المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[استكنان الضمير الرابط وبروزه] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٢

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثامن باب الاسم العلم

- ‌[تعريف العلم]

- ‌[تقسيم العلم إلى منقول ومرتجل]

- ‌[تقسيم العلم إلى مفرد ومركب/ تقسيم المركب]

- ‌[تقسيم العلم إلى اسم وكنية ولقب]

- ‌[أحكام العلم ذي الغلبة]

- ‌[أحكام العلم ذي الأداة]

- ‌[تنكير العلم بالتثنية والجمع والإضافة وأحكام ذلك]

- ‌[مسميات الأعلام]

- ‌[حكم الصرف وعدمه لأنواع الأعلام]

- ‌[حكم أفعل وصفا للنكرة]

- ‌[حكم الأعداد من التعريف وغيره والصرف وغيره]

- ‌[حكم الكنايات من العلمية أو غيرها]

- ‌الباب التاسع باب الموصول

- ‌[تقسيم الموصول وتعريف كل قسم]

- ‌[الموصول من الأسماء وأنواعه - الموصولات الخاصة]

- ‌[جمع الذي والتي]

- ‌[الموصولات المشتركة ومعناها]

- ‌[حذف عائد الموصول بأنواعه]

- ‌[حكم أي الموصولة من البناء والإعراب]

- ‌[حكم أنت الذي فعل وفعلت]

- ‌[حكم وقوع شبه الجملة صلة للموصول]

- ‌[من وما ومراعاة اللفظ أو المعنى فيها]

- ‌[من وما: أنواعهما - معناهما]

- ‌[أنواع أيّ وأحكام كل نوع]

- ‌[الموصولات الحرفية - أن وكي وما ولو - وأحكامها]

- ‌[أحكام الموصول مع صلته]

- ‌الباب العاشر باب اسم الإشارة

- ‌[تعريفه - أنواعه]

- ‌[مرتبة المشار إليه]

- ‌[هاء التنبيه وأحكامها]

- ‌[فصل هاء التنبيه عن اسم الإشارة]

- ‌[إلحاق كاف الخطاب بأسماء الإشارة]

- ‌[إلحاق كاف الخطاب لبعض الكلمات الأخرى]

- ‌[تبادل أسماء الإشارة]

- ‌[الإشارة إلى المكان]

- ‌الباب الحادي عشر باب المعرّف بالأداة

- ‌[اختلافهم في الأداة]

- ‌[أنواع أل]

- ‌[حكم أل التي للجنس]

- ‌[أل الزائدة ومواضع الزيادة]

- ‌[مدلول إعراب الاسم من رفع أو نصب أو جر]

- ‌الباب الثاني عشر باب المبتدأ

- ‌[تعريفه - نوعاه]

- ‌[عامل الرفع في المبتدأ والخبر]

- ‌[الوصف الرافع للاسم وأحكامه]

- ‌[حذف الخبر جوازا ووجوبا ومسائل ذلك]

- ‌[مسألة ضربي زيدا قائما وبقية الحديث فيها]

- ‌[رفع الحال المنصوبة على الخبرية]

- ‌[إعراب الاسم المرفوع بعد لولا]

- ‌[الحال السادة مسد الخبر ووقوعها جملة]

- ‌[حذف المبتدأ جوازا ووجوبا ومسائل ذلك]

- ‌[حكم قولهم: زيد والريح يباريها - وقولهم: راكب الناقة طليحان]

- ‌[المبتدأ والخبر من جهة التعريف والتنكير]

- ‌[مواضع الابتداء بالنكرة]

- ‌[إعراب قولهم: كم مالك؟ وقولهم: ما أنت وزيد

- ‌[بعض مسائل تقديم الخبر]

- ‌[حكم «في داره زيد» وأشباهه]

- ‌[بقية مسائل تقديم الخبر وجوبا]

- ‌[الخبر: تعريفه وأنواعه وحديث طويل عنه]

- ‌[الخبر المشتق وغيره، وحكمهما في تحمل ضمير المبتدأ]

- ‌[استكنان الضمير الرابط وبروزه]

- ‌[أنواع الخبر الجملة، وحكم بعض الجمل في وقوعها أخبارا]

