الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الخبر المشتق وغيره، وحكمهما في تحمل ضمير المبتدأ]
قال ابن مالك: (ولا يتحمّل غير المشتقّ ضميرا ما لم يؤوّل بمشتقّ؛ خلافا للكسائي، ويتحمّله المشتقّ خبرا أو نعتا أو حالا ما لم يرفع ظاهرا لفظا أو محلّا).
ــ
ذكاته ذكاة أمّه» (1) روي برفع ذكاة الثانية ونصبها، والرفع هو الكثير، فقدره أبو حنيفة ذكاة الجنين مثل ذكاة أمّه، وأوجب ذبح الجنين، وحمله الشافعي على أن ذكاة أمّه تغني عن ذكاته إن لم يمكن ذبحه على أن إحدى الذكاتين هي الأخرى، فأغنت عنها، وأما النصب فعلى أن الذكاة الأولى عملت في الثانية؛ لأنها مصدر، ويكون الخبر محذوفا أي واجبة.
قال ناظر الجيش: قبل الشروع في الكلام على هذا الموضع ينبغي أن تعلم أن المفرد الواقع خبرا لا يحتاج إلى ضمير يربطه بالمبتدأ؛ لأن ارتباطه يكون بإعرابه، مع أن المفرد لا يستقل بنفسه، فإذا أتى اسم مبتدأ علم أنه يطلب الخبر، وإذا جاء بعده اسم مرفوع علم أنه خبره كما إذا جيء باسم مرفوع بعد الفعل. علم أنه الفاعل ومما يحقق لك عدم احتياج المفرد إلى ضمير للربط صحة وقوع الجامد المحض خبرا، إلا أن الخبر المفرد إذا كان مشتقّا يتحمل الضمير لا من جهة كونه خبرا، بل من أجل الاشتقاق خاصة؛ لأن المشتق شارك الفعل في اشتقاقه من المصدر فأشبهه، فتحمل الضمير من هذا الوجه.
ثم اعلم أن الأسماء بالنسبة إلى الاشتقاق وعدمه أربعة أقسام:
مشتق، وجامد، ومشتق أجري مجرى الجامد، وجامد أجري مجرى المشتق:
فأما الجامد والمشتق الذي أجري مجراه فلا يتحملان ضميرا، الأول نحو: زيد أسد، وعمرو أخ، والثاني نحو: بكر
والد، وخالد صاحب.
وأما المشتق والجامد الذي أجري مجراه فإنهما يتحملان الضمير كما ستعرف.
قال المصنف (2): مثال الخبر الذي لا يتحمل ضميرا لكونه غير مشتق ولا مؤولا بمشتق قولك مشيرا إلى الأسد المعروف: هذا أسد. فأسد لا ضمير فيه؛ لأنه خال -
(1) الحديث بنصه في مسند الإمام أحمد بن حنبل (3/ 31) وأصله: عن أبي سعيد الخدري قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنين يكون في بطن الناقة أو البقرة أو الشاة، فقال:«كلوه إن شئتم، فإنّ ذكاته ذكاة أمه» .
(2)
شرح التسهيل (1/ 306).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
من معنى الفعل، فلو وقع موقع مشتق لجرى مجراه في تحمل الضمير كقولك مشيرا إلى رجل شجاع: هذا أسد؛ ففي أسد حينئذ ضمير مرفوع به؛ لأنه مؤول بما فيه معنى الفعل، ولو أسند إلى ظاهر لرفعه كقولك: رأيت رجلا أسدا أبوه، ومنه قول الشاعر [1/ 345]:
608 -
وليل يقول النّاس من ظلماته
…
سواء صحيحات العيون وعورها
كأنّ لنا منه بيوتا حصينة
…
مسوحا أعاليها وساجا كسورها (1)
فرفع الأعالي والكسور بمسوح وساج لإقامتهما مقام سود. وإذا جاز ارتفاع الظاهر بالجامد لتأوله بمشتق كان ارتفاع المضمر به أولى؛ لأنه قد يرفع المضمر ما لا يرفع الظاهر كأفعل التفضيل في أكثر الكلام (2).
وإذا رفع الجامد القائم مقام مشتق ضميرا أو ظاهرا جاز أن ينصب بعد ذلك به تمييز أو حال كقول الشاعر: -
(1) البيتان من بحر الطويل وهما في وصف ليل طويل مظلم قالهما الأعشى (ديوان الأعشى: ص 68) وجواب واو رب مذكور في البيت الذي بعد ذلك، وهو قوله:
تجاوزته حتى مضى مدلهمّه
…
ولاح من الشّمس المضيئة نورها
اللغة: العور: جمع عوراء. المسوح: جمع مسح بكسر الميم وهو الثوب الخشن المنسوج من الشعر.
السّاج: الطيلسان الأخضر أو الأسود. الكسور: جمع كسر بالفتح وهو الشقة السفلى من الخباء، أو ما تكسر وتثنى منها على الأرض.
