الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الحادي عشر باب المعرّف بالأداة
[اختلافهم في الأداة]
قال ابن مالك: (باب المعرّف بالأداة: وهي: أل لا اللّام وحدها وفاقا للخليل وسيبويه، وقد تخلفها أم، وليست الهمزة زائدة خلافا لسيبويه).
قال ناظر الجيش: ذكر المصنف في أداة التعريف ثلاثة مذاهب:
الأول: أنها اللام وحدها ونسب ذلك إلى المتأخرين.
الثاني: أن الأداة الهمزة واللام معا، وأن الهمزة ليست زائدة، أي مجتلبة للنطق بالساكن، بل هي أصلية؛ ومن ثم كانت همزة قطع كهمزة أم وأو، وقال: إنه مذهب الخليل.
الثالث: كالثاني - إلا أن الهمزة همزة وصل، وقال: إنه مذهب سيبويه. وأنا أورد كلامه برمته، قال رحمه الله تعالى (1): قد اشتهر عند المتأخرين أن أداة التعريف هي اللام وحدها، وأن المعبر عنها بالألف واللام تارك لما هو أولى، وكذا المعبر عنها بأل، حتى قال ابن جني: ذكر عن الخليل أنه كان يسميها أل، ولم يكن يسميها الألف واللام، كما لا يقال في قد القاف والدال.
قلت: قد عبر سيبويه عن أداة التعريف بأل كما فعل الخليل؛ فإنه قال في: باب عدّة ما يكون عليه الكلم (2): وقد جاء على حرفين ما ليس باسم ولا فعل. فذكر أم وأو، وهل، ولم ولن وأن وما ولا وإن، وكي [1/ 284] وبل وقد، ولو، ويا، ومن.
ثم قال (3): «وأل تعرّف الاسم كقولك القوم والرّجل» فعبر عنها بأل، وجعلها من الحروف الجائية على حرفين كأم وأخواتها.
وقال في موضع آخر: «وإنّما هما حروف بمنزلة قولك قد» ثم قال: «ألا ترى أنّ الرّجل يقول إذا نسي فتذكّر ولم يرد أن يقطع كلامه: ألي كما يقول قدي، ثمّ يقول كأل وكأل» هذا نصه (4). -
(1) شرح التسهيل (1/ 253).
(2)
كتاب سيبويه (4/ 216).
(3)
كتاب سيبويه (4/ 226).
(4)
المرجع السابق: (4/ 147). ومع أن سيبويه عبر عن هذه الأداة بأل، إلا أنه كان يعبر عنها أيضا -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو موافق لما روي عن الخليل؛ فلولا أنه نسبها إلى الزيادة في موضع آخر لحكمت بموافقته الخليل مطلقا، إلا أن الخليل يحكم بأصالة الهمزة، وأنها مقطوعة في الأصل كهمزة أم وأن وأو. وسيبويه مع حكمه بزيادتها يعتد بها كاعتداده بهمزة اسمع ونحوه، بحيث لا يعده رباعيّا فيعطي مضارعه من ضم الأول ما يعطي مضارع الرباعي للاعتداد بهمزته وإن كانت همزة وصل زائدة، فكذا لا يعد أداة التعريف اللام وحدها مع القول بأن همزتها همزة وصل زائدة.
على أن الصحيح عندي قول الخليل (1) لسلامته من وجوه كثيرة مخالفة للأصل، وموجبة لعدم النظائر:
أحدها: «تصدير زيادة فيما لا أهلية فيه للزيادة، وهو الحرف» .
الثاني: «وضع كلمة مستحقة للتصدير على حرف واحد ساكن، ولا نظير لذلك» .
الثالث: «افتتاح حرف بهمزة وصل، ولا نظير لذلك أيضا» .
