المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[حذف الخبر جوازا ووجوبا ومسائل ذلك] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٢

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثامن باب الاسم العلم

- ‌[تعريف العلم]

- ‌[تقسيم العلم إلى منقول ومرتجل]

- ‌[تقسيم العلم إلى مفرد ومركب/ تقسيم المركب]

- ‌[تقسيم العلم إلى اسم وكنية ولقب]

- ‌[أحكام العلم ذي الغلبة]

- ‌[أحكام العلم ذي الأداة]

- ‌[تنكير العلم بالتثنية والجمع والإضافة وأحكام ذلك]

- ‌[مسميات الأعلام]

- ‌[حكم الصرف وعدمه لأنواع الأعلام]

- ‌[حكم أفعل وصفا للنكرة]

- ‌[حكم الأعداد من التعريف وغيره والصرف وغيره]

- ‌[حكم الكنايات من العلمية أو غيرها]

- ‌الباب التاسع باب الموصول

- ‌[تقسيم الموصول وتعريف كل قسم]

- ‌[الموصول من الأسماء وأنواعه - الموصولات الخاصة]

- ‌[جمع الذي والتي]

- ‌[الموصولات المشتركة ومعناها]

- ‌[حذف عائد الموصول بأنواعه]

- ‌[حكم أي الموصولة من البناء والإعراب]

- ‌[حكم أنت الذي فعل وفعلت]

- ‌[حكم وقوع شبه الجملة صلة للموصول]

- ‌[من وما ومراعاة اللفظ أو المعنى فيها]

- ‌[من وما: أنواعهما - معناهما]

- ‌[أنواع أيّ وأحكام كل نوع]

- ‌[الموصولات الحرفية - أن وكي وما ولو - وأحكامها]

- ‌[أحكام الموصول مع صلته]

- ‌الباب العاشر باب اسم الإشارة

- ‌[تعريفه - أنواعه]

- ‌[مرتبة المشار إليه]

- ‌[هاء التنبيه وأحكامها]

- ‌[فصل هاء التنبيه عن اسم الإشارة]

- ‌[إلحاق كاف الخطاب بأسماء الإشارة]

- ‌[إلحاق كاف الخطاب لبعض الكلمات الأخرى]

- ‌[تبادل أسماء الإشارة]

- ‌[الإشارة إلى المكان]

- ‌الباب الحادي عشر باب المعرّف بالأداة

- ‌[اختلافهم في الأداة]

- ‌[أنواع أل]

- ‌[حكم أل التي للجنس]

- ‌[أل الزائدة ومواضع الزيادة]

- ‌[مدلول إعراب الاسم من رفع أو نصب أو جر]

- ‌الباب الثاني عشر باب المبتدأ

- ‌[تعريفه - نوعاه]

- ‌[عامل الرفع في المبتدأ والخبر]

- ‌[الوصف الرافع للاسم وأحكامه]

- ‌[حذف الخبر جوازا ووجوبا ومسائل ذلك]

- ‌[مسألة ضربي زيدا قائما وبقية الحديث فيها]

- ‌[رفع الحال المنصوبة على الخبرية]

- ‌[إعراب الاسم المرفوع بعد لولا]

- ‌[الحال السادة مسد الخبر ووقوعها جملة]

- ‌[حذف المبتدأ جوازا ووجوبا ومسائل ذلك]

- ‌[حكم قولهم: زيد والريح يباريها - وقولهم: راكب الناقة طليحان]

- ‌[المبتدأ والخبر من جهة التعريف والتنكير]

- ‌[مواضع الابتداء بالنكرة]

- ‌[إعراب قولهم: كم مالك؟ وقولهم: ما أنت وزيد

- ‌[بعض مسائل تقديم الخبر]

- ‌[حكم «في داره زيد» وأشباهه]

- ‌[بقية مسائل تقديم الخبر وجوبا]

- ‌[الخبر: تعريفه وأنواعه وحديث طويل عنه]

- ‌[الخبر المشتق وغيره، وحكمهما في تحمل ضمير المبتدأ]

- ‌[استكنان الضمير الرابط وبروزه]

- ‌[أنواع الخبر الجملة، وحكم بعض الجمل في وقوعها أخبارا]

- ‌[روابط الخبر الجملة - جمل لا تحتاج إلى رابط]

- ‌[حكم الضمير الرابط من جواز حذفه أو بقائه]

- ‌[مجيء الخبر ظرفا والآراء في ذلك]

- ‌[حكم وقوع ظرف الزمان خبرا عن اسم العين والمعنى]

- ‌[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ونصبه وجره]

- ‌[جواز رفع ظرف المكان الواقع خبرا ونصبه]

- ‌[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ووجوب نصبه]

- ‌[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ونصبه]

- ‌[جواز رفع المصدر الواقع خبرا ونصبه]

- ‌[تعدد الخبر وأنواعه]

- ‌[تعدد المبتدأ ونوعاه]

- ‌[اقتران الخبر بالفاء وجوبا وجوازا الأحكام وشروط ذلك]

- ‌[مسائل مختلفة في اقتران الخبر بالفاء]

الفصل: ‌[حذف الخبر جوازا ووجوبا ومسائل ذلك]

[حذف الخبر جوازا ووجوبا ومسائل ذلك]

قال ابن مالك: (ويحذف الخبر جوازا لقرينة، ووجوبا بعد لولا الامتناعيّة غالبا، وفي قسم صريح، وبعد واو المصاحبة الصّريحة، وقبل حال إن كان المبتدأ أو معموله مصدرا عاملا في مفسّر صاحبها أو مؤوّلا بذلك).

