المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (76) قَالَ اللهُ عز وجل: {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا - تفسير العثيمين: غافر

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌مقدمة

- ‌(الآيات: 1 - 3)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (5)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (6)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (7)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (8)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌(الآية: 9)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (10)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (11)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (12)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (13)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (14)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (15)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (16)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (17)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (18)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (19)

- ‌الآية (20)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (21)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (22)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (23، 24)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (25)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (26)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (27)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (30، 31)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآيتان (32، 33)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (24)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (35)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (36، 37)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآيتان (38، 39)

- ‌من فوائدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (40)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيات (41 - 43)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمة:

- ‌الآية (44)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (45، 46)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآيتان (47، 48)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآيتان (49، 50)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (51)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌[الآية (52)]

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌[الآيتان (53، 54)]

- ‌من فوائدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌[الآية (55)]

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌[الآية (56)]

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (57)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (58)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (59)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (60)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (61)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (62، 63)

- ‌من فوائِد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (64)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (65)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (66)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (67)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (68)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (69)

- ‌الآيات (70 - 72)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمة:

- ‌الآيتان (72، 74)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (75)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (76)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (77)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (78)

- ‌من فوائلِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (79، 80)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (81)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (82)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (83)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (84، 85)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

الفصل: ‌ ‌الآية (76) قَالَ اللهُ عز وجل: {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا

‌الآية (76)

قَالَ اللهُ عز وجل: {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} . [غافر: 76].

قال تعالى: {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} {ادْخُلُوا} فِعْل أَمْر، والآمِر هُمُ المَلائِكة، والأَمْر يُراد به لإهانة، ليس أَمْر إكرام، ولكِنه أَمْر إهانة وإِلْزام؛ لأنه لا بُدَّ أن يَدخُل. وقوله:{أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} جَمعْ، وعدَد أبواب جَهنَّمَ سَبْعة كما قال الله تعالى:{لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر: 44]، {جَهَنَّمَ} اسمٌ من أَسْماء النار، وسُمِّيَت بذلك لأنها ذاتُ جُهْمة، إذا قُلْنا: إن جَهنَّمَ اسمٌ عرَبيٌّ زِيدت فيه النون. وإن قُلنا: إنه اسمٌ غيرُ عرَبيٍّ ولكنه عُرِّب، فلا حاجةَ أن نَقول: إنه مُشتَقٌّ من الجُهمة التي هي الظُّلْمة أو القَعْر، وأيًّا كان فهو اسم من أَسْماء النار، أَعاذَنا الله وإيَّاكم منها.

فإن قال قائِل: قُلْتم: إن العدَدَ لا مَفهومَ له في قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ"

(1)

قُلْتم: هذا العدَدُ لا يَدُلُّ على الحَصْر، وإن لله أَسماءَ أُخرى فلِماذا نَقولُ بالحَصْر، أو بإفادة العدَد الحَصْر في أبواب جَهنَّمَ وأبواب الجَنَّة؟

(1)

أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب إن لله مائة اسم إلا واحدًا، رقم (7392)، ومسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها، رقم (2677)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 499

فالجوابُ: نَقول: أمَّا الأوَّلُ وهو قوله: "إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا" فإنَّما قُلنا: إنها لَيْسَت للحَصْر بدليلٍ وهو حَديث عبد الله بن مَسعود في حَديث الهَمِّ والغَمِّ، قال:"أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ"

(1)

، وإذا كان الله مُستَأْثِرًا به في عِلْم الغَيْب عنده، فإنه لا يُمكِن للإنسان أن يُدرِكه؛ لأن الله استَأْثَر به، فمن ثَم قُلنا: إن العَدَد لا مَفهومَ له في قوله: "إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا" وأن المعنى أن مِن أَسماء الله تِسْعة وتِسْعين اسمًا مَن أَحصاها دخَل الجَنَّة.

فإن قال قائِل: إذا قُلنا: {ادْخُلُوا} تَأتِي للإهانة وتَأتِي للإكرام أَفَلا يَكون فيها رَدٌّ على مَن قال: إن القُرآن فيه مَجاز، وذلك لأَنَّنا نَقول: كلُّ كلِمة في مَوْضِعها فهي حَقيقة فيها.

