المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[بعض مسائل تقديم الخبر] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٢

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثامن باب الاسم العلم

- ‌[تعريف العلم]

- ‌[تقسيم العلم إلى منقول ومرتجل]

- ‌[تقسيم العلم إلى مفرد ومركب/ تقسيم المركب]

- ‌[تقسيم العلم إلى اسم وكنية ولقب]

- ‌[أحكام العلم ذي الغلبة]

- ‌[أحكام العلم ذي الأداة]

- ‌[تنكير العلم بالتثنية والجمع والإضافة وأحكام ذلك]

- ‌[مسميات الأعلام]

- ‌[حكم الصرف وعدمه لأنواع الأعلام]

- ‌[حكم أفعل وصفا للنكرة]

- ‌[حكم الأعداد من التعريف وغيره والصرف وغيره]

- ‌[حكم الكنايات من العلمية أو غيرها]

- ‌الباب التاسع باب الموصول

- ‌[تقسيم الموصول وتعريف كل قسم]

- ‌[الموصول من الأسماء وأنواعه - الموصولات الخاصة]

- ‌[جمع الذي والتي]

- ‌[الموصولات المشتركة ومعناها]

- ‌[حذف عائد الموصول بأنواعه]

- ‌[حكم أي الموصولة من البناء والإعراب]

- ‌[حكم أنت الذي فعل وفعلت]

- ‌[حكم وقوع شبه الجملة صلة للموصول]

- ‌[من وما ومراعاة اللفظ أو المعنى فيها]

- ‌[من وما: أنواعهما - معناهما]

- ‌[أنواع أيّ وأحكام كل نوع]

- ‌[الموصولات الحرفية - أن وكي وما ولو - وأحكامها]

- ‌[أحكام الموصول مع صلته]

- ‌الباب العاشر باب اسم الإشارة

- ‌[تعريفه - أنواعه]

- ‌[مرتبة المشار إليه]

- ‌[هاء التنبيه وأحكامها]

- ‌[فصل هاء التنبيه عن اسم الإشارة]

- ‌[إلحاق كاف الخطاب بأسماء الإشارة]

- ‌[إلحاق كاف الخطاب لبعض الكلمات الأخرى]

- ‌[تبادل أسماء الإشارة]

- ‌[الإشارة إلى المكان]

- ‌الباب الحادي عشر باب المعرّف بالأداة

- ‌[اختلافهم في الأداة]

- ‌[أنواع أل]

- ‌[حكم أل التي للجنس]

- ‌[أل الزائدة ومواضع الزيادة]

- ‌[مدلول إعراب الاسم من رفع أو نصب أو جر]

- ‌الباب الثاني عشر باب المبتدأ

- ‌[تعريفه - نوعاه]

- ‌[عامل الرفع في المبتدأ والخبر]

- ‌[الوصف الرافع للاسم وأحكامه]

- ‌[حذف الخبر جوازا ووجوبا ومسائل ذلك]

- ‌[مسألة ضربي زيدا قائما وبقية الحديث فيها]

- ‌[رفع الحال المنصوبة على الخبرية]

- ‌[إعراب الاسم المرفوع بعد لولا]

- ‌[الحال السادة مسد الخبر ووقوعها جملة]

- ‌[حذف المبتدأ جوازا ووجوبا ومسائل ذلك]

- ‌[حكم قولهم: زيد والريح يباريها - وقولهم: راكب الناقة طليحان]

- ‌[المبتدأ والخبر من جهة التعريف والتنكير]

- ‌[مواضع الابتداء بالنكرة]

- ‌[إعراب قولهم: كم مالك؟ وقولهم: ما أنت وزيد

- ‌[بعض مسائل تقديم الخبر]

- ‌[حكم «في داره زيد» وأشباهه]

- ‌[بقية مسائل تقديم الخبر وجوبا]

- ‌[الخبر: تعريفه وأنواعه وحديث طويل عنه]

- ‌[الخبر المشتق وغيره، وحكمهما في تحمل ضمير المبتدأ]

- ‌[استكنان الضمير الرابط وبروزه]

- ‌[أنواع الخبر الجملة، وحكم بعض الجمل في وقوعها أخبارا]

- ‌[روابط الخبر الجملة - جمل لا تحتاج إلى رابط]

- ‌[حكم الضمير الرابط من جواز حذفه أو بقائه]

- ‌[مجيء الخبر ظرفا والآراء في ذلك]

- ‌[حكم وقوع ظرف الزمان خبرا عن اسم العين والمعنى]

- ‌[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ونصبه وجره]

- ‌[جواز رفع ظرف المكان الواقع خبرا ونصبه]

- ‌[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ووجوب نصبه]

- ‌[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ونصبه]

- ‌[جواز رفع المصدر الواقع خبرا ونصبه]

- ‌[تعدد الخبر وأنواعه]

- ‌[تعدد المبتدأ ونوعاه]

- ‌[اقتران الخبر بالفاء وجوبا وجوازا الأحكام وشروط ذلك]

- ‌[مسائل مختلفة في اقتران الخبر بالفاء]

الفصل: ‌[بعض مسائل تقديم الخبر]

[بعض مسائل تقديم الخبر]

قال ابن مالك: (والأصل تأخير الخبر، ويجوز تقديمه إن لم يوهم ابتدائيّة الخبر أو فاعلية المبتدأ أو يقرن بالفاء أو بإلّا لفظا أو معنى في الاختيار، أو يكن لمقرون بلام الابتداء [1/ 333] أو لضمير الشّأن أو شبهه، أو لأداة استفهام أو شرط أو مضاف إلى إحداهما).

