الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب العاشر باب اسم الإشارة
[تعريفه - أنواعه]
قال ابن مالك: (وهو ما وضع لمسمّى وإشارة إليه وهو في القرب مفردا مذكّرا ذا ثمّ ذاك ثمّ ذلك وآلك، وللمؤنّثة تي وتا وته وذي وذه، وتكسر الهاءان باختلاس وإشباع. وذات ثمّ تيك وتيك وذيك ثمّ تلك وتلك وتيلك وتالك).
قال ناظر الجيش: ما وضع: جنس يشمل كل موضوع لمسمى نكرة كان أو معرفة. وإشارة إليه: مخرج لما سوى اسم الإشارة من الموضوعات.
قال المصنف (1): «وللنحويين في أسماء الإشارة مذهبان:
أحدهما: أن لها مرتبتين: قريبة وبعيدة كالمنادى.
والثاني: أن لها ثلاث مراتب: قريبة وبعيدة ومتوسطة، وهذا هو المشهور وإن كان الأول أولى بالصواب، وسأبين ذلك إن شاء الله تعالى.
وقد سردته على وفق المشهور لأنه السابق إلى أكثر الأذهان، فما عطفته بالواو فهو لغة فيما عطف عليه وفي مرتبته، وما عطفته بثم فهو في المرتبة التي تلي.
والحاصل: أن المشار إليه في المرتبة الأولى إن كان مفردا ولم يقصد معه تثنية: فله في التذكير لفظ واحد وهو ذا، وله في التأنيث عشرة ألفاظ: خمسة مبدوءة بتاء، وخمسة مبدوءة بذال، فالتي بالتاء: تي وتا وته بسكون أو كسر مختلس أو كسر مشبع، والتي بالذال: ذي وذات وذه بسكون أو كسر مختلس أو كسر مشبع [1/ 273].
وإن كان المشار إليه المفرد في المرتبة الثانية ولم يقصد منه تثنية: فله في التذكير لفظ واحد وهو ذاك، وله في التأنيث ثلاثة ألفاظ. وهي: تيك وتيك وذيك.
وإن كان المشار إليه المفرد في المرتبة الثالثة: فله في التذكير لفظان وهما: ذلك وآلك، وله في التأنيث أربعة ألفاظ وهي: تلك وتلك وتيلك وتالك، كلها مروية عن العرب، إلا أن بعضها أشهر من بعض». انتهى (2) -
(1) شرح التسهيل (1/ 239).
(2)
المرجع السابق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وذكر الشيخ: «أن الواحد المذكّر القريب يشار إليه بلفظين آخرين لم يذكرهما المصنف، وهما: ذاء بهمزة مكسورةبعد الألف، وذائه بهمزة بعد الألف وهاء تليها مكسورة» (1).
ولا شك أن هاتين الكلمتين في غاية الندرة، فلذلك لم يذكرهما المصنف.
واعلم أن الكوفيين يزعمون أن ألف ذا زائدة محتجين بقولهم في التثنية ذان، فإن الألف للتثنية فلم يبق إلا الذال.
وأجيب عن هذا: بأنها ليست للتثنية، بل هي صيغة موضوعة للتثنية، ولما سلم أنها للتثنية أمكن دعوى سقوط الألف لالتقاء الساكنين.
ويبطل مذهب الكوفيين بأنه ليس في الأسماء الظاهرة القائمة بنفسها ما هو على حرف واحد.
وأما البصريون فألف ذا عندهم منقلبة عن أصل، ثم اختلفوا فقال بعضهم: هي منقلبة عن ياء واللام المحذوفة ياء أيضا، وهو ثلاثيّ الوضع، وقال بعضهم: الألف منقلبة عن واو، فهو من باب طويت.
واحتج البصريون على أنها منقلبة بقولهم في التصغير: ذيّا (2).
وقال السيرافي (3): إنّ ذا ثنائي الوضع نحو ما وإنّ الألف أصل بنفسها، فلمّا -
(1) التذييل والتكميل (3/ 184).
(2)
انظر المسألة مفصلة أكثر في كتاب الإنصاف (2/ 669) وما بعدها المسألة رقم (95). قال كمال الدين بن الأنباري: ذهب الكوفيون إلى أن الاسم في ذا والذي الذال وحدها، وما زيد عليهما تكثير لهما، وذهب البصريون إلى أن الذال وحدها ليست هي الاسم فيهما، واختلفوا في ذا: فذهب الأخفش ومن تابعه من البصريين إلى أن أصله ذيّ بتشديد الياء، فيكون من باب حيت وذهب بعضهم إلى أن أصله ذوى بفتح الواو فيكون من باب شويت.
