الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثامن باب الاسم العلم
[تعريف العلم]
قال ابن مالك: (وهو المخصوص مطلقا تعليقا أو غلبة بمسمّى غير مقدّر الشّياع. أو الشّائع الجاري مجراه).
قال ناظر الجيش: المخصوص: مخرج لاسم الجنس؛ فإنه شائع غير مخصوص.
ومطلقا: مخرج للمضمرات؛ فإن كل واحد منها مخصوص باعتبار غير مخصوص باعتبار. وذلك أن لفظ أنا وضع ليخص به المتكلم نفسه. ولكل متكلم منه نصيب حين يقصد نفسه. فهو مخصوص باعتبار كونه لا يتناول غير الناطق به، وغير مخصوص باعتبار صلاحيته لكل مخبر عن نفسه. وكذا اسم [1/ 186] الإشارة، فإن لفظ ذا وضع ليخص به مشار إليه مفرد مذكر قريب، فهو مخصوص باعتبار الحال والمحل، غير مخصوص باعتبار صلاحيته لكل ما اتصف بالحال وحصل في المحل.
وتعليقا أو غلبة: بيان لصنفي الأعلام لا إخراج لشيء خيف دخوله، ولا إدخال لشيء خيف خروجه؛ لأن ما سواهما مغن لكن بإجمال.
والمراد بالتعليق: تخصيص الشيء بالاسم قصدا كتسمية المولود له ابن: زيدا.
والمراد بالغلبة: تخصيص أحد المشتركين أو المشتركات بشائع (1) اتفاقا كتخصيص عبد الله بابن عمر، ويثرب بالمدينة، ومصنف سيبويه بالكتاب.
وغير مقدّر الشّياع: مخرج للشمس والقمر ونحوهما؛ فإنهما مخصوصان بالفعل شائعان بالقوة.
ولما كان العلم نوعين: شخصي وجنسي وأشار إلى الشخصي بما تقدم - أشار إلى الجنسي بقوله: أو الشّائع الجاري مجراه أي الجاري مجرى المخصوص، فالمعنى:
العلم هو المخصوص أو الشائع الجاري مجرى المخصوص؛ فهو قسيم المخصوص لا قسم منه. وذلك نحو أسامة للأسد، وذؤالة للذئب، وشبوة للعقرب؛ فإنها أعلام في اللفظ إذ لا تضاف ولا يلحقها حرف التعريف ولا يصرف ذو سبب منها (2) زائد على العلمية وهي باعتبار المعنى شائعة غير مخصوصة، إلا أنها تستعمل -
(1) في شرح التسهيل (1/ 170): في شائع.
(2)
في نسخة (ب): ولا يصرف منها ذو سبب. وكذا في شرح التسهيل لابن مالك، ولا فرق بينهما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
استعمال ذي الألف واللام المعهود، فيقال: هذا أسامة مفترسا كما يقال: هذا الأسد منظورا إليه، ويقال: أسامة شرّ من ذؤالة، فيقصد بها الشمول كما يقصد إذا قيل:«الأسد شر من الذئب» . هذا كلام المصنف (1).
وفيه أبحاث:
الأول:
ناقش الشيخ المصنف في قوله: «المخصوص مخرج لاسم الجنس؛ لأن الجنس في الحدّ لا يؤتى به للاحتراز» (2).
والجواب: أن المخصوص هنا فصل لا جنس؛ لأنه صفة لمحذوف، التقدير: وهو الاسم المخصوص. فالاسم جنس يشمل المعارف والنكرات، والمخصوص فصل يفصل المعارف عن غيرها. -
(1) شرح التسهيل (1/ 170، 171).
ينبغي أن نعرف قبل الدخول في هذا الباب «العلم» وباب المعرف بأل وكلاهما من المعارف - أن نقف على معرفة هذه المصطلحات والفرق بينها وهو دقيق فنقول:
المعرفة: ما وضع لمعين كالضمائر وغيرها من أنواع المعارف.
النكرة: ما وضع لغير معين كرجل وكتاب لأي رجل وأي كتاب، فهي تطلق على فرد واحد منتشر.
والفرق بينهما التعيين كما ترى.