ــ

فقال: ملء عين مبتدأ وحبيبها خبر وجاز ذلك لمعناه (1).

قال ابن عمرون: «معناه يبنى عليه قاعدة صديقي زيد وزيد صديقي، من أن الخبر يكون أعمّ من المبتدأ أو مساويا له وإذا جعل حبيبها الخبر لا يكون ملء العين أعمّ من الحبيب لاستحالة كون المبتدأ أعمّ من الخبر» . انتهى (2).

وسيأتي الكلام على مسألة صديقي زيد وعكسها.

قال ناظر الجيش: الأصل تقديم المبتدأ وتأخير الخبر وإنما كان كذلك لأنه قد تقدم الإعلام بأن المبتدأ عامل في

الخبر، وإذا كان كذلك فحقه أن يتقدم كما تتقدم سائر العوامل على معمولاتها لا سيما عامل لا يتصرف، ومقتضى ذلك التزام تأخير الخبر، لكن أجيز تقديمه لشبهه بالفعل في كونه مسندا، ولشبه المبتدأ بالفاعل في كونه مسندا إليه، وبمقتضى هذا الأصل جاز: في داره زيد. وامتنع: صاحبها في الدار كما سيأتي (3).

وقد يجب التزام الأصل، وقد يجب تركه، وقد لا يجب واحد منهما، فالأقسام ثلاثة. وقد أشار المصنف إلى الأول، وهو التزام الأصل بقوله: ويجوز تقديمه إن لم يوهم ابتدائية الخبر إلى قوله: أو مضاف إلى إحداهما، فذكر أنه يجب تأخير الخبر في صور (4): -

- البيت، وأن المبتدأ هو ما ذكر أولا وإن كان نكرة، والخبر هو ما ذكر ثانيا وإن كان معرفة.

البيت في شرح التسهيل (1/ 302) والتذييل والتكميل (3/ 351) ومعجم الشواهد (ص 45).

(1)

انظر في تحقيق رأي ابن جني حاشية يس على التصريح (1/ 176).

(2)

انظر في تحقيق رأي ابن عمرون حاشية يس على التصريح (1/ 176).

(3)

علة جواز الصورة الأولى: أن الضمير فيها وإن عاد على متأخر في اللفظ - وهو لا يجوز - إلا أنه متقدم في الرتبة لأنه مبتدأ ورتبة المبتدأ التقديم وعلة امتناع الثانية أن الضمير فيها عاد على متأخر في اللفظ والرتبة وهذا لا يجوز.

(4)

شرح التسهيل (1/ 96 - 99) وقد نقل الشارح بتصرف.

ص: 932

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأولى:

أن يوهم تقديمه كونه مبتدأ، وذلك إذا كان الجزآن معرفتين نحو: زيد أخوك، أو نكرتين نحو أفضل منك أفضل مني؛ إذ لا يتميز المبتدأ من الخبر حينئذ إلا بذكر كل منهما في مرتبته، فإن كان ثم قرينة معنوية يحصل بها التمييز لم يجب تقديم المبتدأ، وذلك نحو قول حسان رضي الله عنه:

587 -

قبيلة ألأم الأحياء أكرمها

وأغدر النّاس بالجيران وافيها (1)

ونحو قول الآخر:

588 -

وأغناهما أرضاهما بنصيبه

وكلّ له رزق من الله واجب (2)

فألأم الأحياء وأغناهما خبران مقدمان، وأكرمها وأرضاهما مبتدآن مؤخران مع التساوي في التعريف؛ لأن المعنى إنما يصح بذلك.

ومثل ذلك قول الآخر:

589 -

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهنّ أبناء الرّجال الأباعد (3)

-

(1) البيت من بحر البسيط من قصيدة لحسان بن ثابت كما ذكر الشارح، والعجيب أن صاحب معجم الشواهد لم ينسب البيت، وهذه المقطوعة يهجو فيها حسان قبيلة هوازن. انظر ديوان حسان (ص 256).

والشاهد في البيت: تقدم الخبر على المبتدأ في موضعين، وهذا التقديم جائز مع تساويهما في التعريف، وذلك لوجود القرينة المعنوية لأن المراد أن أكرم هذه القبيلة هو ألأم الأحياء، وأن أوفاها هو أغدر الناس، وذلك شر هجاء.

