الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تعدد الخبر وأنواعه]
قال ابن مالك: (وقد يكون للمبتدأ خبران فصاعدا بعطف وغير عطف، وليس من ذلك ما تعدّد لفظا دون معنى، ولا ما تعدّد لتعدّد صاحبه حقيقة أو حكما).
ــ
أي لا أنا أرى باغيا، فحذف الفعل الذي هو أرى وهو خبر أنا، وجعل باغيا دليلا عليه، وهذا أولى من جعل لا رافعة لأنا اسما ناصبة لباغيا خبرا، فإن إعمال لا في معرفة غير جائز بإجماع. انتهى (1).
وعن علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه و)(2) رضي الله تعالى عنه أنه قرأ ونحن عصبة (3) بالنصب.
قال ناظر الجيش: تعدد الخبر على ثلاثة أضرب:
أحدها: أن يتعدد لفظا ومعنى لا لتعدد المخبر عنه كقوله تعالى: وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (4) ومنه قول الراجز:
652 -
من يك ذا بتّ فهذا بتّي
…
مقيّظ مصيّف مشتّي (5)
-
(1) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (1/ 325).
وقوله: غير جائز بإجماع، قال العيني في شرح شواهده على الألفية (حاشية الصبان: 1/ 253):
«وقد ذهب إليه أبو الفتح وابن الشّجري» . وسيأتي ذكر آراء النحاة في عمل لا عمل ليس في المعرفة في هذا التحقيق.
(2)
ما بين القوسين ساقط من نسخة الأصل، وهو من نسخة (ب).
(3)
سورةيوسف: 14.
وفي البحر المحيط (5/ 283) قال أبو حيان: «وروى النزّال بن سبرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
وَنَحْنُ عُصْبَة بالنصب وقيل: معناه: ونحن نجمع عصبة، فيكون الخبر محذوفا وهو عامل في عصبة وانتصب عصبة على الحال، وهذا كقول العرب: حكمك مسمّطا حذف الخبر.
قال المبرد: وقال الفرزدق: يالهذم: حكمك مسمّطا».
(4)
سورة البروج: 14 - 16.
(5)
البيتان من رجز رؤبة في مدح كساء له، وهما من ملحقات الديوان (ص 189) وكذلك هما أيضا في معجم الأدباء (11/ 151) في ترجمة رؤبة.
اللغة: البتّ: كساء غليظ وقيل طيلسان من خز. مقيظ: بكسر الياء المشددة أي يصلح للاستعمال في -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقول الآخر:
653 -
ينام بإحدى مقلتيه ويتّقي
…
بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع (1)
وعلامة هذا النوع صحة الاقتصار على واحد من الخبرين أو الأخبار.
والثاني: أن يتعدد لفظا ومعنى لتعدّد المخبر عنه حقيقة كقولك: بنو زيد فقيه ونحويّ وكاتب ومنه قول الشاعر:
654 -
يداك يد خيرها يرتجى
…
وأخرى لأعدائها غائظة (2)
أو لتعدد المخبر عنه حكما كقوله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ (3) ومنه قول الشاعر:
655 -
والمرء ساع لأمر ليس يدركه
…
والعيش شحّ وإشفاق وتأميل (4)
-
- وقت القيظ. مصيّف مشتّي: أي يصلح للاستعمال في الصيف والشتاء.
وقد استشهد بالبيت على تعدد الخبر لمبتدأ واحد لفظا ومعنى بلا عاطف.
والبيت في: شرح التسهيل (1/ 326) وفي التذييل والتكميل (4/ 88) وفي معجم الشواهد (ص 450).
(1)
البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة لحميد بن ثور في وصف ذئب، وهي في ديوانه (ص 105) ويوجد كثير منها في الشعر والشعراء:(1/ 398) وقد صدرها ابن قتيبة بقوله: «ومما يستجاد لحميد قوله في وصف ذئب» .
وحميد في بيت الشاهد: يصف ذئبه بالحذر والانتباه واليقظة.
والشاهد في البيت قوله: فهو يقظان نائم، حيث أخبر عن المبتدأ الواحد بخبرين مختلفين في اللفظ والمعنى.
والبيت في: شرح التسهيل (1/ 326) وهو كذلك في: التذييل والتكميل (4/ 88) وفي معجم الشواهد (ص 341).
(2)
البيت من بحر المتقارب، وهو لطرفة بن العبد يصف ممدوحه بالكرم، وقد سبق ذكره مع بيتين آخرين لشاهد آخر في باب الضمير. وهو في: شرح التسهيل (1/ 326) وفي التذييل والتكميل (4/ 88).
