الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أنواع الخبر الجملة، وحكم بعض الجمل في وقوعها أخبارا]
قال ابن مالك: (والجملة اسميّة وفعلية، ولا يمتنع كونها طلبيّة خلافا لابن الأنباريّ وبعض الكوفيين، ولا قسميّة خلافا لثعلب، ولا يلزم تقدير قول قبل الجملة الطلبيّة خلافا لابن السّرّاج).
قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام عن الخبر المفرد شرع في الكلام على الخبر الواقع، جملة وتقسيمه الجملة إلى قسمين هو التقسيم الصحيح (1)، ومثال الجملة الاسمية؛ الله فضله عظيم، ومثال الفعلية: اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ (2) ويدخل في الاسمية المصدرة بحرف عامل في المبتدأ، والشرطية، والمصدرة باسم غير معمول للشرط، ويدخل في الفعلية الشرطية المصدرة بحرف أو باسم معمول للشرط.
فمثال الإخبار بجملة مصدرة بحرف عامل في المبتدأ: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ (3) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (4).
ومثال الإخبار بشرطية مصدرة باسم غير معمول للشرط: الله من يطعه ينج.
ومثال الإخبار بشرطية مصدرة بحرف: الله إن تسأله يعطك، ومثال الإخبار بشرطية مصدرة باسم معمول للشرط: الله من يهد فلا مضلّ له.
ومنع أبو بكر بن الأنباري وبعض الكوفيين (5): الإخبار بجملة طلبية نظرا إلى أن الخبر حقه أن يكون محتملا للصدق والكذب، والجملة الطلبية ليست كذلك.
قال المصنف (6): وهذا نظر واه لأن خبر المبتدأ لا خلاف أن أصله أن يكون مفردا، والمفرد من حيث هو مفرد لا يحتمل الصدق والكذب [1/ 351] فالجملة الواقعة موقعه حقيقة بألا يشترط احتمالها الصدق والكذب؛ لأنها نائبة عما يحتملهما، وأيضا فإن وقوع الخبر مفردا طلبيّا نحو: كيف أنت - ثابت باتفاق، فلا يمتنع ثبوته جملة طلبية بالقياس لو كان غير مسموع، ومع ذلك فهو مسموع -
(1) أي: ويندرج تحت كل قسم من قسمي الجملة ما سيذكره، وذلك حتى لا تكثر الأقسام، ومثل:
زيد قائم أبوه ليس جملة عند المحققين.
(2)
سورة الشورى: 13.
(3)
سورة البقرة: 255.
(4)
سورة الأعراف: 170.
(5)
التذييل والتكميل (4/ 26) والهمع (1/ 96).
(6)
شرح التسهيل (1/ 310).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شائع في كلام العرب كقول رجل من طيئ:
622 -
قلب من عيل صبره كيف يسلو
…
صاليا نار لوعة وغرام (1)
انتهى.
والشّبه التي تمسك بها ابن الأنباري ضعيفة من جهة أخرى، وهي أن الخبر لفظ مشترك فيه، فتارة يطلق ويراد به ما يقابل الإنشاء من الجمل المحتملة للصدق والكذب، ويطلق أيضا على الجزء المسند إلى مبتدأ مفردا كان أو جملة سواء كانت الجملة خبرية أو طلبية (2).
وكان ابن السراج يجنح إلى ما جنح إليه ابن الأنباري من التعليل، لكنه لما رأى ورود ذلك في الكلام جعل الخبر محذوفا، والجملة الطلبية معمولة لذلك المحذوف، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: ولا يلزم تقدير قول قبل الجملة الطّلبيّة؛ خلافا لابن السّرّاج (3).