والبيت في شرح التسهيل (1/ 296) والتذييل والتكميل (3/ 337) ومعجم الشواهد (ص 415).

(2)

البيت من بحر الطويل: وهو دعوة للزهد والقناعة لشاعر مجهول.

واستشهد به على: تقدم الخبر على المبتدأ جوازا مع تساويهما في التعريف؛ لأن المراد الحكم على الراضي بالنصيب بأنه غني. هذا ما ذكره الشارح تابعا لابن مالك (شرح التسهيل: 1/ 297) وأبي حيان:

(التذييل والتكميل: 3/ 337).

وأرى أن كلا الاسمين يجوز الحكم بأحدهما على الآخر ولا فرق بينهما، وإذا كان من ترجيح فيجب ترجيح الأصل، وجعل المقدم مبتدأ والمؤخر خبرا، وإنما لم يجز هذا في البيت الذي قبله والذي سيأتي بعده لإرادة الهجاء في الأول، واستقامة المعنى في الثاني على ما ذكر من تقدم الخبر مع أن ابن هشام أجاز في الثاني أن يكون الأول مبتدأ عند إرادة المبالغة (المغني: 2/ 452) والبيت ليس في معجم الشواهد.

(3)

البيت من بحر الطويل، وشهرته في هذا الباب واضحة، ولم يستشهد به النحاة فقط، وإنما استشهد به الفقهاء في باب الميراث على أن أبناء كالأبناء في العصب، كما استشهدوا به في باب الوصية، -

ص: 933

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فبنونا خبر مقدم، وبنو أبنائنا مبتدأ مؤخر؛ لأن مراد القائل الإعلام بأن بني أبنائهم كبنيهم. فالمؤخر مشبه والمقدم مشبه به. لا يستقيم المعنى إلا بهذا التأويل. وعلى هذا يجوز في: زيد زهير شعرا، وعمرو عنترة شجاعة، وأبو يوسف أبو حنيفة فقها - تقديم زهير وعنترة وأبي حنيفة وإن كانت أخبارا مشبها بها المبتدأ لوضوح المعنى.

والمسلم بأن الأعلى لا يشبه بالأدنى عند قصد الحقيقة، وكذلك قول الشاعر:

590 -

جانيك من يجني عليك وقد

تعدي الصّحاح مبارك الجرب (1)

أي: كاسيك الذي تعود جنايته عليك، فمن يجني مبتدأ لأن المعنى عليه.

ومن تقدم الخبر لوضوح المعنى مع مساواته المبتدأ في التنكير قوله صلى الله عليه وسلم: «مسكين مسكين رجل

لا زوج له» (2).

واعلم أن هذا الذي قيده المصنف فيما إذا تساوى الخبر مع المبتدأ في تعريف أو تنكير، وكان ثم قرينة تميز أحدهما من الآخر جاز التقديم، وإن لم يكن ثم قرينة امتنع، ولزم ذكر كل منهما في رتبته وهو الحق.

وقد وقع في كلام غيره ما يقتضي مخالفة ما ذكر في التسهيل، فقال بعضهم: إذا تساويا في التعريف امتنع التقديم، وأطلق القول بذلك، ولم يقيده بما قيده المصنف (3).

وقال آخر: يجوز تقديم الخبر [1/ 334] مع المساواة وإن لم يكن ثم قرينة، وقالوا:

الفائدة تحصل للمخاطب سواء قدمت الخبر أو أخرته حتى وقع الخلاف في قول الشاعر:

591 -

وأنت الّتي حبّبت كلّ قصيرة

إليّ وما تدري بذاك القصائر

عنيت قصيرات الحجال ولم أرد

قصار الخطا شرّ النّساء البحاتر (4)

-

- واستشهد به أهل البيان في التشبيه المقلوب. وشاهده واضح من الشرح، وانظر ما قلناه في الشاهد الذي قبله.

والبيت في شرح التسهيل (1/ 297) والتذييل والتكميل (3/ 337) ومعجم الشواهد (ص 115).

(1)

البيت من بحر الكامل، وهو من الحكم. قالت مراجعه: إنه لذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم قبله:

ولربّ مأخوذ بذنب عشيرة

ونجا المقارف صاحب الذّنب

وشاهده كالأبيات قبله.

والبيت في شرح التسهيل (1/ 297). والتذييل والتكميل (3/ 337). وليس في معجم الشواهد.

(2)

لم أجده في كتب الأحاديث التي اطلعت عليها طويلا، ولم أستطع تخريجه.

(3)

أي بوجود القرينة التي تجوز التقديم والتأخير.

(4)

البيتان من بحر الطويل، وهما لكثير عزة كما جاء في ديوانه. -

ص: 934

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فقال بعضهم: «شرّ النساء خبر مقدم، والبحاتر مبتدأ مؤخّر، ولا يجوز غيره؛ لأن الشّاعر أراد أن يحكم على البحاتر أنهن شرّ النساء» . وقال بعضهم: «لا يجوز ذلك لئلّا ينقلب المبتدأ خبرا والخبر مبتدأ» وجوز ابن السيد في البيت الأمرين (1).