- ‌[روابط الخبر الجملة - جمل لا تحتاج إلى رابط]

- ‌[حكم الضمير الرابط من جواز حذفه أو بقائه]

- ‌[مجيء الخبر ظرفا والآراء في ذلك]

- ‌[حكم وقوع ظرف الزمان خبرا عن اسم العين والمعنى]

- ‌[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ونصبه وجره]

- ‌[جواز رفع ظرف المكان الواقع خبرا ونصبه]

- ‌[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ووجوب نصبه]

- ‌[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ونصبه]

- ‌[جواز رفع المصدر الواقع خبرا ونصبه]

- ‌[تعدد الخبر وأنواعه]

- ‌[تعدد المبتدأ ونوعاه]

- ‌[اقتران الخبر بالفاء وجوبا وجوازا الأحكام وشروط ذلك]

- ‌[مسائل مختلفة في اقتران الخبر بالفاء]

الفصل: ‌[استكنان الضمير الرابط وبروزه]

[استكنان الضمير الرابط وبروزه]

قال ابن مالك: (ويستكنّ الضّمير إن جرى متحمّله على صاحب معناه وإلّا برز، وقد يستكنّ إن أمن اللّبس وفاقا للكوفيّين).

ــ

في الوجه الأول، والتجوز إنما هو في المبتدأ الذي هو الرجل؛ لأنه أريد به معنى الأسد ولا شك أنه مجاز مرسل، ويظهر أن العلاقة فيه هي اللزوم (1) كما تقول في نحو: زيد صوم وزيد عدل عند قصد المبالغة.

وأما الوجه الثالث: فالمبتدأ باق على حقيقته، والتجوز إنما هو في الخبر الذي هو أسد؛ لأنه أريد به الرجل الشجاع، ولا شك أن ذلك مجاز استعارة؛ لأن العلاقة بينه وبين الحقيقة إنما هي التشبيه، ولكن يظهر أن في ذلك إشكالا من جهة أن الاستعارة لا يذكر فيها الطرفان، إنما يذكر أحدهما، وها هنا قد ذكر المشبه به وهو أسد، فيجب ألا يذكر المشبه وهو الرجل المشار إليه بهذا، والظاهر أن التشبيه هنا ليس بين الرجل وأسد، إنما هو بين أسد وشجاع، فالشجاع هو المشبه وأسد المشبه به، وأصل التركيب: هذا شجاع، ثم شبه الشجاع بالأسد، فأوقع موقعه لقصد المبالغة في التشبيه على ما عليه مبنى الاستعارة عند أصحاب علم البيان.

قال ناظر الجيش: الخبر المفرد (2) الرافع ضميرا إن جرى على صاحب معناه استكن الضمير المرفوع به [1/ 347] دون خلاف، فإن برز فالبارز مؤكد للمستكن (3).

وإن جرى على غير صاحب معناه لزم إبرازه عند البصريين والكوفيين عند خوف اللبس كقولك: زيد عمرو

ضاربه هو، والزيدان العمران ضاربهما هما، فهو فاعل مسند -

(1) يوجد بياض في نسخة (ب) مكان كلمة اللزوم.

(2)

شرح التسهيل لابن مالك (1/ 307) وقد نقله الشارح بنصه، وسينبه عليه آخر النقل. انظر المسألة بتمامها في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف (1/ 57).

قال ابن الأنباري «ذهب الكوفيون إلى أنّ الضّمير في اسم الفاعل إذا جرى على غير من هو له نحو قولك: هند زيد ضاربته هي لا يجب إبرازه، وذهب البصريون إلى أنّه يجب إبرازه، وأجمعوا على أنّ الضّمير في اسم الفاعل إذا جرى على من هو له لا يجب إبرازه» ثم احتج لكل من الفريقين ورجح رأي البصريين، وأجاب على أدلة الكوفيين.

(3)

نقل الشارح عن أبي حيان قوله: أجاز سيبويه في نحو: مررت برجل مكرمك هو أن يكون هو تأكيدا للضّمير المستكن في مكرمك، وأن يكون فاعلا بالصّفة، قال: والفرق بين التّقديرين يظهر في التثنية والجمع فتقول: مررت برجلين مكرميك هما على التأكيد، وبرجلين مكرمك هما على الفاعلية.

