المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[اقتران الخبر بالفاء وجوبا وجوازا الأحكام وشروط ذلك] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٢

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثامن باب الاسم العلم

- ‌[تعريف العلم]

- ‌[تقسيم العلم إلى منقول ومرتجل]

- ‌[تقسيم العلم إلى مفرد ومركب/ تقسيم المركب]

- ‌[تقسيم العلم إلى اسم وكنية ولقب]

- ‌[أحكام العلم ذي الغلبة]

- ‌[أحكام العلم ذي الأداة]

- ‌[تنكير العلم بالتثنية والجمع والإضافة وأحكام ذلك]

- ‌[مسميات الأعلام]

- ‌[حكم الصرف وعدمه لأنواع الأعلام]

- ‌[حكم أفعل وصفا للنكرة]

- ‌[حكم الأعداد من التعريف وغيره والصرف وغيره]

- ‌[حكم الكنايات من العلمية أو غيرها]

- ‌الباب التاسع باب الموصول

- ‌[تقسيم الموصول وتعريف كل قسم]

- ‌[الموصول من الأسماء وأنواعه - الموصولات الخاصة]

- ‌[جمع الذي والتي]

- ‌[الموصولات المشتركة ومعناها]

- ‌[حذف عائد الموصول بأنواعه]

- ‌[حكم أي الموصولة من البناء والإعراب]

- ‌[حكم أنت الذي فعل وفعلت]

- ‌[حكم وقوع شبه الجملة صلة للموصول]

- ‌[من وما ومراعاة اللفظ أو المعنى فيها]

- ‌[من وما: أنواعهما - معناهما]

- ‌[أنواع أيّ وأحكام كل نوع]

- ‌[الموصولات الحرفية - أن وكي وما ولو - وأحكامها]

- ‌[أحكام الموصول مع صلته]

- ‌الباب العاشر باب اسم الإشارة

- ‌[تعريفه - أنواعه]

- ‌[مرتبة المشار إليه]

- ‌[هاء التنبيه وأحكامها]

- ‌[فصل هاء التنبيه عن اسم الإشارة]

- ‌[إلحاق كاف الخطاب بأسماء الإشارة]

- ‌[إلحاق كاف الخطاب لبعض الكلمات الأخرى]

- ‌[تبادل أسماء الإشارة]

- ‌[الإشارة إلى المكان]

- ‌الباب الحادي عشر باب المعرّف بالأداة

- ‌[اختلافهم في الأداة]

- ‌[أنواع أل]

- ‌[حكم أل التي للجنس]

- ‌[أل الزائدة ومواضع الزيادة]

- ‌[مدلول إعراب الاسم من رفع أو نصب أو جر]

- ‌الباب الثاني عشر باب المبتدأ

- ‌[تعريفه - نوعاه]

- ‌[عامل الرفع في المبتدأ والخبر]

- ‌[الوصف الرافع للاسم وأحكامه]

- ‌[حذف الخبر جوازا ووجوبا ومسائل ذلك]

- ‌[مسألة ضربي زيدا قائما وبقية الحديث فيها]

- ‌[رفع الحال المنصوبة على الخبرية]

- ‌[إعراب الاسم المرفوع بعد لولا]

- ‌[الحال السادة مسد الخبر ووقوعها جملة]

- ‌[حذف المبتدأ جوازا ووجوبا ومسائل ذلك]

- ‌[حكم قولهم: زيد والريح يباريها - وقولهم: راكب الناقة طليحان]

- ‌[المبتدأ والخبر من جهة التعريف والتنكير]

- ‌[مواضع الابتداء بالنكرة]

- ‌[إعراب قولهم: كم مالك؟ وقولهم: ما أنت وزيد

- ‌[بعض مسائل تقديم الخبر]

- ‌[حكم «في داره زيد» وأشباهه]

- ‌[بقية مسائل تقديم الخبر وجوبا]

- ‌[الخبر: تعريفه وأنواعه وحديث طويل عنه]

- ‌[الخبر المشتق وغيره، وحكمهما في تحمل ضمير المبتدأ]

- ‌[استكنان الضمير الرابط وبروزه]

- ‌[أنواع الخبر الجملة، وحكم بعض الجمل في وقوعها أخبارا]

- ‌[روابط الخبر الجملة - جمل لا تحتاج إلى رابط]

- ‌[حكم الضمير الرابط من جواز حذفه أو بقائه]