الرابع: «لزوم فتح همزة وصل بلا سبب، ولا نظير لذلك أيضا. واحترزت باللزوم ونفي السبب من همزة أيمن في القسم، فإنها تكسر وتفتح، وكسرها هو الأصل. وفتحت لئلا ينتقل من كسر إلى ضمتين دون حاجز حصين، ولم يضم لئلا يتوالى الأمثال المستثقلة (2)؛ فإن جعل سبب فتح همزة حرف التعريف طلب التخفيف لأجل كثرة الاستعمال لزم محظور آخر، وهو أن التخفيف مصلحة تتعلق باللفظ فلا يترتب الحكم عليها إلا بشرط السلامة من مفسدة تتعلق بالمعنى كخوف اللبس؛ وهو هنا لازم لأن همزة الوصل إذا فتحت التبست بهمزة الاستفهام، فيحتاج الناطق بها إلى معاملتها بما لا يليق بها من إبدال أو تسهيل؛ ليمتاز الاستفهام عن الخبر، وذلك يستلزم وقوع البدل حيث لا يقع المبدل منه؛ لأن همزة الوصل -
- بالألف واللام، يقول في كتابه:(1/ 22): «وجميع ما لا ينصرف إذا ما أدخلت عليه الألف واللام أو أضيف انجر» . وكتب بابا عنوانه: هذا باب ما يجعل من الأسماء مصدرا، كالمصدر الّذي فيه الألف واللّام نحو العراك. (الكتاب: 1/ 375).
(1)
وهو أن أداة التعريف أل كلها، وأن الهمزة فيها أصلية، أي همزة قطع مثلها في أم وأن.
(2)
في اللسان (يمن): قال ابن منظور: قال ابن الأثير: أهل الكوفة يقولون: ايمن جمع يمين القسم، والألف فيها ألف وصل تفتح وتكسر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا تثبت إذا ابتدئ بغيرها، فإذا أبدلت وسهلت بعد همزة الاستفهام وقع بدلها حيث لا تقع هي، وذلك ترجيح فرع على أصل أفضى إليه القول بأن همزة أل همزة وصل زائدة فوجب اطراحه».
الخامس: «أن المعهود الاستغناء عن همزة الوصل بالحركة المنقولة إلى الساكن نحو: ر زيدا والأصل ارء زيدا، فنقلت حركة الهمزة إلى الراء، واستغني عن همزة الوصل، ولم يفعل ذلك بلام التعريف المنقول إليه حركة إلا على شذوذ، بل يبتدأ بالهمزة على المشهور من قراءة ورش في مثل الآخرة (1)، وذلك في نحو:
ر زيدا لا يجوز أصلا، فلو كانت همزة أداة التعريف همزة وصل زائدة له لم يبدأ بها مع النقل، كما لا يبدأ بها في الفعل المذكور» [1/ 285].
واحتج بعض النحويين لسيبويه (3) بأن قال: قد قيل: مررت بالرجل فتخطى العامل حرف التعريف، فلو كان الأصل أل لكان في تقدير الانفصال، وكان يجب -
(1) من الآية: 94 من سورة البقرة، وكمالها: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. وانظر في القراءة: تقريب النشر في القراءات العشر (ص 36) لابن الجزري. تحقيق إبراهيم عطوة (كلية اللغة العربية) طبعة مصطفى البابي الحلبي.
(2)
كقول الشاعر (من الطويل):
إذا ما جاوز الإثنين سر فإنّه
…
بنثّ وتكثير الوشاة قمين
وقول الآخر (من الطويل):
ألا لا أرى إثنين أحسن شيمة ......
إلخ.
(3)
القائل بأن أداة التعريف هي الهمزة واللام معا، إلا أن الهمزة همزة وصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أن تقع قبل الجار كما أن الحروف التي لا تمتزج بالكلمة كذلك، ألا ترى أنك تقول:«هل بزيد مررت؟» ولا تقول:
«بهل زيد مررت» ؟ فلولا أن حروف التعريف بمنزلة الزاي من زيد ما تخطاه العامل.
