الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حكم وقوع ظرف الزمان خبرا عن اسم العين والمعنى]
قال ابن مالك: (ولا يغني ظرف زمان غالبا عن خبر اسم عين ما لم يشبه اسم المعنى بالحدوث وقتا دون وقت أو تعمّ إضافة معنى إليه، أو يعمّ. واسم الزّمان خاصّ أو مسؤول به عن خاصّ [1/ 369]).
ــ
قال: «ولو كان يرفع الظّاهر لما عملت إنّ في زيدا في قولك: إنّ عندك زيدا» قال:
«ولو كان عاملا في ظاهر ما جاز إلغاؤه مع تقدّمه في نحو: في الدّار زيد قائم» انتهى.
ولا يخفى ضعف ما ذكره؛ لأن (أفعل من) لم ينب عن عامل يرفع الظاهر، وهذا الظرف قد ناب عن شيء يرفع الظاهر، فهو يعمل عمله بالنيابة.
وأما نحو: إن عندك زيدا فالطلب فيه لإنّ لا للظرف، فكيف يترك عمل ما هو طالب ويعدل إلى غير الطالب؟
وأما نحو: في الدار زيد قائم فإنما لم يعمل فيه الظرف لعدم الاعتماد؛ لأن الظرف إنما يعمل بالنيابة عن اسم الفاعل مثلا، والمنوب عنه إنما يعمل إذا اعتمد، فكذلك النائب حكمه حكمه.
والحق أن الظرف والمجرورات إذا اعتمدت جاز أن يرتفع ما بعدها بها على الفاعلية، وجاز فيها أن تكون أخبارا، وما بعدها مبتدآت، والوجه الأول أولى كما علمت.
قال ناظر الجيش: شرع المصنف في ذكر وقوع الظروف أخبارا، وذكر ما يجوز أن يخبر عنه بشيء منها وما لا يجوز، وذكر ما يجوز في الظرف الواقع خبرا من رفع أو نصب ونحوه. والحاصل أن ظرف الزمان لا يخبر به عن اسم العين، وإنما يخبر به عن المعنى، وأما ظرف المكان فإنه يخبر به عن كل منهما، كما يأتي ذلك كله مفصلا وأنا أذكر كلام المصنف أولا:
قال رحمه الله تعالى (1): لا يفيد الاستغناء بظرف زمان عن خبر اسم عين غالبا إلا إذا كان العين مثل المعنى في حدوثه وقتا دون وقت كالرطب والكمأة؛ فإن الاستغناء عن خبر هذا النوع بظرف الزمان مفيد كقولك: الرّطب في شهر كذا، والكمأة في فصل الرّبيع، وكذا إذا دل دليل على إضافة معنى إلى العين كقولك: -
(1) شرح التسهيل (1/ 319).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أكلّ يوم ثوب تلبسه؟ وأكلّ ليلة ضيف يؤمّك؟ ومنه قول الراجز:
644 -
أكلّ عام نعم تحوونه
…
يلقحه قوم وتنتجونه؟ (1)
أي: أكل يوم تجدّد ثوب تلبسه؟ وأكل ليلة إتيان ضيف يؤمك؟ وأكل عام إحراز نعم؟ وكذا إذا عم المبتدأ وكان اسم الزمان خاصّا أو مسئولا به عن خاص كقولك: نحن في شهر كذا، وفي أي الفصول نحن؟.
وأشرت بقولي: غالبا إلى أنه قد يخبر عن اسم عين بظرف زمان في غير ذلك إن ثبت دليل كقول امرئ القيس: اليوم خمر وغدا أمر (2).
وكقول الشاعر:
645 -
جارتي للخبيص والهرّ للفأ
…
ر وشاتي إذا أردت نجيعا (3)
-
(1) بيتان من الرجز المشطور نسبتهما المراجع لرجل من بني ضبة يدعى قيس بن حصين بن يزيد الحارثي في قصة طويلة مذكورة في خزانة الأدب (1/ 407) مع شرح البيتين.
اللغة: النعم: الإبل والبقر والغنم وقيل: الإبل خاصة. تحوونه: تستولون عليه وتملكونه. يلقحه: من ألقح الفحل الناقة إذا أحبلها. تنتجونه: من نتج الناقة أهلها أي استولدوها.
المعنى: يصف الشاعر قوما بالاستطالة على أعدائهم وشن الغارة عليهم، وكلما ألقح عدوهم إبلهم أغاروا عليهم فنهبوها ثم تلد عندهم.