والحق أنه إذا لم يكن قرينة تفصل المبتدأ من الخبر لزم ذكر كل منهما في رتبته، ولو عكست انعكست النسبة. وبيان ذلك فيما إذا كانا معرفتين أن الشيء قد يكون له صفتان من صفات التعريف، ويكون السامع عالما باتصافه بإحداهما دون الأخرى إذا أردت أن تخبر بأنه متصف بالأخرى، فتعمد إلى اللفظ الدال على الأولى، وتجعله مبتدأ، وتعمد إلى اللفظ الدال على الثانية وتجعله خبرا، فتفيد السامع ما كان يجهله من اتصافه بالثانية.

كما إذا كان للسامع أخ يسمى زيدا وهو يعرف بعينه واسمه، ولكن لا يعرف أنه أخوه وأردت أن تعرفه أنه أخوه، فتقول له: زيد أخوك سواء عرف أن له أخا ولم يعرف أن زيدا أخوه: أو لم يعرف أن له أخا أصلا، وإن عرف أن له أخا في الجملة وأردت أن تعينه عنده قلت: أخوك زيد. أما إذا لم يعرف أن له أخا أصلا فلا يقال -

- اللغة: قصيرة: قال صاحب اللسان (مادة قصر)«امرأة قصيرة ومقصورة مصونة محبوسة في البيت لا تترك أن تخرج» . الحجال: جمع حجلة وهي ثياب العروس وأصله بيت يزين بالثياب والأسرة والستور.

البحاتر: قال في اللسان (مادة بحترة)«البحتر بالضّمّ القصير المجتمع الخلق والأنثى بحترة والجمع البحاتر» .

وكثير يمدح فتاته بأنها مصونة محبوسة عن أعين الناس، وذكر أن حبيبته فارعة طويلة وليست بالقصيرة؛ لأن القصير في النساء مذموم.

وفي البيت كلام كثير في الشرح، هل يكون قوله: شر النساء خبرا مقدما وما بعده مبتدأ مؤخرا؟ أم يكون العكس؟ والصحيح كما حكاه ابن السيد جواز الأمرين.

واستشهد النحاة: بالبيت الأول لإعادة ضمير الخطاب على الموصول.

والبيتان في التذييل والتكميل (3/ 98، 324، 339) ومعجم الشواهد (ص 155).

(1)

انظر كتاب المسائل والأجوبة لأبي محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليموسي دراسة وتحقيق (ص 199) تحقيق المسألة الثانية عشرة.

يحكي ابن السيد أن تلميذا سأل أستاذه: ماذا يجوز في قول كثير السابق، فيقول على لسان التلميذ:

قال بعضهم: البحاتر مبتدأ وشر النساء خبر.

وقال بعضهم: شرّ النّساء هو المبتدأ، والبحاتر خبر.

وأنكرت أنا هذا القول وقلت: لا يجوز إلا أن يكون البحاتر هو المبتدأ وشرّ النساء هو الخبر.

يقول ابن السيد: فقلت له الّذي قلت هو الوجه المختار، وما قاله النّحويّ الذي حكيت عنه جائز غير ممتنع.

ص: 935

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ذلك لامتناع الحكم بالتعيين على من لا يعرفه المخاطب أصلا، فظهر بهذا الفرق بين قولنا: زيد أخوك، وقولنا:

أخوك زيد، وكذا إذا عرف السامع إنسانا يسمى زيدا بعينه واسمه، وعرف أنه كان من إنسان انطلاق ولم يعرف أنه كان من زيد أو، غيره فأردت أن تعرفه أن زيدا هو ذاك المنطلق، فتقول: زيد المنطلق، وإن أردت أن تعرفه أن ذلك المنطلق هو زيد قلت: المنطلق زيد.

وقد أشار ابن الخباز إلى شيء من هذا، فقال (1):

زيد المنطلق يقال لمن كان عارفا بزيد وله عهد بأنّ رجلا قد انطلق ولا يعرف أن المعهود بالانطلاق زيد. فإذا قلت: زيد المنطلق فقد عرفته أنه هو المعهود، وكذا إذا قلت: زيد أخوك، فقد عرفته الأخوة، وهو يعلم أن اسم الرجل زيد، وإذا قلت:

أخوك زيد فقد عرّفته الاسم وهو يعرف الأخوة.

ثم كأنه استشكل في صورة زيد أخوك أن يكون السامع يجهل الأخوة، قال:

فإن قلت: ما المسوغ لهذا قلت: هذا يقال في موضعين:

أحدهما: أن يكون المخاطب قد نسي فيذكر.

والثاني: أن تريد إيقاع المساءة به، فيقال: زيد أخوك فيذكّر بالقرابة ليعفو. انتهى.