والجواب: أن تقدير الانفصال لا يترتب على كثرة الحروف، بل على إفادة معنى زائد على المعنى المصحوب، ولو كان المشعر به حرفا واحدا كهمزة الاستفهام، فإنها وإن كانت حرفا واحدا في تقدير الانفصال لكون ما تفيده من المعنى زائدا على معنى مصحوبها غير ممازج لمعنى المصحوب، وعدم تقدير الانفصال يترتب على إفادة معنى ممازج لمعنى المصحوب كـ (سوف)؛ فإنها وإن كانت على ثلاثة أحرف غير مقدرة الانفصال لكون ما تفيده من المعنى ممازجا لمعنى الفعل الذي تدخل عليه، فإنها تعينه للاستقبال وذلك تكميل لدلالته، وهكذا حرف التعريف غير مقدر الانفصال وإن كان على حرفين؛ لأن ما أفاده من المعنى مكمل لتعيين الاسم مسماه، فينزل منزلة الجزء من مصحوبه لفظا كما تنزل منزلة الجزء معنى، إلا أن امتزاج حرف التعريف بالاسم أشد من امتزاج سوف بالفعل لوجهين:
أحدهما: أن معنى حرف التعريف لا يختص به بعض مدلول الاسم المقرون به، بخلاف معنى سوف؛ فإنه يختص بأحد جزأي مدلول الفعل.
الثاني: أن حرف التعريف يجعل الاسم المقرون به شبيها بمفرد قصد به التعيين وضعا كالمضمر واسم الإشارة والعلم المرتجل، فلا يقدح في الامتزاج المعنوي كون أحد المتمازجين حرفين أو أكثر. وسوف وإن مازج معناها معنى مصحوبها لكن لا تجعله شبيها بمفرد قصد به وضعا ما قصد بها وبمصحوبها؛ لأن ذلك غير موجود، وقد ترتب على هذا امتناع الفصل بين حرف التعريف والمعرف به، ووقوعه بين سوف والفعل المصاحب لها كقول الشاعر:
517 -
وما أدري وسوف إخال أدري
…
أقوم آل حصن أم نساء (1)
-
(1) البيت من بحر الوافر، قاله زهير بن أبي سلمى يهجو به جماعة ويذكر لهم أنه لا يعرف هل هم رجال أو نساء، وهذا ذم لهم وطعن في رجولتهم.
وشاهده: قوله: وما أدري وسوف إخال أدري، حيث فصل بين سوف والفعل بعدها، وهذا يرجح أنهما غير ملتصقين التصاق أل بمدخولها. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفعل ذلك أيضا بقول الشاعر [1/ 286]:
518 -
لقد أرسلوني في الكواعب راعيا
…
فقد وأبي راعي الكواعب أفرس (1)
أراد: فقد أفرس راعي الكواعب وحقّ أبي؛ فسكن الياء وفصل.
واحتج بعضهم على الخليل بأن قال: لما كان التنكير مدلولا عليه بحرف واحد وهو التنوين كصه وصه وجب كون التعريف مدلولا عليه بحرف واحد وهو اللام؛ لأن الشيء يحمل على ضده كما يحمل على نظيره، وهذا ضعيف جدّا لأن الضدين قد يتفقان في العبارة مطلقا كصعب صعوبة فهو صعب، وسهل سهولة فهو سهل. وقد يختلفان مطلقا كشبع شبعا فهو شبعان، وجاع جوعا فهو جائع، وقد يتفقان من وجه ويختلفان من وجه كرضي رضا فهو راض، وسخط سخطا فهو ساخط، والاختلاف أولى بهما ليكون سبيلهما في المعنى واللفظ واحدا، وإن سلم حمل الشيء على ضده، فيشترط تعذر حمله على نده. وقد أمكن العمل عليه فتعيّن الجنوح إليه.
ونقول: التعريف نظير التأنيث في الفرعية فاشتركا في استحقاق علامة، والتنكير نظير التذكير في الأصالة فينبغي أن يشتركا في الخلو من علامة، فإن وضع للتنكير علامة فحقها أن تنقص عن علامة التعريف تنبيها على أنه أحق بالعلامة لفرعيته -
- والبيت في معجم الشواهد (ص 21) وشرح التسهيل (1/ 256) والتذييل والتكميل (3/ 228).
(1)
البيت من بحر الطويل لم ينسب إلى أحد سوى أن صاحب اللسان قال فيه: أنشده الأعرابي، وذكر بيتا بعده إلا أن فيه عيب الأصراف، وهو قوله:
أتته ذئاب لا يبالين راعيا
…
وكنّا ذئابا تشتهي أن تفرّسا
وشرح صاحب اللسان البيت شرحا وافيا.