ص: 961

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إليه ضاربه وهو عائد على زيد، والهاء عائدة على عمرو، وهما فاعل مسند إليه ضاربهما، وهو عائد على الزيدان. والمضاف إليه عائد على العمران. وأفرد ضارب المسند إليه المثنى؛ لأنه واقع موقع فعل مجرد مسند إلى فاعل بارز، فالإبراز في مثل هذا مجمع عليه لكون المعنى ملتبسا بدونه.

فلو كان المراد صدور الضرب من المبتدأ الثاني ووقوعه على الأول - لاستكن الضمير بإجماع لعدم الحاجة إلى إبرازه، ومثال الإبراز المجمع عليه قول الشاعر:

610 -

لكلّ إلفين بين بعد وصلهما

والفرقدان حجاه مقتفيه هما (1)

والتزم البصريون الإبراز مع أمن اللبس عند جريان رافع الضمير على غير صاحب معناه؛ ليجري الباب على سنن واحد، وخالفهم الكوفيون فلم يلتزموا الإبراز عند أمن اللبس، وبقولهم أقول (2)؛ لورود ذلك في كلام العرب كقول الشاعر:

611 -

قومي ذرا المجد بانوها وقد علمت

بكنه ذلك عدنان وقحطان (3)

فقومي مبتدأ، وذرا المجد: مبتدأ ثان، وبانوها خبر جار على ذرا المجد في اللفظ، وهو في المعنى لقومي، وقد استغنى باستكنان ضميره عن إبرازه لعدم اللبس. ومثله قول الشاعر أيضا: -

(1) البيت من بحر البسيط وهو في النصح والإرشاد لشاعر مجهول.

اللغة: الإلف: الصديق. البين: البعد. الفرقدان: نجمان يضيئان في السماء لا يفترقان. الحجا: حجا كل شيء ناصيته وجانبه وطرفه وهو بفتح الحاء. مقتفيه: من اقتفاه أي تبع أثره.

يقول: كل صديقين وحبيبين اجتمعا لا بد من افتراقهما حتى الفرقدان.

والشاهد فيه قوله: والفرقدان حجاه مقتفيه هما؛ حيث جرى مقتفيه على حجاه؛ وهو في المعنى للفرقدين، فوجب إبراز الضمير عند الجميع لخوف اللبس.

انظر البيت في: شرح التسهيل (1/ 307) والتذييل والتكميل (4/ 23). وليس في معجم الشواهد.

(2)

المتكلم والموافق للكوفيين هو ابن مالك الذي ينقل عنه الشارح.

(3)

البيت من بحر البسيط ومع شهرته في هذا الباب فهو مجهول القائل.

والشاعر يمدح قومه ببلوغ الفضل والكرم، وقد شهد لهم بذلك العرب جميعا.

وشاهده قوله: قومي ذرا المجد بانوها، حيث جرى الوصف وهو بانوها على ذار المجد، وهو في المعنى لقومي؛ لأنهم البانون، ولم يبرز الضمير المستتر في بانوها لأمن اللبس، وهو شاهد للكوفيين وابن مالك على جواز استتار الضمير إذا جرى الوصف على غير من هو له وأمن اللبس.

والبيت في: شرح التسهيل (1/ 308). والتذييل والتكميل (4/ 21). ومعجم الشواهد (ص 393).

ص: 962

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

612 -

إنّ الّذي لهواك آسف رهطه

لجديرة أن تصطفيه خليلا (1)

ومثله قول الآخر:

613 -

ترى أرباقهم متقلّديها

إذا حمي الحديد على الكماة (2)

وتكلف بعض المتعصبين فقال: تقدير البيت الأول: قومي بانو ذرا المجد بانوها، وتقدير البيت الثاني: لأنت جديرة أن تصطفيه. وتقدير البيت الثالث: ترى أصحاب أرباقهم متقلديها.

والصحيح حمل الأبيات على ظاهرها دون تكلف كما يتم المعنى بعدمه.

والكلام على المشتق الواقع نعتا أو حالا كالكلام عليه إذا وقع خبرا. فمن التزم إبراز الضمير عموما مع الخبر الجاري على غير صاحب معناه التزمه مع النعت والحال الجاريين على غير ما هما له أمن اللبس أم لم يؤمن، ومن لم يلتزم الإبراز إلا عند خوف أمن اللبس لم يلتزمه في النعت والحال إلا عند خوف اللبس.

