لأنه لا يُمكِن أن يَرجِع، والمُستَقبَل قريب.

إِذَنْ: سُمِّيَت القِيامة آزِفة لقُربها، ووجهُ قُرْبها - وإن كان بيننا وبينها ما لا يَعلَمه إلَّا الله من السِّنين - أن المُستَقبَل مهما بعُدَ قريب.

فإن قال قائِل: ما القَوْل في اليوم الذي كأَلْف سَنَة؟

فالجوابُ: قال الله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47]، وقال:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة: 5]، لكن يوم القِيامة لم يَرِد فيه إلَّا خَمْسون ألفَ سَنَة {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4]، وفي الحَديث الصحيح في قِصَّة مانِع الزكاة

(1)

: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4]، وعلى هذا فاليَوْمُ الذي عند رَبِّنا كأَلْف سَنَة لا نَدرِي ما هذا اليومُ، فهو يَوْم مَجهول لنا.

(1)

أخرجه مسلم: كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، رقم (987)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 177

أمَّا {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} [السجدة: 5]، فهذا لأنَّ ما بين السَّماء والأرض خمسُ مِئة سَنَة، فإذا كان ما بينَهما خمسُ مِئة سَنَة؛ فإن صُعود الأمر إلى الله ثُم رُجوعه، يَكون أَلْفَ سَنَة؛ فالأيام ثلاثة: يومٌ مِقدارُه خَمْسون ألْفَ سَنَة وهذا يومُ القِيامة، ويومٌ عند الله لا نَعلَم ما هو، مِقداره أَلْف سَنَة، ويوم مِقدارُه أَلْف سَنَة في تدبير الأمر من السماء إلى الأرض، ثُم عُروجه إلى الله عز وجل.

مسألةٌ: ورَد عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أن الله يُحاسِب الخَلائِق في ساعة واحِدة

(1)

، فهل الساعة تَدخُل في نِصْف يوم؟

فالجَوابُ: الساعة تُطلَق على الزمَن القليل والكثير، إلَّا إذا فُصِّلت، مثل:"من جاء في الساعة الأُولى في يوم الجُمُعة. . ومَن جاء في الثانية. . ومَن جاء في الثالثة. .".

وقوله: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18].

وقوله: {إِذِ الْقُلُوبُ} (إِذْ): بدَل من {يَوْمَ الْآزِفَةِ} [غافر: 18] يَعنِي: أَنذِرْهم يوم الآزِفة، أَنذِرْهم إذِ القُلوب لدى الحَناجِر.

و(إِذْ): ظرف لما مَضَى من الزَّمان، وتَأتِي ظَرْفًا وتَأتِى تَعليلًا على حَسب ما جاءَت مَعانيها في اللُّغة العرَبية.

وقوله: {الْقُلُوبُ} (أل): هنا للاستِغْراق؛ أي: كل القُلوب، وقوله:{لَدَى} يَقول رحمه الله: بمَعنَى: عِندَ.

(1)

أخرجه الإمام أحمد (4/ 13)، من حديث لقيط بن عامر رضي الله عنه.

ص: 178

قال المفَسِّر رحمه الله: [{إِذِ الْقُلُوبُ} تَرتَفِع خوفًا {لَدَى} عِندَ {الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ}]، قال الله تبارك وتعالى:{وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [الأحزاب: 10]، وهذا شيء مَعلوم مَحسوس؛ أن الإنسان كلَّما اشتَدَّ به الخَوْف ارتَفَع قلبُه وانكَمَش وازداد خَفَقانًا، فيَوْم القِيامة تَرتَفِع القلوب حتى تَصِل إلى الحَناجِر، والحَنجرة ما بين التَّرْقوتَيْن.

قال المفَسِّر رحمه الله: [{كَاظِمِينَ} مُمتَلِئِين غمًّا، حال من {الْقُلُوبُ} عُومِلت بالجمع بالياء والنون مُعامَلة أصحابها]، لم يَقُل: إِذِ القُلوب لدى الحَناجِر كاظِمة، لأنه لو جرَى الوَصْف للقُلوب؛ لقال: إِذِ القُلوب لدَى الحَناجِر كاظِمة، وقال تعالى:{قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} [النازعات: 8] ولا يُجمَع جَمْعَ المُذكَّر السالِمَ بالواو والنُّون إلَّا للعاقِل.

وقوله: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ} القُلوب جَماد، هي نَفْسها جَماد، والجَماد لا يُجمَع بالواو والنون؛ لأنه لا يُجمَع بالواو والنون إلَّا العاقِل، عَلَمًا كان أو وَصْفًا، وقد مَرَّ عليكم في شُروط جمع المُذكَّر السالِمِ أن يَكون عَلَمًا أو وَصْفًا لعاقِل، فهنا القُلوب ليست عاقِلة، القُلوب جُزء من البدَن ليست عاقِلة، فكيف تَوجيه الحال التي جاءَت منها بجَمْع على صيغة جَمْع المُذكَّر السالِم؟ !

يَقول المفَسِّر رحمه الله: لأنَّ المُراد بها أصحاب القُلوب، القُلوب لدى الحَناجِر والكاظِم صاحِبها، وهذا حقٌّ أن {كَاظِمِينَ} حال من القُلوب باعتِبار أصحابها، والكاظِمُ يَقول: المُمتَلِئ غمًّا، ويَمتَلِئون غمًّا لشِدَّة الأَهْوال، والمَخافة قُلوب مُرتَفِعة أَنفُس مُمتَلِئة غمًّا.

