الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حذف المبتدأ جوازا ووجوبا ومسائل ذلك]
قال ابن مالك: (ويحذف المبتدأ أيضا جوازا لقرينة، ووجوبا كالمخبر عنه بنعت مقطوع لمجرّد مدح أو ذمّ أو
ترحّم، أو بمصدر بدلا من اللّفظ بفعله، ومخصوص في باب نعم أو بئس أو بصريح في القسم).
قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على حذف الخبر جوازا ووجوبا - شرع في الكلام على حذف المبتدأ، وقد علمت أنه أيضا على قسمين: جائز وواجب.
فالجائز: أن يحذف لقرينة تشعر به لحذفه بعد استفهام عن الخبر، كقولك:
صحيح، وفي المسجد، وغدا، وعشرون لمن قال: كيف أنت؟ وأين اعتكافك؟ ومتى سفرك؟ وكم دراهيمك؟ وكحذفه عند شم طيب، أو سماع صوت، أو رؤية شبح كقولك: مسك، وقراءة، وإنسان بإضمار هذا ونحوه.
قال امرؤ القيس [1/ 325]:
563 -
إذا ذقت فاها قلت طعم مدامة
…
معتّقة ممّا تعتّق بابل (1)
أي: هذا طعم مدامة.
ولو كان المذكور معرفة جاز جعله مبتدأ محذوف الخبر.
ومن القرائن المحسنة لحذف المبتدأ وجود فاء الجزاء داخلة على ما لا يصلح أن يكون مبتدأ كقوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها * (2) أي:
فصلاحه لنفسه وإساءته عليها.
وأما الحذف الواجب: فقد ذكر المصنف أنه في أربعة مواضع أيضا كالخبر:
الأول: المبتدأ المخبر عنه بنعت مقطوع لمجرد مدح نحو الحمد لله الحميد، -
(1) البيت من بحر الطويل من قصيدة لامرئ القيس في الغزل ووصف الديار، وهي في ديوانه (ص 109) إلا أن رواية البيت في الديوان تختلف عما هنا كثيرا وهي في الديوان:
إذا ذقت فاها قلت طعم مدامة
…
معتّقة مما يجيء به التّجر
والشطر الأول صدر بيت في شعر لعبيد بن الأبرص (ديوانه: ص 30) وقائل البيت يتغزل فيشبه رائحة فم حبيبته حين بقبلها بالخمر المعتقة الغالية الثمن. وشاهده واضح من الشرح.
وهو في التذييل والتكميل: (3/ 313) وفي معجم الشواهد (ص 132) بقافية التجر.
(2)
سورةفصلت: 46، والجاثية:15.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وصلّى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين. أو لمجرد ذم كقولك: أعوذ بالله من إبليس عدوّ المؤمنين، أو لمجرد
ترحم كقولك: مررت بغلامك المسكين؛ فهذا ونحوه من النعوت المقطوعة لهذه المعاني الثلاثة - لك فيها النصب بفعل ملتزم إضماره، والرفع بمقتضى الخبر لمبتدأ لا يجوز إظهاره، وذلك أنهم قصدوا إنشاء المدح، فجعلوا إضمار الناصب أمارة على ذلك كما فعل في النداء؛ إذ لو أظهر الناصب لخفي معنى الإنشاء، وكونه خبرا مستأنف المعنى؛ فلما التزم الإضمار في النصب التزم أيضا في الرفع ليجري الوجهان على سنن واحد.
وإنما قيد النعت المقطوع بكونه لأحد الثلاثة تحرزا من النعت المقطوع لغير ذلك؛ فإنه يجوز إظهار المبتدأ وإضماره، وكذا إظهار الناصب وإضماره نحو مررت بزيد الخياط.
وقول المصنف في الشرح: بنعت مقطوع لتعين المنعوت بدونه، وقوله أيضا فهذا ونحوه من النعوت المقطوعة للاستغناء عنها لحصول التعيين بدونها - قد يوهم أن نحو: مررت بزيد الخياط داخل في ذلك إذا كان زيد معلوما، وليس كذلك؛ فإن مراده أنها مع كونها يحصل التعيين بدونها بكون للمدح أو للذم أو للترحّم وسيأتي الكلام على هذه المسألة في باب النعت إن شاء الله تعالى (1).