واحتج الكوفيون بزيادة ألف ذا أنها تحذف عند التثنية، ولا يحذف إلا ما كان زائدا، واحتج البصريون بأن الاسم لا يوضع على حرف واحد؛ لأنه لا بد في كل كلمة من حرف يبدأ به وحرف يوقف عليه، ومما يدل على أنه ثلاثي الأصل تصغيره برد المحذوف في قولهم ذييا بثلاث ياءات، ثم حذفهم الأولى منها للتخفيف.
وقول الكوفيين بحذف الألف فيهما عند التثنية جوابه أن ذان ليس مفردها ذا، وإنما هي صيغة تثنية مرتجلة.
(3)
انظر نصه في شرح كتاب سيبويه للسيرافي (1/ 121)(رسالة دكتوراه بكلية اللغة بالقاهرة. تحقيق دكتور/ سيد سعيد شرف الدين).
قال ابن مالك: (وتلي الذّال والتّاء في التّثنية علامتها، مجوّزا تشديد نونها، وتليها الكاف وحدها في غير القرب، وقد يقال: ذانيك. وفي الجمع مطلقا ألاء، وقد ينون ثمّ أولئك وقد يقصران، ثمّ أولالك على رأي، وعلى رأي أولاء، ثمّ أولاك ثمّ أولئك وأولالك وقد يقال: هلاء وأولاء، وقد تشبع الضّمة قبل اللّام، وقد يقال: هولاء وألّاك).
ــ
صغّروا ألحقوا ياء ليتمّ التّصغير.
قلت: وهذا الذي قاله السيرافي هو الظاهر؛ لأن ذا كلمة مبنية، وحكم المبنيات حكم الحروف بالنسبة إلى أصالة ألفاتها على ما عرف في التعريف.
قال ناظر الجيش: قال المصنف (1): لما أنهيت القول في مفرد المشار إليه شرعت في مثناه وجمعه باعتبار المراتب الثلاث.
وأشرت بقولي: وتلي الذّال والتّاء في التّثنية علامتها - إلى أنّ ألفي ذا وتا تحذفان في التثنية وتتصل بالذال من ذا وبالتاء من تا ألف في الرفع وياء في الجر والنصب بعدهما نون مكسورةكما يفعل بالأسماء المتمكنة إذا ثنيت، إلا أن هذه التثنية مخالفة لتثنية الأسماء المتمكنة بأمرين:
أحدهما: حذف الألف التي كانت آخر المفرد لزوما، ومثل ذلك لا يفعل باسم متمكن إلا شذوذا (2).
والثاني: أن نون هذه التثنية يجوز تشديدها [1/ 274] ونون تثنية الاسم المتمكن لا يجوز تشديدها، وقد مضى الكلام على مثل ذلك في باب الموصولات.
والهاء من قولي: وتليها الكاف - عائدة على نونها، وقلت: وحدها في غير القرب؛ ليعلم أن اللام لا تجتمع مع الكاف في التثنية كما اجتمعت في الإفراد، وأن -
(1) شرح التسهيل (1/ 240).
(2)
إنما قال بالشذوذ؛ لأن تثنية المقصور تكون ببقاء ألفه مقلوبة ياء أو واوا على ما هو معروف في تثنية المقصور.
وذهب الكوفيون إلى أن الاسم المقصور إذا كثرت حروفه سقطت ألفه في التثنية، فقالوا في تثنية خوزلى وقهقري خوزلان وقهقران، وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز حذف شيء من ذلك في مقصور ولا ممدود. انظر المسألة مفصلة في كتاب الإنصاف:(2/ 754) مسألة رقم (110).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المثنى المشار إليه في البعد ما له في التوسط؛ لأنهم استثقلوا اللام بعد النون.
وزعم قوم أن من قال ذانّك بتشديد النون قصد تثنية ذلك؛ ويبطل هذا القول جواز التشديد في نون ذين وتين، بل
التشديد جابر لما فات من بقاء الألف التي حقها ألا تحذف كما لا تحذف ألف المقصور.
ويؤيد صحة هذا الاعتبار جواز تشديد نون اللذين واللتين؛ ليكون جابرا لما فات من بقاء ياء الذي والتي كما تبقى ياء المنقوص حين يثنى.
وإذا جمع اسم الإشارة وهو في المرتبة الأولى: قيل فيه أولاء مطلقا، أي في التذكير والتأنيث عاقلا كان المشار إليه أو غير عاقل.
وحكى قطرب أن أولاء بالتنوين لغة، وتسمية هذا تنوينا مجاز؛ لأنه غير مناسب لواحد من أقسام التنوين، والجيد أن يقال: إن صاحب هذه اللغة زاد بعد همزة أولاء نونا كما زيد بعد فاء ضيف نون، إلا أن ضيفنا معرب، فلما زيد آخره نون صار حرف إعراب فتحرك وأولاء مبني فلما زيد آخره نون سكن، إذ لا موجب لتحريكه؛ فإنه آخر مبني مسبوق بحركة.
