الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني عشر باب المبتدأ
(1)
[تعريفه - نوعاه]
قال ابن مالك: (وهو ما عدم حقيقة أو حكما عاملا لفظيّا من مخبر عنه، أو وصف سابق رافع ما انفصل وأغنى، والابتداء كون ذلك كذلك).
قال ناظر الجيش: إنما صدر الحد بما ولم يصدره بالاسم؛ ليشمل الاسم الصريح نحو: زيد كاتب، والمؤول نحو: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ (2). ونحو:
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ (3). أي صومكم خير لكم. وسواء عليهم الإنذار وعدمه.
وإنما قال: أو حكما ليدخل في الحد المجرور بحرف زائد نحو: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ (4) فإن خالقا مبتدأ ولم يعدم عاملا لفظيّا عدما حقيقيّا؛ لكنه عدمه عدما حكميّا؛ لأن من زائدة فهي وإن [1/ 296] وجدت لفظا معدومة حكما (5).
وقيد العامل الذي عدمه المبتدأ بكونه لفظيّا إشعارا بأن للمبتدأ عاملا معنويّا، وهو الابتداء، ولما كان ما عدم عاملا لفظيّا صالحا لتناول أسماء الأفعال ولتناول الفعل المضارع العاري من ناصب وجازم، وكان المبتدأ ينقسم إلى مخبر عنه وغير مخبر -
(1) قال ناظر الجيش عند شرح قول ابن مالك: باب المستثنى: قيل: إنما عدل المصنف عن الاستثناء وإن وافق تبويب الأكثرين؛ لأنه إجراء
على ما قبله من باب المفعول معه، فكما بوب لما بعد واو مع بالمفعول معه، كذلك بوب لما بعد إلا وما أشبهها بالمستثنى.
(2)
سورة البقرة: 184.
(3)
سورة البقرة: 6.
(4)
سورةفاطر: 3.
(5)
ومثل زيادة من في المبتدأ زيادة الباء كقول الشاعر (من الطويل):
بحسبك أن قد سدت أخرم كلها
…
لكل أناس سادة ودعائم
وقول الآخر (من المتقارب):
بحسبك في القوم أن يعلموا
…
بأنّك فيهم غنيّ مضرّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عنه ذكر مخبرا عنه والوصف المقيد منعا لدخول أسماء الأفعال والفعل المضارع وجمعا لنوعي المبتدأ.
والمراد هنا بالوصف ما كان كضارب أو كمضروب من الأسماء المشتقة، وما جرى مجراها نحو: أضارب الزّيدان، وما مضروب العمران، والجاري مجراه باطراد نحو: أقرشيّ أبواك، وأقرشي قومك. وقيد الوصف بسابق احترازا من نحو:
الزّيدان قائم أبواهما، وقيد أيضا برافع دون إضافة إلى فاعل؛ ليعم الوصف الرافع فاعلا والرافع مفعولا نحو: ما مضروب العمران.
ونبه بقوله: ما انفصل على أن المرفوع بالوصف المذكور لا يسدّ مسد الخبر إلا إذا كان غير متصل بالوصف المذكور، أي غير مستتر، وذلك يشمل الاسم الظاهر والمضمر المنفصل.
فمثال الأول قول الشاعر:
533 -
أقاطن قوم سلمى أم نووا ظعنا
…
إن يظعنوا فعجيب عيش من قطنا (1)
ومثال الثاني قول الآخر:
534 -
خليليّ ما واف بعهدي أنتما
…
إذا لم تكونا لي على من أقاطع (2)
ومنه في أحد الوجهين قوله تعالى: أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ (3). -
(1) البيت من بحر البسيط، وهو في الغزل، ومع شهرته في هذا الباب فهو مجهول النسبة.
وشاهده واضح من الشرح.
وقوله: فعجيب: الفاء واقعة في جواب الشرط، وعجيب خبر مقدم، وعيش مبتدأ مؤخر، والجملة في محل جزم جواب الشرط.
والبيت في معجم الشواهد (ص 380). وهو في التذييل والتكميل (3/ 253) وفي شرح التسهيل لابن مالك.
