المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من فوائد الآية الكريمة: - تفسير العثيمين: غافر

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌مقدمة

- ‌(الآيات: 1 - 3)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (5)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (6)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (7)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (8)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌(الآية: 9)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (10)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (11)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (12)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (13)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (14)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (15)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (16)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (17)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (18)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (19)

- ‌الآية (20)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (21)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (22)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (23، 24)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (25)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (26)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (27)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (30، 31)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآيتان (32، 33)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (24)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (35)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (36، 37)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآيتان (38، 39)

- ‌من فوائدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (40)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيات (41 - 43)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمة:

- ‌الآية (44)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (45، 46)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآيتان (47، 48)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآيتان (49، 50)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (51)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌[الآية (52)]

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌[الآيتان (53، 54)]

- ‌من فوائدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌[الآية (55)]

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌[الآية (56)]

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (57)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (58)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (59)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (60)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (61)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (62، 63)

- ‌من فوائِد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (64)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (65)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (66)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (67)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (68)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (69)

- ‌الآيات (70 - 72)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمة:

- ‌الآيتان (72، 74)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (75)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (76)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (77)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (78)

- ‌من فوائلِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (79، 80)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (81)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (82)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (83)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (84، 85)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

الفصل: ‌من فوائد الآية الكريمة:

قال المفَسِّر رحمه الله: [{الْكَبِيرِ} العَظيم] وهذا تَفسير تَقريبيٌّ، ولو قال: الكَبير ذو الكِبْرياء لكان أَقرَبَ، فهو كبير عز وجل ذو كِبرياء، وهو كبير أيضا، كبير باعتِبار ذاته، لا يُحيط به شيء من مَخْلوقاته، والسَّموات السَّبعْ والأرَضون السَّبْع في يدِه كخَرْدلة في يَدِ أحَدِنا.

مسألة: هَل يجِب على الإنسانِ أنْ يُبلِّغ الناس أنه يَجِب عليهم أن يَبحَثوا، ثُم كيف نَقول لهم هذا وهُمْ أصلًا كُسالى، لا يَبحَثون وجهَلة؟

فالجوابُ: نحن لا نَتَكلَّم عن العرَب، العرَب يَفهَمون الدَّعْوة بمُجرَّد أن تَبلُغهم، بل نَتكَلَّم عن قوم لا يَفهَمون المَعنى، يَجِب عليهم أن يَبحَثوا، أمَّا عوامُّ الناس الآنَ فقَدْ بلَغَتهم وفهِموها؛ ولهذا يَعرِفون مَعنَى لا إلهَ إلَّا الله، وَيعرِفون مَعنى محُمَّد رسول الله، وما أَشبَهَها.

‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَةُ الأُولَى: إثباتُ الأَسْباب؛ لقوله: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ} ، فالباء للسَّبَبية، وقد تقدَّم كثيرًا أنَّ أهل السُّنَّة والجماعةَ يُثبِتون الأسباب للمُسَبَّبات، ولكن لا على أنَّها فاعِلة بنَفْسها، بل بما أَوْدعَ الله فيها من القُوى المُؤثِّرة، يُؤخَذ ذلك من قوله:{ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ} ؛ لأن الباء للسَّبَبية.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: بَيان ما عليه هؤلاءِ الكُفَّارُ من كونِهم إذا دُعِيَ الله وحدَه كفَروا، وإذا أَشرَك به أَدرَّوا هذا الشِّرْكَ؛ لقوله:{بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا} .

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ الحُكْم لله؛ لقوله تعالى: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ} وليس لغَيْره.

ص: 135

وحُكْم الله تعالى يَنقَسِم إلى قِسْمين: كَونيٍّ وشَرْعيٍّ.

فالكَوْنيُّ: ما قَضَى به على عِباده كونًا وتَقديرًا.

والشَرعيُّ: ما قَضَى به على عِباده شَرْعًا وتَنظيمًا.

والحُكْمان مَوْجودان في القُرآن جميعًا، فمِن الحُكْم القَدَريِّ قوله تبارك وتعالى:{فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} [يوسف: 80]، ومن الحُكْم الشَّرعيِّ قوله تعالى:{ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الممتحنة: 10].

والفَرْق بينهما:

الفرق الأوَّل: أنَّ الحُكْم الشَّرعيَّ يَرضاه الله عز وجل، والحُكْم الكونيَّ يَتَعلَّق بما يَرضاه وبما لا يَرضاه.

والفَرْق الثاني: أن الحُكْم الشَّرعيَّ قد يَقَع من المَحكوم عليه وقد لا يَقَع، وأمَّا الحُكْم الكَوْنيُّ فإنه لا بُدَّ أن يَقَع، فإذا حكَم الله على شخص بمَوْت، أو مرَض، أو فَقْر، أو عاهة، أو غير ذلك وقَع، ولا بُدَّ، وإذا حكَم الله على شخص بأن يُؤمِن ويَعمَل صالِحًا فقد يَقَع وقد لا يَقَع.