ومما يتصل بهذا مسألة: زيد صديقي وصديقي زيد، فمع تقديم زيد لا يلزم انحصار الصداقة فيه، ومع تقديم صديقي يلزم انحصار الصداقة فيه.

والذي ذكره النحاة أن ذلك إنما كان من حيث أن الخبر لا بد أن يكون أعم من -

(1) انظر تحقيق كتاب توجيه اللمع لابن الخباز (ص 49) وفيه قسم ابن الخباز صور المبتدأ والخبر إلى أربعة، وجعل الصورة الثالثة أن يكونا معرفتين، ثم قال: «والجيد أن تخبر بالأضعف عن الأقوى تعريفا، فإن اجتمع المضمر وغيره جعلت المبتدأ هو المضمر كقولك: أنت زيد. وإن اجتمع العلم وغيره جعلت المبتدأ هو العلم كقولك: زيد أخوك. والأمر مسوق على هذا.

قال: فإن قلت: فما الفائدة في الإخبار بالمعرفة عن المعرفة؟ قلت: هي نسبة الخبر إلى المبتدأ، وكان ذلك مجهولا قبل الإخبار.

فإن قلت: فما الفرق بين قولنا: زيد أخوك، وقولنا: أخوك زيد؟ قلت: الفرق بينهما من وجهين:

أحدهما: أن قولنا: زيد أخوك تعريف للقرابة، وأخوك زيد تعريف للاسم.

الثاني: أن قولنا «زيد أخوك» لا ينفي أن يكون له أخ غير زيد؛ لأنك أخبرت بالخاص عن العام.

انظر: كتاب توجيه اللمع لابن الخباز (ص 49) رسالة دكتوراه.

ص: 936

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المبتدأ أو مساويا له؛ فإذا قيل: زيد صديقي كان الخبر [1/ 335] صالحا لأن يكون أعم من المبتدأ فتجعله كذلك.

ومن ثم لم يلزم انحصار الصداقة في زيد في هذه الصورة. وإذا قيل: صديقي زيد امتنع أن يجعل الخبر الذي هو زيد أعم من المبتدأ، فلم يبق إلا أن يجعل زيد مساويا لصديقي الذي هو المبتدأ، وإلّا لكان الخبر أخص من المبتدأ وأنه غير جائز، وإذا ثبت أنه مساو لزم انحصار الصداقة في زيد ضرورة أن كل من هو صديقي مساو لزيد، فيكون قد حصر.

الصورة الثانية:

من الصور التي يمتنع فيها تقديم الخبر: أن يوهم تقديمه فاعلية المبتدأ وذلك إذا كان المبتدأ مخبرا عنه بفعل فاعله ضمير مستتر، نحو: زيد قام، فإنه لا يجوز تقديم الخبر؛ لأن تقديمه يوهم كون الجملة مركبة من فعل وفاعل.

وفهم من قول المصنف: إن لم يوهم فاعلية المبتدأ - أن فاعل الفعل الواقع خبرا لو كان بارزا جاز التقديم لعدم الإيهام كقولك في الزيدون قاموا: قاموا الزيدون، ومثله قاما الزيدان في: الزيدان قاما - على أن قاموا وقاما خبران مقدمان.

قال المصنف: «ولا يمتنع احتمال كونه على لغة أكلوني البراغيث؛ لكنّ تقديم الخبر أكثر في الكلام من تلك اللغة، والحمل على الأكثر راجح» (1) انتهى.

وقد قال الشيخ (2): «إن في تقديم الخبر إذا كان فعلا رافعا لضمير بارز خلافا، وإن منهم من يمنع ذلك إجراء لضمير التثنية والجمع مجرى الضمير المفرد؛ لأنهما فرعه» قال: «فيجري الباب مجرى واحدا، وإذا ورد مثل قاما الزيدان كانت الألف عند المانع إما علامة وإما ضميرا، والاسم بعدها بدل منها» .

قلت: ولا يخفى ضعف هذا القول وضعف مستنده، وإن الحق ما ذكره المصنف.

وإذا كان مرفوع الفعل ضميرا منفصلا أو ظاهرا سببيّا فلا خلاف في جواز تقديم الخبر على الفعل الرافع لذلك الضمير، أو الظاهر نحو: ما قام إلا هو زيد، وقام أخوه زيد فإن كان المرفوع ظاهرا غير سببي جاز التقديم على قبح نحو ضرب أبو بكر زيد أي -

(1) شرح التسهيل (1/ 298).

(2)

التذييل والتكميل: (3/ 340).

ص: 937

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيد ضربه أبو بكر، وقد قرئ (وسع كرسيه السماوات والأرض)(1) على معنى السموات والأرض وسعهما كرسيه، والظاهر أن نحو ضرب أبو بكر زيد لم يقبح من جهة التقديم؛ لأننا لو لم نقدم وقلنا: زيد ضرب أبو بكر لكان قبيحا من جهة حذف العائد، فلما قدم استمر قبحه.