- ‌[مجيء الخبر ظرفا والآراء في ذلك]

- ‌[حكم وقوع ظرف الزمان خبرا عن اسم العين والمعنى]

- ‌[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ونصبه وجره]

- ‌[جواز رفع ظرف المكان الواقع خبرا ونصبه]

- ‌[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ووجوب نصبه]

- ‌[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ونصبه]

- ‌[جواز رفع المصدر الواقع خبرا ونصبه]

- ‌[تعدد الخبر وأنواعه]

- ‌[تعدد المبتدأ ونوعاه]

- ‌[اقتران الخبر بالفاء وجوبا وجوازا الأحكام وشروط ذلك]

- ‌[مسائل مختلفة في اقتران الخبر بالفاء]

الفصل: ‌[اقتران الخبر بالفاء وجوبا وجوازا الأحكام وشروط ذلك]

[اقتران الخبر بالفاء وجوبا وجوازا الأحكام وشروط ذلك]

قال ابن مالك: (فصل - تدخل الفاء على خبر المبتدأ: وجوبا بعد أمّا إلّا في ضرورة أو مقارنة قول أغنى عنه المقول. وجوازا بعد مبتدأ واقع موقع من الشّرطيّة أو ما أختها وهو أل الموصولة [1/ 382] بمستقبل عامّ، أو غيرها موصولا بظرف، أو شبهه، أو بفعل صالح للشّرطيّة، أو نكرة عامّة موصوفة بأحد الثّلاثة، أو مضاف إليها مشعر بمجازاة، أو موصوف بالموصول المذكّر، أو مضاف إليه).

ــ

وعلم منه أن الحكم في كلا الضربين اللذين ذكرهما واحد بالنسبة إلى أن الخبر يكون عن المبتدأ الآخر، ثم يجعل هو وخبره خبر ما قبله إلى أن يخبر عن المبتدأ الأول بتاليه مع ما بعده، وكذا إذا أردت بيان المعنى في الضربين جعلت مكان كل ضمير الظاهر الذي يعود عليه ذلك الضمير، فكما قلنا في نحو: زيد عمه خاله أخوه أبوه قائم؛ لأن المعنى أبو أخي قال: عم زيد قائم، هكذا في نحو: بنوك الزيدان هند عمرو الدراهم أعطيته بها عندها في دارهم يكون المعنى: الدراهم أعطيت عمرا بهند عند الزيدين في دار بنيك.

قال الشيخ (1): «وهذه من المسائل الموضوعة للاختبار، ولا يوجد لها نظير في لسان العرب» .

قال ناظر الجيش: قال المصنف (2): «نسبة خبر المبتدأ من المبتدأ كنسبة الفعل من الفاعل، فحق الخبر ألا تدخل عليه الفاء كما لا تدخل على الفعل؛ فإذا أدخلت فلا بد لدخولها من سبب، والسبب على ضربين:

موجب ومجوز:

فالموجب تقدم أما كقوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ (3). ولا يحذف بعد أما إلّا في ضرورة كقول الشاعر:

656 -

فأمّا القتال لا قتال لديكم

ولكنّ سيرا في عراض المواكب (4)

-

(1) التذييل والتكميل (4/ 94).

(2)

شرح التسهيل (1/ 328).

(3)

سورة البقرة: 26.

(4)

البيت من بحر الطويل قائله الحارث بن خالد المخزومي، وقد سبق الاستشهاد به في هذا الباب أيضا -

ص: 1037

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أو مع قول مخبر به مستغنى عنه بمقوله كقوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ (1) أي فيقال لهم: أكفرتم؟ والمجوز لدخول الفاء على الخبر كون المبتدأ واقعا موقع من الشرطية أو ما أختها (2) صاول ذلك

أل الموصولة بما يقصد به الاستقبال والعموم كقوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (3).

فلو قصد به مضي أو عهد فارق أل شبه من وما، فلم يؤت بالفاء.

ومثال غير أل موصولا بظرف قول الشاعر:

657 -

ما لدى الحازم اللّبيب معارا

فمصون وماله قد يضيع (4)

ومثال الموصول بشبه الظرف قوله تعالى: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ (5).

ومثال الموصول بفعل صالح للشرطية قوله تعالى: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما -

- في ذكر روابط جملة الخبر بالمبتدأ.

وأما شاهده هنا: فهو سقوط الفاء من خبر المبتدأ الواقع جوابا لأمّا ضرورة.

