الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بقية مسائل تقديم الخبر وجوبا]
قال ابن مالك: (ويجب تقديم الخبر إن كان أداة استفهام، أو مضافا إليها، أو مصحّحا تقديمه الابتداء بالنّكرة، أو دالّا بالتقديم على ما لا يفهم بالتّأخير أو مسندا دون أمّا إلى أنّ وصلتها، أو إلى مقرون بإلّا لفظا أو معنى، أو إلى ملتبس بضمير ما التبس بالخبر، وتقديم المفسّر إن أمكن مصحّح خلافا للكوفيين إلا هشاما ووافق الكسائي في جواز نحو: زيدا أجله محرز لا في نحو: زيدا أجله أحرز).
ــ
598 -
بمسعاته هلك الفتى أو نجاته
…
فنفسك صن عن غيّها تك ناجيا (1)
قال ناظر الجيش: هذا هو القسم الذي يجب فيه ترك الأصل، وهو تقديم الخبر، وذكر أنه واجب في ثماني صور:
الأولى والثانية:
إذا كان الخبر أداة استفهام أو مضافا إليها. نحو أين زيد وصبيحة أي يوم سفرك، وذلك لأن الاستفهام، له صدر الكلام كما تقدم.
الثالثة:
إذا كان تقديم الخبر يصحح الابتداء بالنكرة، وقد تقدم أن من مصححات الابتداء بنكرة أن يخبر عنها بظرف مقدم مختص نحو: عندك رجل. وإنما كان تقديمه مصححا؛ لأن تأخيره يوهم كونه نعتا وتقديمه يؤمن من ذلك، وكذا النكرة المخبر عنها بجار ومجرور مختص نحو لك مال، أو بجملة متضمنة لما تحصل به الفائدة نحو: قصدك غلامه رجل؛ فلولا الكاف من قصدك لم يفد الإخبار بالجملة، كما أنه لولا اختصاص الظرف والمجرور (2) لم يفد الإخبار بهما وإلى الظرف المختص واللاحق -
(1) البيت من بحر الطويل، وهو في النصح والإرشاد، ولم يسم قائله.
وشاهده: تقديم الخبر المشتمل على ضمير يعود على المبتدأ وهذا التقدم جائز، وفيه عود الضمير على متأخر في اللفظ متقدم في الرتبة.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 300). والتذييل والتكميل. وليس في معجم الشواهد.
(2)
اختصاص الظرف والمجرور معناه إضافتهما إلى ما يصح أن يكون مبتدأ وهو المعرفة، فيصح في الدار رجل؛ لأنه يجوز الدار فيها رجل، ويصح عند محمد مال، لأنه يجوز محمد عنده مال، أما إذا كانا غير ذلك كما إذا قيل: في دار رجل: وعند رجل مال، فلا يجوز هذا الكلام.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
به من الجار والمجرور والجملة أشار بقوله: أو مصححا تقديمه الابتداء بالنّكرة.
الرابعة:
إذا كان الخبر دالّا بالتقديم على المبتدأ على ما لا يفهم بالتأخير عنه نحو: لله درّك من الجمل التعجبية؛ فإن تعجبها لا يفهم إلا بتقديم الخبر وتأخير المبتدأ، وكذا نحو:
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ [1/ 339] أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ (1).
من الجمل الاستفهامية المقصود بها التسوية فإن الخبر فيه لازم التقديم وذلك أن المعنى: سواء عليهم الإنذار وعدمه، فلو قدم أأنذرتهم لتوهم السامع أن المتكلم يستفهم حقيقة، وذلك مأمون بتقديم الخبر فكان ملتزما (2).
