المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الوصف الرافع للاسم وأحكامه] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٢

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثامن باب الاسم العلم

- ‌[تعريف العلم]

- ‌[تقسيم العلم إلى منقول ومرتجل]

- ‌[تقسيم العلم إلى مفرد ومركب/ تقسيم المركب]

- ‌[تقسيم العلم إلى اسم وكنية ولقب]

- ‌[أحكام العلم ذي الغلبة]

- ‌[أحكام العلم ذي الأداة]

- ‌[تنكير العلم بالتثنية والجمع والإضافة وأحكام ذلك]

- ‌[مسميات الأعلام]

- ‌[حكم الصرف وعدمه لأنواع الأعلام]

- ‌[حكم أفعل وصفا للنكرة]

- ‌[حكم الأعداد من التعريف وغيره والصرف وغيره]

- ‌[حكم الكنايات من العلمية أو غيرها]

- ‌الباب التاسع باب الموصول

- ‌[تقسيم الموصول وتعريف كل قسم]

- ‌[الموصول من الأسماء وأنواعه - الموصولات الخاصة]

- ‌[جمع الذي والتي]

- ‌[الموصولات المشتركة ومعناها]

- ‌[حذف عائد الموصول بأنواعه]

- ‌[حكم أي الموصولة من البناء والإعراب]

- ‌[حكم أنت الذي فعل وفعلت]

- ‌[حكم وقوع شبه الجملة صلة للموصول]

- ‌[من وما ومراعاة اللفظ أو المعنى فيها]

- ‌[من وما: أنواعهما - معناهما]

- ‌[أنواع أيّ وأحكام كل نوع]

- ‌[الموصولات الحرفية - أن وكي وما ولو - وأحكامها]

- ‌[أحكام الموصول مع صلته]

- ‌الباب العاشر باب اسم الإشارة

- ‌[تعريفه - أنواعه]

- ‌[مرتبة المشار إليه]

- ‌[هاء التنبيه وأحكامها]

- ‌[فصل هاء التنبيه عن اسم الإشارة]

- ‌[إلحاق كاف الخطاب بأسماء الإشارة]

- ‌[إلحاق كاف الخطاب لبعض الكلمات الأخرى]

- ‌[تبادل أسماء الإشارة]

- ‌[الإشارة إلى المكان]

- ‌الباب الحادي عشر باب المعرّف بالأداة

- ‌[اختلافهم في الأداة]

- ‌[أنواع أل]

- ‌[حكم أل التي للجنس]

- ‌[أل الزائدة ومواضع الزيادة]

- ‌[مدلول إعراب الاسم من رفع أو نصب أو جر]

- ‌الباب الثاني عشر باب المبتدأ

- ‌[تعريفه - نوعاه]

- ‌[عامل الرفع في المبتدأ والخبر]

- ‌[الوصف الرافع للاسم وأحكامه]

- ‌[حذف الخبر جوازا ووجوبا ومسائل ذلك]

- ‌[مسألة ضربي زيدا قائما وبقية الحديث فيها]

- ‌[رفع الحال المنصوبة على الخبرية]

- ‌[إعراب الاسم المرفوع بعد لولا]

- ‌[الحال السادة مسد الخبر ووقوعها جملة]

- ‌[حذف المبتدأ جوازا ووجوبا ومسائل ذلك]

- ‌[حكم قولهم: زيد والريح يباريها - وقولهم: راكب الناقة طليحان]

- ‌[المبتدأ والخبر من جهة التعريف والتنكير]

- ‌[مواضع الابتداء بالنكرة]

- ‌[إعراب قولهم: كم مالك؟ وقولهم: ما أنت وزيد

- ‌[بعض مسائل تقديم الخبر]

- ‌[حكم «في داره زيد» وأشباهه]

- ‌[بقية مسائل تقديم الخبر وجوبا]

- ‌[الخبر: تعريفه وأنواعه وحديث طويل عنه]

- ‌[الخبر المشتق وغيره، وحكمهما في تحمل ضمير المبتدأ]

- ‌[استكنان الضمير الرابط وبروزه]

- ‌[أنواع الخبر الجملة، وحكم بعض الجمل في وقوعها أخبارا]

- ‌[روابط الخبر الجملة - جمل لا تحتاج إلى رابط]

- ‌[حكم الضمير الرابط من جواز حذفه أو بقائه]

- ‌[مجيء الخبر ظرفا والآراء في ذلك]