والبيت في: شرح التسهيل (1/ 328). وفي معجم الشواهد (ص 56).

(1)

سورةآل عمران: 106.

(2)

أما حكم هذه الفاء من الزيادة وعدمها فقال المرادي الحسن بن قاسم:

«أصول أقسام الفاء ثلاثة: عاطفة وجوابيّة وزائدة» .

ثم شرح الأولى والثانية وقال: «وأما الفاء الزائدة فهي الفاء الداخلة على خبر المبتدأ إذا تضمن معنى الشرط نحو: الّذي يأتيني فله درهم؛ فهذه الفاء شبيهة بفاء جواب الشرط؛ لأنها دخلت لتفيد التنصيص على أن الخبر مستحق بالصلة المذكور، ولو حذفت لاحتمل كون الخبر مستحقّا بغيرها:

فإن قلت: كيف تجعلها زائدة وهي تفيد هذا المعنى؟

قلت: إنّما جعلتها زائدة؛ لأن الخبر مستغن عن رابط يربطه بالمبتدأ، ولكن المبتدأ لمّا شابهه اسم الشّرط دخلت الفاء في خبره تشبيها له بالجواب، وإفادتها هذا المعنى لا تمنع تسميتها زائدة، وبالجملة فهذه الفاء شبيهة بفاء جواب الشّرط».

(الجني الداني في حروف المعاني: ص 70 - 171).

(3)

سورة المائدة: 38.

(4)

البيت من بحر الخفيف، وهو من الحكم والأمثال، ومعناه أن ما يودع عند الأمين اللبيب محفوظ ومصون، ولكن ماله الخاص قد يضيع في كرم أو غيره، وهو مجهول القائل.

الشاهد في البيت قوله: ما لدى الحازم .. فمصون؛ حيث اقترن خبر المبتدأ الواقع اسما موصولا غير أل وصلته ظرف بالفاء جوازا لشبه الموصول بالشرط.

والبيت في: شرح التسهيل (1/ 329).

(5)

سورة النحل: 53، وبقيتها قوله: ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ.

ص: 1038

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (1).

وقرأ نافع وابن عامر بما كسبت أيديكم بحذف الفاء (2)، فدل ذلك على أمرين:

أحدهما: أن ما هذه موصولة لا شرطية؛ إذ لو كانت شرطية للزمت الفاء؛ لأن بما كسبت لا يصلح أن يكون شرطا؛ فإن الفاء لا تفارقه إلا في الضرورة.

والثاني: أن اقترن الفاء بخبر المبتدأ الذي نحن بصدده جائز لا لازم؛ لأنها لم تلحقه إلا لشبهه بالجواب، فلم تساوه في لزوم لحاقها؛ ليكون للأصل على الفرع مزية.

وقد خلا الخبر المشار إليه من الفاء بإجماع القراء في قوله تعالى: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (3).

وقيدت الصلة التي تقع بعدها الفاء بكونها فعلا صالحا للشرطية؛ ليعلم أنها لو كانت فعلا خالص المضي لم تدخل الفاء، وكذا لو اقترن بما لا يدخل عليه من الشرطية ولا ما أختها نحو: الّذي إن حدّث صدق مكرم، والّذي ما يكذب أو لن يكذب مفلح.

ومثال النكرة العامة الموصوفة بأحد الثلاثة: رجل عنده حزم فسعيد، وعهد لكريم فما يضيع، ونفس تسعى في نجاتها فلن تخيب.

ومثال المضاف إلى النكرة العامة مشعرا بمجازاة: كلّ رجل عنده حزم فسعيد، وكلّ غلام لكريم فما يضيع، وكلّ نفس تسعى في نجاتها فلن تخيب.

ومثال دخول الفاء على خبر موصوف بالموصول بالمذكور قوله تعالى: وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً [1/ 383] فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ (4).

ومنه قول الشاعر: -

(1) سورة الشورى: 30.

(2)

في كتاب الكشف عن وجوه القراءات لمكي: (2/ 251) جاء قوله في توجيه هذه الآية: «قوله:

بما كسبت قرأه نافع وابن عامر بغير فاء، ووجه ذلك أن تكون ما في قوله:

وَما أَصابَكُمْ * بمعنى الّذي في موضع رفع بالابتداء، فيكون قوله: بما كسبت في موضع خبر الابتداء، فلا تحتاج إلى فاء. وقرأ الباقون فبما بالفاء، ووجه القراءة بالفاء أن تكون ما في قوله: وما أصابكم للشرط، والفاء جواب الشرط، ويجوز في هذه القراءة أن تكون ما بمعنى الّذي، وتدخل الفاء في خبرها لما فيها من الإبهام الّذي يشبه الشّرط». وانظر أيضا: البحر المحيط (7/ 518).