الموضع الثاني: المبتدأ المخبر عنه بمصدر جيء به بدلا من اللفظ بفعله كقول الشاعر:
564 -
فقالت حنان ما أتى بك هاهنا
…
أذو نسب أم أنت بالحيّ عارف (2)
-
(1) سيأتي الحديث عن باب النعت والحديث المفصل عن قطع النعت في هذا الكتاب الذي بين يديك، وقد ذكر أنه يقطع إلى الرفع بتقدير كونه خبرا لمبتدأ محذوف، وإلى النصب بتقدير كونه مفعولا به لفعل محذوف، وقال عن هذا الفعل:«وإذا كان المضمر أمدح أو أذمّ أو أترحّم لم يجز الإظهار، وإذا كان المضمر أعني جاز الإظهار والإضمار» .
(2)
البيت من بحر الطويل نسبته مراجعه لشاعر يدعى المنذر بن أدهم الكلبي من جملة أبيات له في الغزل.
النّشب: بالشين المعجمة المال، ويروى بالمهملة ومعناه: ألك قرابة هنا؟ وهو أوضح.
وأحسن معنى للبيت: أن صاحبته خافت وأشفقت عليه من قومها حين رأته، فلقنته الجواب الذي يذكره إذا سأله أحد عن سبب قدومه هنا. وذو نسب: خبر مبتدأ محذوف دل عليه ما بعده من ضمير المخاطب. وشاهده واضح من الشرح.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 287) وفي التذييل والتكميل (3/ 314) وفي معجم الشواهد (ص 237).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أي: أمري حنان.
ومنه قولهم: سمع وطاعة أي: أمري سمع وطاعة، والأصل في هذا النصب لأنه مصدر جيء به فالتزم إضمار
ناصبه لئلا يجتمع بدل ومبدل منه في غير إتباع، ثم حمل المرفوع على المنصوب في التزام إضمار الرافع الذي هو المبتدأ.
قال سيبويه (1): «وسمعت من يوثق بعربيّته يقال له: كيف أصبحت؟ فقال:
حمدا لله وثناء عليه» أي: أمري حمد الله، وأنشد قول الراجز:
565 -
شكا إليّ جملي طول السّرى
…
صبر جميل فكلانا مبتلى (2)
ثم قال سيبويه (3) رحمه الله: «والّذي يرفع عليها حنان وصبر وما أشبه ذلك لا يستعمل إظهاره وترك إظهاره كترك إظهار ما ينصب به» .
قال الشيخ: «وقد جاء إظهار هذا المبتدأ في الشّعر، أنشد ابن جنّي في الخصائص (4) [1/ 326]:
566 -
فقالت على اسم الله أمرك طاعة
…
وإن كنت قد كلّفت ما لم أعوّد (5)
-
(1) انظر نصه في الكتاب: (1/ 319).
(2)
بيتان من الرجز المشطور قائلهما مجهول.
اللغة: السّرى: السير بالليل خاصة وهو في البيت عام. مبتلى: مصاب.
والمعنى: شكوى من الجمل إلى صاحبه فقال له صاحبه: الصبر أمرنا وكلانا مصاب أنت بتعبك وأنا بهمومي.
وشاهده قوله: صبر جميل؛ حيث رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف واجب الحذف، كما يروى بالنصب على أنه مفعول مطلق.
ونقل الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد (شرح الأشموني: 1/ 150) عن الأعلم أنه قال: «والقول عندي أنه مبتدأ لا خبر له؛ لأنّه اسم ناب مناب الفعل والفاعل، ووقع موقعه وتعرّى عن العوامل، فوجب رفعه واستغنى عن الخبر لما فيه من معنى الفعل والفاعل ونظيره: حسبك ينم النّاس ومعناه اكفف» .
والبيت في شرح التسهيل (1/ 288) وهو في معجم الشواهد (ص 565).
(3)
انظر: في الكتاب (1/ 321).
(4)
سفر كبير من ثلاثة أجزاء ألفه ابن جني من قريحته، يشتمل على أبواب كثيرة في النحو والصرف واللغة وأصولها ومعانيها، طبعته مرارا دار الكتب المصرية بتحقيق الشيخ محمد علي النجار، كما طبعته دار الهدى للطباعة والنشر بلبنان.
