الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مواضع الابتداء بالنكرة]
قال ابن مالك: (وحصولها في الغالب عند تنكير المبتدأ بأن يكون وصفا، أو موصوفا بظاهر أو مقدر، أو عاملا أو معطوفا أو معطوفا عليه، أو مقصودا به العموم أو الإبهام، أو تالي استفهام أو نفي أو لولا أو واو الحال أو فاء الجزاء أو ظرف مختصّ أو لاحق به، أو بأن يكون دعاء أو جوابا أو واجب التّصدير أو مقدّرا إيجابه بعد نفي).
قال ناظر الجيش: شرع المصنف في تعداد المواضع التي يفيد فيها الابتداء بالنكرة، وينبغي أن يعلم قبل ذلك: الضابط في جواز الابتداء بالنكرة ما هو؟ وقد اختلفت فيه عباراتهم.
فقال ابن السراج: «المعتبر حصول الفائدة، فمتى حصلت في الكلام جاز الابتداء بالنّكرة وجد شيء من الشّروط أو لم يوجد» (1)[1/ 329].
وقال الجرجاني: يجوز الإخبار عن النكرة بكل أمر لا تشترك النّفوس في معرفته، نحو: رجل من بني تميم شاعر أو فارس». فالمجوز عنده شيء واحد وهو جهالة بعض النفوس (2). -
(1) نص كلامه في كتابه (الأصول 1/ 63 تحقيق عبد الحسين الفتلي) هو قوله: «وحق المبتدأ أن يكون معرفة أو ما قارب المعرفة من النكرات الموصوفة خاصة، فأما المعرفة فقولك: عبد الله أخوك وزيد قائم.
وأما ما قارب المعرفة من النكرات نحو قولك: رجل من تميم جاءني وخير منك لقيني وصاحب لزيد جاءني، وإنما امتنع الابتداء بالنكرة المفردة المحضة؛ لأنه لا فائدة فيه وما لا فائدة فيه فلا معنى لنتكلم به، ألا ترى أنك لو قلت رجل قائم أو رجل عالم لم يكن في هذا الكلام فائدة لأنه لا يستنكر أن يكون في الناس رجل قائم أو عالم، فإذا قلت: رجل من بني فلان أو رجل من إخوانك أو وصفته بأي صفة كانت تقربه من معرفتك حسن لما في ذلك من الفائدة».
وفي موضع آخر يقول: «وإنّما يراد في هذا الباب وغيره الفائدة، فمتى ظفرت بها في المبتدأ وخبره فالكلام جائز، وما لم يفد فلا معنى له في كلام العرب ولا في كلام غيرهم» . (أصول النحو: 1/ 21).
(2)
انظر المقتصد في شرح الإيضاح لعبد القاهر: (1/ 305) يقول:
«اعلم أن للمبتدأ والخبر انقساما إلى التنكير والتعريف، فإما أن يكون أحد الجزأين معرفة والآخر نكرة، وإما أن يكونا معرفتين، وإما أن يكونا نكرتين، فهما بهذه على ثلاثة أضرب:
الأول: ما كان معرفة فنكرة نحو: زيد منطلق، ثم شرح أحكامه.
الثاني: أن يكونا معرفتين، كقولك: زيد أخوك، ثم شرح أحكامه. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال جمال الدين بن عمرون: «الضّابط في جواز الابتداء بالنّكرة قربها من المعرفة لا غير» وحصر قربها من المعرفة بأحد شيئين: «إما باختصاصها كالنّكرة الموصوفة، أو بكونها فى غاية العموم كقولنا: تمرة خير من جرادة» .
وما ذكره ابن السراج أولى؛ لأنه أضبط وأعم، وهو الذي اعتبره سيبويه، فإنه لم يشترط في الابتداء بالنكرة إلا شيئا واحدا وهو حصول الفائدة (1).
قالوا: ويدخل على سيبويه إجازة مثل: رجل في الدار؛ لاستواء الفائدتين فيه، وفي قولنا: في الدار رجل، وهو جائز مع تقدم الظرف، فينبغي أن يجوز مع تأخره، وقد أجمعوا على أنه لا يجوز، وأنه ليس بمسموع من كلام العرب.
وأجيب عن ذلك: بأنه إنما امتنع: رجل في الدار؛ لعروض اللبس الحاصل بتأخر الظرف أهو صفة أم خبر، وأنه ينبغي حمله على الصفة، لأن النكرة محتاجة إلى النعت؛ لشدة إيهامها بخلاف ما إذا تقدم الظرف.