(3)

سورة الزمر: 33.

(4)

سورة النور: 60.

ص: 1039

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

658 -

صلوا الحزم فالخطب الّذي تحسبونه

يسيرا فقد تلفونه متعسّرا (1)

وقد دخلت على خبر الموصوف بالموصول بعد دخول إن في قوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ (2). فدخولها عليه مع عدم إن أحق.

ومثال دخولها على غير مضاف إلى الموصول قول امرأة ترثي أخاها:

659 -

يسرّك مظلوما ويرضيك ظالما

وكلّ الّذي حمّلته فهو حامله (3)

انتهى (4).

وفي كلامه أمران:

الأول: أنه أثبت سببا موجبا لدخول الفاء على الخبر، وهو تقدم أما، وهذا لا يتحقق؛ -

(1) البيت من بحر الطويل مجهول القائل.

اللغة: الحزم: ضبط الأمور والأخذ بالحيطة فيها. الخطب: الأمر والشأن العظيم. تلفونه: تجدونه.

والشاعر يدعو إلى اليقظة في الامور كلها، فقد يكون الأمر يسيرا وبدون أخذ الحذر والحيطة يصبح عسيرا شديدا.

والشاهد فيه قوله: فالخطب الذي .. فقد تلفونه، حيث اقترن بالفاء خبر المبتدأ الموصوف بموصول صلته فعل صالح للشرطية.

والبيت في: شرح التسهيل (1/ 330) وهو كذلك في: التذييل والتكميل (4/ 103) وليس في معجم الشواهد.

(2)

سورة الجمعة: 8.

(3)

البيت من بحر الطويل من قصيدة عظيمة في المراثي قالتها زينب بنت الطثرية ترثي بها أخاها يزيد الشاعر المشهور، وقد قتل سنة (126 هـ)، وقبل بيت الشاهد قولها:

فتى ليس لابن العمّ كالذّئب إن رأى

بصاحبه يوما دما فهو آكله

يسرك مظلوما

بيت الشاهد وبعده:

إذا نزل الأضياف كان عذوّرا

على الحيّ حتّى تستقلّ مراجله

تصفه بالنجدة والمروءة والكرم. والعذوّر: السيئ الخلق، وهو هنا مع قومه ليكرموا الأضياف.

والقصيدة في شرح ديوان الخنساء، ومراثي ستين شاعرة من العرب (ص 155)، وهي أيضا في الأمالي لأبي عليّ القالي (2/ 96)، وفي شرح ديوان الحماسة:(2/ 921).

قال: «وفيها أبيات تنسب للعجير السّلولي» .

والشاهد في البيت قوله: وكل الذي حملته فهو حامله؛ حيث اقترن الخبر بالفاء؛ إذ كان المبتدأ مضافا إلى اسم موصول بصلة هي فعل صالح للشرطية.

والبيت في: التذييل والتكميل (4/ 104) وفي معجم الشواهد (ص 287).

(4)

شرح التسهيل لابن مالك: (1/ 330).

ص: 1040

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لأن الفاء لم تباشر الخبر في نحو أما زيد فقائم لكونه خبرا، وإنما الفاء واجب دخولها بعد أما على الإطلاق خبرا كان أو غير خبر، ولو اعتبر دخول الفاء على الخبر بعد أما لاعتبر دخولها على المبتدأ بعدها أيضا في نحو أما قائم فزيد، فكان يقال: ويجب دخول الفاء على المبتدأ عند تقدم أما وتأخر المبتدأ عما يليها، وذلك لا يقال بخصوصية المبتدأ.

وحاصل الأمر: أنه لا بد من الفاء داخلة على ما يلي أمّا، مبتدأ كان أو خبرا، أو فعل أمر ونهي، أو غير ذلك، وإذا كان كذلك فلم يكن لذكر دخول الفاء على الخبر عند تقدم أما مناسبة، وحينئذ لا يكون لدخول الفاء على الخبر سبب موجب (1).