ومثل الشاهد السابق قول الآخر (من الطويل):
وما حسن أن يعذر المرء نفسه
…
وليس له من سائر النّاس عاذر
(2)
البيت من بحر الطويل، ومع كثرة الاستشهاد به في هذا الباب فهو مجهول القائل. وقائله يذكر لصديقيه أنهما لا يرعيان حق الصداقة إلا إذا قاطعا من يقاطع وواصلا من يواصل.
وشاهده: واضح من الشرح: حيث رفع الوصف ضميرا منفصلا مكتفى به عن الخبر في قوله:
ما واف بعهدي أنتما. وخبر تكونا قوله: على من أقاطع. وقوله: لي تعليل يتعلق بالفعل الناقص قبله.
والبيت في معجم الشواهد (ص 223) وهو في التذييل والتكميل (3/ 255) وفي شرح التسهيل (1/ 269).
(3)
سورةمريم: 46، قال أبو حيان (البحر المحيط: 6/ 159): -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واحترز بقوله: وأغنى من أن لا يكون مغنيا نحو: أقائم أبواه زيد؛ فإن الفاعل منفصل مرتفع بوصف سابق إلا أنه غير مغن؛ إذ لا يحسن السكوت عليه، فليس مما نحن فيه، بل زيد مبتدأ وقائم خبر مقدم وأبواه مرتفع به.
قال المصنف: ويجوز كون قائم مبتدأ مخبر عنه بزيد، كما قال سيبويه في:
«مررت برجل خير منه أبوه، فخير منه مبتدأ وأبوه خبر مع أنّ الأول نكرة والثّاني معرفة» انتهى (1).
ثم ها هنا تنبيهات:
الأول: قال المصنف عند كلامه على الحد المذكور: «قد تقدّم ما يدلّ على أن الإخبار عن الشيء يكون باعتبار لفظه كما يكون باعتبار معناه وأن المخبر عنه بالاعتبارين يكون اسما نحو: زيد كاتب وزيد معرب، ويكون غير اسم نحو:
وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (2) فـ خَيْرٌ خبر عن أَنْ تَصُومُوا باعتبار المعنى؛ فلو قلت: أن تصوموا ناصب ومنصوب كان إخبارا باعتبار اللفظ. ومن الإخبار باعتبار المعنى والمخبر عنه في اللفظ غير اسم قوله تعالى:
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ (3) أي سواء عليهم الإنذار وعدمه؛ فلهذا لم أصدر حدّ المبتدأ بالاسم لأنه بعض ما يكون مبتدأ، بل صدّرته بما عدم عاملا لفظيّا ليتناول الاسم وغيره». انتهى (4).
أما قوله: إن الإخبار عن الشيء يكون باعتبار لفظه كما يكون باعتبار معناه، -
- «المختار في إعرابه أن تكون راغب مبتدأ؛ لأنه قد اعتمد على أداة استفهام، وأنت فاعل سد مسدّ الخبر، ويترجح هذا الإعراب على ما أعربه الزمخشري من كون أراغب خبرا وأنت مبتدأ لوجهين: أحدهما: أن لا يكون فيه تقديم وتأخير؛ إذ رتبة الخبر أن يتأخر عن المبتدأ.
والثاني: ألا يكون فصل بين العامل الذي هو راغب وبين معموله الذي هو: عن آلهتي بما ليس بمعمول للعامل؛ لأن الخبر ليس عاملا في المبتدأ بخلاف كون أنت فاعلا، فإنه معمول أراغب، فلم يفصل بين:
أراغب وبين: عن آلهتي - بأجنبي، إنما فصل بمعمول له».
(1)
شرح التسهيل (1/ 269)، وكتاب سيبويه:(2/ 26).
(2)
سورة البقرة: 184.
(3)
سورة البقرة: 6.