قوله: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18] الظالمِون همُ الكافِرون

ص: 179

هنا؛ لقول الله تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254] وليس المُرادُ مُطلَقَ الظُّلْم، بلِ المُراد الظُّلْم المُطلَق، وهو ظُلْم الكُفْر، فالظالِمون في ذلك اليومِ ليس لهم حَميم، والحَميم هو: المُحِبُّ، كما قال المفَسِّر، وقيل: القريب، كما قال تعالى:{فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: 100 - 101]}؛ أي: قَريب، ولا نَقول: ولا صَديق مُحِبٍّ؛ لأنه ما من صَديق إلَّا وهو مُحِبٌّ، ولولا المَحبَّة ما صادَقه.

وعلى هذا فنَقول: إن الأَوْلى أن تُفسَّر الحَميم بالقَريب، والغالِب أن الذي يُحامِي عنك ويُدافِع عنك ويَشفَع لك هو القريب، هذا الغالِبُ.

وقوله: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} {شَفِيعٍ} بمَعنَى: شافِع، فهي فَعيل بمَعنَى فاعِل، كسَميع بمَعنَى: سامِع، والشافِع: مَن شفَعَك؛ أي: صار معَك حتى تَكون بعد الفَرْد شَفْعًا؛ ولهذا يُقال: الشافِع هو مَن تَوسَّط لك بجَلْب مَنفَعة، أو دَفْع مَضرَّة، هذا هو الشافِع، التَّوسُّط للغير بجَلْب الخير، أو دَفْع الضَّيْر، يَعنِي: الشفاعة هي التَّوسُّط للغير بجَلْب الخير أو دَفْع الضير، هذا إذا أَرَدْت أن تَأتِيَ بها على سَبيل السَّجْع؛ من أَجْل أن تَكون أَريَحَ، ففي يوم القِيامة ليس لهم شَفيع، فلا يَشفَع لهم أحَدٌ؛ لأنَّ مِن شَرْط الشفاعة أن يَكون الله راضِيًا عن الشافِع وعن المَشفوع له.

ولجَأْنا إلى هذا التَّأويلِ لوُجود الآية الثابِتة للشَّفاعة، وهي قوله تعالى:{فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} [الشعراء: 100]، وانتِفاء الشَّفاعة وهي قوله تعالى:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] وهَؤلاءِ لا يَرتَضيهم الله.

قال المفَسِّر رحمه الله: [{وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} لا مَفهومَ للوَصْف، إذ لا شَفيعَ لهُمْ أصلًا؛ لقوله تعالى:{فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} أو له مَفهومٌ بِناءً على زَعْمهم أن لهُمْ شُفَعاءَ،

ص: 180

أي: لو شفَعوا فَرْضًا لم يُقبَلوا].

كلِمة {يُطَاعُ} جُملة فِعْلية في مَحَلِّ جَرِّ صِفة لـ {شَفِيعٍ} ولو حوَّلناها إلى اسمِ فاعِل لكان التَّقدير: ولا شَفيع مُطاع، فهل هذه الصِّفةُ قَيْد، بمعنى: أن لَهُم شَفيعًا لا يُطاع، أو هي بَيان للواقِع والمُراد نَفيُ الشَّفيع؟ ذكَر المفَسِّر احتِمالَيْن:

الأوَّل: أن يَكون المُراد ليس لهم شَفيع مُطلَقًا، واستَدَلَّ لذلك بقوله تعالى عنهم:{فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: 100 - 101].

أو أن المَعنَى: لو قُدِّر أن لهم شُفَعاءَ، فإن هؤلاءِ الشُّفَعاءَ لا يُطاعون، وهذا بِناءً على قولهم: إن الذي يَعبُدون من دون الله يَكونون شُفَعاءَ لهم، والآية تَحتَمِل ما قال المفَسِّر، أمَّا إذا قُلْنا بالوَجْه الأوَّل، وهو نَفيُ الشفاعة مُطلَقًا فالأمر ظاهِر لا إِشكالَ فيه.

أمَّا الثاني: أن يُقام لهُمْ شُفَعاءُ، ولكن تُرَدُّ شَفاعتهم، فهذا من أَجْل التَّخجيل لهم، أن يَخجَلوا حيث تُقام الشُّفَعاءُ الذين يَدَّعون أنهم شُفَعاءُ لهم، ثُم تُردُّ الشفاعة، هذا أَبلَغُ في خَجَلهم، وفي رَدِّهم، وعدَم انتِفاعِهم بآلِهَتهم، والله أَعلَمُ.

فإن قال قائِل: إذا قُلْنا بالوجه الثاني {وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} ثُم يُقام ثُم يُرَدُّ، ما حال الشَّفيع الذي يُقام ثُم يُرَدُّ، هل هو مَن تُقبَل شَفاعته، هل أنَّه مِثْلهم أصلًا؟

فالجَوابُ: لا، بل تُمثَّل لهم أَصنامُهم، حتى الذين يَعبُدون عِيسى، يُمثَّل لهم عِيسى عليه الصلاة والسلام.

ص: 181