وقوله: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ} هنا يَشمَل الأمرَيْن جميعًا.

ويُستَفاد من هذا أنه لا يَجوز الحُكْم بالقَوانين المُخالِفة للشريعة، لقوله تعالى:{فَالْحُكْمُ لِلَّهِ} ، وهذه الجُملةُ تُفيد الحصْر، أي: الحُكْم لله لا لغيره، والحُكْم بالقوانين المُخالِفة للشريعة قد يَكون كُفْرًا، وقد يَكون ظُلمًا، وقد يَكون فِسْقًا، كما ذكَره الله عز وجل على هذه الوُجوهِ الثلاثة في سورة المائِدة، وهي من آخِر ما نزَل، فإن وُضِع الحُكْم القانوني شرعًا نافِذًا فهذا كُفْر، لأنه يَقتَضي رَفْع الحكْم الشَّرعيَّ وإحلال حُكْم

ص: 136

آخَرَ محَلَّه، وهذا كُفْر بما أَنزَل الله محُبِط للعمَل، لأنه لا يُمكِن أن يُرفَع الحُكْم الشَّريرُّ إلَّا بعد كراهَته إيَّاه، وقد قال الله تبارك وتعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 9].

وعلى هذا فالذين يَحكُمون أُمَمَهم بالقَوانين المُخالِفة للشريعة يُعتبرون كُفَّارًا، يَجِب عليهم أن يَتوبوا إلى الله، وأن يَحكُموا بشَريعة الله، وإلَّا ماتوا كُفَّارًا - والعِياذُ بالله - ونحن لا نَحكُم بهذا الشيءِ لكل واحد بعَيْنه، إذ قد يَكون بعضُهم مُلبَسًا عليه، أو مُغرَّرًا به، أو تَكلَّم عنده مَن يَثِقُ به فأَضَلَّه، قد يَكون هذا الذي وضَع القانون غرَّه مَن يَقول: إنَّ الحُكْم الشَّرْعيَّ إنما يَكون فيما بين الإنسان وبين رَبّه في العِبادات والأحوال الشَّخْصية والمَواريث، وأمَّا مَسائِل الدُّنيا فهي لأهل الدنيا، ويُشبّه بقوله صلى الله عليه وسلم:"أَنْتُثم أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْيَاكُمْ"

(1)

.

فيَأتي هذا الحاكِمُ المِسكينُ الذي لا يَعرِف عن الأمر شيئًا، والذي خُدِع بمَظاهِر الدنيا وزَخارِفها فيَظُنُّ أن هذا هو الحقُّ، فيَضَع القانون المُخالِف للشَّرْع، فمِثل هذا لا نَحكُم بكُفْره، لأنه مُغرَّر به مُؤَوِّل، لكن إذا بُيِّن له ثُمَّ أَصَرَّ حُكِم بكُفْره.

أمَّا الثاني: الحُكْم بغَيْر ما أَنزَل الله الذي يَكون ظُلْمًا، فهو ما كان الحامِلُ عليه حُبُّ الاعتِداء على الغير، لا كراهةَ الشَّرْع، ولا الحُكْم بغير ما أَنزَل الله، لكن لكراهته للغير حكَم على الغير بغَيْر ما أَنزَل الله ظُلْمًا وعُدوانًا، فهذا له حُكْم الظلَمة، وليس له حُكْم الكافِرين، لأَنَّه لم يَكْفر، يَقول: أَعرِف أن ما جاء به الشَّرْع فهو الحقّ، لكن أُريد أن أَنتَقِم من هذا الرجُلِ، وأَعتَديَ عليه، فيَكون هذا له حُكْم الظالِم:

(1)

أخرجه مسلم: كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعًا، رقم (2363)، من حديث عائشة وأنس رضي الله عنهما.

ص: 137

{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45].

أمَّا القِسْم الثالِث: فهو الذي حكَم بغَيْر ما أَنزَل الله لهوًى في نفسه، لا كراهةً للحَقِّ، ولا استِبْدالًا له بغيره، لكن يُريد شيئًا في نفسه فحكَم بغير ما أَنزَل الله، مِثْل: أن يَكون يَهوَى، أن تَكون له هذه الأرضُ، أو هذه السَّيَّارةُ، أو ما أَشبَه ذلك فيَحكُم بها لغرَض، ليس قَصدُه ظُلمَ المحكوم عليه، ولكن قَصْده اتِّباع الهَوَى، فيَحكُم، فيَكون بهذا من الفاسِقين.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ الحُكْم لله عز وجل في الدُّنيا والآخِرة.