- ‌[حكم وقوع ظرف الزمان خبرا عن اسم العين والمعنى]

- ‌[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ونصبه وجره]

- ‌[جواز رفع ظرف المكان الواقع خبرا ونصبه]

- ‌[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ووجوب نصبه]

- ‌[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ونصبه]

- ‌[جواز رفع المصدر الواقع خبرا ونصبه]

- ‌[تعدد الخبر وأنواعه]

- ‌[تعدد المبتدأ ونوعاه]

- ‌[اقتران الخبر بالفاء وجوبا وجوازا الأحكام وشروط ذلك]

- ‌[مسائل مختلفة في اقتران الخبر بالفاء]

الفصل: ‌[الوصف الرافع للاسم وأحكامه]

[الوصف الرافع للاسم وأحكامه]

قال ابن مالك: (ولا خبر للوصف المذكور لشدّة شبهه بالفعل؛ ولذا لا يصغّر ولا يوصف ولا يعرّف ولا يثنّى ولا يجمع إلّا على لغة (يتعاقبون فيكم ملائكة)، ولا يجري ذلك المجرى باستحسان إلّا بعد استفهام أو نفي؛ خلافا للأخفش، وأجري في ذلك: غير قائم ونحوه مجرى: ما قائم).

قال ناظر الجيش: قد تقدم أن أحد قسمي المبتدأ وصف يرفع ما يليه ويسد مرفوعه مسد خبره وإياه عنى الآن

بقوله: ولا خبر للوصف المذكور. وبين أن سبب استغنائه عن الخبر شدة شبهه بالفعل؛ لأن قولك: أضارب الزيدان بمنزلة أيضرب الزّيدان. فكما لا يفتقر أيضرب الزيدان إلى مزيد في تمام الجملة كذلك لا يفتقر ما هو بمنزلته، ولأن المطلوب من الخبر إنما هو تمام الفائدة بوجود مسند ومسند إليه، وذلك حاصل بالوصف المذكور ومرفوعه، فلم يحتج إلى خبر لا في اللفظ ولا في التقدير. ولذا خطئ من عد هذا مع المبتدآت المحذوفة الأخبار؛ لأن المبتدأ المحذوف الخبر لو قدرت له خبرا لم يلزم من تقديره ذكر ما لا فائدة فيه، وهذا بخلاف ذلك.

قال الشيخ (1): «وكأنّ هذا التركيب - يعني أضارب الزيدان ونحوه - أخذ شبها من باب الفاعل من حيث إن فيه فاعلا مسكوتا عليه يتم الكلام به؛ ومن باب المبتدأ من حيث إنّ فيه اسما مرفوعا لم يتقدمه رافع لفظيّ؛ ولشدة شبه الوصف المذكور لم يجز تصغيره ولا وصفه ولا تعريفه ولا تثنيته ولا جمعه؛ لأن ذلك كلّه من خصائص الأسماء المحضة» .

قال الشيخ (2): وليس مختصّا بانتفاء هذه الأشياء عنه في هذا التركيب؛ بل اسم الفاعل واسم المفعول العاملان عمل الفعل حكمهما ذلك في هذا الباب وفي غيره؛ فلا يقال: أضويرب الزيدان، ولا أمضيريب العمران، ولا أضارب عاقل الزيدان، ولا آلقائم أخواك؟ (3). -

(1) التذييل والتكميل (3/ 271).

(2)

المرجع السابق (3/ 271).

(3)

المثال الأول فيه تصغير لاسم الفاعل، والثاني تصغير لاسم المفعول، والثالث لتعريفه بالألف واللام، وجميعها اعتمدت على استفهام.

ص: 861

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واعلم أن من قال من العرب: يفعلان الزيدان ويفعلون الزيدون قال هنا: أفاعلان الزيدان، وأفاعلون الزيدون، وكأن الوصف مبتدأ وما بعده فاعل سد مسد الخبر، وإلى هذا أشار بقوله: إلّا على لغة (يتعاقبون فيكم ملائكة)(1).

وقد أشير إلى هذه اللغة في باب الإعراب وسيأتي ذكرها مستوفى في باب الفاعل إن شاء الله تعالى (2)[1/ 303].

والحاصل: أن الوصف المذكور إما ألا يطابق ما بعده فيتعين جعله مبتدأ، وما بعده فاعل سد مسد خبره كما تقدم، وإما أن يطابق في غير الإفراد نحو:

أقائمان الزيدان وأقائمون الزيدون، فيجوز فيه ما جاز في القسم الأول، وذلك على اللغة التي أشار إليها المصنف.