الصورة الثالثة:

أن يقرن الخبر بالفاء أو بإلا لفظا أو معنى.

أما الأول: فنحو الذي يأتيني فله درهم، والعلة في ذلك أن سبب اقترانه بالفاء شبهه بجواب الشرط فلم يجز تقديمه كما لا يجوز تقديم جواب الشرط.

وأما الثاني: فنحو قوله تعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ (2).

وأما الثالث (3): فنحو قوله تعالى: إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ (4) لأنه في معنى ما أنت إلا نذير، وعلة ذلك أن الحصر مقصود، وإنما يستفاد بالتأخير.

وأشار بقوله: في الاختيار: إلى أن تقديم الخبر المقترن بإلا قد يرد في الشعر [1/ 336] كقول الكميت:

592 -

فيا ربّ هل إلّا بك النّصر يرتجى

عليهم وهل إلّا عليك المعوّل (5)

-

(1) سورة البقرة: 255، والقراءة في التذييل والتكميل (3/ 340) وقد أسندها أبو حيان إلى أبي يوسف يعقوب بن إسحاق بن السكيت (توفي سنة 244 هـ) ولم أجدها في كتب القراءات والتفسير.

وفيها قراءات أخرى غير المشهورة - منها فتح الواو من وسع، وسكون السين، ورفع العين؛ فيكون اسما مبتدأ، وكرسيه بالجر مضاف إليه، والسموات والأرض بالرفع خبره (انظر البحر المحيط 2/ 279، التبيان 1/ 204).

(2)

سورةآل عمران: 144.

(3)

أي اقتران الخبر بإلا معنى.

(4)

سورةهود: 12.

(5)

البيت من بحر الطويل أسندته مراجعه للكميت كما هنا، وهو في البيت يطلب النصر والقصاص لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني أمية. والمعوّل. معناه: الملجأ والملاذ.

والشاهد فيه قوله: وهل إلا عليك المعول؛ حيث قدم الخبر على المبتدأ مع أن المبتدأ مقصور على الخبر، فالواجب تأخيره لكنه قدم ضرورة.

وقوله: هل إلا بك النصر يرتجى قد يكون فيه شاهد آخر بشرط أن يعرب الجار والمجرور خبرا مقدما، وجملة يرتجى حال، ويخرج من

الشاهد إذا أعربت جملة يرتجى خبرا.

وقال قوم: ليس بشاذ وإن المبتدأ أو الخبر الواجب التأخير في القصر حين تكون الأداة إنما.

والبيت في شرح التسهيل (1/ 298) والتذييل والتكميل (3/ 341) ومعجم الشواهد (ص 28).

ص: 938

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصورة الرابعة:

أن يكون الخبر لمبتدأ بقرون بلام الابتداء، أو لمبتدأ هو ضمير الشأن أو شبه ضمير الشأن، أو لمبتدأ هو أداة استفهام أو شرط، أو لمبتدأ مضاف إلى إحدى الأداتين.

أما الأول: فنحو لزيد عندك؛ وذلك لأن اقتران اللام المذكورة به تؤكد الاهتمام بأوليته، وتقديم خبره عليها مناف لذلك، ولأن اللام لها الصدر، ولاستحقاقها التصدير امتنع تأثر مصحوبها بأفعال القلوب في نحو علمت لزيد كريم (1).

قال المصنف (2): «فإن وقع ما يوهم تقديم غير مصحوبها حكم بزيادتها، أو بتقدير مبتدأ بينها وبين مصحوبها الظاهر كقول الشاعر:

593 -

خالي لأنت ومن جرير خاله

ينل العلاء ويكرم الأخوالا (3)

فلك أن تجعل اللام من قوله لأنت زائدة في الخبر كزيادتها في قول الراجز:

594 -

أمّ الحليس لعجوز شهربه

[ترضى من اللحم بعظم الرّقبه](4)

ولك أن تجعلها لام ابتداء داخلة على مبتدأ خبره أنت كأنه قال: خالي لهو أنت -

(1) معناه أن دخول اللام في علمت لزيد كريم يعرب مبتدأ وخبرا ثم الجملة تسد مسد مفعولي علمت، ولولا هذه اللام لنصب الاسمان على المفعولية المباشرة.

(2)

انظر: شرح التسهيل (1/ 299).

(3)

البيت من بحر الكامل وهو في المدح، ومع شهرته وذكر علم من الشعراء فيه فهو مجهول القائل.

ومفرداته ومعناه واضحان.

الإعراب: خالي لأنت: مبتدأ وخبر دخلت لام الابتداء على الخبر شذوذا، وكان أصلها أن تدخل على المبتدأ، وقد خرجوه على زيادة اللام أو تقدير مبتدأ آخر بعدها، أي: خالي لهو أنت، وهو موضع الشاهد.