الأمر الثاني: أنه أدرج في الموصول الذي يجوز دخول الفاء في خبره أل الموصولة، وصدر بها الباب، ومثّل لذلك بقوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (2) وهذا الذي ذكره هنا مخالف لما ذكره في باب الاشتغال، فإنه ذكر هناك حكما، ومثل له، ثم قال: وكقوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (3).

وهذا الذي ذكره هنا مخالف تقدير سيبويه؛ لأن تقديره عنده: وفيما يتلى عليكم السارق والسارقة (4). ولولا ذلك لكان النصب مختارا؛ لأن الفعل المشتغل إذا كان أمرا أو نهيا يترجح النصب، فلم يجعل: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما - جملة واحدة، بل جعل الكلام جملتين والفاء عاطفة، وها هنا أعني في هذا الفصل جعل الكلام جملة واحدة، والفاء رابطة كالفاء في جواب الشرط، والمسألة فيها خلاف بين النحاة أعني دخول الفاء في خبر اسم الفاعل إذا كان صلة أل وكان -

(1) فيه تحامل من ناظر الجيش على ابن مالك، إنما ذكر الرجل ما يخصه، وهو دخول الفاء على الخبر لسبب ما، وهو موضع الحديث، وترك ما لا يخصه من الأمور المذكورة.

(2)

سورة المائدة: 38.

(3)

قال ابن مالك في باب الاشتغال: (شرح التسهيل: 2/ 136، 137): وملابس الضمير هو العامل فيه بإضافة نحو: أزيدا ضربت غلامه، أو بغير إضافة نحو: أزيدا ضربت راغبا فيه. وقيد السابق بمفتقر لما بعده؛ ليخرج المستغني عمّا بعده كزيد من قولك: في الدّار زيد فاضربه، وكقوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما على تقدير سيبويه، فإن تقديره عنده وفيما يتلى عليكم السّارق والسّارقة.

ولولا ذلك لكان النصب مختارا؛ لأن الفعل المشتغل إذا كان أمرا أو ونهيا ترجّح النّصب».

وعليه فقد جعل ابن مالك الآية في هذا الباب مما اقترن فيها الخبر بالفاء، وفي باب الاشتغال جعل الخبر محذوفا، وهو نقد ناظر الجيش.

(4)

انظر نص ذلك في: كتاب سيبويه (1/ 142) وما بعدها.

ص: 1041

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مبتدأ؛ فذهب المبرد إلى جواز ذلك، قيل: وهو مذهب الكوفيين (1). لأن اسم الفاعل في صلة أل في تأويل الفعل؛ ولذلك عمل وإن كان ماضيا، وعطف الفعل عليه في قوله تعالى: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً (2) وعلى ذلك حمل قوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (3) وقوله تعالى:

الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ (4).

وذهب جمهور البصريين إلى أن ذلك لا يجوز؛ لأن المسوغ لدخول الفاء في خبر الذي والتي غير موجود فيما دخلت عليه أل بمعنى الذي والتي، ولهذا حمل سيبويه الآيتين الشريفتين على تقدير خبر محذوف [1/ 384] وجعل التقدير: فيما يتلى عليكم السارق والسارقة أي حكمهما، وفيما فرض عليكم الزانية والزاني أي حكمهما. ودل على ذلك قوله تعالى قبل: سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها (5).

وقد عرفت أن الذي يدل على أن التقدير كذلك رفع أكثر القراء لهما، ولولا أن التقدير كما قال سيبويه لكان المختار النصب، والظاهر أن المصنف جنح هنا في هذه المسألة إلى قول المبرد، ووافق سيبويه في باب الاشتغال.

والظاهر أن المختار في هذه المسألة مذهب سيبويه وعليه التعويل. وقد انتقد الشيخ على المصنف أمرين:

أحدهما (6): أنه قال: بعد مبتدأ، ثم قال: وهو أل الموصولة، قال: وليس أل هو المبتدأ، بل هو وصلته هو المبتدأ، ولذلك ظهر الإعراب في الصلة.

الثاني (7): أنه قال: بمستقبل عام، قال: والعموم في الوصف إنما استفيد من أل وقد وصف أل بقوله: الموصولة بمستقبل عام؛ فتوقفت معرفة أل على وصفها بما ذكر، وتوقف معرفة وصف مستقبل بالعموم على قوله: عام؛ فلا يعرف عموم المستقبل إلا بدخول أل، ولا يعرف أل إلا بوصفه بالمستقبل، وهو المستفاد عمومه من أل، فلزم كل منهما أن تتوقف معرفته على معرفة ما يتعرف به، وذلك لا يصح. -

(1) التذييل والتكميل (4/ 98) والهمع (1/ 109).