ويجوز أن يكون الوصف خبرا مقدما وما بعده المبتدأ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:

«أو مخرجيّ هم؟» (3) محتمل للوجهين، وإما أن يطابق في الإفراد نحو: أقائم زيد؛ فيجوز في الوصف أن يكون

مبتدأ وما بعده مرفوع به، ويجوز أن يكون خبرا مقدما وما بعده المبتدأ والوجه الأول أرجح. -

(1) جزء من حديث في صحيح البخاري: (1/ 110) في: باب فضل صلاة العصر ونصه: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة باللّيل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر. ثمّ يعرج الّذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون:

تركناهم وهم يصلّون، وأتيناهم وهم يصلّون».

(2)

قال ناظر الجيش في باب الفاعل: «إذا تقدّم الفعل على المسند إليه فاللغة المشهورة ألا تلحقه علامة تثنية ولا جمع، بل يكون لفظه قبل غير الواحد والواحدة، فلفظه قبلهما، ومن العرب من يوليه قبل الاثنين ألفا وقبل المذكرين واوا، وقبل الإناث نونا على أنها حروف مدلول بها على حال الفاعل الآتي قبل أن يأتي كما دلت تاء فعلت هند على تأنيث الفاعلة قبل أن يذكر اسمها، والعلم على هذه اللّغة قول بعض العرب: أكلوني البراغيث، وقد تكلّم بها النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «يتعاقبون فيكم ملائكة باللّيل وملائكة بالنّهار» .

(3)

الحديث في صحيح البخاري (1/ 2 - 4) وهو أول حديث رواه البخاري في صحيحه في باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خبر نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتعبد في غار حراء، ثم ذهابه إلى زوجه خديجة فطمأنته وانطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان يعرف الكتب السابقة، فأخبره الرسول صلى الله عليه وسلم بما رأى فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزله الله على موسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله:«أو مخرجيّ هم؟» قال: نعم

إلخ.

ص: 862

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: ولا يجري ذلك المجرى باستحسان إلى آخره - يريد أن الوصف المشار إليه لا يحسن عند سيبويه الابتداء به على الوجه الذي تقرر إلا بعد استفهام أو نفي.

قال المصنف: وإن فعل به ذلك دون استفهام أو نفي قبح عنده دون منع. هذا مفهوم كلامه في باب الابتداء ولا معارض له في غيره، ومن زعم أن سيبويه لم يجز جعله مبتدأ إذا لم يل استفهاما ولا نفيا فقد قوّله ما لم يقل.

وسرد الشيخ كلام سيبويه في باب الابتداء لينظر فيه فقال (1):

قال سيبويه في باب الابتداء (2): «وزعم الخليل رحمه الله أنه يستقبح أن يقول: قائم زيد؛ وذلك إذا لم تجعل قائما مبنيّا مقدما على المبتدأ كما تؤخر وتقدم فتقول:

ضرب زيدا عمرو، وعمرو على ضرب مرتفع، وكان الحد أن يكون مقدما ويكون زيد مؤخرا، وكذلك هذا الحد فيه أن يكون الابتداء فيه مقدّما، وهذا عربيّ جيد، وكذلك قولك: تميميّ أنا، ومشنوء من يشنؤك، ورجل عبد الله وخزّ صفتك.

فإذا لم يريدوا هذا المعنى وأرادوا أن يجعلوه فعلا كقوله: يقوم زيد وقام زيد - قبح لأنه؛ اسم وإنما حسن عندهم

أن يجري مجرى الفعل إذا كان صفة جرى على موصوف أو جرى على اسم قد عمل فيه، كما أنه لا يكون مفعولا في ضارب حتى يكون محمولا على غيره، فتقول هذا ضارب زيد وأنا ضارب زيد؛ ولا يكون ضارب زيدا على ضربت زيدا وضربت عمرا (3) فكما لم يجز هذا كذلك استقبحوا أن يجري مجرى الفعل المبتدأ، وليكون بين الفعل والاسم فصل وإن كان موافقا له في مواضع كثيرة، فقد يوافق الشيء الشيء ثم يخالفه؛ لأنه ليس مثله».

قال المصنف - بعد تقرير مذهب سيبويه -: (4) وأما الأخفش فيرى ذلك حسنا، ويدل على صحة استعماله قول الشّاعر: -

(1) التذييل والتكميل (3/ 273).