وانظر ما نقله عنه أبو حيان في الجزء الثاني (ص 362) من طبعة بيروت.
(5)
البيت من بحر الطويل ثاني أبيات من مقطوعة لعمر بن أبي ربيعة من غزله الفاضح ومجونه وهي في -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
انتهى (1).
(ولقائل أن يقول: إن طاعة في هذا البيت لم يكن الرفع عن نصب؛ إذ لا يتعين أنه كان منصوبا على أنه مصدر ثم عدل به إلى الرفع، بل طاعة أتى به مرفوعا من أول الأمر، ومعنى أمرك طاعة أمرك مطاع، وإذا كان كذلك فليس هذا الذي في البيت مما نحن فيه)(2).
الموضع الثالث: المبتدأ المخبر عنه بممدوح نعم وبمذموم بئس إذا جعلا خبري مبتدأين وهو أحد الأقوال وقد قيل إنه مبتدأ والخبر محذوف فعلى هذا تزاد مواضع حذف الخبر وتنقص مواضع حذف المبتدأ. وقد قيل إن الاسم المذكور مبتدأ والخبر الجملة التي قبله وهو الصحيح فعلى هذا لا حذف في المسألة.
الموضع الرابع: المبتدأ المخبر عنه بما يدل على القسم صريحا كقول العرب: في ذمتي لأفعلن يريدون: في ذمتي ميثاق أو عهد أو يمين، فاقتصروا على الخبر والتزموا حذف المبتدأ كما فعلوا عكس ذلك في قولهم: لعمرك لأفعلنّ، ذكر هذه المسألة أبو علي رحمه الله تعالى (3).
ومن شواهد هذا الاستعمال قول الشاعر:
567 -
تساور سوّار إلى المجد والعلا
…
وفي ذمّتي لئن فعلت ليفعلا (4)
-
- ديوانه (ص 59) وبعد بيت الشاهد قوله:
فنا زلت في ليل طويل ملثّما
…
لذيذ رضاب المسك كالمتشهّد
فلما دنا الإصباح قالت فضحتني
…
فقم غير مطرود وإن شئت فازدد
وشاهده واضح، وانظر البيت في التذييل والتكميل (2/ 85) وهو في معجم الشواهد (ص 113).
(1)
التذييل والتكميل (3/ 315).
(2)
ما بين القوسين ساقط من الأصل، وهو من نسخة (ب).
(3)
التذييل والتكميل (3/ 315).
(4)
البيت من بحر الطويل وهو لليلى الأخيلية من هجائها المشهور للنابغة الجعدي.
اللغة: تساور: تفاخر وتغالب. سوّار: قال محقق المقتضب (3/ 11) هو سوار بن أوفى القشيري وكان بينه وبينها مودة. وقال محقق كتاب سيبويه (3/ 512) هو الطلاب لمعالي الأمور المتجه بنفسه إليها، وعنت به سيدا من أهلها.
وشاهده: حذف المبتدأ وجوبا؛ لأنه قد أخبر عنه بما يدل على القسم، وذلك في قوله: وفي ذمتي. كما -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وذكر الشيخ مواضع أخرى يجب فيها حذف المبتدأ (1).
منها: أن يذكر الشاعر منزلا أو منازل يتغزل بها، ثم يقول: دار فلانة أو ديار فلانة.
كما في قول الشاعر:
568 -
أتعرف رسم الدّار قفرا منازله
…
كجفن اليماني زخرف الوشي ماثله
بتثليث أو نجران أو حيث تلتقي
…
من النّجد في قيعان جأش مسايله
ثم قال:
569 -
ديار سليمى إذ تصيدك بالمنى
…
وإذ حبل سلمى منك دان تواصله (2)
أي هي ديار، أو تلك ديار.
وقال الآخر:
570 -
هل تعرف اليوم رسم الدّار والطّللا
…
كما عرفت برسم الصّيقل الخللا
-
- استشهد به سيبويه على إبدال نون التوكيد الخفيفة ألفا في قوله: ليفعلا.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 288) وفي التذييل والتكميل (3/ 315) وفي معجم الشواهد (ص 264).