ولا يرد على هذا التعليل نحو: زيد القائم، فيقال: هو يحتمل الصفة والخبر، فينبغي منعه؛ لأن النكرة أحوج من النعت إلى المعرفة؛ فلذلك كان اللبس إليها أسرع منه إلى المعرفة.
قال ابن عصفور (2): وقد يجوز دخول امتناع: رجل في الدّار تحت عموم قول سيبويه إنه لا يخبر عن النكرة إلا حيث كان فيها فائدة؛ لأنه إذا أدّى إلى اللّبس -
- الثالث: أن يكونا نكرتين كقولك: رجل من قبيلة كذا عالم والإخبار، بالنّكرة عن النّكرة غير مستقيم في الأصل؛ إذ إسناد المجهول لا نصيب له في الإفادة؛ فإنما تأتي النّكرتان إذا وجد تخصيص كما فعلت في تخصيصك رجلا بقولك: من قبيلة كذا. ونحو أن نقول: رجل من آل فلان فارس، فتصفه بكونه من تلك القبيلة، وتحصل الفائدة؛ لأن المخاطب قد يجهل ذلك، ولو قلت: رجل ذاهب لم يجز؛ لأنّ كلّ أحد يعلم أنّ الدّنيا لا تخلو من ذاهب ما، فإن قلت: رجل ذاهب من داري أو ذهب من داري جاز؛ لأن ذلك لا يعرفه كلّ أحد».
(المرجع السابق ص 308).
(1)
في كتاب سيبويه: (1/ 329): «ولو قلت: رجل ذاهب لم يحسن حتّى تعرفه بشيء، فتقول:
رجل من فلان سائر». وقد عد سيبويه كثيرا من مواضع الابتداء بالنكرة في كتابه بعد ذلك. انظر (1/ 54، 55، 56) هذا باب تخبر فيه عن النكرة بالنكرة، وانظر أيضا (1/ 328، 334).
(2)
انظر شرح الجمل له (1/ 336) رسالة دكتوراه جامعة القاهرة وهو بنصه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صار غير مفيد؛ لأنه لا يعلم المراد به» انتهى.
وإذا تقرر ضابط المسألة بأمر كلي فلا حاجة إلى تعدد الأماكن؛ لأن الصور الجزئية لا تكاد تنحصر، ولكن المصنفين قصدوا ذكرها تنبيها على بيان حصول الفائدة وحرصا على التعليم، ثم منهم من اقتصر على بعض الأماكن، ومنهم من قصد الاستقصاء، وقد أنهاها بعض المتأخرين إلى اثنين وثلاثين موضعا، وأكثرها يدخل تحت المسوغات التي ذكرها المصنف.
ولنبدأ بالمواضع التي ذكرها المصنف، وهي ثمانية عشر موضعا، ثم نتبعها بعض المواضع الباقية التي لم تدخل تحت ضابط صاحب الكتاب.
الأول: كونها وصفا، كقول العرب: ضعيف عاذ بقرملة أي: إنسان ضعيف أو حيوان ضعيف التجأ إلى ضعيف، والقرملة: شجرة ضعيفة.
الثاني: كونها موصوفة إما بظاهر، نحو: وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ (1).
وإما بمقدر نحو: السّمن منوان بدرهم أي: منوان منه بدرهم، فمنه في موضع الصفة للمنوين، وبدرهم الخبر عن منوان، والجملة خبر عن السمن.
وجعل المصنف (2) من هذا قوله تعالى: يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ (3).
قال: فالواو واو الحال، وطائفة مبتدأ خبره ما بعده، وجاز الابتداء بها لأنها موصوفة بمقدر، كأنه قيل: وطائفة من غيركم وهم المنافقون.
قال: ومنه أيضا قول الشاعر [1/ 330]:
573 -
إنّي لأكثر ممّا سمتني عجبا
…
يد تشجّ وأخرى منك تأسوني (4)
-
(1) سورة البقرة: 221.
(2)
شرح التسهيل (1/ 290).
(3)
سورةآل عمران: 153.
(4)
البيت من بحر البسيط، وهو في العتاب منسوب لصالح بن عبد القدوس، وهو يعجب من صاحبه أو صاحبته بأنه يهجره ثم يصله ويؤذيه ثم يعتذر له.