(2)

سورة الحديد: 18.

(3)

سورة المائدة: 38.

(4)

سورة النور: 2.

(5)

سورة النور: 1.

(6)

التذييل والتكميل (4/ 97).

(7)

التذييل والتكميل (4/ 97).

ص: 1042

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إذا عرفت هذا فنقول: الجواز دخول الفاء في خبر المبتدأ على مذهب البصريين غير المبرد شروط:

أحدها: أن يكون المبتدأ موصولا لا يراد به الخصوص أو نكرة عامة.

الثاني: أن تكون الصلة أو الصفة للموصول والموصوف المذكورين ظرفا أو جارّا ومجرورا أو فعلا.

الثالث: أن يكون الفعل الواقع صفة أو صلة غير مقرون بأداة شرط.

الرابع: أن يكون الفعل المذكور على هيئة لا تنافي أداة الشرط.

الخامس: أن يكون الخبر مستحقّا بالصلة أو الصفة، وقد يعبر بغير ذلك فيقال:

أن تكون الصلة أو الصفة متضمنة للشرط، ويكون الخبر متضمنا للجزاء، والمقصود من العبارة الأولى

والعبارة الثانية واحد، وهو أن تكون الصلة أو الصفة سببا والخبر مسببا عن الصلة أو الصفة.

ومن هذا الشرط الخامس يعلم أن من شرط الفعل الواقع صلة أو صفة أن يكون مستقبل المعنى.

واعلم أن هذه الشروط تؤخذ عن كلام المصنف:

أما الموصولية والموصوفية فقد صرح بهما، وقيد الموصوف بكونه عامّا، وأما الموصول فهو عام بالوضع.

وأما كون الصلة أو الصفة أحد الأمور الثلاثة فقد صرح به أيضا.

وأما كون الفعل غير مقرون بأداة شرط وكونه على هيئة لا تنافي أداة الشرط فمستفاد من قوله: صالح للشّرطية؛ لأنه إذا قرن بأداة شرط لا يكون صالحا للشرطية كما إذا كان على هيئة تنافي أداة الشرط.

وأما كون الخبر مستحقّا بالصلة أو الصفة فيستفاد من قوله: بعد مبتدأ واقع موقع من الشرطية أو ما أختها؛ لأن من وما الشرطيتين [1/ 385] شأنهما ذلك مما وقع من الأسماء موقع شيء منهما فحكمه حكمه.

والموجب لالتزام هذه الشروط المذكورة تحقق شبه المبتدأ لاسم الشرط وشبه صلته أو صفته بفعل الشرط، وشبه الخبر لجواب الشرط. فإذا حصلت هذه الأشباه الثلاثة -

ص: 1043

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ساغ دخول الفاء في الخبر؛ لإفادة الربط كما يحصل بالفاء ربط الجزاء بالشرط، ومن ثم وجب كون المبتدأ عامّا، وأن تكون صلته أو صفته فعلا؛ لأن اسم الشرط لا يوصل بجملة اسمية. وإنما ساغ الوصل أو الوصف بالظرف وشبه الظرف؛ لأنهما يؤولان بالفعل، وأن يكون الخبر مستحقّا بالصلة أو الصفة بمعنى أن المتكلم لا يدخل الفاء حتى يقصد ترتب الخبر على الصلة أو الصفة كما يترتب الجزاء على الشرط.

وأما كون الفعل على هيئة لا تنافي أداة الشرط فظاهر؛ لأن الفاء إنما تدخل لشبه هذا الفعل بفعل الشرط فكأنه شرط.

وإذا كان كذلك فلا بد من صلاحيته لأن يكون شرطا. وأما كونه غير مقرون بأداة شرط فقد علل بتعليلين:

أحدهما: أن المبتدأ إذا دخلت الفاء في خبره كان منزلا منزلة اسم الشرط، واسم الشرط لا يجوز دخوله على أداة الشرط، فكذلك ما كان منزلا منزلته.

الثاني: أنك إذا قلت: الذي إن يكرمني يكرمك فمحسن كان الخبر أيضا مستحقّا بالصلة وجوابا لها في المعنى، وإن يكرمني من الصلة فيلزم أن يكون فمحسن جوابا لإن يكرمني، وهو قد أخذ جوابه، فيلزم من ذلك أن يكون للشرط جوابان، وذلك غير جائز.

