الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تقسيم العلم إلى اسم وكنية ولقب]
قال ابن مالك: (ومن العلم اللّقب، ويتلو غالبا اسم ما لقّب به بإتباع أو قطع مطلقا، وبإضافة أيضا إن كانا مفردين).
ــ
وثمّ أشياء كثيرة مسمّى بها فصارت أعلاما وهي مركّبة. وقد عريت من إسناد وإضافة ومزج، كما إذا سميت بما ركب من حرفين نحو: إنما، أو حرف واسم نحو:
يا يزيد، أو حرف [1/ 192] وفعل نحو: قد قام ونحو ذلك» (1). انتهى.
وما ذكره غير وارد على المصنف وغير لازم له أن يذكره؛ لأنه لم يقصد الإشارة إلى كل ما سمي به فجعل علما، إنما مراده ذكر العلم الذي استعملته العرب ووقع في كلامها، ولا شك أن الواقع من كلامهم إنما انقسم إلى الأقسام التي ذكرها (2).
قال ناظر الجيش: هذا تقسيم ثالث للعلم باعتبار آخر، وهو انقسامه إلى اسم وكنية ولقب. وقوة كلام المصنف تفيد التقسيم المذكور لإفهام قوله: ومن العلم اللّقب أن الكلام الذي مر له في غيره.
وقد قال: وذو الإضافة كنية وغير كنية. فأشار إلى الكنية أيضا، فبقي الكلام فيما عدا ذلك في الاسم.
وبيان حصره بهذا الاعتبار في الثلاثة: «أنه إن كان مضافا مصدّرا بأب أو أمّ فهو الكنية كأبي بكر وأم كلثوم، وإن لم يكن كذلك: فإن أشعر برفعة المسمّى أو ضعته فهو اللّقب، كبطة وقفة وأنف الناقة، وإن لم يكن كذلك فهو الاسم كزيد وعمرو. -
(1) التذييل والتكميل (2/ 315).
(2)
وقد نقل هذا الجواب الشيخ يس العليمي في حاشيته على التصريح (1/ 116). قال عند ذكر ابن مالك لتقسيمات المركب الثلاثة، قال: اعترضه أبو حيان بأن ثم أشياء كثيرة سمّي بها فصارت أعلاما وهي مركبة وقد عريت من إسناد وإضافة ومزج، كما إذا سمّيت بما تركّب من حرفين نحو إنما أو حرف واسم نحو يا يزيد، قال: وأجاب ناظر الجيش بأن المراد ذكر العلم الذي استعملته العرب ووقع في كلامها، ولا شك أن الواقع في كلامهم إنما انقسم إلى الأقسام التي ذكرها. ثم قال: وقد يقال عدم استعمال العرب له لا يقتضي عدم ذكره وإهمال حكمه. وقد ذكر الناظم هنا وغيره المنقول من الجملة الاسمية ولم تستعمله العرب.
ثم قال: وهذا الجواب الذي أجاب به ناظر الجيش أجاب بنحوه المراديّ في شرح النّظم، وأجاب بجواب آخر، وهو أنّ ما ذكره أبو حيان مشبّه بتركيب الإسناد، فاكتفى بذكر تركيب الإسناد؛ لأنّ هذا ملحق به.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهذا كلام الإمام بدر الدين ولد المصنف (1) وهو أحسن من كلام ابن عمرون حيث قال: «لأنه إمّا أن يقصد به التّعظيم أو التّحقير أو لا، فإن لم يقصد أحدهما فهو الاسم وإن قصد فهو اللّقب، ثم الاسم واللّقب إمّا أن يضاف إليهما أب أو أمّ أو لا.
فإن أضيف فهو الكنية لاقتضاء هذا التقسيم تداخل الأقسام (2).
إذا تقرر هذا فقد ذكر المصنف لاجتماع اللقب مع الاسم حكمين:
أحدهما: بالنسبة إلى ما يكون مقدما منهما على الآخر.
وثانيهما: بالنسبة إلى كيفية إعراب الثاني (3) ولم يتعرض المصنف إلى ذكر اجتماع الكنية مع اللقب، والظاهر أن حكم الكنية في ذلك حكم الاسم (4).
أما الحكم الأول: فهو أن اللقب يؤخر عن الاسم، وقد ذكر لتعليل ذلك أمور:
منها: أن اللقب أشهر من الاسم.