اللغة: سمتني: أصبتني. تشجّ: تقطع. تأسو: تعالج وتضمد.
ويستشهد بالبيت على: جواز الابتداء بالنكرة لوصفها بصفة مقدرة حذفت للعلم بها.
البيت في شرح التسهيل (1/ 291). والتذييل والتكميل: (2/ 99) وليس في معجم الشواهد. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أي يد منك تشج؛ فيد مبتدأ وخبره تشج، ومنك صفة مخصصة حذفت للعلم بها - ومنه أيضا قول الآخر:
574 -
وما برح الواشون حتّى وشوا بنا
…
وحتّى قلوب عن قلوب صوادف (1)
أي قلوب منا عن قلوب منهم.
الثالث: كونها عاملة كقوله صلى الله عليه وسلم: «أمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة» (2). ويدخل في هذا المضاف إلى نكرة نحو: «خمس صلوات كتبهنّ الله على العباد» (3).
الرابع: كونها معطوفة كقول الشاعر:
575 -
عندي اصطبار وشكوى عند قاتلتي
…
فهل بأعجب من هذا امرؤ سمعا (4)
الخامس: كونها معطوفا عليها نحو قوله تعالى: طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ (5) -
- ترجمة الشاعر: هو صالح بن عبد القدوس بن عبد الله الأزدي أبو الفضل، شاعر حكيم، كان متكلما يعظ الناس بالبصرة، له مع أبي الهذيل العلاف مناظرات، وشعره كله أمثال وحكم وآداب، اتهم عند المهدي العباسي بالزندقة فقتله بيده ثم علقه للناس بضعة أيام، ثم دفن ببغداد سنة (160 هـ)، وعمي في آخر حياته.
(ترجمته في الأعلام: 3/ 277).
(1)
البيت من بحر الطويل في الشكوى من اللائمين في الغزل والحب، وقائله مجهول.
اللغة: الواشي: من يفسد ويسعى بالشر بين المحبين. صوادف: جمع صادفة من صدف عنه أي أعرض.
وشاهده: الابتداء بالنكرة أيضا للوصف المقدر فيها في قوله: وحتى قلوب عن قلوب، أي قلوب منا عن قلوب منهم.
والبيت في شرح ديوان الحماسة للتبريزي (3/ 322) وهو أيضا في شرح التسهيل (1/ 291) والتذييل والتكميل (3/ 326) وليس في معجم الشواهد.
(2)
الحديث في صحيح مسلم (3/ 82) في كتاب الزكاة: باب بيان أنّ اسم الصدقة يقع على كلّ نوع.
(3)
الحديث في صحيح مسلم (1/ 31) من كتاب الإيمان: باب بيان الصّلوات التي هي أحد أركان الإسلام.
(4)
البيت من بحر البسيط وهو في الشكوى كما يشير إليه معناه.
وشاهده: الابتداء بالنكرة؛ لأنها عطفت على أخرى، وذلك في قوله: عندى اصطبار وشكوى. وأخطأ أبو حيان حين ظن أن النكرة المحدث عنها هي اصطبار فقال: ولا يتعين ما ذكره المصنف؛ لأنه قد تقدم على النكرة ظرف، وهو مسوغ لجواز الابتداء بالنكرة.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 292) والتذييل والتكميل (3/ 328) ومعجم الشواهد (ص 213).
(5)
سورةمحمد: 21.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على أن يكون التقدير: طاعة وقول معروف أمثل، أو نحو ذلك، وهو أحد تقديري سيبويه (1).
ومنه قول الشاعر:
576 -
غراب وظبي أعضب القرن آذنا
…
بصرم وصردان العشيّ يصيح (2)
وجعل المصنف منه ذلك قول العرب: شهر ترى وشهر مرعى (3).
وقول الشاعر:
577 -
فيوم علينا ويوم لنا
…
ويوم نساء ويوم نسرّ (4)
وما ذكره غير ظاهر؛ فإن الآية الكريمةو البيت المتقدم وجد في المعطوف مسوغ للابتداء به وهو الوصف، فصح
الابتداء بالمعطوف عليه لذلك. وأما شهر ثرى -
(1) انظر الكتاب: (1/ 141)، (2/ 136). والتقدير الآخر يقول فيه: أضمر الاسم وجعل هذا خبره كأنه قال: أمري طاعة وقول معروف (الكتاب: 1/ 141).