ومن النعت الجاري على غير ما هو له دون إبراز ضمير - قراءة ابن أبي عبلة (3): -

(1) البيت من بحر الكامل لشاعر مجهول يعاتب صاحبته قائلا لها: إنه أغضب أهله من أجلها، وضحى بكل شيء في سبيلها، فالواجب أن تصطفيه وتعشقه.

الإعراب: إنّ الّذي: إن واسمها والجملة بعده صلة الموصول. لجديرة: خبر إن، وليس وصفا لاسمها، بل هو وصف للمرأة المخاطبة، ومع ذلك لم يبرز الضمير المرفوع بالوصف، فيقول: لجديرة أنت؛ لأمن اللبس وهو موضع الشاهد. أن تصطفيه خليلا: مصدر مجرور بجار مقدر متعلق بالوصف قبله.

والبيت في شرح التسهيل (1/ 308) والتذييل والتكميل (4/ 21). وليس في معجم الشواهد.

(2)

البيت من بحر الوافر وهو في الوصف لشاعر مجهول.

اللغة: أرباقهم: جمع ربق بكسر الراء وفتحها وهو الحبل. متقلّديها: جاعليها في أعناقهم في موضع القلادة. الكماة: جمع كمي وهو الشجاع.

المعنى: يذكر أنه شاهد هؤلاء الناس وهم مقيدون ومربوطون بالحبال في أعناقهم لمدة طويلة كما يفعل الشجعان حين يضعون على رءوسهم حديدا يحميهم من أعدائهم.

والشاهد فيه قوله: ترى أرباقهم متقلديها؛ فإن متقلديها وقعت خبرا (مفعولا ثانيا) لأرباق، وقد جرت على غير المبتدأ؛ لأنها في الأصل وصف للابسين لا للأرباق، ومع ذلك لم يبرز الضمير، ولو برز لقيل:

متقلديها هم، فهو دليل للكوفيين على استتار الضمير عند أمن اللبس إذا جرى الوصف على غير من هو له.

والبيت في شرح التسهيل (1/ 308) والتذييل والتكميل (4/ 21) وفي معاني القرآن للفراء (2/ 277) ومعجم الشواهد (ص 74).

(3)

هو إبراهيم بن أبي عبلة، واسمه شمر بن يقظان بن المرتحل أبو إسماعيل ثقة كبير تابعي، له حروف في -

ص: 963

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) بخفض غير (1).

وإن كان الجاري على غير ما هو له من خبر ونعت وحال فعلا وأمن اللبس اغتفر ستر الضمير كقولك: الخبز زيد يأكله، فلو خيف اللبس وجب الإبراز كقولك:

غلام زيد يضربه هو إذا كان المراد أن زيدا يضرب الغلام.

هذا بجملته كلام المصنف (2) ثم هاهنا أمور ينبغي التعرض إليها [1/ 348]:

الأول (3):

المفهوم من قول المصنف: ويستكنّ الضّمير إن جرى على صاحب معناه أنه لا يجوز إبرازه، وكذا يعطيه قوله في

الشرح: إن جرى على صاحب معناه استكن الضمير المرفوع به دون خلاف، فإن برز فالبارز مؤكد للمستكن.

قال الشيخ (4): «وليس الأمر كذلك، فقد أجاز سيبويه في نحو: مررت برجل مكرمك هو - أن يكون هو تأكيدا للضّمير المستكن في مكرمك، وأن يكون فاعلا بالصّفة. والفرق بين التقديرين يظهر في التثنية والجمع، فتقول: مررت برجلين مكرميك هما على التأكيد، وبرجلين مكرمك هما على الفاعلية» .

الأمر الثاني:

إذا جرى متحمل الضمير على غير صاحب معناه، فليس من شرط الاسم الذي يعود عليه الضمير الذي هو الفاعل أن يكون مبتدأ كما سبق إلى الأذهان من التمثيل -

- القراءات واختيار خالف فيه العامة في صحة إسنادها إليه نظر، أخذ القراءة عن واثلة بن الأسقع والزهري، وأخذ عنه موسى بن طارق ومالك بن أنس، ومن كلامه: من حمل شاذّ العلماء حمل شرّا كبيرا، توفي سنة (153 هـ). (ترجمته في غاية النهاية: 1/ 19).