اللغة: الكواعب: جمع كاعب وهي الفتاة البالغة. راعي الكواعب: وليهن الذي يقوم بأمرهن. أفرس:
بالمضارع، وهو موضوع موضع الماضي فرست.
المعنى: يذكر الشاعر أنهم اختاروه وليّا على بعض النساء، ولكنهم اختاروا فاجرا وخبيثا.
الإعراب: راعيا: حال من مفعول أرسلوني. وأبي: الواو للقسم وأبي مقسم به مجرور، راعي الكواعب: حال من التاء المقدرة، كأنه قال فرست راعيا للكواعب (بعد أن وضع المضارع موضع الماضي) وقد يجوز أن يكون قوله: وأبي، مضافا إلى راعي الكواكب، وهو يريد به ذاته.
وشاهده واضح: وهو الفصل بين قد والفعل.
والبيت ليس في معجم الشواهد. وهو في شرح التسهيل (1/ 256) والتذييل والتكميل (3/ 228) وفي اللسان (مادة فرس).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأصالة التنكير، وذلك موجب لكون علامة التعريف حرفين وهو المطلوب.
وأيضا فإن التعريف طارئ على التنكير كطروء التثنية على الإفراد، فسوي بينهما بجعل علامة كل واحد منهما حرفين بحذف أحدهما في حال دون حال (1).
وأيضا لما كانت من ذات حرفين ومدلولها العموم في نحو: ما فيها من رجل، وكان حرف التعريف نظيرها في العموم سوي بينهما، فكان حرف التعريف حرفين تسوية بين النظيرين (2).
ولما كانت اللام تدغم في أربعة عشر حرفا فيصير المعرف بها كأنه من المضاعف العين الذي فاؤه همزة جعل أهل اليمن ومن داناهم بدلها ميما؛ لأن الميم لا تدغم إلا في ميم، وقد تقدم الاستشهاد على ذلك. انتهى (3).
واعلم أني إنما أوردت هذا الكلام لاشتماله على تقديرات لطيفة تشحذ ذهن الناظر وتنبهه على طرق استنباط اللطائف في هذا الفن، وأما كون الهمزة همزة قطع وصلت أو همزة وصل، وأنها هل لها مدخل مع اللام في التعريف أو لا - فهو شيء لا ينتج فائدة، ولا يترتب عليه حكم نحوي.
وقد أورد الشيخ كلام سيبويه (4) وهو شاهد بما ذكر المصنف أنه مذهبه، ولكنه أمكن أن يكون ما ذكره المصنف عن الخليل مذهبا له، وقد رد الأوجه التي ذكرها المصنف استدلالا للخليل بما لا يقوى في النظر؛ فإن رام الناظر ذلك فليراجع كتابه، وإنما تركت إيراده خشية الإطالة (5).
(1) حذف واحد من علامة التعريف عند الوصل وهو الألف، وحذف واحد من علامة التثنية عند الإضافة وهو النون.
(2)
هذا هو التعليل الواهي.
(3)
شرح التسهيل: (1/ 257). قال في المتن: «وتنوب الفتحة عن الكسرة في جرّ ما لا ينصرف إلا أن يضاف أو يصحب الألف واللّام أو بدلها» : وشرحه فقال:
الضمير في قوله: أو بدلها عائد إلى اللام، وأشار بذلك إلى لغة من يبدلها ميما، كقول بعضهم (من الطويل):
أأن شمت من نجد بريقا تألّقا
…
تكابد ليل ام أرمد اعتاد أولقا
أراد: ليل الأرمد. فجر أرمد بكسرة مع الميم كما يجر بها مع اللام.
(4)
التذييل والتكميل (3/ 219، 220).
(5)
وإذا كان الشارح مدح ما نقله عن ابن مالك وغيره في أل فإن أبا حيان ذم ذلك فقال: «وقد طال الكلام في أل طولا زائدا على الحد. واختلافهم فيها لا يجدي شيئا؛ لأنه خلاف لا يؤدي نطقا لفظيّا -