ومن جرير خاله: من اسم موصول مبتدأ والجملة بعده صلة له. ينل العلاء: فعل وفاعل ومفعول والجملة خبر. وجزم الفعل هنا بلا جازم

تشبيها لاسم الموصول باسم الشرط، ولا يصح جعل من شرطية، لأن الجملة بعدها اسمية، والاسمية لا تكون شرطا. ويكرم الأخوال: الفعل مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير من، والأخوال تمييز على زيادة أل كما هو الرأي عند الكوفيين وهو أحسن الآراء.

وانظر البيت في شرح التسهيل (1/ 299) والتذييل والتكميل (3/ 341) ومعجم الشواهد (ص 271).

(4)

البيتان من الرجز المشطور، وهما يتيمان في ديوان رؤبة بن العجاج في ملحقات الديوان (ص 170).

وشاهده كما في البيت السابق.

الشّهربة: العجوز الكبيرة، والعامة يقلبونها فيقولون: شهبرة، وقد يقلبون الهاء حاء. والبيت في شرح التسهيل (1/ 299) والتذييل والتكميل (3/ 341) ومعجم الشواهد (ص 443).

ص: 939

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وزيادتها أولى؛ لأن مصحوب لام الابتداء مؤكد بها، وحذف المؤكد مناف لتوكيده.

ومن زيادتها مع الخبر قول كثير:

595 -

أصاب الرّدى من كان يهوى لك الرّدى

وجن اللواتي قلن عزّة جنّت

فهنّ لأولى بالجنون وبالخنا

وبالسّيّئات ما حيين وحيّت (1)

ومن زيادتها مع المبتدأ (2) قول الخنساء:

596 -

وبنفسي لهموم

فهي حرّى أسفه (3)

وأما الثاني: أعني الخبر الذي هو لمبتدأ، وذلك المبتدأ هو ضمير الشأن، فنحو هو زيد منطلق، وإنما امتنع تقديم الخبر عليه؛ لأنه لو قدم لقيل: زيد منطلق هو لم يعلم كونه ضمير الشأن، ولتوهم كونه مؤكدا للضمير المستكن في الخبر.

وأما شبه ضمير الشأن: فنحو قول القائل: كلامي: زيد منطلق، وإنما امتنع التقديم فيه لأن سامع قولك: زيد منطلق قد علم أنه كلامك إذا قلت زيد منطلق كلامي، -

(1) البيتان من بحر الطويل، وهما مما نسب إلى كثير عزة نسبة مشكوكا فيها، فقصيدته التائية المشهورة التي مطلعها:

خليليّ هذا ربع عزّة فاعقلا

قلوصكما ثمّ ابكيا حيث حلّت

وليس فيها إلا البيت الأول فقط وأبيات أخرى قال محقق الديوان فيها: إنها مما نسبت لكثير، وأما البيت الثاني وهو بيت الشاهد فلم يذكر مطلقا لا في هذه القصيدة ولا في غيرها.

انظر القصيدة في ديوان كثير (ص 95) والبيت الأول (ص 107).

وشاهده قوله: فهن لأولى بالجنون، حيث زيدت اللام في الخبر.

البيت في شرح التسهيل (1/ 299) والتذييل والتكميل (3/ 341) وليس في معجم الشواهد.

(2)

أي مع تأخره وتقدم الخبر.

(3)

البيت من مجزوء الرمل من قصيدة للخنساء تفيض باللوعة والأسى على أخيها صخر (انظر: شرح ديوان الخنساء ص 59).

وقبل بيت الشاهد قولها:

إنّ نفسي بعد صخر

بالرّدى معترفه

وبها من صخر شيء

ليس يحكى بالصّفه

وبنفسي لهموم

فهي حرّى أسفه

وبذكرى صخر نفسي

كلّ يوم كلفه

الشاهد في البيت: دخول لام الابتداء على المبتدأ، ومع ذلك فقد تأخر والواجب تقدمه.

والبيت في شرح التسهيل (1/ 299) والتذييل والتكميل (3/ 341) وليس في معجم الشواهد.

ص: 940

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فيتنزل قولك كلامي بعد ذلك منزلة قولك كلامي هو كلامي، ولا فائدة في ذلك.

وأما المبتدأ الذي هو أداة استفهام فنحو: أيّهم أفضل؟

والذي هو أداة شرط: من يقم أقم معه.

والمضاف إلى إحداها: غلام أيهم أفضل وغلام من يقم أقم معه، والعلة في هذه الأربعة واحدة، وهي أن أداة الاستفهام والشرط لها صدر الكلام، وكذا المضاف إلى كل منهما.

فهذه الصور التي ذكر المصنف أن المبتدأ واجب التقديم فيها، وهي في الحقيقة اثنتا عشرة (1) صورة، لكنها منظومة تحت أربع إجمالا، فلهذا ذكرتها في العد أربعة.