(1)

سورة الأحزاب: 53 وفي الآية قال أبو حيان (البحر المحيط: 7/ 246)«قال الزمخشريّ: إلّا أن يؤذن في معنى الظّرف تقديره: وقت أن يؤذن لكم، وغير ناظرين حال من لا تدخلوا أو من الاستثناء على الوقت والحال معا، وقرأ الجمهور غير بالنصب على الحال، وابن أبي عبلة بالكسر صفة لطعام، قال الزمخشري: ليس بالوجه؛ لأنه جرى على غير من هو له، فحق ضمير ما هو له أن يبرز منه إلى اللفظ، فيقال: غير ناظرين إناه أنتم، كقولك: هند زيد ضاربته هي، وحذف هذا الضمير جائز عند الكوفييّن إذا لم يلبس، وقرأ الجمهور إناه مفردا. والأعمش إناءه بهمزة بعد النّون» .

(2)

شرح التسهيل (1/ 309).

(3)

كلمة الأول والثاني والثالث ساقطة من نسخة الأصل.

(4)

التذييل والتكميل (4/ 16) ولم أجد ما ذكره عن سيبويه في كتابه.

ص: 964

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بقولنا: زيد عمرو ضاربه هو، وهند زيد ضاربته هي، بل الشرط أن يكون الاسم العائد عليه الضمير الذي هو فاعل مذكورا في الجملة على أي وجه كان، فإذا قلت: غلام زيد ضاربه هو وكانت الهاء للغلام، وغلام هند ضاربته هي كان كقولك: زيد عمرو ضاربه، وهند زيد ضاربته هي سواء في الحكم، ويدل على ذلك التمثيل بقول الشاعر:

614 -

إنّ الّذي لهواك آسف رهطه

... البيت

وبقول الآخر:

615 -

أرباقهم متقلّديها

...

وبقراءة ابن أبي عبلة (إلّا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه) وتمثيل المصنف (1) حين ذكر الإلباس في

جريان الفاعل بقوله: غلام زيد يضربه هو إذا كان المراد أن زيدا يضرب الغلام.

الأمر الثالث:

قد عرف من كلام المصنف أن الحكم في الفعل إذا جرى على غير من هو له كالحكم في الوصف سواء إن أمن اللبس اغتفر ستر الضمير، وإن خيف اللبس وجب الإبراز، لكن قال الشيخ (2): «لو كان الخبر فعلا فلا نأتي بالضمير نحو زيد: هند يضربها، وهند بشر تضربه إلا على التأكيد لا على أن يكون فاعلا.

هكذا أطلق معظم النحويين. ويعرض اللبس في الفعل كما يعرض في الصفة».

ثم قال: «فإذا خيف اللبس في الفعل كرر الظاهر الذي هو الفاعل، فتقول: زيد عمرو يضربه زيد، فيضربه زيد في موضع خبر عمرو، والرابط له الضمير العائد عليه، وعمرو مبتدأ، وهو وخبره في موضع خبر زيد، والرابط له تكرار المبتدأ الذي هو زيد» .

الأمر الرابع:

ذكروا أن العلة في إبراز الضمير مع الوصف هو أن الصفة إذا تحملت الضمير لم يكن له ما يبينه إلا جريان الصفة على من هي له من حيث أن الضمير يستتر فيها، فاحتيج إذا جرت على غير من هي له إلى إبرازه؛ إذ ليس له ما يبينه إذ ذاك إلا خروجه إلى اللفظ وظهوره، وإذا خرج إلى اللفظ لزم انفصاله؛ لأن الصفات -

(1) معطوف على قوله: ويدل على ذلك التمثيل بقول الشاعر.

(2)

التذييل والتكميل: (4/ 17).