(2)
البيت من بحر الطويل، وهو لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، أول أربعة أبيات في الأمالي لأبي علي القالي:(2/ 179) وهي في الشكوى من الفراق والبعد، ورابع هذه الأبيات قوله:
فإن كنت أغدو في الثّياب تجمّلا
…
فقلبي من تحت الثّياب جريح
اللغة: أعضب القرن: مكسوره. آذنا: أعلما. بصرم: بهجر وقطيعة. صردان: جمع صرد وهو طائر فوق العصفور.
وشاهد البيت: الابتداء بالنكرة المجردة للعطف عليها بنكرة أخرى موصوفة، وذلك في قوله: غراب وظبي أعضب القرن.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 292) والتذييل والتكميل: (2/ 100) وليس في معجم الشواهد.
(3)
مثل من أمثال العرب (مجمع الأمثال: 2/ 173) ونصه فيه «شهر ثرى وشهر ترى وشهر مرعى» وفي كتاب سيبويه: (1/ 86) قال: «شهر ثرى أي ذو ثرى وهو التّراب الندي، وشهر ثرى أي ترى فيه أطراف العشب، وشهر مرعى أي ذو مرعى» .
(4)
البيت من بحر المتقارب من قصيدة للنمر بن تولب العكلي (سبقت ترجمته).
وقد قدمت بهذا التمهيد. قال النّمر بن تولب يصف تصابيه لجمرة التي أحبّها، وتعذّب فى حبها، ويتحدث عن الشيب مشيرا إلى ما حدث من خلاف وجدل حول الخلافة والعقائد
…
إلخ.
والبيت والقصيدة في ديوانه المحقق (ص 183) وما بعدها.
والشاهد في البيت والاختلاف فيه أوضحهما الشارح، ويستشهد به أيضا على حذف رابط الجملة المخبر بها؛ إذ الأصل: نساء فيه ونسر فيه. والبيت في شرح التسهيل (1/ 293) والتذييل والتكميل (3/ 327) ومعجم الشواهد (ص 136).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وشهر مرعى والبيت الذي أنشده فليس في المعطوف مسوغ يصحح ابتدائيته، بل المعطوف والمعطوف عليه سواء إلا أن يقول المصنف: مطلق العطف كاف، فيكون مسوغا ابتدائية المعطوف عليه والمعطوف. وهو بعيد في النظر وإنما المسوغ لهذين المثالين التفصيل كما سيأتي.
السادس: كونها مقصودا بها العموم، كقول ابن عباس رضي الله تعالى عنه:
تمرة خير من جرادة، ومن قول بعض العرب: خبأة خير من يفعة سوء (1).
السابع: كونها مقصودا بها الإبهام، نحو: ما أحسن زيدا.
الثامن: كونها تالية استفهام نحو: أرجل في الدّار؟
التاسع: كونها تالية نفي نحو: ما رجل في الدّار.
العاشر: كونها تالية لولا نحو قول الشاعر:
578 -
لولا اصطبار لأودى كلّ ذي مقة
…
حين استقلت مطاياهنّ للظّعن (2)
الحادي عشر: كونها تالية واو الحال نحو قول الشاعر:
579 -
عرضنا فسلّمنا فسلّم كارها
…
علينا وتبريح من الوجد خانقه (3)
-
(1) من أمثال العرب وأصله في مجمع الأمثال: (1/ 429): خبأة صدق خير من يفعة سوء والخبأة:
المرأة التي تطلع ثم تختبئ. ويقال: غلام يافع ويفعة وغلمان يفعة في الجمع، ومعناه: جارية خفرة خير من غلام سوء. والمثل يضرب للرجل يكون خامل الذكر، فيقال: لأن يكون كذلك خير من أن يكون مشهورا مرتفعا في الشر.
(2)
البيت من بحر البسيط مجهول القائل.
اللغة: أودى: هلك. المقة: المحبة. استقلّت: نهضت وقامت. مطاياهنّ: ركائبهن. للظّعن: للسير والرحيل.
والبيت في الغزل: يقول صاحب لولا الصبر وتحمل العاشق لهلك عند فراق أحبابه.
وشاهده: الابتداء بالنكرة لوقوعها بعد لولا.
وكان وقوع النكرة مسوغا للابتداء بها بعد لولا؛ لأنها تستدعي جوابا يكون معلقا على جملة الشرط التي يقع المبتدأ نكرة فيها، فيكون ذلك سببا في تقليل شيوع النكرة.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 294) والتذييل والتكميل: (3/ 328) ومعجم الشواهد: (ص 401).