المعنى: يصف الشاعر ليلا طويلا مظلما ظلمة لا يبصر فيها أحد، ثم شبهه بالبيوت الحصينة أو الثياب التي تنسج بقماش سميك غليظ.
وشاهده: رفع الاسم الظاهر مرتين بأسماء جامدة، وذلك لتأويلها بمشتق.
والبيت في شرح التسهيل: (1/ 306) وفي التذييل والتكميل: (4/ 13) وفي معجم الشواهد (ص 160).
(2)
يريد أن يذكر أنه لما كان العمل ضعيفا في الضمير المستتر، حيث لا يظهر أثره لفظا لم يحتج إلى قوة العامل فيرفعه كل فعل وكل وصف، بخلاف الضمير البارز والاسم الظاهر، فيحتاجان إلى قوة العامل لقوتهما وظهور أثر العامل فيهما لفظا، وبخاصة في الاسم الظاهر، فرفعهما كل فعل لقوة الفعل في العمل، ولم يرفعهما كل وصف، وذلك لأن أفعل التفضيل لا يرفعهما؛ لأنه ضعيف الشبه باسم الفاعل من قبل أنه في حال تجريده لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع، إلا ما حكاه سيبويه من قلة العمل في مثل قولهم: مررت برجل أكرم منه أبوه.
وهذا بخلاف المسألة المشهورة في باب أفعل التفضيل بمسألة الكحل، فإنه يرفع الظاهر كثيرا لصحة قيام الفعل مقامه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
609 -
تخبّرنا بأنّك أحوذيّ
…
وأنت البلسكاء بنا لصوقا (1)
البلسكاء: حشيشة تلصق بالنبات كثيرا.
وإذا ثبت تحمل الجامد ضميرا ورفعه ظاهرا لتأوله بمشتق لم يرتب في أن المشتق أحق بذلك.
وقد حكم الكسائي (2) وحده بذلك للجامد المحض نحو قولك: هذا زيد، وزيد أنت. وهذا القول وإن كان مشهورا انتسابه إلى الكسائي دون تقييد - فعندي استبعاد لإطلاقه؛ إذ هو مجرد عن دليل ومقتحم بقائله أوعر سبيل، والأشبه أن يكون الكسائي قد حكم بذلك في جامد عرف لمسماه معنى لازم لا انفكاك له ولا مندوحة عنه؛ كالإقدام والقوة للأسد، والحرارة والحمرة للنار فإن ثبت هذا المذكور فقد كان المحذور، وأمكن أن يقال: معذور، وإلا فضعف رأيه في ذلك (3) بين، واجتنابه متعين.
وأما الخبر المشتق إذا لم يرتفع به ظاهر لا لفظا نحو: زيد قائم غلامه، ولا محلّا نحو: عمرو مرغوب فيه، فلا بد من رفعه ضميرا. انتهى كلام المصنف (4).
وعرف منه أن الجامد لا يتحمل ضميرا إلا عند الكسائي، وأن المشتق والجامد المؤول بالمشتق يتحملان الضمير، وأما الجاري مجرى الجامد فلم يتعرض إليه، وكأنه يقول:
إذا جرى المشتق مجرى الجامد فحكمه حكمه، وهو قد ذكر الجامد فاكتفى به (5). -
(1) البيت من بحر الوافر وهو في الهجاء، وعن قائله قال ابن منظور:(بلسك: 1/ 343):
(البلسكاء): نبت إذا لصق بالثوب عسر زواله عنه، ثم قال: كتبه أبو العميثل وجعله بيتا من الشعر ليحفظه. الأحوذي: الرجل السريع في كل ما أخذ فيه وأصله في السفر.
والمعنى: تظهر لنا أنك عظيم تحسن الأمور وتسوقها بنفسك، وأنت لاصق بنا لا تعرف شيئا.
وشاهده: نصب التمييز بعد الاسم الجامد لتأوله بالمشتق كأنه قال: وأنت ملازم لنا.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 306) وفي التذييل والتكميل: (4/ 14) وليس في معجم الشواهد.
(2)
التذييل والتكميل: (4/ 14) والهمع: (1/ 95)، وقال الرضي (شرح الكافية: 1/ 97):
«وإن لم يكن الجامد مؤولا بالمشتق لم يتحمل الضمير؛ خلافا للكسائي، فكأنه نظر إلى أن معنى زيد أخوك: متصف بالأخوة، وهذا زيد أي يتصف بالزيدية، فالجامد كله متحمل للضمير عند الكسائي.
(3)
كلمة ذلك ساقطة من الأصل.
(4)
شرح التسهيل (1/ 307).
(5)
من أمثلة المشتق الجاري مجرى الجامد: إطلاق الوالد على الأب، والصاحب على الرفيق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثم ها هنا أبحاث:
الأول (1):
نسب المصنف الخلاف في أن الجامد لا يتحمل ضميرا - إلى الكسائي، والذي ذكره النحاة في كتبهم (2) أن المخالف في ذلك الكوفيون والرماني من البصريين.