ص: 965

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا يتصل بها ضمير الرفع البارز؛ إذ لم تستحكم استحكام الفعل في ذلك، فلما لزم إظهاره في حال جريانه على غير من هي له لزم انفصاله (1)، وليس الفعل كذلك؛ إذ لا يعدم مبينا له، إما جريانه على من هو له وإما ضمائر تتصل به [1/ 349] بارزة نحو: قاما وقاموا، وإما علامات نحو: أقوم ونقوم ويقوم وتقوم، وهذا التعليل يقتضي قصر وجوب الإبراز على الوصف.

وقال ابن أبي الربيع ما معناه (2): إنّ حكم الضّمير في الصّفة مخالف لحكم الضّمير في الفعل، يعني أنه يبرز متّصلا بالأفعال، ولا يبرز متصلا بالصفات، وأنه قد يستتر في بعض الأفعال، ولا يبرز كما يستتر في الصفات.

ثم قال: «فلمّا كانت الصفة إذا جرت على من هي له في المعنى يستتر فيها الضمير مطلقا، ولم تكن كالضّمير في الفعل في الكمون والظّهور واستتر في الصّفة في مواضع ظهر فيها في الفعل - جعلوها إذا جرت على غير من هي

له يظهر ضميرها مطلقا؛ ليظهر فيها في مواضع كمن فيها في الفعل، كما استتر في مواضع ظهر فيها في الفعل فكأن هذا معاوضة».

ثم نبه ابن أبي الربيع على أن هذا يعني إبراز الضمير إذا جرت الصفة على غير من هي له أنها تكون في الصفة التي ترفع الظاهر، قال: «ولا يكون هذا في اسم الفاعل واسم المفعول إذا كانا بمعنى الماضي؛ لأنهما لا يرفعان الظّاهر، وذلك لأن الضمير المنفصل يتنزل منزلة الظاهر، فلا يرفعه إلّا ما يرفع الظّاهر، ومن ثم كان حكمه إذا رفع هذا المضمر حكمه إذا رفع الظاهر، فلا يثنّى ولا يجمع إذا أسند إلى مثنّى أو مجموع إلّا على لغة من قال: -

(1) أقول: وقد قلت في كتابي: توضيح شرح الأشموني (ص 91) في نهاية شرح هذا الموضع: ومن المستحسن عدم محاكاة هذه الأساليب المشتملة على هذا النوع الذي يجري فيه الضمير على غير من هو له، وإن أردت معاني الأمثلة السابقة فاجعل أحد المبتدأين فاعلا وارفعه، والآخر مفعولا وانصبه، فتقول في مثل (الفارس الحصان متعبه هو) و (الكلب الثعلب مخيفه هو): يتعب الفارس الحصان، ويخيف الكلب الثعلب وهكذا، وإن أردت عكس ذلك فقل: يتعب الحصان الفارس، أو الحصان يتعب الفارس، وبذلك تأمن اللبس. وقد وقع اللبس في باب الابتداء لاتفاق الاسمين في الإعراب.

(2)

ما نقله الشارح عن ابن أبي الربيع ملخصه في شرح الإيضاح له، ويسمى بالملخص لابن أبي الربيع (ميكروفيلم بمعهد المخطوطات لقطة رقم 34، 35).

ص: 966

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

616 -

[ولكن ديافيّ أبوه وأمّه

بحوران] يعصرن السّليط أقاربه (1)»

الأمر الخامس:

قد عرفت أن مذهب البصريين وجوب إبراز الضمير المرفوع بالصفة الجارية على غير صاحب معناها سواء ألبس الأمر أم لم يلبس؛ لكنهم استثنوا من ذلك مسألة واحدة وهي قولك: مررت برجل حسن أبواه جميلين. فجميلين صفة جارية على رجل وليست له، بل للأبوين، ولم يبرز الضمير فيها فيقال: جميل هما، فأجروا الضمير الرابط هنا مجراه في الصفة الجارية على الموصوف فاستتر، وساغ ذلك وإن لم يعد على الموصوف من حيث كان عائدا على الأبوين المضافين إلى ضميره، فصار لذلك كأنه من جهة المعنى قد قال: مررت برجل حسن أبواه جميل أبواه (2).

الأمر السادس:

استدل الكوفيون ومن وافقهم على جواز استتار الضمير عند أمن اللبس بأمور منها:

ما تقدم ذكره في كلام المصنف وهو:

617 -

قومي ذرا المجد بانوها

...