قال ناظر الجيش: قد يحذف المبتدأ والخبر إذا دل الدليل عليه، وقد تكلم المصنف على حذف كل منهما، وبدأ بالكلام على حذف الخبر، وحذفه قسمان:

جائز وواجب:

وضابط الجائز:

أن يدل على ذلك الخبر دليل دون أن يحل محل المحذوف غيره، فيسد مسده، ومن القرائن الدالة: الاستفهام عن المخبر عنه كقولك: زيد لمن قال: من عندك، أي زيد عندي، والعطف عليه نحو: زيد قائم وعمرو أي: وعمرو كذلك.

قال المصنف: ومن الحذف الجائز الحذف بعد إذا المفاجأة نحو: خرجت فإذا السّبع. والحذف بعد إذا قليل، ولذلك لم يرد في القرآن مبتدأ بعد إذا إلا وخبره ثابت، كقوله تعالى: فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (1)، فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ (2)، فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ (3)، فَإِذا هُمْ قِيامٌ (4).

قال الشيخ (5): «ليس الخبر محذوفا في مثل: فإذا السبع، بل إذا ظرف مكان وهي الخبر، والتقدير: وبالحضرة السّبع أي: فبالمكان الذي أنا حاضر فيه السّبع. -

- وأولى ما يقال فيه: «إنه أوقع المظهر موقع المضمر حين حذف المبتدأ من أول الكلام فكأن التقدير: زمان ينقضي بالهم والحزن غير متأسف عليه. فلما حذف المبتدأ من غير قرينة تشعر به أتى به ظاهرا مكان المضمر، فصارت العبارة كذلك» .

ثم قال: «ويحتمل أن يقال: إنهم استعملوا (غير) بمعنى لا، فكأنه قال: لا تأسف على زمن هذه صفته، وإعرابه كإعراب: أقلّ رجل يقول ذلك، فهذا مبتدأ لا خبر له؛ لأنه في معنى: ما رجل يقول ذلك» . وصار هذا مثل أقائم الزّيدان في أنه مبتدأ لا خبر له في اللفظ والتقدير، وإنما استقام؛ لأن معناه يقوم الزّيدان». انتهى باختصار.

انظر أمالي ابن الحاجب (2/ 637 - 638) تحقيق فخر صالح قدارة.

(1)

سورةطه: 20.

(2)

سورة الشعراء: 33.

(3)

سورةيس: 53.

(4)

سورة الزمر: 68.

(5)

التذييل والتكميل (3/ 279).

ص: 868

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأما قوله تعالى: فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى إلى آخر ما ذكر مما جاء في القرآن العزيز فإنّما لم يحذف الخبر لكونه لا يدلّ على حذفه دليل ولم يمكن جعل إذا في الآيات خبرا؛ لأن المقصود الإخبار عن المبتدأ الّذي بعد إذا بأشياء لم تكن

معلومة للسّامع إلّا من ذكر الخبر، قال: وإنما بنى المصنف على ما اختاره هو من كون إذا الفجائية حرفا، فلا يصحّ أن يكون خبرا». انتهى.

وسيأتي الكلام على (إذا) المشار إليها في باب الظروف، لكن نشير إلى ذلك الآن ملخصا:

اعلم أنهم اختلفوا فيها: هل هي اسم أو حرف:

فمذهب الفراء وهو رأي المصنف ونسبه إلى الأخفش أنها حرف، وذهب غيرهم إلى أنها اسم، ثم اختلفوا؛ فالأكثرون على أنها ظرف مكان.

قال الشيخ: «وهو ظاهر كلام سيبويه وهو الذي تلقّيناه من الشيوخ» (1).

وقيل: إنّها ظرف زمان، واختلف إذا كانت ظرفا: هل يلزم الإضافة [1/ 306] إلى جملة أو لا.

وإذا تقرر هذا فلا يخلو إما أن يذكر بعدها مبتدأ فقط أو مبتدأ وخبر: فإن ذكر بعدها مبتدأ فقط وقلنا بأنها حرف أو اسم وتلزم الإضافة إلى جملة - لزم أن يكون الخبر محذوفا، والتقدير: فإذا السّبع حاضر أو موجود. وعلى القول بأنه لا يلزمها الإضافة إلى جملة إذا كانت اسما وقلنا: إنها ظرف مكان - كانت خبرا عما بعدها حدثا كان أو جثة، وإن قلنا: إنها ظرف زمان كانت خبرا عما بعدها إن كان حدثا نحو: خرجت فإذا القتال. وإلا فالخبر محذوف إن كانت جثة وهو العامل في إذا.

وإن ذكر بعدها مبتدأ وخبر فعلى القول بالحرفية ظاهر، وعلى القول بالاسمية هي معمول بالخبر، ويجوز حينئذ نصب الخبر المذكور وجعل إذا خبرا عن المبتدأ الذي بعدها حدثا كان أو جثة إن قلنا: إنها ظرف مكان وحدثا خاصة إن قلنا: إنها ظرف زمان.

وأما الحذف الواجب:

فضابطه أن يدل عليه دليل، ويسد غيره مسده، وهو محصور في أربعة مواضع: -

(1) التذييل والتكميل (3/ 280).