وذكر ابن عصفور وغيره صورا أخرى، وهي (2):

أن يكون الخبر لكم الخبرية أو لما التعجبية [1/ 337] أو يكون المبتدأ شبيها بالخبر أو يكون المبتدأ قد استعمل خبره مؤخرا عنه في مثل أو كلام جار مجراه نحو:

الكلاب على البقر. فقد يستدرك على المصنف بذلك ولا استدراك عليه.

أما كم الخبرية: فمن المعلوم أن حكمها حكم الاستفهامية، فقد اندرجت في كلامه حيث ذكر أداة الاستفهام، وقد نصّ المصنف في هذا الكتاب أعني التسهيل على أن كم لزمت التصدير ولم يقيدها بالاستفهامية (3).

وأما التعجبية، فقد علم منع تقديم خبرها عليها من قوله: إن لم يوهم فاعلية -

(1) وإن شئت فقل إنها ثلاث عشرة صورة وهي كالآتي (مسائل وجوب تأخير الخبر):

1 -

أن يكون المبتدأ والخبر معرفتين ولا تمييز لأحدهما.

2 -

أن يكون المبتدأ والخبر نكرتين ولا تمييز لأحدهما.

3 -

أن يكون الخبر جملة فعلية فاعلها ضمير مستتر.

4 -

أن يكون الخبر مقترنا بالفاء. 5 - أن يكون الخبر مقترنا بإلا لفظا.

6 -

أن يكون الخبر مقترنا بإلا معنى. 7 - أن يكون المبتدأ مقرونا بلام الابتداء.

8 -

أن يكون المبتدأ ضمير شأن. 9 - أن يكون المبتدأ شبيها بضمير الشأن.

10 -

أن يكون المبتدأ أداة استفهام. 11 - أن يكون المبتدأ أداة شرط.

12 -

أن يكون المبتدأ مضافا إلى أداة الاستفهام. 13 - أن يكون المبتدأ مضافا إلى أداة شرط.

(2)

انظر المقرب لابن عصفور (1/ 85) من المطبوع، وكذلك التذييل والتكميل (3/ 342) وهي بنصها.

(3)

انظر تسهيل الفوائد (ص 125). قال ابن مالك: فصل: لزمت كم التصدير

إلخ.

ص: 941

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المبتدأ؛ لأن الخبر فعل رافع ضميرا مستترا.

وأما كون المبتدأ مشبها بالخبر - فقد تقدم في أول هذا الفصل ما يدل على أن تقديم الخبر في مثل ذلك غير ممتنع ومن ذلك قول حسان:

قبيلة ألأم الأحياء أكرمها

لأن التقدير أكرمها ألأم الأحياء.

وكذا قول الآخر: بنونا بنو أبنائنا

أي بنو أبنائنا بنونا.

وأما المبتدأ المستعمل خبره مؤخرا فلا يحتاج إلى التنبيه عليه؛ لأنه قد تقرر أن المثل لا يغير، وكذا ما هو جار مجراه.

ونقل الشيخ رحمه الله أن بعضهم (1) زاد أن الخبر لا يقدم في مثل: الحمد لله، والويل لزيد، ولعنة الله على الظالمين، والخيبة لزيد وكذا ويح لزيد وويل له، وخير بين يديك وسلام عليك، وضابطه: أن يكون المبتدأ فيه

معنى الدعاء معرفة كان أو نكرة كما مثل حتى قال هذا القائل: إن نحو لله الحمد وقول الشاعر:

597 -

له الويل إن أمسى ولا أمّ هاشم

قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا (2)

خرج مخرج الخبر الثابت الذي لا يرجى ولا يطلب. قلت: وفي منع ذلك نظر (3)، والظاهر أن تقديم الخبر في مثل ذلك لا يمتنع.

قال: وكذا لا يقدم إذا كان جملة لا تحتمل الصدق والكذب، نحو: زيد اضربه، وزيد هلا ضربته.

(1) التذييل والتكميل: (3/ 343). وكلمة رحمه الله ليست في الأصل.

(2)

البيت من رائية امرئ القيس التي مطلعها:

سما لك شوق بعد ما كان أقصرا

وحلّت سليمى بطن قوّ فعرعرا

انظر الديوان (ص 68) قوله: له الويل إن أمسى أتى بحرف الشرط، وهو يقتضي الاستقبال، وهو قد أمسى نائبا عن أم هاشم اتساعا ومجازا.

وشاهده: تقديم الخبر على المبتدأ المقصود به الدعاء؛ لأن المراد الإثبات لا إنشاء الدعاء.

والبيت في التذييل والتكميل (3/ 343) وليس في معجم الشواهد.

(3)

والنظر هنا معناه أنه لا مانع من تقديم الخبر في هذه المثل قياسا والذي منع احتج أنها وردت كذلك، فصارت كالأمثال التي لا تتغير.

قال الزمخشري: «وأما سلام عليك، وويل لك، وما أشبههما من الأدعية فمتروكة على حالها؛ إذ كانت منصوبة منزلة منزلة الفعل» (المفصل: ص 25).

ص: 942