و:

618 -

إنّ الّذي لهواك آسف

...

البيت

و:

619 -

ترى أرباقهم متقلّديها

...

-

(1) البيت من بحر الطويل، وهو للفرزدق في هجاء رجل يدعى عمرو بن عفراء الضبي (ديوان الفرزدق: 1/ 46).

اللغة: ديافيّ: بكسر الدال قرية بالشام تنسب لها الإبل ومن يسكنها من الناس فهو رديء مبتذل.

حوران: مدينة بالشام. السّليط: الزيت. أقاربه: أهله وذووه.

المعنى: يهجو الرجل وأهله بأنه من قرية لئيمة ورديئة في القرى، ومن يسكن منهم المدينة فهو يحترف ليكسب عيشه، هجاه بالابتذال والخدمة ونفي عنه ما عليه العرب من تجارة وحرب.

وشاهده: إلحاق علامة بالفعل وهي نون النسوة لتدل على أن الفاعل جمع، وهو ما يسمى عند العرب بلغة أكلوني البراغيث، وليس ذلك بالمشهور عندهم، وإنما المشهور تجرد الفعل من العلامات، وسبب إلحاقه نون النسوة والأقارب مذكر أنه شبههم بالنساء وهو أقذع في الهجاء.

والبيت في معجم الشواهد (ص 41) وليس في شروح التسهيل.

(2)

انظر في هذه المسألة: التذييل والتكميل (4/ 20) والهمع (1/ 96).

ص: 967

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقوله تعالى في قراءة من قرأ: (إلى طعام غير ناظرين إناه)(1) بالجر.

ومنه قول الشاعر أيضا:

620 -

وإنّ امرءا أسرى إليك ودونه

سهوب وموماة وبيداء سملق

لمحقوقة أن تستجيبي لصوته

وأن تعلمي أنّ المعان موفّق (2)

ومنها: ما حكى الفراء عن العرب: كلّ ذي عين ناظرة إليك (3) ومنها قوله تعالى: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (4).

فلم يبرز الضمير في شيء من ذلك، فيقال: قومي ذرا المجد بانوها (5) هم، وإنّ الذي لهواك آسف رهطه لجديرة

أنت [1/ 350] وترى أرباقهم متقلديها هم و:

(إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ)، و: لمحقوقة أنت، و: كل عين ناظرة هي إليك، -

(1) سورة الأحزاب: 53.

(2)

البيتان من بحر الطويل من قصيدة طويلة للأعشى يمدح فيها الملحق بن خثعم بن ربيعة، وقد سبق الحديث عنها. انظر ديوان الأعشى (ص 120).

وقد روي البيتان بروايات مختلفة، فروي من الأرض مكان سهوب وروي دعاءه مكان لصوته.

اللغة: أسرى: سار ليلا. سهوب: جمع سهب وهي الأرض الواسعة.

موماة: الأرض التي ليس فيها ماء، وقيل الفلاة. سملق: الأرض المستوية، ويقال للعجوز إذا كانت سيئة الخلق: سملق. لمحقوقة: لجديرة وخليقة.

المعنى: يدعوها أن تحبه وتهواه؛ لأنه بذل الكثير وقطع من أجلها كل سبيل.

الشاهد فيه قوله: لمحقوقة حيث وقعت هذه الكلمة خبرا لإن في أول البيتين، وهي وصف لغير المبتدأ الذي وقعت خبرا عنه، ومع ذلك لم يبرز الضمير على النحو الذي شرحناه في الأبيات التي قبل ذلك.

انظر البيتين في: التذييل والتكميل (4/ 20) ومعجم الشواهد (ص 244).

(3)

انظر معاني القرآن للفراء: (2/ 277) والمسألة هناك بالتفصيل وأدلتها وأمثلتها، قال:«ألا ترى أنّ العرب تقول: كلّ ذي عين ناظر إليك، وناظرة إليك؛ لأن قولك: نظرت إليك عيني، ونظرت إليك بمعنى واحد» .

(4)

من الآية رقم: 4 من سورة الشعراء، قال الفراء فيها: الفعل للأعناق فكيف لم يقل خاضعة؟ ثم أجاب فقال: جعل الأعناق الرّجال الكبراء، أو جعل الأعناق الطوائف ثم قال: وأحبّ إليّ من هذين الوجهين في العربية أن الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون، فجعل الفعل أولا للأعناق، ثمّ جعلت خاضعين للرجال. (معاني القرآن: 2/ 277).