ص: 869

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأول:

خبر المبتدأ الواقع بعد لولا الامتناعية أي التي تدلّ على امتناع الشيء لوجود غيره، ولو ما أختها. قال المصنف (1): «وإنما وجب حذف الخبر بعد لولا؛ لأنه معلوم بمقتضى؛ لولا إذ هي دالة على امتناع لوجود (2)، والمدلول

على امتناعه هو الجواب والمدلول على وجوده هو المبتدأ، فإذا قيل: لولا زيد لأكرمت عمرا لم يشك في أنّ المراد أن وجود زيد منع من إكرام عمرو، فصحّ الحذف لتعين المحذوف، ووجب لسدّ الجواب مسدّه وحلوله محلّه» انتهى (3).

واعلم أن الأكثرين أطلقوا القول بوجوب حذف الخبر في هذه الصورة، وأن بعضهم وتبعه المصنف فصل فقال (4): قد يكون الحذف واجبا وقد يكون ممتنعا وقد يكون جائزا؛ وذلك لأن الوجود الذي امتنع له جواب لولا إما أن يكون كونا مطلقا، أو كونا مقيدا؛ وإذا كان مقيدا فقد لا يدل عليه دليل وقد يدل؛ ففي الصورة الأولى يجب الحذف نحو: لولا زيد سالمنا ما سلم، ولولا عمرو عندنا لهلك، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:«لولا قومك حديث عهدهم بكفر لأسّست البيت على قواعد إبراهيم» (5).

وفي الصورة الثالثة يجوز الإثبات والحذف، نحو: لولا أنصار زيد حموه لم ينج؛ فحموه خبر مفهوم المعنى فيجوز إثباته وحذفه.

ومن هذا القبيل قول المعري في صفة سيف:

543 -

[يذيب الرعب منه كلّ عضب]

فلولا الغمد يمسكه لسالا (6)

-

(1) انظر: شرح التسهيل (1/ 276).

(2)

كلمة لوجود من شرح التسهيل: وفي نسخ المخطوطة لثبوت، والأول أولى لشهرته.

(3)

المرجع المذكور في الهامش قبل السابق.

(4)

المرجع السابق.

(5)

الحديث بنصه في صحيح البخاري: (2/ 146) في كتاب الحج في باب فضل مكة وبنيانها.

وأصله: أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: «ألم تري أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم؟» فقلت: يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم، قال:«لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت» .

(6)

البيت من بحر الوافر، من قصيدة طويلة لأبي العلاء المعري في الغزل والمدح والوصف. انظر شروح سقط الزند (ص 104) القصيدة الأولى. -

ص: 870

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال المصنف - بعد تقرير هذا التفصيل - (1): وهذا الّذي ذهبت إليه هو مذهب الرمّاني والشّجري والشّلوبين (2)، وغفل عنه أكثر النّاس، قال: ومن ذكر الخبر بعد لولا قول أبي عطاء السّندي (3):

544 -

لولا أبوك ولولا قبله عمر

ألقت إليك معدّ بالمقاليد (4)

يعني أن الامتناع في البيت المذكور لوجود مقيد؛ فلهذا ذكر الخبر، ولم ينبه المصنف على مراده بقوله: غالبا.

وقال الشيخ (5): سقط (غالبا) من بعض النّسخ وهو أجود؛ لأن الوجوب [1/ 307] والغلبة لا يجتمعان؛ إذ الغلبة تقتضي الجواز وهو مناف للوجوب - أعني الجواز بمعنى: التّخيير. انتهى.

و (غالبا): ثابت في أكثر النسخ وفي الأصل الذي قرأت وصححته على نسخة الشيخ، ويشهد لصحته هنا قوله في الألفية:

وبعد لولا غالبا حذف الخبر

حتم

-

- ومعناه: أن سيفك تهابه السيوف كما تهابك الرجال، وأشد ما يجوز على السيف أنه يسيل حديده، ولولا الغمد يمسكه لظهر سيلانه. وبعده - وهو من حكمه وأمثاله -:

ومن يك ذا خليل غير سيف

يصادف في مودّته اختلالا

وهذا البيت مشهور في باب المبتدأ والخبر، فالذين قالوا بوجوب حذف الخبر بعد لولا لحنوا أبا العلاء المعري فيه، والذين فصلوا كابن مالك بأنه إذا دل على الخبر دليل جاز إثباته وجاز حذفه لم يلحنوه، وقال ابن هشام (المغني: 2/ 273): إن تلحين أبي العلاء ليس بجيد لاحتمال تقدير يمسكه بدل اشتمال بتقدير أن، أو يمسكه جملة معترضة، أو هو حال من الخبر المحذوف.

والبيت في معجم الشواهد (ص 296) وفي شرح التسهيل. وفي التذييل والتكميل (3/ 282).

(1)

شرح التسهيل (1/ 276).

(2)

نص رأي أبي علي الشلوبين في شرحه على المفصل لقطة رقم: 52 من فيلم بمعهد المخطوطات.

(3)

سبقت ترجمته في هذا التحقيق.

(4)

البيت من بحر البسيط نسبه الشارح إلى قائله وهو في المدح.

اللغة: المقاليد: المفاتيح وقيل الخزائن. والمعنيان متقاربان ويحتملهما قوله تعالى: لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الزمر: 63].