علم الشخص: هو المخصوص الموضوع لمعين ذهنا بتوهم وجوده خارجا كالعلم الذي يضعه الوالد لابنه، أو علم القبيلة أو علم المدينة أو علم الحيوان.
علم الجنس: هو الموضوع للحقيقة المعينة ذهنا باعتبار حضورها فيه، كوضع أسامة للحقيقة المتحدة في الذهن وهي جنس الأسود، ويطلق على الواحد منه فتقول: هذا أسامة مقبلا، ولما كان موضوعا للحقيقة كان متعددا، لكن التعدد جاء ضمنا لا باعتبار أصل الوضع. ومن هنا أخذ حكم علم الشخص لفظا في أمور كنصب النكرة بعده على الحال
…
إلخ. وأخذ حكم النكرة معنى حين أطلق على كثيرين من أمته.
اسم الجنس: ما وضع للحقيقة المعينة ذهنا مع عدم اعتبار الحضور فيه كإطلاق رجل على جنس الرجال، وأسد على جنس الأسود.
وعلامته أن دخول أل عليه لا تؤثر فيه شيئا باعتبار اللفظ، تقول: الرجل خير من المرأة. والفرق بينه وبين النكرة أن النكرة وضعت لفرد واحد منتشر. أما هذا فوضع للجنس. وقد يعامل اسم الجنس المقترن بأل معاملة المعرفة؛ باعتبار دخول أل عليه، ومن هنا قالوا في قوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ [يس: 37] إن جملة نسلخ حال أو صفة.
(2)
التذييل والتكميل (2/ 305).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
البحث الثاني:
يظهر من كلام المصنف أنه لم يخرج بقوله مطلقا من المعارف إلا المضمرات وأسماء الإشارة. ثم إنه قال: «إنّ كلّا من المضمرات وأسماء الإشارة مخصوص باعتبار، غير مخصوص باعتبار» وفي كلا الأمرين نظر.
أما الأول: فلأنه إذ ذاك يحتاج إلى ذكر قيد زائد في الحد يخرج به بقية المعارف إلّا أن يقول: إن بقية المعارف مساوية للضمير واسم الإشارة في أن لها تخصيصا باعتبار، وشياعا باعتبار آخر؛ وإنما استغنيت بذكرهما عن ذكر غيرهما، لكن عبارته تشعر بحصر المخرج فيهما.
وأما الثاني: فلإشعار كلامه بأن المضمرات وأسماء الإشارة كليات وضعا، وذلك يقتضي انحطاط رتبة المضمرات في التعريف عن رتبة العلم.
وقد تقدم له أن المضمر أعرف المعارف فيؤدي كلامه حينئذ إلى التدافع (1) والأولى أن يكون كلامه مطلقا فصلا يفصل العلم عن سائر المعارف؛ فإن كلّا منها مخصوص لا مطلقا بل بقيد. فالضمير [1/ 187] مخصوص بقيد الحضور أو الغيبة، واسم الإشارة بقيد الحضور، وذو الألف واللام بقيد العهد أو غيره من المعاني المفادة بها مع مصحوبها، وأمّا العلم فمخصوص بمسماه مطلقا، أي دون قيد، بل مجرد وضع اللفظ لذلك المعنى كاف في التخصيص.
وهذا الذي أشير إليه هو ما أفهمه كلامه في الكافية، حيث قال:
ما عيّن المعنى بلا قيد علم
وفي الألفية حيث قال: -
(1) معنى التدافع أي التناقض والاختلاف وذلك لأنه سبق له أن قال: إن الضمير أعرف المعارف؛ لأنه جزئي وضعا فأنا وضع للمتكلم والمتكلم حال التكلم معين وهكذا الخطاب.
وهنا قال: إن العلم: هو المخصوص مطلقا بمسمى غير مقدر الشياع، وذكر أن المخصوص مخرج للمضمرات لأن كل واحد منها مخصوص باعتبار غير مخصوص باعتبار، فلفظ أنا وضع ليخص به المتكلم نفسه، ولكل متكلم منه نصيب حين يقصد نفسه، فيكون أقل تعريفا من العلم. وسبق له أن قال: إن الضمير أعرف المعارف. وهذا هو التناقض. وقد أجاب عنه ناظر الجيش إجابة مقنعة.