ولهذا قسَّم بَعْض العُلَماء الحُكْم إلى ثلاثة أقسام: كَونيٍّ، وشَرعيٍّ، وجَزائيٍّ.

والحُكْم الجزائيُّ: ما يَكون في الآخِرة، ولكن الصحيح أن الحُكْم الجزائيَّ لا يَخرُج عن كَوْنه حُكْمًا كونيًّا، لأنه فِعْل الله، وحينَئذٍ لا حاجةَ إلى كَثْرة التَّقاسيم، لأنه كلَّما أَمكَن اختِصار التَّقسيم كان أَوْلى، ولهذا - والله أَعلَمُ - كان الرسول صلى الله عليه وسلم يَأتي أحيانًا فيَقول:"ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ الله، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلهَمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"

(1)

، مع أن هُناك آخَرين لا يُكلِّمهم الله يوم القِيامة، ولا يَنظُر إليهم، ولا يُزكِّيهم ولهم عَذاب أَليم، لكن كون الشيء يُجزَّأ وتُقلَّل أَقسامُه يَكون أقرَبَ إلى الفَهْم.

ولهذا يُفرَّق بين أن تُعطِيَ الماء لشخص عَطشانَ دفعة واحِدة، أو أن تُعطِيَه إيَّاه على دفعات، فالثاني أَهنَأُ وأَبرَأُ وأَمرَأُ، كما جاء في الحديث أنه يَنبَغي للإنسان في شَرابه أن يَتَنفَّس ثلاث مرَّات، الكأس مثَلًا إذا كُنتَ عَطْشانَ لا تَشرَبْه جميعًا، تَنفَّس

(1)

أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار، رقم (107)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 138

فيه ثلاثَ مرَّات، اشرَبْ، ثُمَّ أَبِنِ الكأسَ عن فمِكَ، ثُم رُدَّه، ثُم أَبِنْه، ثُم رُدَّه، حتى يَكون ذلك أَهنَأَ وأَمرَأَ وأَبرَأَ.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: إثبات العُلوِّ لله عز وجل؛ لقوله: {الْعَلِيِّ} وهو عُلوٌّ بنَفْسه، وعُلوٌّ بصِفته، فصِفاته عُليا، وهو نفسه سبحانه وتعالى فوقَ كل شيء.

وأدِلَّة عُلوِّ الله سبحانه وتعالى الذاتيِّ خمسةُ أنواع: الكِتاب، والسُّنَّة، والإجماع، والعَقْل، والفِطْرة.

أمَّا الكِتاب: فمَملوء من ذلك، أي: مِن دَلالته على أن الله فوقَ كل شيء على وجوهٍ مُتنوِّعة، تارةً يُصرِّح بأنه في السَّماء، وتارةً يُصرِّح بأنه استَوَى على العَرْش، وتارةً يُصرِّح بأن الأشياء تَنزِل منه، وتارةً يُصرِّح بأن الأشياء تُرفَع إليه، وتَصعَد إليه، وتَعرُج إليه، وكل هذا يَدُلُّ على عُلوِّ الله تعالى بذاته.

والسُّنَّة كذلك جاءت بأَوْجُهها الثلاثة: قولٍ، وفِعْل، وإقرارٍ.

فالقول: ما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يَقول: "رَبُّنَا الله الَّذِي فِي السَّمَاءِ تَقَدَّسَ اسْمُكَ، أَمْرُكَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ"

(1)

، وما كان يَقول في سُجوده:"سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى"

(2)

.

والفِعل: إشارته صلى الله عليه وسلم إلى السماء حين قال: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ"

(3)

.

(1)

أخرجه أبو داود: كتاب الطب، باب كيف الرقى، رقم (3892)، والنسائي في الكبرى رقم (10809)، من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.

(2)

أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، رقم (772)، من حديث حذيفة رضي الله عنه.

(3)

أخرجه مسلم: كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم (1218)، من حديث جابر رضي الله عنه.

ص: 139

والإقرار: إقراره للجارِية حين قالت: إنَّ الله في السَّماءِ. لمَّا قال لها: "أَيْنَ الله؟ "

(1)

.

وأمَّا الإِجْماع: فقَدْ أَجمَع السَّلَف على أنَّ الله تعالى عال بذاته فوقَ كل شيء، ودَليل هذا الإجماعِ أنه لم يَرِد عنهم حَرْف واحِد يُنافِي ما دلَّ عليه الكِتاب والسُّنَّة من عُلوِّ الله، وهذا يَدُلُّ على أنهم كانوا يَقولون به.

وهذا من الطُّرُق التي ذكَرْناها لكم فيما سبَقَ أنه لو قال قائِل: ائْتُوا لنا بحَرْف واحِد من السلَف يَقول: إن الله عالٍ بذاته. نَقول: لا حاجةَ أن نَأتِيَ لكم بذلك؛ لأن وُرود ذلك في الكِتاب والسُّنَّة من غير أن يَأتِيَ عنهم ما يُعارِضه يَدُلُّ على قولهم به، وهم مجُمِعون على هذا.