ويستشهد بالبيت ابن مالك على: جواز ذكر خبر المبتدأ بعد لولا؛ لأنه كون مقيد دل عليه دليل.

والبيت في: شرح التسهيل (1/ 277) وفي التذييل والتكميل (3/ 282) وفي معجم الشواهد (ص 122).

(5)

التذييل والتكميل (3/ 281).

ص: 871

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فجمع بين غالبا وحتم أيضا. ويظهر أن (غالبا) يرجع إلى استعمال لولا لا إلى وجوب الحذف، وكأنه يقول: الغالب استعمالها دالة على امتناع لوجود مطلق؛ فإذا استعملت فيه وجب الحذف، وقد تستعمل على امتناع لوجود مقيد فيجيء من أقسامه أن يجوز حذفه، فيصدق أن الخبر يحذف في هذا الاستعمال، لكن الاستعمال المذكور غير غالب، لكن هذا التقرير لا يكاد عبارة المتن تساعد عليه؛ لأن ظاهرها يعطي أن (غالبا) من متعلقات يحذف، أي إنه يحذف في الغالب وقد لا يحذف، وهذا أعم من أن يستعمل لولا في الامتناع لوجود مطلق أو لوجود مقيد، وعلى الذي تقرر يكون (غالبا) من متعلقات استعمال لولا كأنه قال فغلب استعمالها في الامتناع لوجود مطلق. ولا يخفى ما فيه من التكلف، وتقدير ما لا دليل عليه (1).

وقال ابن أبي الربيع (2) بعد أن تكلم على هذه المسألة بالنسبة إلى وجوب حذف الخبر:

«من الناس من قال: إن خبر هذا المبتدأ يظهر إذا كان غير ما ذكرنا ممّا لا يقتضيه الكلام فيقول: لولا زيد ضارب لأكرمتك، ولولا زيد متكلم لمشيت إليك؛ ولا يجوز حذف هذا لأنه ليس في الكلام ما يدلّ عليه لو حذف، وأكثر النحويين على أن هذا لا يقال، وإن خبر هذا المبتدأ لا يكون إلا من جنس ما يقتضيه الكلام، وإنّما يقول العرب إذا أرادت هذا المعنى: لولا ضرب زيد لأكرمتك. ولولا كلام زيد لمشيت إليك.

وأما قول علقمة (3):

545 -

فو الله لولا فارس الجون منهم

لأبوا خزايا والإياب حبيب (4)

-

(1) وإذا كان الشارح قد استنبط ما قرره، فإن ذلك هو الصحيح وهو المراد، وقد شرحه الأشموني أيضا على ذلك، وجعل (غالبا) من متعلقات استعمال لولا، يقول:

«وبعد لولا الامتناعية غالبا أي في غالب أحوالها، وهو كون الامتناع معلّقا بها على وجود المبتدأ الوجود المطلق» (حاشية الصبان: 1/ 215) والأمر كما ذكر، وإلا وجد التنافي بين قوله: غالبا وقوله: حتم.

(2)

انظر شرح الإيضاح لابن أبي الربيع (مكروفيلم بمعهد المخطوطات رقم (220) نحو مصنف غير مفهرس) ويسمى بالملخص لابن أبي الربيع، لقطة رقم:(35). وما نقله ناظر الجيش ليس بالملخص وإنما هو شرح الإيضاح المطول. وانظر أيضا: الهمع (1/ 105).

(3)

سبقت ترجمته في هذا التحقيق.

(4)

البيت من بحر الطويل، وهو لعلقمة بن عبدة من قصيدة سبق الحديث عنها.

وهو في هذا البيت يحدث ممدوحه الحارث وبعده يقول (ديوان علقمة: ص 15).

تقدمه حتّى تغيب حجوله

وأنت لبيض الدّارعين ضروب

اللغة: فارس الجون: هو الممدوح. الجون: الحصان الأسود، آبوا خزايا: رجعوا مهزومين. البيض: -

ص: 872

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فليس (منهم) خبرا لفارس، وإنما هو متعلق بفارس ومن صلته والتقدير: فلولا هذا الذي عظم منهم حاضر أو موجود لآبوا خزايا.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله تعالى عنها: «لولا قومك حديث عهدهم بكفر لأقمت البيت على قواعد إبراهيم» فحديث عهدهم بكفر جملة مستقلة (1) بنفسها، وعهدهم مبتدأ، وحديث خبر، وهي مقدمة من تأخير، والتقدير: لولا قومك لأقمت البيت على قواعد إبراهيم، ثم قال: عهدهم بالكفر حديث؛ كأن ذلك الكلام جواب لم يستفهم فيقول: ما بال هؤلاء القوم يمتنع من ذلك لأجلهم؟ فقيل له: عهدهم بالكفر حديث.

على أن هذه الرواية لم أرها من طريق صحيح، وإن ثبت فتوجيهها ما ذكرته.

والروايات المشهورة في ذلك: لولا حدثان قومك بالكفر، ولولا حداثة قومك بالكفر، ولولا حداثة عهد قومك، ولولا حداثة عهدهم بالشرك، ولولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية إلى غير ذلك». انتهى كلام ابن أبي الربيع [1/ 308].

وإذا تقرر هذا انهدم التفصيل الذي نقله المصنف وقرره.