ومنها: أن اللقب يقصد به التعظيم أو التحقير. فلو قدم وأضيف إلى الاسم لكان بعد نكرة، وتنكيره يزيل الغرض الذي قصد به بخلاف تنكير الاسم.
وهذه العلة قاصرة لعدم اطرادها فيما إذا كان بينهما تركيب (5) إلا أن يقال: لما استقر ذلك حال كونهما مفردين أجريناه حال التركيب طردا للباب.
ومنها: ما ذكره المصنف (6)؛ وهو أن اللقب في الغالب منقول من اسم غير إنسان كبطة وقفة وكرز (7)؛ فلو قدم لتوهم السامع أن المراد مسماه الأصلي وذلك مأمون بتأخيره، فلم يعدل عنه إلّا فيما ندر من الكلام كقول جنوب (8) أخت عمرو ذي الكلب: -
(1) انظر نص ذلك في شرح ابن الناظم على الألفية (ص 73)(دار الجيل بيروت) د/ عبد الحميد السيد.
(2)
معنى تداخل الأقسام فيه: أن من لم يضف إليه أب أو أم فهو اسم أو لقب، وقد دخل الاسم في التقسيم الأول حيث لم يقصد به تعظيم أو تحقير.
(3)
في نسخة (ب): التالي مكان الثاني.
(4)
الأمر كما رآه ناظر الجيش، قال ابن مالك في الألفية:
واسما أتى وكنية ولقبا
…
وأخّرن ذا إن سواه صحبا
ومعناه أخّر اللقب إن صحب سواه أي من الاسم والكنية.
(5)
وذلك لأن المركب منهما لا يضاف أحدهما إلى الآخر.
(6)
في شرح التسهيل (1/ 174).
(7)
في القاموس (2/ 195) وكرز كبرج: خرج الراعي.
(8)
هي جنوب بفتح الجيم وضم النون، واسمها عمرة بنت العجلان أخت عمرو بن الكلب بن العجلان -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
296 -
أبلغ هذيلا وأبلغ من يبلّغها
…
عنّي حديثا وبعض القول تكذيب
بأن ذا الكلب عمرا خيرهم نسبا
…
ببطن شريان يعوي حوله الذّيب (1)
[1/ 193] ومن هذا احترز المصنف بغالبا من قوله: ويتلو غالبا اسم ما لقّب به.
وأما الحكم الثاني: فهو إعراب الثاني بالنسبة إلى الأول: وذلك أن الاسم واللقب إما أن يكونا مفردين أو مركبين
أو أحدهما مفردا والآخر مركبا.
فإن وجد تركيب فيهما نحو: جاء عبد الله أنف الناقة، أو في أحدهما نحو:
جاء عبد الله بطة، وزيد أنف الناقة - وجب أحد أمرين:
إما إتباع اللقب للاسم على أنه عطف بيان أو بدل.
وإما قطعه عنه إما إلى الرفع وإما إلى النصب.
وامتنعت إضافة الأول إلى الثاني: ووجه الامتناع أن الإضافة تقتضي أن يكون ذلك اللفظ مضافا كان أو مضافا إليه مستقلّا بالمعنى، وإذا سمي بهما معا لم يكن أحدهما مستقلّا بمعنى؛ لأنهما قد نقلا وسمي بهما مضافين، فصار كل اسم منهما بمنزلة الجيم من جعفر، وذلك لا يجوز إضافته ولا الإضافة إليه لأنه ليس له معنى.
لا يقال: كون كل واحد منهما بمنزلة بعض الاسم يقتضي ألا يعرب؛ لأنا نقول: لما كانا في الأصل مضافا ومضافا إليه ونقلا وسمي بهما - بقي الإعراب على حاله نظرا إلى أصله، وهذا بخلاف الإضافة. -
- الكاهلي، شاعرة جاهلية اشتهرت برثائها لأخيها عمرو، وكان قد خرج غازيا، فهبط واديا فنام فوثب عليه نمران فأكلاه، وسمي ذا الكلب لكلب كان يلازمه يصطاد به. ولجنوب قصيدتان من أبلغ الرثاء في شرح ديوان الهذليين (2/ 578) وما بعدها.
(1)
البيتان من بحر البسيط، وهما لجنوب أخت عمرو ذي الكلب الهذلي ترثيه (انظر ديوان الخنساء ومراثي ستين شاعرة من شواعر العرب (ص 142)، وانظر شرح أشعار الهذليين ص 578 وما بعدها).