الخامسة:
إذا كان الخبر مسندا إلى أن المفتوحة وصلتها كقولك: معلوم أنك فاضل، وكقوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ (3) وسبب ذلك خوف التباس إنّ المكسورة بالمفتوحة، أو خوف التباس أن المصدرية بأنّ الكائنة
بمعنى لعل، أو خوف التعرض لدخول إن على أن مباشرة، وفي ذلك من الاستثقال ما يخفي؛ فلو ابتدئ بأن وصلتها بعد أما لم يلزم تقديم الخبر؛ لأن المحظورات الثلاثة مأمونة بعد أما؛ إذ لا يليها إن المكسورةو لا أن التي بمعنى لعل، فجاز أن يقال: أما معلوم فإنك فاضل وأما أنك فاضل فمعلوم، ومنه قول الشاعر:
599 -
دأبي اصطبار وأمّا أنني جزع
…
يوم النّوى فلوجد كاد يبريني (4)
-
(1) سورة البقرة: 6.
(2)
قال أبو حيان: وما ذكره المصنّف من أن سواء خبر مقدم واجب التّقديم هو قول جماعة، وذهب بعضهم إلى أنه مبتدأ والخبر جملة، وذهب بعضهم إلى أن سواء مبتدأ والجملة فاعل (التذييل والتكميل).
(3)
سورةيس: 41.
(4)
البيت من بحر البسيط ومع رقة معناه فهو مجهول القائل. ويروى: عندي اصطبار.
مفرداته: اصطبار: صبر. جزع: ضد صبور. النوى: البعد. الوجد: الحب. يبريني: يهزلني ويضعفني.
يذكر الشاعر أن من عاداته الصبر، وإذا كان قد جزع يوم فراق أحبابه فلحبه الشديد لهم وخوفه عليهم.
الإعراب: دأبي اصطبار: مبتدأ وخبر. أنني جزع: في تأويل مصدر مبتدأ. فلوجد: جار ومجرور خبر المبتدأ السابق. كاد يبريني: جملة في محل جر صفة لوجد.
الشاهد فيه قوله: وأمّا أنّني جزع. قال النحاة: إذا كان المبتدأ أنّ وصلتها يجب تقديم الخبر خوفا من -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
السادسة والسابعة:
أن يكون الخبر مسندا إلى مقرون بإلّا لفظا أو معنى نحو قولك: ما فى الدّار إلّا زيد وإنّما عندك عمرو وقد تقدمت الإشارة إلى العلة الموجبة لتأخير المقترن بإلا (1).
الثامنة:
أن يكون الخبر مسندا إلى ملتبس بضمير ما التبس بالخبر (2) كقول الشاعر:
600 -
أهابك إجلالا وما بك قدرة
…
عليّ ولكن ملء عين حبيبها (3)
فحبيبها ملتبس بضمير العين، وملء عين خبر واجب التقديم؛ لأنه لو أخر عن المبتدأ لزم عود الضمير إلى شيء ملتبس بالخبر، وهو متأخر لفظا مع أنه متأخر رتبة، وذكر الالتباس أولى من ذكر الإضافة؛ لأن الالتباس يعم
الإضافة وغيرها، فمثال الالتباس بالإضافة ما في البيت من قول الشاعر: ولكن ملء عين حبيبها. ومثال الالتباس بغير إضافة قولك: معرض عن هند المرسل إليها.
وأشار المصنف بقوله: وتقديم المفسّر إن أمكن مصحح إلى آخر الفصل - إلى أنه إذا التبس المبتدأ بضمير اسم ملتبس بالخبر، وأمكن تقديم صاحب الضمير صحت المسألة عند البصريين وهشام الكوفي (4) نحو زيدا أجله محرز، وزيدا أجله أحرز.
ووافق الكسائي في مسألة اسم الفاعل لا في مسألة الفعل. وعضد أبو علي قول الكسائي بأن قال (5): المبتدأ وخبره المفرد بمنزلة الفعل والفاعل، فكما لا يمتنع: -
- التباس المكسورة بالمفتوحة، أو من التباس المصدريّة التي بمعنى لعل ما لم يكن المبتدأ المذكور بعد أمّا، فإنّه يجوز فيه التقديم والتأخير، والبيت في شرح التسهيل (1/ 302) والتذييل والتكميل (3/ 351) ومعجم الشواهد (ص 404).