وإذا جمع المشار إليه مجاوزا للمرتبة الأولى: قيل فيه أولئك ثم أولالك على رأي قوم وعلى رأي آخرين إن جمع المشار إليه في المرتبة الثالثة أولئك وأولالك معا، وله في المرتبة الثالثة أولاك بالقصر.
وقد حكى الفراء: أن المد في أولاء وأولئك لغة الحجازيين، وأن القصر فيهما لغة التميميين، وهذا هو المأخوذ به رواية، ومستند غيره رأي، والرواية أولى من الرأي (1).
وهولاء في أولاء من باب إبدال الهمزة هاء، وهو باب واسع، وأما أولاء بضم الهمزتين وأولاء وأولئك بإشباع الضمة فلغتان غريبتان ذكرهما قطرب.
وذكر أبو علي الشلوبين (2) أنّ من العرب من يقول هولاء وأنشد: -
(1) قال الشيخ خالد في التصريح: (1/ 127): ولجمعهما في التذكير والتأنيث أولاء حال كونه ممدودا عند الحجازيين، نحو هولاء القوم وهولاء بناتي مقصورا عند أهل نجد من بني تميم وقيس وربيعة وأسد ذكر ذلك الفراء.
(2)
انظر شرح المفصل لأبي علي الشلوبين لقطة رقم (84) من ميكروفيلم بمعهد المخطوطات رقم (301) مصنف غير مفهرس وهو بنصه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
500 -
تجلّد لا يقل هولاء هذا
…
بكى لمّا بكى أسفا عليه (1)
وقال أبو علي أيضا: حكى بعض اللغويين أولاك بالقصر والتّشديد وأنشد:
501 -
من بين ألّاك إلى أولّاكا (2)
وقرأ ابن كثير في شاذ (فذانيك)(3) بتخفيف النّون وزيادة ياء انتهى (4).
ثم ها هنا أمور ينبه عليها:
منها: أن مذهب المحققين أن نحو هذان وهاتان صيغ تثنية وليس ثم تثنية، كما قالوا في اللذين واللتين، وقد تقدم ذكر ذلك في باب الموصول.
ومنها: أن الشيخ ذكر في شرحه تابعا في ذلك كلام أبي الحسن بن عصفور:
أنّ مذهب البصريين أنه لا يجوز تشديد النّون إلا مع الألف خاصّة وأنه لا يجوز مع الياء (5). وهذا عجب منهما؛ فإن التشديد ثابت مع الياء في الكتاب العزيز، والحق أحق أن يتبع، فكيف ينفى شيء قد ثبت في أفصح الكلام (6)؟ -
(1) البيت من بحر الوافر غير منسوب في مراجعه.
اللغة: تجلّد: أمر من الجلادة وهو التحفظ من الجزع. الأسف: الحزن، وروي البيت بروايات أخرى:
بكى لمّا بكى أسفا وغيظا. كما روي: أسفا علينا وأسفا عليك.
وقد استشهد به النحاة على أن هولاء لغة في هؤلاء.
والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في الخزانة (5/ 437) وشرح المفصل (3/ 136) وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 242) والتذييل والتكميل (3/ 191).
(2)
بيت من الرجز المشطور لم تنص مراجعه على قائله، ومعناه: من بين هؤلاء إلى هؤلاء.
وشاهده: مجيء أولّاك بضم الهمزة وتشديد اللام بعدها كاف لاسم الإشارة المقصود به جماعة الذكور، وهم في مرتبة بين القرب والبعد وهي التوسط.
والبيت في شرح التسهيل: (1/ 242) وفي التذييل والتكميل: (3/ 189) وفي معجم الشواهد (ص 513).
(3)
سورة القصص: 32، وانظر في القراءة التبيان للعكبري (2/ 1020) قال أبو البقاء: وقرأ شاذّا:
(فذانيك) بتخفيف النون وياء بعدها، قيل: هي بدل من إحدى النونين، وقيل: نشأت عن الإشباع.
(4)
شرح التسهيل (1/ 242).
(5)
قال أبو حيان في شرحه (3/ 186): وظاهر كلام المصنف تجويز تشديد النون مطلقا، أعني في الرفع والنصب والجر. وهذا هو مذهب الكوفيين، وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز التشديد إلّا مع الألف خاصة ولا يجوز مع الياء.
(6)
من أمثلة ذلك قوله: إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ [القصص: 27] قرأ ابن كثير بتشديد النون النشر: -