(4)
شرح التسهيل (1/ 267).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأن المخبر عنه بالاعتبارين يكون اسما فصحيح، وأما قوله: ويكون غير اسم [1/ 297] فليس بصحيح ولم يتقدم له ذلك، بل الذي تقدم نقيضه وهو أن الإخبار باعتبار المعنى يختص الاسم به، والذي يشترك الثلاثة فيه الإخبار باعتبار اللفظ، وقد تقدّم تقرير ذلك عند قوله: فالاسم كلمة يسند ما لمعناها إلى نفسها.
وإنما صح الإخبار عن أَنْ تَصُومُوا ب خَيْرٌ، وعن أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ب سَواءٌ وإن لم يكونا اسمين لتأولهما بهما، ولولا التأويل لم يصح الإخبار أصلا؛ ولهذا عدلنا عن عبارته وقلنا إنما صدر الحد بما ليشمل الصريح والمؤول.
الثاني: ذكر ابن عصفور (1): «أنّ ربّ حكمها في دخولها على المبتدأ حكم الحرف الزائد تقول: ربّ رجل عالم أفاد. فالرّجل في موضع رفع بالابتداء وهو مبتدأ وقد جرّ بحرف غير زائد.
الثالث: حكم المصنف بدخول أسماء الأفعال تحت قوله: ما عدم عاملا لفظيّا؛ وهذا على ما يراه من أنها غير معمولة (2).
الرابع: أورد الشيخ على المصنف: لا نولك أن تفعل.
قال: «نولك ليس وصفا، وقد جعلوه بمنزلة أقائم الزيدان، وقد حكي نولك أن تفعل فهو من باب قائم الزيدان» .
انتهى (3).
والجواب: أن هذا قليل نادر خارج عن القياس، فلهذا لم يلتفت إليه على أنه كلام محمول على معناه؛ إذ المعنى: لا ينبغي لك أن تفعل أو ينبغي لك أن تفعل إذا لم تأت بلا. -
(1) قال ابن عصفور في شرح الجمل له (ص 528) في باب حروف الخفض (بتحقيق الشغار ويعقوب): «وينبغي أن يعلم أن الاسم المخفوض بربّ هو معها بمنزلة اسم واحد يحكم على موضعها بالإعراب فإن كان العامل الذي بعدها رافعا كانت في موضع رفع على الابتداء نحو قولك: ربّ رجل عالم قام، فلفظ رجل مخفوض بربّ، وموضعه رفع على الابتداء» .
وفي نفس الموضع يقول بعد كلام: «
…
فدلّ ذلك على أنّ ربّ كأنّها زائدة».
(2)
يرى ابن الحاجب أن لها موضعين: نصب على المصدر ورفع على الابتداء. انظر رأي ابن مالك هذا في شرحه على التسهيل.
(3)
التذييل والتكميل (3/ 253).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الخامس: ذكر الشيخ: أنّ في رفع الوصف المذكور الضّمير المنفصل خلافا (1):
فمذهب البصريين الجواز ومذهب الكوفيين المنع؛ فإذا قلت: أقائم أنت جعلوا قائما خبرا مقدّما وأنت مبتدأ، والبصريون يجيزون هذا الوجه، ويجيزون أن يكون أنت فاعلا بقائم.
وثمرة الخلاف تظهر في التثنية والجمع: فالكوفيون لا يجيزون إلا: أقائمان أنتما وأقائمون أنتم، واحتجوا بأن هذا الوصف إذا رفع الفاعل السادّ مسد الخبر كان جاريا مجرى الفعل. والفعل لا ينفصل منه الضمير في قولك: أتقومان وأتقومون؛ فلا ينبغي أن ينفصل ما يجري مجراه، وإذا لم يجز انفصاله وجب أن يقال:
أقائمان أنتما وأقائمون أنتم حتى يكون الضمير الذي في قائم متصلا به كاتصاله بالفعل في أتقومان وأتقومون إلا أن الفعل مستقل بنفسه والاسم الذي فيه ضمير متصل (2) غير مستقل بنفسه، ولذلك احتاج إلى رافع وهو أنتما وأنتم.
والصحيح ما ذهب إليه البصريون، واستدلوا بالقياس والسماع (3).