ترجمة ليلى: هي ليلى بنت الأخيل من عقيل بن كعب، وهي أشعر النساء لا يقدم عليها غير الخنساء، تهاجت هي والنابغة الجعدي وأحبت توبة بن الحمير وأحبها. وقيل تزوجت به ولما مات رثته بجيد الشعر تقول:
لعمرك ما بالموت عار على الفتى
…
إذا لم تصبه في الحياة المعاير
وما أحد حيّا وإن كان سالما
…
بأخلد ممّن غيّبته المقابر
التقت بالحجاج وبعبد الملك بن مروان وتحدثت معهم، وتوفيت نحو (80 هـ).
انظر ترجمتها وأخبارها في الشعر والشعراء: (1/ 452)، الأعلام (6/ 116).
(1)
التذييل والتكميل (3/ 315).
(2)
الأبيات من بحر الطويل مطلع قصيدة لطرفة بن العبد، وكلها في الغزل (ديوان طرفة: ص 136).
اللغة: الرسم: الأثر. الجفن: غمد السيف. الوشي: النقش، ماثله: صانعه الذي يمثل التماثيل عليه، ويقال لكل من عمل شيئا على مثال شيء: ماثل. تثليث ونجران وجأش: مواضع بالحجاز. النجد:
العالي من الأرض. القيعان: جمع قاع، وهي الأرض السهلة قد انفجرت عندها الجبال. مسايله: جمع مسيل وهو طريق الماء.
والمعنى: هذه ديار سلمى التى صارت قفرا، وهذه مواضع لقائها ووصلها التي كانت تصلك فيها حينا وتمنيك بالوصل أحيانا أخرى. وشاهده واضح.
والشاهد في التذييل والتكميل (3/ 316) ومعجم الشواهد (ص 287).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
دار لمروة إذ أهلي وأهلهم
…
بالقادسيّة نرعى اللهو والغزلا (1)
ومنها: ما انتصب توكيدا لنفسه نحو: صُنْعَ اللَّهِ (2) ووَعْدَ اللَّهِ (3) وكِتابَ اللَّهِ (4). وصِبْغَةَ اللَّهِ (5). هذا كله يجوز رفعه بإضمار مبتدأ لا يجوز إظهاره (6).
ومنها: قولهم: «من أنت؟ زيد» أي مذكورك زيد حذفت المبتدأ وجوبا؛ لأنهم قالوا: من أنت؟ زيد بالنصب، أي تذكر زيدا فأضمروا في الرفع كما أضمروا في النصب (7).
ومنها: قول العرب: لا سواء. حكاه سيبويه (8) وتأوله على حذف المبتدأ تقديره: هذان لا سواء.
وقال سيبويه (9): «إنما دخلت لا هنا لأنّها عاقبت ما بني عليه سواء، ألا ترى أنك لا تقول هذان لا سواء؟» . والمبرد لا يمنع ظهوره. ويقدره بعضهم بعد لا أي: لا هما سواء.
ومنها: قولهم: لا سيّما زيد في من رفع زيدا التقدير: لا سيّ الذي هو زيد. -
(1) البيتان من بحر البسيط، وهما مفردان قالهما عمر بن أبي ربيعة، قال محقق الديوان (ص 177):
هما من الشعر المنسوب إليه. وهما في الغزل.
وشاهدهما: حذف المبتدأ جوازا لوجود دليل يدل عليه، وأصله لو ذكر: هي ديار أو هذه ديار.
والبيتان في التذييل والتكميل: (3/ 316) وفي معجم الشواهد (ص 267).
(2)
سورة النمل: 188.
(3)
سورة الروم: 6.
(4)
سورة النساء: 24.
(5)
سورة البقرة: 138.
(6)
التذييل والتكميل (3/ 316).
(7)
المرجع السابق.
(8)
كتاب سيبويه: (2/ 302). تحت عنوان: «هذا باب ما إذا لحقته لا لم تغيّره عن حاله الّتى كان عليها قبل أن تلحق» .
(9)
انظر نصه في الكتاب (2/ 302).
(10)
التذييل والتكميل: (3/ 317).