(2)

نصه في الكتاب (2/ 127).

(3)

في هامش كتاب سيبويه: (2/ 126) كتب الأستاذ عبد السّلام هارون قائلا: قال السيرافي:

«يريد أنّ قولك: قائم زيد قبيح إن أردت أن تجعل قائم المبتدأ وزيد خبره أو فاعله وليس بقبيح أن تجعل قائم خبرا مقدّما والنيّة فيه التأخير كما تقول: ضرب زيدا عمرو والنية تأخير زيد الذي هو مفعول وتقديم عمرو الّذي هو فاعل» .

(4)

شرح التسهيل (1/ 273).

ص: 863

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

538 -

خبير بنو لهب فلا تك ملغيا

مقالة لهبيّ إذا الطّير مرّت (1)

وقول الآخر:

539 -

فخير نحن عند النّاس منكم

إذا الدّاعي المثوّب قال يا لا (2)

فخير مبتدأ ونحن فاعل ولا يكون خير خبرا مقدما ونحن مبتدأ؛ لأنه يلزم من ذلك الفصل بمبتدأ بين أفعل التفضيل ومن، وهما كمضاف ومضاف إليه فلا يقع بينهما مبتدأ كما لا يقع بين مضاف ومضاف إليه، وإذا جعل نحن مرتفعا بخير على الفاعلية لم يلزم ذلك؛ لأن فاعل الشيء كجزء منه.

قال الشيخ (3): «وما استدل به المصنف لا حجة فيه. أما خبير بنو لهب [1/ 304] فخبير خبر مقدم وبنو لهب مبتدأ، ولا يحتاج إلى المطابقة في الجمع؛ لأن خبيرا فعيل، ويصح أن يخبر به عن المفرد والمثنى والجمع، ولا سيما ورود ذلك في الشعر، كما أخبروا بفعول، قال الله تعالى: هُمُ الْعَدُوُّ (4). وقال بعض العرب:

540 -

[نصبن الهوى ثمّ ارتمين قلوبنا

بأعين أعداء] وهنّ صديق (5)

-

(1) البيت من بحر الطويل، ومع شهرته في هذا الباب فهو مجهول القائل.

وقائله يمدح بني لهب، وهم حي من الأزد، بأنهم أزجر العرب للطير وأن مقالهم صادق.

وشاهده: قوله: خبير بنو لهب، حيث يستدل به الأخفش والكوفيون وتبعهم ابن مالك على جواز الابتداء بالوصف دون اعتماد على نفي أو استفهام. وقد رده النحاة وأولوه، وانظر ذلك في الشرح.

والبيت في: شرح التسهيل (1/ 273) وهو في التذييل والتكميل (3/ 274) وفي معجم الشواهد (ص 73).

(2)

البيت من بحر الوافر، قال صاحب الدرر:(1/ 157) وصاحب معجم الشواهد: هو لزهير ابن مسعود الضبي وهو في الفخر.

اللغة: المثوب: الذي يدعو الناس لينصروه، ومنه التثويب في الأذان أي إعادة بعضه. يا لا: أي يا لبني فلان ويقولها المستغيث.

والشاهد في البيت: قوله: فخير نحن، وفيه كلام طويل مذكور في الشرح.

والبيت في معجم الشواهد (ص 279) وهو في التذييل والتكميل (3/ 274) وفي شرح التسهيل (1/ 273).

(3)

التذييل والتكميل (3/ 274).

(4)

سورة المنافقون: 4.

(5)

بيت من بحر الطويل من قصيدة لجرير بن عطية الخطفي يمدح فيها الحجاج بن يوسف، منها هذا البيت المشهور: -

ص: 864

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأما قوله (1): فخير نحن، فخير خبر مقدم ونحن مبتدأ، وعلى ما اخترناه من مذهب الكوفيين: أن الخبر هو رافع المبتدأ، فالمبتدأ معمول له كما أن من الداخلة على المفضل عليه متعلقة به. فلم يفصل بينهما بأجنبيّ، وليس أفعل ومن كمضاف ومضاف إليه؛ لأنه لو كان كذلك لما جاز الفصل بينهما بالتمييز وبالفاعل وبالظرف وبالمجرور.

ولو سلمنا أن المبتدأ ليس معمولا للخبر لما ضرّ هذا الفصل لأنه وقع في الشّعر.

وأيضا قد خرّج ابن خروف قوله: نحن - على أنه تأكيد للضمير المستكن في قوله: فخير، وخير خبر مبتدأ محذوف، التقدير: فنحن خير نحن كما تقول:

أنت قائم أنت» انتهى (2).