فالجوابُ: نعَمْ، ربما يَكون في ذلك دَلالة على نَفيِ المَجاز؛ ولهذا كان الصوابُ ما اختارَه شَيْخُ الإسلام ابنُ تَيميَّةَ

(2)

رحمه الله "أنَّه لا مَجازَ في اللُّغة ولا في القُرآن".

والعُلَماء اختَلَفوا على هذا في أَقْوال: فمِنْهم مَن قال: لا مَجازَ لا في القُرْآن ولا في غيره. ومِنهم مَن قال: لا مَجازَ في القُرآن ويَجوزُ في اللُّغة. ومِنهم مَن قال: المَجاز في القُرآن واللُّغة. ومِنهم مَن قال: كلُّ الكَلام مَجاز. وأَظُنُّ هذا رَأْيُ ابن جِنِّي

(3)

، أن جميع الكلام كله مجَاز، حتى إذا قال: ضرَبْت زَيْدًا. قال: هذا مجَاز. قُلتُ: خيرًا. قال: هذا مَجاز. وهَكذا، لكن الراجِح أن لا مَجازَ؛ وذلك لأن الذي يُعيِّن مَعنَى

(1)

أخرجه الإمام أحمد (1/ 391) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(2)

انظر: كتاب الإيمان (ص: 73).

(3)

انظر: المزهر في علوم اللغة للسيوطي (1/ 287)، ومنع جواز المجاز للشنقيطي (ص: 5).

ص: 500

الكلِمة هو السِّياق والقَرائِن؛ ولهذا {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ} القَرينة تَدُلُّ على أن الأَمْر للإِهانة {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} القَرينة تَدُلُّ على أنه للإكرام.

فائِدةٌ: قول الله تبارك وتعالى في أَهْل النار يُقال لهم: {فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} الأمر بدُخول النار أَمْر الله عز وجل، والمُراد به يومَ القيامة هو الإِهانة، وقوله تعالى في أهل الجَنَّة:{ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} المُراد بالأَمْر الإكرام؛ إِذَنْ نَأخُذ من هذا أن الكلِماتِ يَختَلِف مَعناها باختِلاف السِّياق، وهذه فائِدة عَظيمة لطالِب العِلْم أن الكلِماتِ يَختَلِف مَعناها باختِلاف السِّياق، فكَمْ كلِمةٍ كان لها مَعنًى في سِياق ولها مَعنًى آخَرَ في سِياقٍ آخَرَ.

وقوله: {خَالِدِينَ} هذه حالٌ من الفاعِل في قوله: {ادْخُلُوا} والخُلودُ هل هو طُول المُكْث أو هو التَّأْبيد؟

نَقول: اللُّغة العرَبية يَأتِي فيها الخُلود مُرادًا به طولُ المُكْث، وَيأتِي مُرادًا به التَّأبيد، والمُراد به هنا الثاني يَعني: أنهم خالِدون فيها أبدًا.

ودليلُ ذلك أن الله تعالى صرَّح في القُرآن الكريم بأن أَهْل النار خالِدين فيها أبَدًا في ثلاثة مَواضِعَ:

المَوضِع الأوَّل: قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء: 168 - 169].

والآيةُ الثانية: قولُه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الأحزاب: 64 - 65].

ص: 501

والآيةُ الثالِثةُ: قول الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن: 23].

وبهذِه الآياتِ الثلاثِ يَتبيَن ضَعْف - بَلْ بُطلان - قولِ مَن يَقول: إن النار ليسَتْ مُؤبَّدة، وإنها تَفنَى. فإن هذا القَوْلَ مُنكَر؛ لأنه مخُالِف لصريح القُرآن، ولا يُمكِن لإنسان يُخالِف صريح القُرآن لمُجرَّد تَعليلات يُعلِّلها، مثل أن يَقول: إن رحمة الله تعالى سبَقَت غَضَبَه، وإن هَؤلاء مَآلهُم إلى أن يَفنَوْا هم والنار. يُقال: نعَمْ رحمة الله سبَقَت غَضَبَه، لكن وَعْد الله حَقٌّ، وإذا كان وَعْد الله حقًّا، فإنهم يُخلَّدون فيها أَبَدًا.

فإن قال قائِل: نحن قُلنا بأن القولَ: إن النار ليسَتْ مُؤبَّدة مُخالِفٌ لصَريح القُرآن، فإن قيل: هذا وعيد، وإخلاف الوَعيد جائِز! .