ويشكل قول المعري:

546 -

فلولا الغمد يمسكه لسالا

وقد خرجه بعضهم على أن (يمسكه) حال والخبر محذوف، ورد بأن الأخفش حكى عن العرب أنهم لا يأتون بعد الاسم الواقع بعد لولا بالحال كما لا يأتون بالخبر، قال (2): لأن الخبر حال في المعنى.

وأنشد ابن عصفور (3) قول الفريعة بنت همام (4): -

- ما يلبس على الرأس. الدّارعين: شجعان الحرب. ضروب: كثير الضرب.

والبيت أتى به ابن أبي الربيع شاهدا على أن خبر لولا واجب الحذف، وأن (منهم) في البيت من صلة المبتدأ وليست خبرا.

والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو مما انفرد به ناظر الجيش دون ابن مالك وأبي حيان.

(1)

في نسخة (ب): مستأنفة.

(2)

القائل هو الأخفش، وانظر رأيه في التذييل والتكميل:(3/ 282).

(3)

لم أجد هذين البيتين ولا ما نقله الشارح عن ابن عصفور في كتابيه: شرح الجمل، والمقرب.

(4)

لم أعثر لها على ترجمة أبدا.

ص: 873

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

547 -

فو الله لولا الله تخشى عواقبه

لحرّك من هذا السّرير جوانبه (1)

وقول الآخر:

548 -

فلولا سلامي عند ذاك وقوّتي

لأبت وفي رأسيّ ماء زئير (2)

ثم خرج البيت الأول على وجهين:

أحدهما: أن تكون تخشى عواقبه جملة اعتراض كأنه قال: لولا الله لحرّك، وبين بجملة الاعتراض السبب الّذي لأجله كان الامتناع من ذلك، وهو خشية عواقب الله سبحانه وتعالى.

والآخر: أن يكون تخشى عواقبه على إضمار أن وإبطال العمل عند إضمارها، ويكون تخشى عواقبه بدل اشتمال من (الله) تعالى، والتقدير: لولا الله خشية عواقبه.

قال: وخرّج أبو الفتح البيت الثّاني على أن يكون (عند) متعلّقا بسلاحي بما فيه من معنى الفعل؛ لأن السلاح يتقوّى به كأنه قال: لولا قواي عند ذلك. انتهى.

وسيأتي الكلام على بقية المذاهب في الاسم الواقع بعد لولا عند تعرض المصنف له. -

(1) البيت من بحر الطويل قالته امرأة في عهد عمر سماها الشارح. وهو واحد من أبيات ستة قالتها المرأة في قصة ذكرها السيوطي في شرحه على المغني (2/ 668) وملخصها: أن عمر بن الخطاب كان يطوف ذات ليلة بالمدينة فسمع تلك المرأة تنشد هذه الأبيات:

تطاول هذا اللّيل واسود جانبه

وأرّقني ألّا خليل ألاعبه

فو الله لولا الله

بيت الشاهد.

وبقية الأبيات شكوى من الوحدة وبعد الزوج.

ثم تنفست الصعداء، وقالت: هان على ابن الخطاب وحشتي في بيتي وغيبة زوجي عني، فدخل عليها عمر وقال لها: يرحمك الله. ولما أصبح

الصباح أمر لها بكسوة ونفقة، وكتب إلى عامله يأمره بتسريح زوجها. وقال: لا أحبس أحدا من الجيش أكثر من أربعة أشهر.

وظاهر البيت: ذكر الخبر بعد لولا، وخرج أيضا على الإبدال أو الاعتراض أو الحال عند من قال به. وقد وضحه الشارح، وعليه فالخبر محذوف.

والبيت في معجم الشواهد (ص 41) وليس في شروح التسهيل الأخرى.

(2)

البيت من بحر الطويل لم أعثر له على قائل، ولم أقف له على مرجع.

وهو في الفخر كما تشير إليه الشطرة الأولى.

وشاهده كسابقه، وانظر حديثا عنه في الشرح.

ص: 874

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الموضع الثاني:

خبر المبتدأ المقسم به بشرط كونه قسما صريحا نحو: لعمرك وايمن الله. وإنما وجب حذف خبره لأن فيه ما في خبر المبتدأ بعد لولا من كونه معلوما مع سد الجواب مسدّه. فلو كان المبتدأ في القسم صالحا لغير القسم نحو: عهد الله - لم يجب الحذف فجائز أن يقال: عهد الله لأفعلن فيحذف الخبر، وعهد الله قسمي لأفعلنّ فيذكر؛ لأن ذكر لعمرك وايمن الله مشعر بالقسم قبل ذكر المقسم عليه بخلاف عهد الله فإنه لا يشعر بالقسم حتى يذكر المقسم عليه ففرق بينهما وجعل أحدهما واجب الحذف والآخر جائزه، ولذلك قال: أو في قسم صريح.

الموضع الثالث:

الخبر الواقع بعد اسم مقرون بواو المصاحبة الصريحة، نحو: أنت ورأيك، وكلّ عمل وجزاؤه، وكلّ ثوب وقيمته، وكلّ رجل وضيعته (1) أي مقترنان ونحوه.

وشرط وجوب الحذف أن تكون الواو نصّا في قصد المصاحبة كما مثل، ولذلك قيدها المصنف بقوله: الصريحة، فلو كان الكلام مع الواو محتملا لقصد المصاحبة ولمطلق العطف لم يجب الحذف نحو قولك: زيد وعمر مقترنان، ولك أن تستغني عن الخبر اتكالا على أن السامع يفهم من اقتصارك عليهما معنى الاقتران والاصطحاب.