(1)
قال: وعلّة ذلك أنّ الحصر مقصود، وإنّما يستفاد بالتّأخير.
(2)
انظر الأسلوب المذكور وما فيه من ثقل، وهو موضع يحتاج إلى خفة ليضبط.
وهكذا شأن ابن مالك دائما في كتبه وبخاصة المتون المنثورة أو المنظومة منها، ثم يتبعه الشراح في كثير من ذلك ولا يتصرفون. وماذا عليهم لو قالوا في هذا الموضع: أن يكون في المبتدأ ضمير يعود على الخبر، ويدخل في المبتدأ أيضا المتعلق به، وكذلك يدخل في الخبر الملتبس به.
(3)
البيت من بحر الطويل، وقد سبق الحديث عنه والاستشهاد به.
وشاهده هنا: تقديم الخبر وجوبا لالتباس المبتدأ بضمير يعود على بعض الخبر.
(4)
انظر الهمع (1/ 103).
(5)
التذييل والتكميل (3/ 355) والهمع (1/ 103).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيدا أحرز أجله لا يمتنع زيدا أجله محرز؛ لأنه لم يفصل بين المنصوب وناصبه أجنبي بخلاف: زيدا أجله أحرز؛ فإن الأجل وإن كان الفعل خبره فالإخبار بالفعل على خلاف الأصل؛ لأن الفعل وفاعله أصلهما أن يستقل بهما كلام، فعدّ المبتدأ قبلهما أجنبيّا بخلاف وقوعه قبل اسم الفاعل؛ فإن اتصال المبتدأ به على الأصل لأنه مفرد.
قال المصنف (1): وقد يفرق بين الصورتين بأن اسم الفاعل لا يجب تأخيره، فلا يمتنع تقديم معموله بخلاف الفعل؛ فإن تأخيره إذا وقع خبر مبتدأ واجب، فلا يجوز تقديم معموله [1/ 340] فإن تقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل،
وهذه شبهة شهرت عند النحويين، وفيها إذا لم تقيد ضعف؛ لأن تقديم معمول العامل العارض منع تقديمه منبه على ما كان له من جواز قبل عروض العارض، فالحكم بجوازه أولى من الحكم بمنعه ما لم يكن في ذلك إخلال بلازم؛ لأن منعه مفوت للتنبيه على الأصل، ولأجل ذلك جاز أن يقدم على لن ولم ولا واللام الطلبيتين معمولات معمولاتهن، نحو: زيدا لن أضرب، وعمرا لم أكرم، والعلم لتطلب والجاهل لا تعجب.
وقول أبي علي: إن الفعل وفاعله أصلهما أن يستقل بهما كلام، فعد المبتدأ قبلهما أجنبيّا تخيّل جدلي لا ثبوت له عند التحقيق؛ لأن الجملة لا تقع موقع المفرد إلا لتؤدي معناه وتقوم مقامه، فلا يعد ما هي له خبرا أجنبيّا كما لا يعد أجنبيا ما الفرد له خبر.
فالحاصل: أن الصحيح ما ذهب إليه البصريون من التسوية في الجواز بين زيد أجله محرز وزيد أجله أحرز بل المثال الآخر أولى بالجواز؛ لأن العامل فيه فعل، وفاعل المثال الأول اسم فاعل. فمن لم يمنع الأول دون الآخر فقد رجح فرعا على أصل، ومن منعهما فقد ضيق رحيبا وبعد قريبا.
ومن حجج البصريين قول الشاعر:
601 -
خيرا المبتغيه حاز وإن لم
…
يقض فالسّعي في الرّشاد رشاد (2)
-
(1) شرح التسهيل (2/ 302).