(3)
البيت من بحر الطويل، وهو لعبد الله بن الدمينة الخثعمي، وفيه يتكلم عن قيّم النساء والمحامي دونهن، وبعده:
فسايرته مقدار ميل وليتني
…
بكرهي له ما دام حيّا أرافقه
انظر البيت وغيره في شرح ديوان الحماسة (3/ 1263) وكذلك في أمالي القالي (1/ 194). -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا دليل فيه، لأنه إن كان من الوجد في موضع الصفة، فهو مسوغ وإن لم يكن صفة فهو متعلق بالمصدر، فيكون المبتدأ عاملا، وذلك من جملة المسوغات كما تقدم. وإنما يستشهد لهذه الصورة بقول الآخر [1/ 331]:
580 -
سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا
…
محيّاك أخفى ضوؤه كلّ شارق (1)
الثاني عشر: كونها تالية فاء الجزء كقول العرب في مثل: «إن ذهب عير فعير في الرّباط» (2).
الثالث عشر: كونها تالية ظرفا مختصّا نحو: أمامك رجل وعندك مال. وقيد بالاختصاص تنبيها على أنه إن كان غير مختص لم يجز نحو أماما رجل وعند رجل مال.
الرابع عشر: كونها تالية لاحقا بالظرف المختص، والمراد بذلك الجار والمجرور المختص نحو: لك مال (3)، ومثله الجملة المشتملة على فائدة نحو: قصدك غلامه رجل. -
- والمعنى: لما لحقنا بالظعائن عرضنا لهن وسلمنا على قيمهن والمحامي دونهن فأجابنا جواب الكاره لنا والمنكر لتسليمنا وقد حنقه غيظ مبرح.
والبيت في ديوانه (ابن الدمينة)(ص 44)، وفي القصيدة شاهد آخر هو قوله:
رمتني بطرف لو كميّا رمت به
…
لبلّ نجيعا نحره ونبائقه
والشاهد في البيت: مجيء النكرة مبتدأ بعد واو الحال. وإنما جاز ذلك، لأن جملة الحال وصف لصاحبه، وهو هنا الضمير المستتر في الفعل سلم.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 294). والتذييل والتكميل (3/ 329). ومعجم الشواهد (ص 247).
(1)
البيت من بحر الطويل وهو في المدح إن كان الخطاب لمذكر وفي الغزل إن كان لأنثى وهو أفضل لرقته.
اللغة: السّرى: المشي ليلا. محيّاك: وجهك. الشّارق: النجم وكل مضيء.
ومعناه: كانت النجوم تهدينا الطريق وتنيره لنا فحين رأيناك نستطيع أن نستغني عن هذه النجوم؛ لأن نور وجهك الجميل غطى كل نور وضوء. وشاهده كالذي قبله ومثل بيت الشاهد قول الشاعر الآخر:
تركت ضأني تودّ الذئب راعيها
…
وأنّها لا تراني آخر الأبد
الذّئب يطرقها فى الدّهر واحدة
…
وكلّ يوم تراني مدية بيدي
(ديوان الحماسة: 157).
وبيت الشاهد في التذييل والتكميل (3/ 329) وشرح التسهيل (1/ 294) ومعجم الشواهد (ص 251).
(2)
مثل من أمثال العرب (مجمع الأمثال: 1/ 40) والرّباط: ما تشد به الدابة.
وهو مثل يقال للصائد ومعناه: إن ذهب غير فلم يعلق في الحبالة فاقتصر على ما علق.
والمثل يضرب في الرضا بالحاضر وترك الغائب.
(3)
قال أبو حيان (التذييل والتكميل: 3/ 330): «وشرط السّهيليّ أن يكون المجرور معرفة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال المصنف: لأن في تقديم هذه الجملة خبرا ما في تقديم الظرف من رفع توهم الوصفية مع عدم قبوله الابتدائية (1).
الخامس عشر: كونها دعاء، كقول الشاعر:
581 -
لقد ألّب الواشون إلبا لبيضهم
…
فترب لأفواه الوشاة وجندل (2)
ومنه: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (3).
وكذا: ويل لزيد، وأمت في الحجر لا فيك (4)، وخير بين يديك (5).