أما القياس: فهو أن الصفة إذا جرت على غير من هي له برز فيها الضمير المرفوع بها نحو: زيد هند ضاربها هو، بلا خلاف بين أحد من النحويين في جواز ذلك مع أنها إذ ذاك جارية مجرى الفعل، ولو وقع الفعل موقعها لم يبرز الضمير، بل كنت تقول: زيد هند يضربها، فكما خالف اسم الفاعل الفعل في هذا الموضع مع أنه جار مجراه، فكذلك
لا ينكر أن يخالف اسم الفاعل الفعل بانفصال الضمير منه في: أقائم أنتما وشبهه.
وأما السماع: فكقول الشاعر: «خليليّ ما واف» البيت المتقدم.
وقول الآخر [1/ 298]:
535 -
فما باسط خيرا ولا دافع أذى
…
من النّاس إلّا أنتم آل دارم (4)
-
(1) التذييل والتكميل (3/ 254).
(2)
في التذييل والتكميل: ضمير مستتر.
(3)
التذييل والتكميل (3/ 254).
(4)
البيت من بحر الطويل مجهول القائل وهو في المدح.
وشاهده: إعراب كل من باسط ودافع مبتدأين لاعتمادهما على نفي، وأنتم فاعل سد مسد الخبر، وانفصال الضمير دليل على مخالفة اسم الفاعل للفعل. ولا يجوز أن يعرب الضمير مبتدأ مؤخرا حتى لا يلزم الإخبار عن ضمير الجمع بالمفرد. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
السادس: إذا عطف على هذا الوصف ببل انفصل الضمير فتقول: أقائم الزّيدان بل قاعدهما. وتقول: أقائم أخواك أم قاعد، هذا القياس والوجه؛ لأن التقدير: أم قاعد أخواك وحكى أبو عثمان (1): أم قاعدان فأضمر على حد ما يضمر اسم الفاعل، وعلى قول الشاعر:
536 -
أناسية ما كان بيني وبينها
…
وتاركة عهد الوفاء ظلوم (2)
فأيهما أعمل في ظلوم من اسمي الفاعل لزم الإضمار في الآخر منفصلا، لكن البيت جاء على ما حكاه أبو عثمان.
السابع: قال الشيخ (3): ورد على المصنف في مسألة: أقائم أبواه زيد، وإجازته أن يكون قائم مبتدأ مخبرا عنه بزيد، فقيل: يلزم من ذلك أن يكون المبتدأ قد اشتمل متعلقه على ضمير يعود على الخبر وهو متأخر لفظا ورتبة وذلك لا يجوز.
قال: وقد ذهل المصنف والرادّ عليه عن قاعدة في الباب: وهو أنّ هذا الوصف القائم مقام الفعل لا يكون مبتدأ حتّى يكون مرفوعه أغنى عن الخبر؛ لأن مرفوعه هو المحدث عنه، فلا يجتمع هو وخبره عن الوصف، وأبواه في هذه الصورة لا يغني عن الخبر؛ لأنه لا يستقلّ مع الوصف كلاما من حيث الضمير، فلا يجوز في الوصف أن يكون مبتدأ ألبتة فهو خبر مقدّم وأبواه فاعل به وزيد مبتدأ. انتهى (4).
وما ذكره الشيخ غير ظاهر:
أما قوله: إن الوصف القائم مقام الفعل لا يكون مبتدأ حتى يكون مرفوعه أغنى عن الخبر - فممنوع وإنما الشروط التي ذكرت من كون الوصف المذكور سابقا رافعا -
- والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في التذييل والتكميل (3/ 255).
(1)
التذييل والتكميل (3/ 255).
(2)
البيت من بحر الطويل، وهو في الغزل، وقائله مجهول، وظلوم اسم محبوبته.
ويستشهد به على: أن ناسية وتاركة قد تنازعتا كلمة ظلوم، فأعمل أحد الفعلين فيها فاعلا، وأضمر في الآخر ضميرا متصلا، وكان ينبغي أن ينفصل الضمير، وجاء هذا على ما ذهب إليه المازني.
والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في التذييل والتكميل (3/ 255).
(3)
التذييل والتكميل (3/ 256).
(4)
التذييل والتكميل (3/ 256).