وذكر الأخفش في الأوسط له أن في مثل: كلّ رجل وضيعته - قولين للنحاة (2):

أحدهما: أنه لا يحتاج إلى تقدير خبر؛ إذ هو كلام تام لا يحتاج إلى زيادة، ومعناه: كل رجل مع ضيعته وأنت مع رأيك [1/ 309] وإلى هذا ذهب ابن خروف، قال: لا يحتاج إلى حذف خبر لتمامه وصحّة معناه، وإن قدّر مقرونان فلبيان المعنى.

القول الثاني: أن الخبر محذوف كما تقدم وهو قول الجمهور.

قال المصنف (3): «وإنما كان الحذف هنا واجبا؛ لأن الواو وما بعدها قاما مقام مع وما ينجرّ بها مع ظهور المعنى؛ فكما أنك لو جئت بمع موضع الواو ولم تحتج إلى -

(1) في الأصل: كل رجل وصنعته، ثم شرح على ذلك، وهو أيضا صحيح، والضيعة: هي ما يملكه الإنسان من عقار ونحوه.

(2)

انظر: التذييل والتكميل (3/ 283) وهو بنصه. وكتاب الأوسط من مؤلفات الأخفش النحوية.

انظر نشأة النحو (ص 91).

(3)

شرح التسهيل (1/ 277).

ص: 875

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مزيد عليها وعلى ما يليها في حصول الفائدة، كذلك لا يحتاج إليه في اللفظ مع الواو ومصحوبها» انتهى.

وينبغي أن يعلم أن وجوب الحذف هنا لم يدخل تحت الضابط المتقدم، وهو أن يسد غيره مسده؛ لأن الساد مسد الشيء يحل محل ذلك الشيء، ولا شك أن المذكور بعد الواو من تمام المبتدأ؛ إذ هو معطوف عليه والخبر مقدر بعده، فلم تكن الواو وما بعدها سدا مسده، وإنما هذا الكلام محمول على معناه. ولهذا قال المصنف (1):

لأن الواو وما بعدها قاما مقام مع وما ينجر بها مع ظهور المعنى.

وقدر ابن أبي الربيع (2) - في مثل: كل رجل وضيعته - خبرين محذوفين، وجعل الكلام جملتين فقال:«التّقدير: كلّ رجل مع ضيعته وضيعته معه؛ فحذف من الأول ما دلّ الثّاني عليه ومن الثّاني ما دلّ الأول عليه» وهو خلاف الظاهر، ولا دليل عليه.

قال ابن أبي الربيع أيضا (3): «ومما يجري في الاستغناء هذا المجرى: أنت أعلم وربّك، والتقدير: أنت أعلم بربّك وربّك أعلم بك» فجعل خبر المعطوف على المبتدأ محذوفا لدلالة خبر الأول عليه، وهو ظاهر، بخلاف ما قدره في: كل رجل وضيعته.

وأما أنت أعلم ومالك فنقل الشيخ (4) عن أبي القاسم بن القاسم (5) أنه لا يصح عطف مالك على أنت على حد: أنت أعلم وزيد؛ لأنك تضمر له خبرا كخبر المعطوف عليه، والمال لا يعلم، ولا على أعلم لأن المعطوف على الخبر خبر يصح -

(1) المرجع السابق.

(2)

انظر لقطة رقم: (37) من شرح الإيضاح لابن أبي الربيع، ويسمى بالملخص لابن أبي الربيع (ميكروفيلم بمعهد المخطوطات رقم (220) مصنف غير مفهرس نحو).

(3)

المرجع السابق.

(4)

التذييل والتكميل (3/ 285).

(5)

هو القاسم بن القاسم بن عمر بن منصور أبو محمد الواسطي النحوي اللغوي، ولد سنة (550 هـ)، كان أديبا فاضلا، وكان نحويّا لغويّا، قرأ النحو على مصدق بن شبيب واللغة على هبة الله بن أيوب.

أقام بحلب يفيد النحو واللغة وفنون العلم وتوفي سنة (626 هـ).

مصنفاته: شرح اللمع، شرح التصريف الملوكي، شرح المقامات على حروف المعجم (ترجمته في: بغية الوعاة 2/ 260).

ص: 876

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

انفراده؛ ولو قلت: أنت مالك لم يصح، ولا على الضمير المستتر في أعلم لوجوه:

منها: أن استتاره غير مؤكد.

ومنها: أن أفعل التفضيل لا يرفع الظاهر إذا وليه، فكذلك إذا عطف على مضمر رفعه.

قال (1): «واذا استحالت هذه الأوجه كان معطوفا على أنت، لا على ذلك الوجه، بل هو بمنزلة شاة ودرهم، يعني إذا قلت: الشاة شاة ودرهم كان الشّاة مبتدأ، وشاة مبتدأ ودرهم خبره، والجملة خبر الأول» .

قال الشيخ (2): وذهب أبو بكر بن طاهر إلى أنه معطوف؛ لأن الأصل بمالك فوضعت الواو موضع الباء فعطفت على ما قبلها ورفعت ما بعدها في اللّفظ وهو بمعنى الباء متعلقة بأعلم. قال (3):

وهذا أقرب لتفسير كلام سيبويه؛ لأنه قال في الواو: يعمل فيما بعدها المبتدأ (4)؛ يريد أنك تعطفه على أعلم فيعمل فيه ما عمل في أعلم وهو المبتدأ.