السادس عشر: كونها جوابا كقولك: درهم لمن قال لك: ما عندك؟ والتقدير:
درهم عندي. قال المصنف (6): ولا يجوز أن يكون التقدير عندي درهم إلا على -
(1) قال أبو حيان: «ولا أعلم أحدا أجرى هذه الجملة مجرى الظّرف والمجرور إلّا هذا المصنف (التذييل والتكميل: 3/ 330).
(2)
البيت من بحر الطويل، قال الأستاذ عبد السّلام هارون:«إنّه من الخمسين المجهولة القائل» .
اللغة: ألّب ألبا: جمع. الواشي: من يفسد بين المحبين. البين: الفراق والبعد. ترب لأفواه الوشاة:
دعاء عليهم بالخيبة وعدم تحقيق الآمال.
المعنى: أن الواشين يريدون أن يفسدوا بيننا، ولكنهم لن يبلغوا ما يريدون.
وشاهده: قوله: فترب لأفواه الوشاة وجندل.
قال سيبويه: (1/ 314): هذا باب ما جرى من الأسماء مجرى المصادر التي يدعى بها، وذلك قولك: تربا وجندلا .. كأنّه قال: أطمعك الله تربا وجندلا. قال: وقد رفعه بعض العرب فجعله مبتدأ مبنيّا عليه ما بعده، ثم أنشد بيت الشاهد، وقال: وفيه ذلك المعنى الّذي في المنصوب كما كان ذلك في الأوّل.
وأما مجيء المبتدأ في البيت نكرة فلأنه مقصود به الدعاء.
والبيت في معجم الشواهد (ص 281) وفي شرح التسهيل (1/ 295).
وفي التذييل والتكميل: (3/ 330).
(3)
سورة الصافات: 130.
(4)
مثل من أمثال العرب، انظر كتاب سيبويه:(1/ 329) قال: وأمّا قوله: شيء ما جاء بك؛ فإنه يحسن وإن لم يكن على فعل مضمر، لأن فيه
معنى: ما جاء بك إلا شيء، ومثله: شر أهرّ ذا ناب وقد ابتدئ في الكلام على غير ذا المعنى، وعلى غير ما فيه معنى المنصوب، وليس بالأصل. قالوا في مثل:
أمت في الحجر لا فيك. والأمت: العوج، قال تعالى: لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً [طه: 107] وهو مثل يضرب في الدعاء للمخاطب بالخير.
(5)
في كتاب سيبويه: (1/ 330) هذا باب من النّكرة يجري مجرى ما فيه الألف واللّام من المصادر والأسماء، وذلك قولك: سلام عليك، ولبّيك، وخير بين يديك، وويل لك، وويح لك
…
إلخ. ثم قال: «فهذه الحروف كلها مبتدأة مبنيّ عليها ما بعدها» .
(6)
شرح التسهيل (1/ 295).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ضعف؛ لأن الجواب ينبغي أن يسلك به سبيل السؤال، والمقدم في السؤال هو المبتدأ فكان هو المقدم في الجواب، ولأن الأصل تقديم المبتدأ (1) فترك في مثل: عندي درهم لأن التأخير يوهم الوصفية، وذلك مأمون فيما هو جواب، فلم يعدل عن الأصل بلا سبب.
السابع عشر: كونها واجبة التصدير كقولك: من عندك؟ وكم درهما لك؟
فمن وكم نكرتان، وجاز الابتداء بهما لأنهما بمنزلة نكرة مسبوقة باستفهام لتضمنها معنى معرفة.
الثامن عشر: كونها مقدرا إيجابها بعد نفي كقولهم: شرّ أهرّ ذا ناب (2) لأنه بمعنى ما أهر ذا ناب إلا شر، وشيء ما جاء بك إن جعلنا ما زائدة. أما إن جعلنا صفة كقولهم: ائتني بدرهم ما، فلا تكون المسألة مما نحن فيه، ومنه قول الشاعر:
582 -
قدر أحلّك ذا المجاز وقد أرى
…
وأبيّ ما لك ذو المجاز بدار (3)
وقال الآخر:
583 -
قضاء رمى الأشقى بسهم شقائه
…
وأغرى بسبل الخير كلّ سعيد (4)
-
(1) في نسخة الأصل: ولأن الأصل تأخير الخبر، وهما سواء.
(2)
انظر كتاب سيبويه: (1/ 329) ومجمع الأمثال (1/ 370).