(5)

صحته أن يقال: فيقال: قومي ذرا المجد بانيها هم؛ لأن الوصف عند إسناده إلى الضمير البارز أو الاسم الظاهر يلزم الإفراد كالفعل الذي يحل محله. ومثله في الصحة أيضا أن يقال: ترى أرباقهم متقلدها هم، وأيضا يقال: إلى طعام غير ناظر إناه هم، ويقال: فظلت أعناقهم لها خاضعا هم.

ص: 968

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و: فظلت أعناقهم لها خاضعين هم. وقد تأول البصريين ذلك كله بما فيه تكلف:

فقالوا في الثلاثة الأولى ما تقدم ذكره في كلام المصنف.

وقالوا في لمحقوقة: إنه ليس فيه ضمير وإن المرفوع فيه قوله: أن تستجيبي، وأنث على المعنى؛ التقدير: لمحقوقة استجابتك (1). وكذا ذكروا ذلك في لجديرة أيضا.

ولا شك أن تقديره: لأنت محقوقة ولأنت جديرة أسهل من هذا.

وقالوا في كل ذي عين ناظرة إليك: إن التقدير ألحاظ كل عين ناظرة إليك.

وأما قوله تعالى: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (2) فقالوا: ليس خاضعين حالا من الهاء فتكون الصفة جارية على غير من هي له، وإنما هو حال من الفاعل المستتر في المجرور. قيل على هذا فينبغي أن تكون خاضعة؟ فأجيب أن هذا محمول على المعنى، وعلى ما يصلح أن يقع في هذا الموضع مما معناه كمعناه.

وكان الذي حمل عليه هذا كونه بمعنى: فظلوا لها خاضعين كما جاء:

621 -

[فإمّا تري لمّتي بدّلت]

فإنّ الحوادث أودى بها (3)

لأنه في معنى الحدثان، وقالوا: إن ذلك على إقحام الأعناق؛ لأنه يجوز: فظلوا لها خاضعين في معنى: فظلت أعناقهم لها خاضعين، وقالوا: يجوز أن يراد بالأعناق الجماعات، ولا يخفى وجه التكلف في هذه التأويلات، فالظاهر أن الصواب هو ما اختاره المصنف من قول الكوفيين.

(1) انظر هذا الرأي مسندا لأبي علي الفارسي في الأمالي الشجرية (2/ 56)(الطناحي) قال: وقد أجروا اسم المفعول وهو قوله: لمحقوقة على اسم إنّ خبرا وهو للمرأة المخاطبة، ودفع أبو عليّ هذا الاعتراض بأن قال: ليس في قوله لمحقوقة ضمير لأنه مسند إلى المصدر الذي هو أن تستجيبي، فالتقدير لمحقوقة استجابتك، فجعل التأنيث في قوله لمحقوقة للاستجابة.

(2)

سورة الشعراء: 4.

(3)

البيت من بحر المتقارب وهو للأعشى من قصيدة يمدح بها رهط عبد المدان بن الديان سادة نجران من بني الحرث بن كعب، وهي في ديوان الأعشى (ص 23)، وبيت الشاهد ثالثها.

اللغة: اللّمّة: الشعر الذي يلم بالمنكب. بدّلت: غيرها الدهر. الحوادث: الأحداث التي تصيب الإنسان. أودى بها: ذهب بها وغيّرها.

والمعنى: يقول الأعشى لحبيبته: إذا رأيت الشيب قد ظهر عليّ، فابيض شعري، وتغير وجهي - فلا تستبعدي ذلك، فإن حوادث الدهر الكثيرة تصيبني من حين إلى حين فتهلكني.

وشاهده قوله: فإن الحوادث أودى بها، حيث حذفت التاء ضرورة من الفعل المسند إلى ضمير المؤنث المجازي، والواجب تأنيثه، وقد خرج على أن الحوادث في معنى الحدثان، والحدثان مذكر، فذكر الفعل. والبيت في معجم الشواهد (ص 68).

ص: 969