الشاهد فيه: رفع نعم على الابتداء وجعل كل عام خبره، وهو وإن كان ظرفا أخبر به عن اسم الحدث إلا أن اسم الحدث على تأويل مضاف هو اسم معنى، والتقدير إحراز نعم أو نهب نعم، وجملة تحوونه صفة للنكرة قبلها.
والشاهد في شرح التسهيل (1/ 319) وفي التذييل والتكميل (4/ 61) وفي معجم الشواهد (ص 549).
(2)
مثل لامرئ القيس قاله عند ما قتل بنو أسد أباه وكان يشرب الخمر، والمثل يضرب للزمن الجالب للمحبوب والمكروه (مجمع الأمثال: 3/ 546) وموضع الشاهد في قوله: اليوم خمر، أما قوله: وغدا أمر فهو إخبار بزمان عن اسم معنى وهو جائز.
(3)
البيت من بحر الخفيف وهو لشاعر مجهول.
اللغة: الخبيص: الحلوى المخبوصة أي المخلوطة بأشياء كثيرة، ومنه خبص الشيء بالشيء أي خلطه (اللسان: خبص). النّجيع: الدم والماء وطعام للإبل، وهو هنا يريده طعاما للإنسان.
والشاعر في البيت يقسم الأكل على الآكلين فيقول: إن زوجته لها الحلوى والهر له الفأر، وإن شاته لنفسه حين يريد ويشتهي لحما.
والشاهد في البيت قوله: وشاتي إذا أردت نجيعا، حيث أخبر بظرف الزمان وهو إذا عن الذات ولا يصح، وإنما صح هنا لوجود دليل على ذلك، وهو وضوح المعنى، وانظر البيت في: شرح التسهيل (1/ 320) -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
انتهى كلام المصنف (1). وفيه أمور:
منها: أن قوله: غالبا مع قوله في شرحه إنه أشار بذلك إلى أنه قد يخبر عن اسم عين بظرف زمان في غير ذلك، يعني في غير ما ذكره غير ظاهر؛ فإن المضاف الذي قدره في: أكل يوم ثوب تلبسه - يقدر مثله في: اليوم خمر أي اليوم شرب خمر كما قدر المضاف في اللّيلة الهلال.
ومنها: أن قوله في المتن: أو يعمّ إضافة معنى إليه لم يفهم معناه، والظاهر أن المراد: أو تنو إضافة معنى، بل يتعين ذلك لأن لفظ تنو ثابت في بعض النسخ، ولقوله في الشرح: وكذا إذا دل دليل على إضافة معنى إليه.
ومنها: قوله: أو يعمّ واسم الزّمان خاص وتمثيله لذلك بقوله: نحن في شهر كذا؛ فإن العموم لا يعقل في نحن إلا أن يكون أراد بذلك أمرا بخصوصه، وحاصل الأمر أن كلام المصنف في هذا المكان غير واضح متنا وشرحا.
وقد أورد ابن أبي الربيع الكلام في الإخبار بظرف الزمان عن العين أحسن إيراد فقال (2): «متى جاء الزمان خبرا عن الشخص فلا يكون إلّا على أحد ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون على حذف مضاف نحو: الهلال اللّيلة التقدير: حدوث الهلال الليلة، وعلى هذا يتصور أن يقال: زيد غدا أي ولادته غدا إذا كان معك ما يدلّ على ذلك.
الثاني: أن يكون الشخص موصوفا فتخبر عنه بظرف الزمان فتقول: أكلّ يوم رجل مضروب لك وعليه قوله:
646 -
أكلّ عام نعم تحوونه
…
... (3)
وكأنه قال: أكلّ يوم ضرب رجل؟ [1/ 370] لأن الصفة والموصوف كالشيء -
- وليس في التذييل والتكميل ولا في معجم الشواهد.
(1)
شرح التسهيل (1/ 320).
(2)
انظر اللقطة رقم: 35، 36 من شرح الإيضاح لابن أبي الربيع (ميكروفيلم بمعهد المخطوطات رقم 220 نحو مصنف غير مفهرس) ويسمى بالملخص لابن أبي الربيع.
(3)
بيت من الرجز المشطور سبق الاستشهاد به قريبا. وشاهده هنا: الإخبار بالزمان عن الذات، وجاز لأن الذات موصوف وهو قوله: نعم تحوونه، وهذا غير التخريج السابق.