(3)
البيت من بحر الكامل وهو لمؤرج السلمي شاعر إسلامي، من شعراء الدولة الأموية، وهو في الهجاء كما يظهر من معناه.
اللغة: قدر: قضاء الله. ذا المجاز: موضع سوق للعرب. وفي كلمة أبيّ كلام كثير (أمالي ابن الشجري: 2/ 37) أحسنه أنه جمع مذكر سالم
مضاف لياء المتكلم. ما لك: أي ليس لك. بدار: أي بمكان للإقامة.
والمعنى: ما نزلت بذي المجاز إلا لقضاء الله وقدره، ثم حلف بآبائه إن هذا المكان عظيم، ولا يستحقه صاحبه، ولا يجوز أن يكون دارا له.
الشاهد فيه: جواز الابتداء بالنكرة؛ لأن النفي داخل عليها في المعنى، وأصل الكلام: ما أحلك ذا المجاز إلا قدر.
والبيت في شرح المصنف: (48) وفي التذييل والتكميل (3/ 331) وفي معجم الشواهد (ص 179).
(4)
البيت من بحر الطويل غير معروف قائله.
والمعنى: أن القضاء المقدر من الأزل هو الذي يدفع الشقي إلى فعل الشقاء والشر، وكذلك يدفع السعيد إلى فعل الخير والعمل الجميل.
وشاهده: كالذي قبله، وهو الابتداء بالنكرة لتقدير إيجابها بعد نفي، والمعنى: ما رمى الأشقى إلا قضاء.
والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 296) والتذييل والتكميل (3/ 331).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أي: ما أحلك ذا المجاز إلا قدر، وما رمى الأشقى إلا قضاء.
وسيبويه قدر المسألة كما قدرها المصنف، فقال:«إنما جاز أن يبتدأ به لأنّه في معنى ما جاء بك إلّا شيء» (1).
ونقل الشيخ عن بعضهم: أنه لا يقال: شيء ما جاء بك إلا لمن جاء في وقت ما جرت العادة بأن يجيء في مثله إلا لأمر مهم، وكذلك: شرّ أهر ذا ناب لا يقال إلا في وقت لا يهر الكلب فيه إلا لشيء جرت العادة بذلك، وإلا فالكلب يهر لغير الشر كثيرا (2).
وقد انتهت المسوغات التي ذكرها المصنف، وبقي مما ذكره غيره مما لم يندرج تحت عبارة الكتاب مواضع منها: أن تفيد النكرة تعجبا نحو قول الشاعر:
584 -
عجب لتلك قضيّة وإقامتي
…
فيكم على تلك القضيّة أعجب (3)
ولو قال المصنف بدل قوله: مقصودا به الإبهام: مقصودا به التّعجّب - لاندرج ذلك فيه مع حصول مقصوده الذي أتى بلفظ الإبهام لأجله، وهي ما التعجبية.
ومنها: أن تكون في موضع تفصيل نحو: النّاس رجلان رجل أكرمته ورجل أهنته، وكقول امرئ القيس:
585 -
فأقبلت زحفا على الرّكبتين
…
فثوب نسيت وثوب أجرّ (4)
-
(1) انظر الكتاب (1/ 329). قال: وأما قوله: شيء ما جاء بك فإنه يحسن وإن لم يكن له فعل مضمر؛ لأن فيه معنى ما جاء بك إلا شيء، ومثله مثل للعرب: شرّ أهرّ ذا ناب.
(2)
التذييل والتكميل (3/ 331).
(3)
البيت من بحر الكامل، ومع كثرة دورانه في هذا الباب فلم يستشهد به ابن مالك ولا أبو حيان، واختلف في قائله، وأصح الآراء ما قاله صاحب الخزانة (2/ 38):
إنه لضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم، وكان يبر أمه ويخدمها، وكانت مع ذلك تؤثر عليه أخا له يقال له جندب وهو القائل:
وإذا تكون كريهة أدعى لها
…
وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
وشاهده: الابتداء بالنكرة لإفادة التعجب، وروي بنصبه على أنه مصدر نائب عن أعجب، ونصب قضية على التمييز.
والبيت في معجم الشواهد (ص 50).
(4)
البيت من بحر المتقارب من قصيدة طويلة لامرئ القيس (الديوان: ص 153 - 157) وقد ذكر محقق الديوان بأن امرأ القيس قالها في حروبه، بينما القصيدة في لهو امرئ القيس وغزله حتى بيت -