كلّ إمرئ بطوال العيش مكذوب
…
وكلّ من غالب الأيّام مغلوب
اللغة: بطن شريان: موضع قتل فيه المرثي. يعوي حوله الذّيب: كناية عن قتله في الصحراء.
وشاهده واضح: وهو تقدم اللقب على الاسم وذلك نادر.
ويضاف إلى ما ذكره الشارح من أسباب تأخير اللقب: أن اللقب يشبه النعت والنعت لا يتقدم.
ومراجع البيت في معجم الشواهد (ص 47) وهو في شرح التسهيل (1/ 174) وفي التذييل والتكميل (2/ 317).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإن انتفى التركيب من الجانبين (1) وكان الاسم واللقب مفردين نحو: جاء سعيد كرز - وجبت إضافة الأول إلى الثاني عند البصريين، ولم يجز سيبويه غير ذلك (2) وأما الكوفيون فنقل عنهم جواز الإتباع (3).
وذكر ابن عمرون عن الزجاج أنه أجاز الإتباع وأنه قال: «هذا قياس وليس من كلام العرب» . وأن الفراء أجاز
الإتباع أيضا، روى هذا ثابت قطنة (4)، وقال:
سمعت أبا ثروان يقول: قد جاءكم يحي عينان لرجل ضخم العينين.
قال الفراء: «والإضافة أكثر» .
قال ابن الحاجب (5): «وقد جاء قيس الرّقيات بتنوين قيس وجعل الرّقيّات -
(1) هذه هي الحالة الثانية إجمالا - والثالثة تفصيلا - من أحوال تركيب وإفراد الاسم واللقب.
(2)
انظر الكتاب (3/ 294) هذا باب الألقاب. يقول سيبويه: «إذا لقّبت مفردا بمفرد أضفته إلى الألقاب، وهو قول أبي عمرو ويونس والخليل، وذلك قولك: هذا سعيد كرز، وهذا قيس قفة قد جاء، وهذا زيد بطّة» .
وفي غير ذلك قال: «وإذا لقبت المفرد بمضاف والمضاف بمفرد جرى أحدهما على الآخر كالوصف» .
(3)
انظر التذييل والتكميل (2/ 317، 318) وشرح التصريح (1/ 123).
وقال بعضهم: «وجوب الإضافة يردّه النظر من جهتي الصّناعة والسّماع:
أما الصناعة: فلأنا لو أضفنا الأول إلى الثاني لزم إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن مسماهما واحد.
وأما السّماع: فقولهم: هذا يحي عينان بغير إضافة، وإلا لقالوا عينين بالياء».
وقد أجيب عن هذين الردين (انظر ذلك في شرح التصريح على التوضيح: 1/ 123).
وقال أبو حيان: «إن لنا مفردين ولا تجوز الإضافة مثل أن يكون فيهما الألف واللّام أو في أحدهما؛ فإنه لا يجوز الإضافة في هذه الحال، بل يتبع نحو جاء الحارث كرز، ورأيت الحارث كرزا، ومررت بالحارث كرز» . (التذييل والتكميل: 3/ 318).
(4)
من شعراء خراسان وفرسانهم، ذهبت عينه وكان يحشوها بقطنة، فسمي ثابت قطنة، فقال فيه قائل:
لا يعرف النّاس عنه غير قطنته
…
وما سواه من الأنساب مجهول
وكان يزيد بن المهلب استعمله على بعض كور خراسان، فلما علا المنبر حصر فلم ينطق حتى نزل، فلما دخل عليه الناس قال:
فإلّا أكن فيكم خطيبا فإنّني
…
بسيفي إذا جدّ الوغى لخطيب
فقالوا: لو كنت قلت هذا البيت على المنبر كنت أخطب الناس. ومما يستجاد له قوله في رثاء يزيد السابق:
إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن
…
عارا عليك وبعض قتل عار
توفي سنة (110 هـ) واقرأ ترجمته في الشعر والشعراء (2/ 635) وفيات الأعيان (6/ 308)، الأعلام (2/ 82).
(5)
انظر نصه في كتاب الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (2/ 80) تحقيق موسى العليلي، العراق (وزارة الأوقاف).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عطف بيان أو بدلا».
واختار المصنف جواز الإتباع، ولهذا قال: بإتباع أو قطع مطلقا. يعني مركبين كانا أو مفردين أو مختلفين.
وعقب ذلك بقوله: أو بإضافة أيضا إن كانا مفردين. فالمفردان يشاركان غيرهما في الإتباع والقطع وينفردان بالإضافة.