أما شاهده هنا: فهو تعدد الخبر لفظا ومعنى لتعدد المخبر عنه، وذلك في قوله:
يداك يد خيرها يرتجى
…
وأخرى ......
إلخ
(3)
سورة الحديد: 20.
(4)
البيت من بحر البسيط قائله عبدة بن الطبيب، وهو من الحكم، وقد سبق الاستشهاد به عند الحديث عن تعيين المضارع للحال بدخول أدوات عليه ومنها ليس.
وشاهده هنا: مجيء الخبر متعددا؛ الأن المخبر عنه متعدد حكما أيضا. وهو في: شرح التسهيل (1/ 326).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والثالث: أن يتعدد لفظا دون معنى لقيامه مقام خبر واحد في اللفظ والمعنى كقولك: هذا حلو حامض، بمعنى مزّ، وكقولك: هو أعسر أيسر بمعنى أضبط أي عامل بكلتا يديه، فما كان من النوع الأول صح أن يقال فيه خبران
وثلاثة بحسب تعدده، وما كان من النوع الثاني والثالث فلا يعبر عنه بغير الواحدة إلا مجازا؛ لأن الإفادة لا تحصل فيه عند الاقتصار على بعض المجموع، ويجوز استعمال الأول بعطف ودون عطف بخلاف الثاني، فلا يستعمل دون عطف.
وأما الثالث: فلا يستعمل فيه العطف؛ لأن مجموعه بمنزلة مفرد؛ فلو استعمل فيه العطف لكان كعطف بعض كلمة على بعض.
وقد أجاز العطف أبو علي، فعنده أن قول القائل: هذا حلو وحامض جائز (1)، وليس كذلك لما ذكرته.
هذا كلام المصنف رحمه الله تعالى، وهو [1/ 380] في غاية النظافة (2).
بقيت هنا الإشارة إلى أمرين:
الأول:
أن من النحاة من منع تعدد الخبر دون حرف العطف.
قال ابن عصفور في المقرب (3): «ولا يقتضي المبتدأ أزيد من خبر واحد من غير عطف؛ إلّا أن يكون الخبران فصاعدا في معنى خبر واحد» (4)، وقال في شرحه لذلك: وإذا قلت: زيد ذاهب راكب كان الاسمان في معنى اسم واحد، وكأنك قلت: زيد جامع بين الذّهاب والرّكوب بخلاف إذا قلت: زيد ذاهب وراكب؛ فإنه يجوز لأنك أخبرت عن زيد بخبرين مستقلّين».
وتبعه على ذلك الشيخ، وقال (5):«هذا هو اختيار من عاصرناه من الشّيوخ» . -
(1) قال في التصريح: «ويمتنع العطف على الأصحّ؛ لأنّ العطف يقتضي المغايرة، فلا يقال: الرمان حلو وحامض خلافا للفارسيّ في أحد قوليه» . (التصريح: 1/ 182).
(2)
شرح التسهيل: (1/ 327) وقد لخصه أبو حيان في شرحه: (4/ 89) وما بعدها.
(3)
انظر نصه في الكتاب المذكور: (1/ 86).
(4)
وبقية كلامه أن مثّل فقال: نحو قولهم: هذا حلو حامض أي مزّ، وانظر أيضا شرح الجمل له:(1/ 343، 344) - بتحقيق الشغار وإميل يعقوب.
(5)
التذييل والتكميل (4/ 89).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: «وقد أجاز سيبويه: هذا رجل منطلق على أنّهما خبران على الجمع، وكذلك أجاز: هذا زيد منطلق على الجمع (1)» . انتهى.
وعلى هذا إذا أخبر عن المبتدأ بأزيد من واحد، فإن قلنا بجواز تعدد الخبر كان كل واحد من الخبرين أو الأخبار بانفراده خبرا عن المبتدأ المذكور، وإن منعنا جواز التعدد فقد ذكروا أن في إعرابه وجهين:
أحدهما: أن يكون كل واحد منهما أو منها خبر مبتدأ محذوف، فإذا قلت:
زيد نحوي كاتب شاعر كان التقدير: هو شاعر هو كاتب.
الثاني: أن يجعل المجموع خبرا واحدا كأنك قلت: زيد الجامع لهذه الأوصاف.
وإذا حقق الناظر نظره لا يجد على منع تعدد الخبر دون عطف لمبتدأ واحد دليلا؛ فالحق أنه جائز كما قال المصنف.
وإذا قلنا بجواز التعدد مع كون المبتدأ واحدا جاز في المتعددين أن يتفقا في الإفراد وغيرها، وجاز أن يختلفا، فيكون أحدهما من قبيل المفرد والآخر من قبيل الجملة، وهو الذي يقتضيه إطلاق النحويين ولكن أبا علي منع ذلك، وقد يستدل على الجواز بقوله تعالى: فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (2) وقوله تعالى: فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (3).