وكما اختلفوا في: كل رجل وضيعته: هل يقدر فيه خبر أو لا، اختلفوا في قولهم: حسبك ينم النّاس؛ فذهب جماعة إلى أنه مبتدأ لا خبر له؛ لأن معناه اكفف؛ وهو اختيار أبي بكر بن طاهر (5). وقيل: الخبر محذوف، التقدير:

حسبك السكوت ينم الناس، وهذا على قول من قال:«إنّ الحركة في حسبك حركة إعراب» وهو قول الجمهور.

وحكى أبو زرعة (6) وهو أحد أصحاب المازني أن أبا عمرو بن العلاء قال: -

(1) القائل هو أبو القاسم بن القاسم.

(2)

التذييل والتكميل (3/ 286).

(3)

القائل هو أبو حيان في سفره السابق.

(4)

كتاب سيبويه: (1/ 301). ونصه: لأنّ الواو يعمل فيما بعدها ما عمل في الاسم الّذي تعطفه عليه.

(5)

التذييل والتكميل (3/ 286)، والهمع (1/ 105).

(6)

هو أبو يعلي محمد بن أبي زرعة الباهلي النحوي ولد سنة (257 هـ)، أحد أصحاب المازني. قال عنه الزبيدي بعد ذكر طبقة المازني:

ثم برع بعد هذه الطبقة محمد بن يزيد المبرد وأبو يعلى بن أبي زرعة.

وقال عنه الفارسي: كان أبو يعلي أحذق من المبرّد، وإنّما قلّ عنه لأنه عوجل.

له نكت على كتاب سيبويه (انظر ترجمته في: بغية الوعاة 1/ 104).

ص: 877

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حسبك ينم النّاس مبنيّة على الضم؛ لأنّها اسم مسمّى بها الفعل مثل [1/ 310] رويد، والكاف حرف خطاب، وكان حسب معربا قبل ذلك (1).

الموضع الرابع:

الخبر الواقع قبل حال يكون المبتدأ المخبر عنه بذلك الخبر أو معمول المبتدأ مصدرا عاملا في مفسر صاحب الحال أو مؤولا بذلك نحو: ضربي زيدا قائما، وكل شربي السويق ملتوتا و «أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد» (2)؛ فهذه ثلاثة أمثلة اشتمل عليها كلام المصنف:

فالأول: مثال لما المبتدأ فيه مصدر عامل في المفسر المذكور.

والثاني: مثال لقوله: أو معموله؛ فإن المبتدأ فيه لفظ كل، والمصدر معمول له بالإضافة، وهو عامل في المفسر.

والثالث: مثال لقوله: أو مؤوّلا بذلك؛ يعني يكون المبتدأ مؤولا بالمصدر المذكور؛ فأن ما يكون مؤولا بالكون، وأقرب الكون كون، وأفعل التفضيل لا يضاف إلا لما هو بعضه.

ومثل كل شربي السويق ملتوتا: بعض ضربك زيدا بريئا، ومعظم كلامي معلما. ومثل أقرب ما يكون: أخطب ما يكون الأمير قائما.

وكمثله أيضا قول الشاعر:

549 -

خير اقترابي من المولى حليف رضا

وشرّ بعدي عنه وهو غضبان (3)

-

(1) انظر هذه الرواية عن هؤلاء الأعلام في التذييل والتكميل (3/ 286).

(2)

حديث للنبي صلى الله عليه وسلم في مسند الإمام أحمد بن حنبل مروي عن أبي هريرة (2/ 221) وهو أيضا في سنن النسائي (2/ 116) في

كتاب الافتتاح وبعده قوله: «فأكثروا من الدعاء» .

وكذلك هو في كتاب الترغيب والترهيب للمنذري: (1/ 145) وقال: رواه مسلم.

(3)

البيت من بحر البسيط، وهو من الحديث عن النفس والوصف، فقائله - وهو مجهول - يخبر عن نفسه أنه يكون قريبا من صديقه إذا كان صديقه صافيا فإذا غضب الصديق فإن الشاعر يبتعد عنه.

ويستشهد بالبيت على: أن حليف رضا حال سدت مسد الخبر، والمبتدأ وإن لم يكن مصدرا إلا أنه مضاف إلى المصدر، والمضاف جزء وبعض من المضاف إليه حيث إنه أفعل تفضيل. وفيه شاهد آخر سيأتي بعد في هذا الموضع أيضا. -

ص: 878

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لأن خير الاقتراب اقتراب.

وتقدير ضربي زيدا قائما: ضربي زيدا إذا كان قائما، فالمبتدأ ضربي وخبره إذا، وكان تامة، وقائما حال من فاعلها وهو الضمير فهو صاحبها، وزيدا تفسيره، وهذا معنى قوله: عاملا في مفسّر صاحبها.

واحترز بذلك من مصدر لا يكون كذلك نحو: ضربي زيدا قائما شديد؛ فالمبتدأ فيه مصدر عامل في صاحب الحال وفيها، فلم يصلح أن يغني عن خبره؛ لأنها من صلته (1).