قال المصنف رحمه الله تعالى (3): «والكوفيون كالأخفش في عدم اشتراط الاستفهام والنفي في الابتداء بالوصف المذكور، إلا أنهم يجعلونه مرفوعا بما بعده، وما بعده مرفوعا به على قاعدته ويوافقونه في التزام إفراده وتجرده من ضمير، ويجيزون أيضا إجراءه مجرى اسم جامد فيطابق ما بعده، ويجيزون أيضا جعله نعتا

معنويّا مطابقا للآخر في إفراده وتثنيته وجمعه، ولا بد حينئذ من كون النعت مطابقا ويسمونه خلفا» (4).

وأطلق المصنف الاستفهام ولم يخص همزة ولا غيرها ليعلم أن أدوات الاستفهام متساوية في تصحيح الابتداء بالوصف المذكور على الوجه المذكور؛ فكما يقال:

أقائم الزيدان يقال: هل معتق العبدان، وما صانع العمران، ومن خاطب البكران، -

-

ومن يأمن الحجّاج أمّا عقابه

فمرّ وأمّا عقده فوثيق

انظر ديوان جرير (ص 397).

وأنشده الأشموني: (1/ 192) برواية أخرى وهي قوله: هنّ صديق للّذي لم يشب، والذي ورد في الشرح هو قوله: هن صديق، وهو الجملة الأخيرة من البيت، ولكن قول الشارح: وقال بعض العرب - ينفي أنه بيت شعر، وقد احتسبناه شعرا لوروده في بيتين.

وشاهده واضح من الشرح. والبيت في: التذييل والتكميل (3/ 274) وفي معجم الشواهد (ص 246) بإنشاد جرير.

(1)

الكلام لأبي حيان أيضا (انظر التذييل والتكميل: 5/ 275).

(2)

المرجع السابق.

(3)

شرح التسهيل (1/ 274).

(4)

مع شهرة هذه المسألة في النحو وفي باب المبتدأ والخبر في الخلاف بين البصريين والكوفيين، إلا أنها لم تذكر في كتاب الإنصاف.

ص: 865

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومتى ذاهب العمران، وأين جالس صاحبك، وكيف مصبح ابناك، وكم ماكث صديقاك، وأيّان قادم رفيقاك.

وكما أطلق الاستفهام أطلق النفي؛ ليتناول كل ناف يصلح لمباشرة الأسماء، وذلك ما ولا وإن إلا (إن) ليس يرتفع الوصف بعدها على أنه اسمها ويرتفع به ما يليه فيسد مسد خبرها، كما يسد مسد خبر المبتدأ، وكذلك الحكم بعد ما إن جعلت حجازية ولم ينتقض النفي فإن جعلت تميمية أو انتقض النفي، فالوصف بعدها مبتدأ والمرفوع بعده ساد مسد خبر المبتدأ، مثال ذلك بعد ليس: ليس قائم الزيدان، وليس منطلق إلا العمران، ومثال ذلك بعد ما: ما ذاهب عبداك وما مقيم إلا أخواك.

قوله: وأجري غير قائم إلى آخره - إشارة إلى أنه إذا قصد النفي بغير مضافا إلى الوصف فيجعل غير مبتدأ ويرفع ما بعد الوصف به، كما لو كان بعد نفي صريح ويسد مسد خبر المبتدأ.

وعلى ذلك وجه ابن الشجري (1) قول الشاعر [1/ 305]:

541 -

غير مأسوف على زمن

ينقضي بالهمّ والحزن (2)

-

(1) هو أبو السعادات هبة الله بن علي بن محمد بن علي، ويمتد نسبه حتى يصل إلى جعفر بن الحسن ابن علي بن أبي طالب، ولقب بابن الشجري من قبل أمه، وقيل: لأنه كان في بيته شجرة ليس في البلد غيرها، ولد في بغداد سنة (450 هـ)، قال السيوطي فيه: كان أوحد زمانه وفريد أوانه في علم العربية ومعرفة اللغة وأشعار العرب وأيامها وأحوالها متضلعا من الأدب كامل الفضل.

مصنفاته: صنف الأمالي الشجرية، وهو كتاب عظيم في الأدب والنحو واللغة، حققه في ثلاثة أجزاء د/ الطناحي، كما أن له مختارات وهو الحماسة ضاهى به حماسة أبي تمام، وله شرح اللمع لابن جني، وشرح التصريف الملوكي، وله ما اتفق لفظه واختلف معناه. توفي سنة (542 هـ).