قال المصنف: ولم يذكر سيبويه فيهما إلّا الإضافة؛ لأنها على خلاف الأصل (1) فبين استعمال العرب؛ إذ لا مستند لها إلّا السماع بخلاف الإتباع والقطع فإنهما على الأصل. وإنما كانت الإضافة على خلاف الأصل؛ لأن الاسم واللقب مدلولهما واحد؛ فيلزم من إضافة أحدهما إلى الآخر إضافة الشيء إلى [1/ 194] نفسه؛ فيحتاج إلى تأول الأول بالمسمى والثاني بالاسم؛ ليكون تقدير قول القائل:
جاء سعيد كرز - جاء مسمى هذا اللقب، فيخلص من إضافة الشيء إلى نفسه.
والإتباع والقطع لا يحوجان إلى تأول. ولا يوقعان في مخالفة أصل، فاستغنى سيبويه عن التنبيه عليهما، وإنما يؤول الأول بالمسمى؛ لأنه المعرض للإسناد إليه والمسند إليه في الحقيقة إنما هو المسمى (2). انتهى.
وبهذا الذي اعتذر المصنف به عن سيبويه - اعتذر ابن الحاجب عن الزمخشري، حيث اقتصر على ذكر الإضافة فقط (3).
قال ابن الحاجب (4):
ثم قال: ووجه إشكاله أنهما اسمان لذات واحدة فتعذر إضافة أحدهما إلى -
(1) انظر كتاب سيبويه (3/ 294).
(2)
شرح التسهيل (1/ 174).
(3)
قال الزمخشري في المفصل (ص 9):
وإذا اجتمع للرجل اسم غير مضاف ولقب، أضيف اسمه إلى لقبه، فقيل: هذا سعيد كرز، وقيس قفة، وزيد بطة.
(4)
انظر هذا النقل الطويل في كتاب: الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 81، 82) بتصرف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الآخر. وسبب الامتناع أن الإضافة لغرض تخصيص الأول أو تعريفه؛ فإذا كانا لشيء واحد تعذّر أن يخصص
أحدهما الآخر أو يعرفه، ووجه صحة الإضافة في هذا الكلام أمران:
أحدهما: أن اللفظ قد يطلق ويراد به نفس اللفظ، ويطلق ويراد به المدلول كما في ذات زيد؛ فالذات المدلول وفيه اللفظ، فكذلك تقول: إنّ زيدا قصد به ها هنا قصد الذات، وبطة قصد به قصد اللفظ، فكأنه قال: مسمّى هذا اللفظ الذي هو بطّة.
وبهذا الاعتبار تغيّر المدلولان فيه، فصحّت الإضافة، وصار بمثابة قولك: غلام زيد.
والوجه الآخر: أنّه لمّا توهم التّنكير في زيد عند قصد إضافته للاختصار - صار بمثابة قولك: كل أو غلام، فأضيف للتبيين أو للتعريف، كما أضيف كلّ وغلام، وهذا يشبه باب: زيد المعارك من أنه إضافة للعلم؛ إلا أنّ هذا لازم أو أولى، وذاك ضعيف باتّفاق» انتهى (1).
وقد تبعه في الاعتذار عن الزمخشري بما ذكر الشيخ جمال الدين بن عمرون، وهذا منهما يدل على أنهما يريان جواز الإتباع كما رآه المصنف.
واعلم أن الحكمين المذكورين في تقديم الاسم على اللقب وتبعية الثاني في الإعراب للأول أو غيرها مما تقدم ذكره - مخصوصان بما إذا جمع بين الاسم واللقب دون إسناد أحدهما إلى الآخر. نبه على ذلك المصنف وهو تنبيه جيد؛ فعرف من هذا أنه إذا جمع بينهما بإسناد كان تقديم كل منهما وتأخيره بحسب ما يقصده المتكلم من إيقاع النسبة.
وأما إعراب الثاني فيكون بحسب ما يقتضيه الإسناد في ذلك إلى التركيب (2).
(1) المرجع السابق.
(2)
معناه: إذا أسندت اللقب إلى الاسم أو العكس، بمعنى جعلت أحدهما مبتدأ والآخر خبرا، فقلت:
شوقي أمير الشعراء وطه حسين عميد الأدب العربي - فإن التقديم والتأخير يكون بحسب القصد في إيقاع النسبة، كما أن الإعراب بحسب ما يقتضيه الإسناد.