الأمر الثاني:
للناس بحث في مثل: هذا حلو حامض هل فيهما ضميران، أو الثاني هو -
(1) قال سيبويه: (2/ 83) «هذا باب ما يجوز فيه الرّفع ممّا ينتصب في المعرفة، وذلك قولك: هذا عبد الله منطلق، حدثنا بذلك يونس وأبو الخطّاب ممّن يوثق به من العرب.
وزعم الخليل رحمه الله أن رفعه يكون على وجهين:
فوجهه أنك حين قلت: هذا عبد الله أضمرت هذا أو هو، كأنّك قلت: هذا منطلق. أو هو منطلق والوجه الآخر أن تجعلهما جميعا خبرا لهذا كقولك: هذا حلو حامض لا تريد أن تنقض الحلاوة، ولكنك تزعم أنه جمع الطّعمين، وقال الله عز وجل: كَلَّا إِنَّها لَظى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوى [المعارج: 15، 16] وزعموا أنها في قراءة أبي عبد الله (كنية عبد الله بن مسعود): (وهذا بعلي شيخ)[هود: 72] قال: سمعنا ممن يروي هذا الشعر من العرب يرفعه:
من يك ذا بتّ فهذا بتّى
…
مقيّظ مصيّف مشتّي»
(2)
سورة النمل: 45.
(3)
سورةطه: 20.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المتحمل للضمير دون الأول، ونقل عن الفارسي (1) أنه ليس إلا ضمير واحد تحمله الثاني؛ لأن الأول تنزل من
الثاني منزلة الجزء منه، وصار الخبر إنما هو بتمامها.
والذي عليه المحققون أن كل واحد منهما فيه ضمير من جهة كونه مشتقّا؛ قالوا:
ولا يلزم من تحمل المشتق ضميرا أن يكون ذلك المشتق مستقلّا؛ لأن ضمير المشتق ليس معتدّا به كل الاعتداد، بل هو شيء يثبت تقديرا، ولذا ثنوا اسم الفاعل وجمعوه وإن كان فيه ضمير.
ولو روعي الضمير فيه لم يثن ولم يجمع كما لو رفع ظاهرا، ومقتضى هذا التقرير أن العائد على المبتدأ هما الضميران معا، والفائدة حصلت بالرافعين والمرفوعين (2).
لكن الذي يقتضيه كلام ابن عمرون أن العائد على جهة الاستقلال هو من طريق المعنى. وكان الشيخ بهاء الدين بن النحاس أوضح كلامه، فقال في تعليقه على المقرب:«إن العائد على جهة الاستقلال هو في طريق المعنى ضمير آخر غير الضّميرين اللّذين تحمّلهما المشتقّ من طريق المعنى؛ لأن المعنى: هذا مزّ، قال (3): ولا يكون ذلك الضمير العائد في حلو [1/ 381] على انفراده؛ لأنه حينئذ يكون مستقلّا بالخبريّة وليس المعنى عليه، ولا في حامض على انفراده لذلك أيضا، ولا فيهما لأنهما حينئذ يكونان قد رفعا ذلك الضّمير، فيلزم اجتماع العاملين على معمول واحد، وإنّه لا يجوز» انتهى.
وقوله (4): ولا فيهما لأنهما حينئذ يكونان قد رفعا ذلك الضمير فيلزم
…
إلى آخره ممنوع؛ لأن كلّا منهما قد رفع الضمير الذي هو مستتر فيه، والضميران عائدان معا إلى المبتدأ، ويمتنع أن ثم ضميرا ثالثا يعود على المبتدأ؛ ليلزم منه ما ذكره.
وأما إذا قلت: هذا حلو حامض طعمه فهل يكون الظاهر مرفوعا بالثاني أو بالأول فالحق أن طعمه مبتدأ مخبر عنه بما تقدم؛ لأن التنازع في سببي مرفوع غير جائز، -
(1) التذييل والتكميل (4/ 90) وانظر بحثا لطيفا في هذا الموضوع في كتاب الحجة لأبي علي الفارسي (1/ 198) وما بعدها (طبعة دمشق).
(2)
انظر شرح الرضي على الكافية: (1/ 100) قال بعد أن ذكر آية وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ: ففي كل واحد ضمير يرجع إلى المبتدأ إن كان مشتقّا، ولا إشكال فيه.
(3)
أي ابن النحاس في تعليقه على المقرب، وانظر التعليقة ورقة 38، مخطوطة مكتبة الأزهر رقم 4947 من رواق المغاربة.
(4)
أي ابن النحاس في تعليقه على المقرب أيضا.