وقال ابن عمرون: فإن كانت الصلة شرطا فلا تدخل الفاء في الخبر؛ لأنه قد أخذ الشرط جوابه في الصلة، فلا حاجة

إلى جزاء آخر.

وقد بقي التنبيه على أمور:

الأول (1):

زعم هشام (2) أن الموصول إذا وصف أو أكد لم يجز دخول الفاء في خبره مع استيفاء الشروط فلا يجوز عنده أن تقول: الذي يأتيك هو نفسه فله درهم، قال:

لأنك لا تريد أن تخص رجلا بعينه، وإنما تريد كل من كان منه إتيان إليك فله درهم، فإذا قلت: نفسه، ذهب معنى الجزاء، وكذلك الذي يأتيك الظريف فأكرمه لا يجوز عندهم. -

(1) كلمات الأول والأمر الثاني والأمر الثالث والأمر الرابع ساقطة من الأصل ومكانها خال.

(2)

التذييل والتكميل (4/ 96) والهمع (1/ 109).

ص: 1044

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال ابن عصفور: «وهذا الّذي ذهب إليه يعضده أنّه لا يحفظ دخول الفاء مع التّأكيد أو النّعت في كلام العرب» (1).

الأمر الثاني:

ذهب بعضهم إلى أن الاسم الموصوف بالموصول لا يجوز دخول الفاء في خبره، وتأول الآيات الشريفة تأويلا بعيدا (2)، والظاهر أن هذا لا يعتد به، فإن الجمهور على خلافه، والأدلة عاضدة لهم.

الأمر الثالث:

قال أبو الفارسي في الإيضاح له: «فإذا دخلت الفاء في خبر المبتدأ الموصول والنّكرات الموصوفة آذنت بأنّ ما بعدها مستحقّ للفعل المتقدّم أو معناه» (3) فقال ابن أبي الربيع في شرحه (4): «اعلم أنك إذا أدخلت الفاء في خبر الموصول علم أن الخبر مستحق للصلة إن كانت علة، ومستحق لمعناها إن كانت متضمنة العلّة، ومثال ذلك أن تقول: الّذي يرعاني فأنا أحبّه، فرعايته لك بلا شك علة في المحبّة وسبيلها، وكذلك [1/ 386]: الّذي يحسن إليّ فأنا أودّه؛ لأن النفوس جبلت على حبّ من أحسن إليها، فإن قلت: الذي يأتيني فله درهم فليس نفس الإتيان يوجب الدّرهم بنفسه؛ إنما هو متضمّن للعلة في استحقاق الدّرهم؛ لأن في الإتيان -

(1) لم أعثر على هذا النص المنسوب لابن عصفور في شرح الجمل له ولا في المقرب.

(2)

إنّما هما آيتان فقط وبيت: أما الآية الأولى وهي قوله تعالى: وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ .. إلخ [النور: 60] فقد قال أبو حيان فيها: ويمكن تأويلها على أن يكون القواعد مبتدأ واللّاتي خبره، والجملة من قوله: فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ مرتبطة بالفاء بالجملة التي قبلها» (التذييل والتكميل: 4/ 103).

وأما الآية الثانية وهي قوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فقد خرجها العكبري على زيادة الفاء بعد أن ذكر أنّ الأولى فيها أن تكون رابطة. لما في الّذي من شبه الشّرط، وبأنّ الصفة والموصوف كالشيء الواحد. (التبيان: 2/ 1222) وأما البيت المذكور: صلوا الحزم

إلخ فقد قال أبو حيان:

«يخرّج على زيادة الفاء أي قد تلفونه كما قال

والصّغير فيكبر» (التذييل والتكميل: 4/ 104).

(3)

انظر الإيضاح لأبي علي (ص 99)(حسن شاذلي) وبقية كلامه: «وإذا لم تدخل الفاء في خبرها احتمل أن يكون مستحقّا بفعله المتقدم وبغيره» .

(4)

شرح الإيضاح لابن أبي الربيع مفقود، والموجود هو الملخص من شرح الإيضاح للمؤلف المذكور، وهو بمعهد المخطوطات العربية (ميكرو فيلم رقم 220 نحو مصنف غير مفهرس).

ص: 1045