فالتقدير في نحو: زيد اضربه عندهم: زيد مقول فيه: اضربه، أو زيد أقول لك: اضربه، ويضعف هذا التقدير أن المعنى يختلف بسببه، وذلك أنك إذا قلت:
زيد اضربه فأنت آمر ومنشئ للاقتضاء، وإذا قلت: زيد مقول فيه: اضربه، أو أقول لك: اضربه فأنت مخبر، وإذا كان كذلك فكيف يقدر ما يؤدي إلى معنى غير المعنى المراد من الكلام أولا. -
(1) البيت من بحر الخفيف لرجل من طيئ، ولم يعين في مراجع البيت.
اللغة: عيل صبره: ذهب وفرغ. صاليا: من صلى النار إذا تقلب فيها واحترق بها، قال تعالى: لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى [الليل: 15].
وهو يتعجب من نفسه: كيف يسلو قلبه عن حبها، وقد أراد ذلك ولم يستطع؛ لأن قلبه اكتوى بنارها وذاب في حبها.
وشاهده: وقوع الخبر وهو قوله: (كيف يسلو) جملة إنشائية، وفيه رد على ابن الأنباري ومن وافقه الذي منع ذلك.
البيت في: شرح التسهيل (1/ 310)، والتذييل والتكميل (4/ 27) ومعجم الشواهد (ص 377).
(2)
وفي الإخبار بالجملة الطلبية قال سيبويه: (1/ 138): وقد يكون في الأمر والنّهي أن يبنى الفعل على الاسم، وذلك قولك: عبد الله اضربه، ابتدأت عبد الله، فرفعته بالابتداء، ونبهت المخاطب له لتعرفه باسمه.
(3)
التذييل والتكميل (4/ 27) والهمع (1/ 96).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وروي عن ثعلب منع الإخبار بجملة قسمية (1).
قال المصنف (2): «وهو أيضا منع ضعيف؛ إذ لا دليل عليه مع ورود الاستعمال بخلافه كقوله تعالى: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً (3) وقوله: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا (4) وقوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (5) وقال الشاعر:
623 -
جشأت فقلت اللّذ خشيت ليأتين
…
هو إذ أتاك فلات حين مناص (6)
ثم ها هنا أمر ينبه عليه (7): وهو أنه قد علم أن أصل الخبر أن يكون مفردا، وأن الجملة إذا وقعت خبرا فهي واقعة موقع المفرد ومؤولة به، حتى إنهم ذكروا أنك إذا قلت: زيد ضربته أن الجملة ليست مسندة إلى زيد بالأصالة، وإنما وقعت موقع المسند إلى زيد، والأصل: زيد مضروب لي، وإذا قلت: عمرو أكرمته فالأصل عمرو مكرم، ثم وضع ضربته موضع مضروب، وأكرمته موضع مكرم، فلما وقعت الجملة موقع المسند إلى المبتدأ قيل: إنها مسندة إليه، وهذا كلام مقبول؛ لكنهم عللوا ذلك بأن الفعل في نحو: زيد ضربته مسند إلى ضمير المتكلم، وقد استقل بالإسناد إليه الكلام، وحصلت منه الإفادة، ومن شرط المسند والمسند إليه أن يكون كل واحد منهما لا يستقل بالإفادة، وإنما تحصل الإفادة من إسناد أحدهما إلى الآخر، نحو:
زيد قائم وعمرو أخوك، قالوا: فعلى هذا ليس ضربته من زيد ضربته مسندا إلى زيد.
وفيما ذكروه نظر: لأن إسناد ضرب إلى التاء لا يمنع إسناد الجملة إلى ما هي خبر -
(1) المرجعان السابقان.
(2)
شرح التسهيل (1/ 310) إلا أنه لم يذكر الآية الثانية والثالثة.
(3)
سورة النحل: 41.
(4)
ناقصة من الأصل هي والتي بعدها سورة العنكبوت: 69.
(5)
سورة العنكبوت: 9.
(6)
البيت من بحر الكامل لقائل مجهول كما قالت مراجعه.