وكذلك لو جعلت عاملها كان مقدرا مضافا إليها إذا وعلقت المضاف بالمصدر - فإن الحال حينئذ لا يغني عن الخبر؛ لأنها معمولة لما أضيف إليه معمول المصدر؛ فالجميع من صلته، فلا يغني شيء منه عن الخبر (2).

وتناول الاحتراز أيضا قولهم: حكمك مسمّطا (3)؛ فإن المبتدأ فيه مصدر مستغنى عن خبره بحال استغناء شاذّا؛ لأن صاحب الحال ضمير عائد على المبتدأ الذي هو حكمك، بخلاف ضربي زيدا قائما؛ فإن صاحب الحال فيه فاعل كان المقدرة، وهو ضمير عائد على زيد، وزيد معمول المصدر المجعول مبتدأ، والتقدير:

حكمك لك مسمطا أي مثبتا، فصاحب الحال الضمير المستكن في لك، وهو عائد على المصدر؛ فالحذف في هذا ونحوه شاذ غير لازم، وفي نحو: ضربي زيدا قائما -

- والبيت في: التذييل والتكميل (3/ 306) وهو في معجم الشواهد (ص 393).

(1)

معناه أن المصدر لا يعمل إلا في مفسر صاحب الحال، وهو زيد في المثال، ويكون الحال معمولا لكان المقدرة، فإذا عمل المصدر في المفسر وفي الحال معا كالمثال المذكور، فلا تغني الحال عن الخبر؛ لأنها أصبحت من صلة المصدر.

(2)

معنى هذا الكلام أنه على فرض أن جعلت عامل الحال كان المقدرة هي وفاعلها، وجعلت جملة الفعل والفاعل مضافا إليه، والمضاف إذا وجعلت إذا الظرفية متعلقة بالمصدر - فلا بد من ذكر الخبر؛ لأن الجميع تعلق بالمصدر:

المصدر عامل في إذا، وإذا عملت في كان، وكان عملت في الحال، والشرط أن يعمل المصدر في مفسر صاحب الحال وحده، وهو الاسم الظاهر «زيد في المثال» .

(3)

بضم الميم وفتح السين وتشديد الميم مفتوحة. مثل من أمثال العرب (مجمع الأمثال: 1/ 429) وهو في مجمع الأمثال بالرفع على الخبرية التي هي الأصل. والمسمط المرسل الذي لا يرد، ومعناه: -

ص: 879

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وما تقدم معه من الأمثلة ملتزم.

وليس وجود المفعول في هذه المسألة شرطا، بل يجوز سد الحال مسد خبر المصدر مع كونه من فعل لازم كقولك: قيامك محسنا، وإحسانك قائما.

قال المصنف (1): «وهذا النّوع أيضا داخل تحت قولي: إذا كان المبتدأ عاملا في مفسّر صاحبها؛ فإنّ المضاف عامل فى المضاف إليه» انتهى.

والتقدير: قيامك إذا كنت محسنا، وإحسانك إذا كنت قائما؛ فصاحب الحال ضمير المخاطب المرفوع بكان، وهو غير محتاج إلى مفسر، ويقتضي عبارة المصنف أن الكاف المضاف إليها المصدر هي المفسرة، وليس كذلك؛ إلا أن يراد بالتفسير الدلالة على المحذوف فيستقيم [1/ 311].

وقد ذكروا أن الحال في مثل: ضربي زيدا قائما - يجوز أن يكون للمتكلم وتقديره: ضربي زيدا إذا كنت قائما؛ فالحال من التاء، والمبتدأ مصدر عامل في الياء (2) بالإضافة، وهي مفسر التاء التي هي صاحب الحال، أي تدل عليها كما قلنا في: قيامك محسنا (3).

- حكمك جائز لا يعقب، ويروى المثل: حذ حكمك مسمّطا أي: جائزا نافذا.

(1)

شرح التسهيل (1/ 279).

(2)

في نسخة (ب): مصدر عامل في التاء، وهو خطأ.

(3)

إلى هنا والكلام في هذه المسألة سهل ولا غموض فيه. وظهر في المسألة المبتدأ والخبر والمطلوب فيها. ثم انظر بعد ذلك ما كتبه النحاة وما ألفوه في وجوه هذه المسألة، وكيف اختلفوا فيها اختلافا يكد الذهن ويتعب القلب، ووصل الأمر بهم إلى أن أفردوا لها مؤلفات خاصة.

قال السيوطي: (الهمع 1/ 105): وهذه المسألة طويلة الذّكر كثيرة الخلاف، وقد أفردتها قديما بتأليف مستقلّ.

وأبو حيان يكتب فيها أكثر من ثلاثين صفحة في كتابه المشهور (التذييل والتكميل 3/ 287 - 313) ويتبعه شارحنا فيكتب أكثر مما كتبه أبو

حيان، وينقل لنا عن بهاء الدين بن النحاس (سبقت ترجمته) نقلا طويلا يقارب العشرين صفحة.

والعجب أن المسألة قليلة الاستعمال في كلامنا، وأعجب من ذلك أمثلتهم الغريبة وافتراضاتهم البعيدة، انظر إلى ما مثلوا به فيها: قيامك مسرعا نفسك نفسه نفسه، وكثير مثله.

ومع أننا نجل القديم ونحترمه، إلا أن مثل هذا يفتح باب القيل والقال للمحدثين من أنصاف المتعلمين وغيرهم.

ص: 880