(2)
البيت من بحر الخفيف مجهول القائل ومع التقديم والتأخير فيه فإنه يحمل معنى جميلا يقول صاحبه: الذي يريد الخبر والنجاح يصل إليه، وإن لم يصل إليه فيكفيه أنه طلبه:
عليّ طلاب العزّ من مستقرّه
…
ولا ذنب لي إن عارضتني المقادر
وحتى يتضح معناه والشاهد فيه فإن أصله المبتغي خيرا حازه ثم صار المبتغى خيرا حاز خيرا ثم صار خيرا المبتغيه حاز وهكذا فقد قدم معموله الخبر الفعل على المبتدأ كقولك الدار صاحبها باع. انظر توضيحه والخلاف في الشرح. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هذا مثال زيدا أجله أحرز، انتهى كلام المصنف ولا يخفى حسنه (1).
واعلم أنه كما يتصل بالفاعل ضمير يعود على المفعول أو على ما أضيف إليه، وبالمفعول ضمير يعود على الفاعل، أو على ما أضيف إليه، وقد تقدم ذلك في باب المضمر، وأن المتصور فيه بالنسبة إلى تقديم المفعول على الفاعل وتأخيره عنه أربع مسائل: هي: ضرب غلامه زيد، وضرب غلامها بعل هند، وضرب غلامه زيدا، وضرب
غلامها بعل هند. وإن المثال الأول لا خلاف في جوازه، والمثال الثاني جائز على القول المتصور، والثالث ممتنع عند الأكثرين، وجائز على رأي جماعة منهم المصنف، وإن القول بالجواز هو الصحيح، وأما المثال الرابع فممتنع بلا خلاف قد يتصور (2) بين المبتدأ والخبر إذا اتصل الضمير العائد على أحدهما، أو على ما أضيف إليه، أو على شيء يلتبس به الآخر، فيقال: إن ضرب غلامه زيد نظيره هنا في داره زيد (3) ومن ثم كانت جائزة إجماعا كتلك. وإن ضرب غلامها بعل هند نظير في داره قيام زيد، وفي دارها عبد هند (4) والأصح أنها جائزة كما أن الأصح في تلك الجواز وأن ضرب غلامه زيدا نظيره صاحبها في الدار (5).
لكن هذه هنا ممتنعة بلا خلاف، وتلك في جوازها خلاف، والسبب في ذلك أن الضمير في مسألة ضرب غلامه زيدا عائد على نفس المفعول، والمفعول مستحضر بذكر الفاعل، فلما كان مشعورا به نزل منزلة ما هو متقدم ذكرا، فروعي فيه ذلك وإن كان متأخرا لفظا ورتبة.
وأما الضمير في نحو صاحبها في الدار فلم يعد على الخبر نفسه حتى يقال إن الشعور به قد حصل بذكر المبتدأ لو قيل صاحبها في الدار مثلا [1/ 341] بل إنما عاد -
- البيت في شرح التسهيل (1/ 303) وفي التذييل والتكميل (3/ 356) وليس في معجم الشواهد.
(1)
شرح التسهيل (1/ 303).
(2)
هذا هو خبر إن في قوله قبل ستة أسطر: واعلم أنه كما يتصل بالفاعل ضمير
…
إلخ، وفي النسخ:
قد يصدر، وقد أثبتناه كما ترى للوضوح.
(3)
أي إن الضمير فيهما عائد على متأخر في اللفظ لكنه متقدم في الرتبة وهو جائز.
(4)
أي إن الضمير فيهما عائد على متأخر في اللفظ متقدم في الرتبة. غاية الأمر أنه لم يعد في المثال الأول على الفاعل نفسه كما سبق فيما قبله، وإنما عاد على ملتبس به، وفي الثاني لم يعد على المبتدأ نفسه، وإنما عاد على ملتبس به أيضا.
(5)
في نسخ المخطوطة: في الدار صاحبها، وليس مرادا في التمثيل.