وقد ذكَرَ شيخ الإسلام رحمه الله كلامًا قال فيه: "والله يَعلَم أني بعد البَحْث التامِّ، ومُطالَعَتي ما أَمكَن من كلام السلَف، لم أَجِدْ أحَدًا منهم صرَّح بأن الله ليس في السَّماء، وأن الأشياء لا تَعرُج إليه"

(2)

وذكر نَحوَ هذا.

وعلى هذا فنَقول: إن عُلوَّ الله بذاته قد أَجمَعَ عليه السلَف، فمَن قال بغير ذلك فقد شاقَّ الرسولَ، واتَّبَع غيرَ سبيل المُؤمِنين، ولكن الله اشتَرَط قال:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} [النساء: 115].

وأمَّا العَقْل: فدَلالته على عُلوِّ الله ظاهِرة؛ لأننا لو سألنا: أيُّهما أعلى صِفةَّ العالي أو السافِل؟ لقيل باتِّفاق العُقَلاء: إن العالِيَ أكمَلُ، وإذا ثبَت أن العُلوَّ كَمال وجَب

(1)

أخرجه مسلم: كتاب المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة، رقم (537)، من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه.

(2)

مجموع الفتاوى (5/ 15).

ص: 140

أن يَكون ثابِتًا لله عز وجل؛ لأن الله تعالى مَوْصوف بصِفات الكَمال.

وأمَّا الفِطْرة: فاسأَلْ عنها عجائِز المُسلِمين، لا تَسأَلْ طلَبة العِلْم، اسأَلِ العَجوز: أين الله؟ فتَقول لك: في السَّماء. اسأَلْ كلَّ داعٍ إذا دعا: أين يَطيرُ قَلْبه؟ فيَقول لك: إلى السماء.

وهذه الفِطرةُ هي التي أَلجَمَت أبا المَعالي الجُوَيْنيَّ حين قال له أبو جَعفر الهَمَذانيُّ: يا شَيخُ دَعْنا من ذِكْر العَرْش، لمَّا قال أبو المَعالي: إن الله كان ولا شيء يَعنِي: لا عَرشٌ ولا غيرُه، وهو الآنَ على ما كان عليه. يُريد نَفيَ الاستِواء، إذا كان الله ولا عَرشٌ وهو الآنَ على ما هو عليه لزِم ألَّا يَكون مُستَوِيًا على العَرْش، فقال له: يا شيخُ دَعْنا من ذِكْر العَرْش؛ لأنَّ دليله - دليل استِوائِه على العَرْش - دليل سَمْعيّ، لكن أَخبِرْنا عن هذه الفِطْرةِ التي نَجِدها في نُفوسِنا، ما قال عارِفٌ قطُّ: يا الله. إلَّا وجَد من قَلْبه ضرورة بطلَب العُلوِّ، فلطَمَ أبو المَعالي على رأسه وقال: حيَّرَني الهَمَذانيُّ

(1)

، تَحيَّر؛ لأنَّ هذا أَمْر فِطْريٌّ لا يُمكِن إنكاره أَبَدًا، إن كان الإنسان يُنكِر أن يَكون بشَرًا أَنكَر ما دلَّت عليه الفِطْرة.

فالحاصِل: أن عُلوَّ الله بذاته دلَّ عليه الكِتاب، والسُّنَّة، والإِجْماع، والعَقْل، والفِطْرة، وهو - ولله الحمد - لا يَحتاج إلى مُنازَعة، ولولا أنَّ أهل البِدَع والتَّعْطيل أَلجَؤُوا أهل السُّنَّة إلى الحديث عنه ما احتاج أن يَتَحدَّث الإنسان عنه؛ لأنه أَمْر فِطْريٌّ لا يَحتاج إلى كبير عَناء، لكن هَؤلاء المُتكَلِّمين المُبتَدِعين المُعطِّلين المُحرِّفين المُنحَرِفين همُ الذين أَلجَؤوا أهل السُّنَّة إلى أن يَقولوا بمثل ذلك، وأن يُحاوِلوا إثبات هذه الأُمور بما يَستَطيعون من الأدِلَّة.

(1)

انظر: مجموع الفتاوى (3/ 220).

ص: 141

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: إثبات الكِبرياء لله والكِبَر؛ لقوله: {الْكَبِيرِ} ، والله تعالى يَجمَع بين الكبرياء والكِبَر في غير ما آية، قال الله تعالى:{الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد: 9]، وهنا يَقول:{الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} ؛ لأن بذلك يَحصُل الكَمال المُطلَق العُلوُّ والكِبْرياء، والكِبَر فيه كَمال الكَمال.

* * *

ص: 142