ترجمته في: بغية الوعاة (2/ 324)، نزهة الألباء (ص 404).

(2)

البيت من بحر المديد، نسبته مراجع كثيرة لأبي نواس، وذكرت بعده بيتا آخر وهو:

إنما يرجو الحياة فتى

عاش في أمن من المحن

وقد بحثت عنه في طبعات ديوان أبي نواس المختلفة فلم أجده.

وكيف يكون لأبي نواس وهو شكوى وضجر من الحياة وأبو نواس كان غير ذلك.

وفي البيت يقول ابن الشجري: (الأمالي (1/ 47) تحقيق د/ الطناحي): فإن قيل: بما يرتفع غير؟

فأقول: إن قوله: مأسوف مفعول من الأسف وهو الحزن، وعلى متعلق به كقولك: أسفت على كذا أسفا وحزنت عليه حزنا، وموضع قوله: بالهم - نصب على الحال، والتقدير: ينقضي مشوبا بالهم، -

ص: 866

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومثله قول الآخر:

542 -

غير لاه عداك فاطّرح الله

وو لا تغترر بعارض سلم (1)

وعلى زمن في البيت الأول في موضع المفعول الذي لم يسم فاعله، وقد أغنى عن الخبر؛ لأن المعنى: ما مأسوف على زمن نحو: ما مضروب الزيدان.

ولابن جني في البيت المذكور حين سأله عنه عالي (2) ولده - ارتباك وخرجه على حذف المبتدأ وإقامة صفته مقامه وإيقاع الظاهر موقع المضمر لحذف الظاهر المبتدأ، والتقدير: زمان ينقضي بالهم والحزن غير مأسوف عليه (3).

ولابن الحاجب فيه كلام طويل وترديد، وخرجه على الوجه الذي ذكره ابن جني (4).

- وغير رفع بالابتداء، ولما أضيف إلى اسم المفعول، وهو مسند إلى الجار والمجرور استغنى المبتدأ عن خبر كما استغنى قائم ومضروب في قولك: أقائم أخواك وما مضروب غلاماك - عن خبر.

والبيت في: التذييل والتكميل (2/ 36) وفي معجم الشواهد (ص 400).

(1)

البيت من بحر الخفيف، وهو في النصح والإرشاد وبخاصة للزعماء، ومع دقة معناه فهو مجهول القائل.

اللغة: لاه: من اللهو وهو اللعب. عداك: أعداؤك. بعارض سلم: أي بصلح عارض. ومعناه من قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء: 71].

ويستشهد به على: إجراء غير مجرى ما في النفي، فيرفع الاسم الذي بعد المضاف إليها على أنه فاعل به سد مسد خبرها.

والبيت في: التذييل والتكميل (3/ 277) وفي معجم الشواهد (ص 377).

(2)

هو عالي بن عثمان بن جني البغدادي أبو سعد، كان مثل أبيه نحويّا أديبا حسن الخط جيد الضبط، تصدر للتدريس بمدينة صور وتوفي سنة (458 هـ).

انظر في ترجمته: بغية الوعاة (2/ 24)، معجم الأدباء (12/ 39).

(3)

انظر في تخريج رأي ابن جني التذييل والتكميل (3/ 278).

(4)

قال ابن الحاجب في أماليه بعد أن أنشد البيت المذكور: «لا يصح أن يكون (غير) له عامل لفظي، وإذا لم يكن له عامل لفظي فإما أن يكون مبتدأ وإما أن يكون خبرا، ولا يصح أن يكون مبتدأ لأنه لا خبر له؛ لأن الخبر إما أن يكون ثابتا أو محذوفا، الثابت لا يستقيم؛ لأنه إما على زمن وإمّا ينقضي، وكلاهما مفسد للمعنى، وإن جعل الخبر محذوفا لم يستقم لأمرين: أنا قاطعون بنفي الاحتياج إليه، وأنه لا قرينة تشعر به، ومن شرط صحة حذف الخبر وجود القرينة. وإن جعل خبر مبتدأ لم يستقم أيضا؛ لأن حذف المبتدأ مشروط بقرينة ولا قرينة، وأنه لا بد من ضمير يعود منه إلى المبتدأ؛ لأنه بمعنى تغيير ولا ضمير فيه» . ثمّ قال: -

ص: 867