وحجة الكوفيين أن الجامد في معنى المشتق؛ فإذا قلت: جعفر غلامك تريد إسناد الغلامية وهي الخدمة إليه، وإذا قلت: جعفر أخوك تريد إسناد الأخوة والقرابة. ورد ذلك بأن تحمل الضمير يكون من جهة اللفظ لا من جهة المعنى، ولو تحمل ضميرا لجاز العطف عليه وتأكيده (3). ولما لم يسمع من العرب شيء من ذلك دل على عدم تحمله الضمير.
الثاني:
تقدم أن المشتق إنما تحمل الضمير لشبهه بالفعل، ورد ابن أبي الربيع فقال:
ووقوعه موقعه.
أما الشبه ففي الاشتقاق من المصدر كما عرفت، وأما الوقوع موقع الفعل فإنك إذا قلت: زيد قائم تريد بقائم ما تريد بيقوم حتى كأنك نطقت بيقوم، وكذلك إذا قلت: زيد مضروب كأنك قلت: زيد يضرب، قال: ولا يكون الوقوع في الصفات كلها إنما يكون منها في اسم الفاعل واسم المفعول وأمثلة المبالغة، ألا ترى أنك إذا قلت: زيد حسن فليس المعنى زيد يحسن.
قال: فيتحصل [1/ 346] من هذا أن تحمل اسم الفاعل وما يجري مجراه أقوى من تحمل حسن وما أشبهه لأن الموجب لاسم الفاعل وما يجري مجراه الاشتقاق والوقوع، -
(1) كلمة الأول والثاني والثالث والرابع ساقطة من الأصل.
(2)
انظر: التذييل والتكميل (4/ 14) والهمع (1/ 95) والإنصاف في مسائل الخلاف، وقد شرح الأنباري المسألة بتمامها في كتابه فقال (الإنصاف: 1/ 55): «ذهب الكوفيون إلى أنّ خبر المبتدأ إذا كان اسما محضا يتضمّن ضميرا يرجع إلى المبتدأ، نحو: زيد أخوك وعمرو غلامك، وإليه ذهب علي بن عيسى الرماني من البصريين، وذهب البصريّون إلى أنه لا يتضمّن ضميرا، وأجمعوا على أنه إذا كان صفة تتضمن الضّمير نحو: زيد قائم، وعمرو حسن، وما أشبه ذلك» . ثم احتج لكل من الفريقين ورجح رأي البصريين.
(3)
فكنت تقول: زيد أخوك هو كما تقول: زيد قام هو، وتقول: زيد أخوك وعمرو، يعطف عمرو على الضمير في أخوك كما تقول: زيد قام وعمرو. فلما لم يجز ذلك دل على أن الجامد لا يتحمل الضمير.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والموجب لحسن وما أشبهه الاشتقاق. هذا كلام ابن أبي الربيع، وهو دال على توفيق في الصناعة ولطف في الاعتبارات، وإن كان لا يترتب على ذلك الفرق شيء في الخارج.
الثالث:
ولا يتوجه هذا الإيراد على المصنف؛ لأنه حد المشتق أول الكلام بأنه ما دل على متصف، أي شيء متصف، فالمراد بالمشتق في كلامه ما دل على ذات متصفة بوصف. وما ذكره الشيخ ليس كذلك؛ لأنه دال على ذات فقط أو معنى فقط (2).
الرابع:
قال المصنف في شرح الكافية: «لو أشرت إلى رجل وقلت: هذا أسد لكان لك فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: تنزيله منزلة الأسد مبالغة دون التفات إلى تشبيه.
والثاني: أن تقصد التّشبيه فتقدر مثلا مضافا إليه.
ففي هذين الوجهين لا ضمير في أسد.
والوجه الثالث: أن تؤول لفظ أسد بصفة وافية بمعنى الأسديّة وتجريه مجرى ما أولته فيتحمّل حينئذ ضميرا، وترفع به ظاهرا إن جرى على غير ما هو له، كقولك: هذا أسد ابناه» انتهى (3).
أما الوجه الثاني وهو الذي قصد فيه التشبيه، فكل من المبتدأ الذي هو الرجل المشار إليه بهذا، والخبر الذي هو أسد باق فيه على حقي كذا أسد باق على حقيقته -
(1) التذييل والتكميل (4/ 15).
(2)
ما دل على ذات فقط كمفتاح ومكسحة ومرمى ومغزى، وما دل على معنى فقط كمأسدة ومسبعة.
(3)
انظر: شرح الكافية الشافية لابن مالك (1/ 340، 341) بتحقيق د/ عبد المنعم هريدي (مكة المكرمة). ولم يحذف الشارح من نقله إلا مثالا مذكورا للوجه الأول.