فالجَوابُ: نَقولُ: هذا لا يُمكِن؛ لأنَّنا لا نَقول: إخلاف الوَعيد جائِز، إلَّا في أَمْر ضَروريٍّ لا بُدَّ منه مِثْل:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [النساء: 93].

وهذه بعضُ الأَجْوبة التي أُجيب عن هذه الآيَةِ بها، أن هذا الوَعيدُ، وإخلافُ الوعيد كرَم، وهو ثَناء ومَدْح للمُخلِف، لكِنْ هذا الجَوابُ في الواقِع جَواب يُهَزُّ ليس جَوابًا راسِخًا؛ لأنَّنا نَقول:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [الرعد: 31] أي: ما وعَدَ به من عُقوبة أو كرامة، وأمَّا الآية:{خَالِدِينَ فِيهَا} في آية القَتْل فيُحمَل الخُلود على المَعنَى الثاني وهو المُكْث الطويل، وبهذا ليس هناك تَناقُضٌ.

فإن قال قائِل: التَّخليد الأبَديُّ في هذا العذابِ الأَليم كيف يَكون جَزاء لإنسان لم يَبقَ في الدُّنيا إلَّا مِئة سَنَة، أو مِئتي سَنَة، أو أَلْف سَنَة، فيَكون هنا العَذاب أكثرَ

ص: 502

من زمَن العمَل؛ لأنه لا أَحَدَ بَقِيَ في الدنيا أَبدَ الآبِدين فيَقتَضي هذا أن يَكون فيه ظُلْم؛ لأن الجزاء صار أكثَرَ من العمَل بكثير، ولا يُنسَب له، كما قُلت لكم يَعنِي: لنَفرِض أن أحَدًا من الناس عاشَ ألفَ سَنَة، أو أَلفَيْ سَنةٍ، أو عشَرة آلاف سَنَة، لكنه عاش إلى أَمَد ثُم نَقول: عَذابه مُؤبَّد. يَكون هذا ظُلمًا؟

فيُقال: إن هذا أَمضَى حَياته الدُّنيا كُلَّها في محُادَّة الله ورُسُله فيُمضِي حَياته الأخرى كلَّها في العَذاب، وهذا عَدْل، ثُم إن هذا الذي عُذِّب أبَدًا قد قيل له في الدُّنيا وبُيِّن له أن جزاءَه العَذاب الأبَديُّ، فلماذا يُقدِم على شَيْء يَعرِف أن هذا جَزاءَه، وحينَئِذٍ لا ظُلمَ، ولا عُذْرَ للكافِرين.

فالمُهِمُّ: أن قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا} يُراد به الخُلود الأبَديُّ.

فإن قال قائِل: ما قولكم في ما ورَد: "يَبْلغ المرءُ بنِيَّته ما لَا يَبْلغ بعَمَله"؟

فالجَوابُ: أوَّلًا هذا ليس حَديثًا صحيحًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وثانيًا مُرادُ قائِله أن الإنسان يُدرِك بنِيَّيه ما لا يُدرِك بعمَله، هذا المَعنَى، فالإنسان المَريض الذي يَتمَنَّي أنه صحيح يَقوم بما أَوْجَب الله عليه، هذا أَدرَكَ بالنِّيَّة ما لم يُدرِك بالعمَل، وكذلك أيضًا بالنِّسبة للشَّرِّ، الإنسان إذا نوَى الشرَّ وهو عاجِز عنه يُعاقَب مُعاقَبة الفاعِل لكن بالنِّية، دَليل ذلك قول النَّبيِّ عليه الصلاة والسلام في الرجُل الفَقير الذي ليس عِندَه مال، وكان هناك رَجُل آخَرُ يُنفِق المال في غير مَرضاة الله فقال الرجُل:"لَوْ أَنَّ لِي مَالَ فُلَانٍ لَعَمِلْتُ فِيهِ عَمَلَ فُلَانٍ" قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "فَهُوَ بنِيَّتِهِ فَهُما فِي الوِزْرِ سَوَاءٌ"

(1)

.

(1)

أخرجه أحمد (4/ 230)، والترمذي: كتاب الزهد، باب ما جاء مثل الدنيا مثل أربعة نفر، رقم (2325)، وابن ماجه: كتاب الزهد، باب النية، رقم (4228)، من حديث أبي كبشة الأنماري.

ص: 503