ومعنى: جشأت: أي فزعت. يذكر أن نفسه فزعت من الأحداث وما يأتي به الدهر، فقال لها:
لا تفزعي ولا تجزعي، فكل ما هو مقدر واقع، وإذا وقع فلا فرار منه.
وشاهده قوله: اللّذ خشيت ليأتين، حيث وقع الخبر جملة قسمية، وهو جائز عند الجمهور غير جائز عند ثعلب.
والبيت في: شرح التسهيل (1/ 310)، والتذييل والتكميل (2/ 27) ومعجم الشواهد (ص 207).
(7)
هذا الكلام لناظر الجيش، وانظر إلى براعته ودقة كلامه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[1/ 352] عنه لاختلاف جهتي الإسناد، فالحق أن الجملة برمتها مسندة إلى ما وقعت خبرا عنه إسناد الخبر إلى مبتدأ به، نعم الموضع بالأصالة للمفرد، وهي واقعة موقعه ومؤولة به كما تقدم.
وإذا تقرر أن الجملة إذا أخبر بها عن مبتدأ كانت واقعة موقع المفرد - فاعلم أنهم إنما ذكروا ذلك بالنسبة للجملة الخبرية - وأما الجملة الطلبية كالأمر والنهي وما جرى مجراهما، فقالوا: إنها شبيهة بما وقع موقع المفرد يعني بالجملة الخبرية، وقدروا ذلك بأنك إذا قلت: زيد اضربه وعمرو لا تكرمه، فالفعل إنما هو مسند إلى ضمير المخاطب، والهاء مبنية على الفعل (1) ومعمولته ومتصلة به، قالوا: وليس معك مسند إلى المبتدأ، ولا يقال: الجملة كلها مسندة إلى المبتدأ لما تقدم من أن شرط المسند والمسند إليه ألا يفيد أحدهما إلا بصاحبه، ولا يجد المنشئ كلاما من الإتيان بهما بدّا، وأنت إذا قلت: اضرب من غير أن تأتي بمبتدأ كان كلاما مستقلّا، قالوا: ولا يقال هنا ما قيل في زيد ضربته؛ لأن ضربته في موضع مضروب، وكذلك أنا أضرب في موضع أنا ضارب، وكذلك أنت أكرمتك معناه أنت مكرم، ولا تجد في زيد اضربه لفظا مفردا إذا وضع موضعه أعطى معناه.
لكن قال ابن أبي الربيع: «الّذي يظهر لي في هذه المسألة (2) أنّ زيدا من قولك: زيد اضربه جاء مجيء زيد ضربته؛ لأن الأصل في زيد ضربته: ضربت زيدا؛ لكنّك قدّمت زيدا وأضمرته؛ ليكون في ذلك توكيد بذكر زيد مرتين.
وكذلك زيد اضربه، الأصل: اضرب زيدا، ثم قدموا زيدا، وشغلوا الفعل بضميره؛ ليكون زيد قد ذكر مرتين ظاهرا ومضمرا، فقد صار زيد في زيد اضربه بمنزلة زيد في زيد ضربته في أن كلّا منهما اسم تعرّى (3) عن العوامل اللفظية ضمّ إليه بعده ما يكون الأول به كلاما مؤكدا؛ فلما صار مثله ارتفع ارتفاعه وأعرب إعرابه».
قال: فجاء رفع زيد اضربه على هذا نائبا عن زيد ضربته، ولذلك ضعف الرّفع -
(1) في نسخة الأصل: مبنية على المفعول، وما أثبتناه وهو الصحيح من نسخة (ب).
(2)
انظر ملخص كلامه المذكور في اللقطة رقم: 51 من شرح الإيضاح لابن أبي الربيع (ميكروفيلم بمعهد المخطوطات رقم 220 نحو مصنف غير مفهرس) ويسمى بالملخص لابن أبي الربيع.
(3)
عرى، وتعرى بمعنى واحد (القاموس: عري).