الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مسألة ضربي زيدا قائما وبقية الحديث فيها]
قال ابن مالك: (والخبر الّذي سدّت مسدّه مصدر مضاف إلى صاحبها لا زمان مضافا إلى فعله؛ وفاقا للأخفش).
قال ناظر الجيش: فاعل سدت ضمير عائد على الحال التي أغنت عن الخبر في:
ضربي زيدا قائما ونحوه.
قال المصنف: والغرض من هذا الكلام ما هو أولى الوجوه في هذه المسألة، وينبغي أولا أن يعلم أن فيها ستة أوجه (1):
أحدها: أن يكون التقدير: ضربي زيدا إذا كان قائما، وهذا هو المشهور عند البصريين.
الثاني: أن يكون التقدير: ضربي زيدا ضربه قائما، وهذا مذهب الأخفش.
الثالث: أن يكون فاعل المصدر مغنيا عن الخبر، كما أغنى عنه فاعل الوصف نحو: أقائم الزيدان.
الرابع: أن تكون الحال مغنية عن الخبر لشبهها بالظرف كما أغنى الظرف عنه.
الخامس: أن تكون الحال منصوبة بالمصدر، وقد حذفت الخبر حذفا لأجل الاستطالة كما حذف عند أبي علي الخبر في قولهم: أوّل ما أقول إنّي أحمد الله بالكسر، والتقدير عنده: أول ما أقول إني أحمد الله ثابت (2)، وكذلك يكون التقدير في المسألة المشار اليها: ضربي زيدا قائما ثابت.
السادس: أن يكون ضربي فاعل ثبت مضمرا ويكون المسوغ لتقديره أولا كالمسوغ لتقدير ثابت آخرا.
وأجود هذه الأحوال الأول والثاني، إلا أن الثاني أقل حذفا مع صحة المعنى، إنه لم يحذف فيه إلا خبر مضافا إلى مفرد، والأول حذف فيه خبر، ثم نائب عن الخبر -
(1) شرح التسهيل (1/ 280 - 281).
(2)
قال أبو علي في الإيضاح (ص 163): «تقول: أول ما أقول إني أحمد الله فتكسر الهمزة من إني وتفتحها؛ فإذا كسرتها كان قولك: أول ما
أقول مبتدأ محذوف الخبر تقديره: أول قولي إني أحمد الله ثابت أو موجود، وإذا فتحت الهمزة من إني كان التقدير: أول قولي إني أحمد الله كأنه قال: أول قولي الحمد لله. وجاز لأن الثّاني هو الأول كما تقول: أول شأني إنّي خارج، فتفتح لأنّ الخروج شأن وأمر».
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مع فعل وفاعل؛ لأن الأصل فيه عند من يراه ضربي زيدا مستقر إذا كان قائما.
وأيضا فإن الثاني حذف فيه خبر عامل بقي معموله، ودلالة المعمول على عامله قوية، والوجه الأول بقي فيه بعد الحذف معمول عامل أضيف إليه نائب عن الخبر الأصلي الذي هو مستقر، فضعفت الدلالة لبعد الأصل وكثرة الوسايط.
وأيضا فإن الحاذف على الوجه الثاني أبين عذرا في الحذف؛ لأن المحذوف لفظه مماثل للفظ المبتدأ، فيستثقل لذلك ويقوى الباعث على الحذف، وليس في قول القائل ضربي زيدا ضربه قائما تعرض لكون زيد وقع به غير الضرب المقارن لقيامه أو لما يقع، بل تعرض به لما تعرض بقولك: ضربته قائما.
وأما الوجه الثالث من الخمسة، وهو أن يغني فاعل المصدر عن الخبر إغناء المرفوع بالوصف (1) - فضعفه بيّن لأنه لو صح لصح الاقتصار على المصدر والفاعل كما يصح الاقتصار على الوصف وفاعله، فكان يقال: ضربي، فيحسن السكوت عليه لأن فيه معنى ضربت، كما يحسن السكوت على أقائم الزيدان؛ لأن فيه معنى يقوم الزيدان؛ وفي امتناع ذلك وجواز هذا دليل على فساد القول بتساويهما (2).
وأما الوجه الرابع [1/ 312] وهو أن تكون الحال مغنية عن الخبر لشبهها بالظرف (فهو رأي ابن كيسان)(3)، وهو غير صحيح أيضا؛ لأن الحال إذا أقيمت مقام الخبر لشبهها بالظرف، فإما ألا يقدر لها عامل أو يقدر: فإن لم يقدر لزم من ذلك استغناؤهما عما لا يستغني عنه الظرف، مع أنه أصل بالنسبة إليها، ولو جاز ذلك مع المصدر لجاز مع غيره، فكان يقال زيد قائما؛ لأنه بمعنى في حال قيام. وإن قدر لها عامل لم يكن ذلك العامل إلا مثل المقدر للظرف؛ فكما يقال في قولك: زيد في حال قيام تقديره: زيد مستقر في حال قيام - كان يقال في: ضربي زيدا قائما:
ضربي زيدا مستقر قائما فكان يلزم من ذلك الإخبار عن الضرب بما للضارب، وذلك محال (4)، وما أفضى إلى المحال محال. -
(1) في شرح التسهيل: إغناء الفاعل عنه في نحو: أقائم الزيدان.
(2)
شرح التسهيل (1/ 281).
(3)
ما بين القوسين زيادة من الشارح على شرح التسهيل لابن مالك.
(4)
هو اعتقاد منه أن الاستقرار لا يكون إلّا للضارب، ولكن لا مانع أن يكون الاستقرار للضرب أيضا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما الوجه الخامس، فإنه وجه يلزم أبا علي القول به لأنه أجاز في قولهم: أول ما أقول إني أحمد الله بالكسر أن يكون (إني) محكيّا بالقول، فيكون من صلته ويكون خبر المبتدأ الذي هو أول ما أقول محذوفا كأنه قال: أول قولى هذا الكلام ثابت؛ فكما جاز أن يحذف الخبر هناك بلا دليل زائد على الحاجة إليه، كذلك يلزمه تجويز حذف الخبر هنا وتقديره بمثل ما قدره هناك؛ لأن الحاجة إليهما سواء، والمخبر عنه في الصورتين مصدر؛ لأن أول القول قول، والصحيح في قولهم: أول ما أقول إني أحمد الله بالكسر أن يكون كلاما تامّا، فيجعل أول ما أقول مبتدأ تامّا، وإني أحمد الله خبرا عنه كأنه قال: مبتدأ كلامي هذا الكلام، ولا يصح أن يقدر ثابت خبرا؛ لأن ذلك يقتضي ثبوت أول هذا القول، وأول الشيء غير جميعه، فيكون الثابت أول حرف من الجملة إن نويت حروفها وأول كلمة منها إن نويت كلماتها وكلاهما ليس مقصودا فتعين كونه مردودا (1).
وأيضا فإن تقدير ثابت خبرا بعد إني أحمد الله، وبعد ضربي زيدا قائما وأمثالهما - تقدير ما لا دليل عليه؛ إذ ليس هو بالتقدير أولى من غيره من المقدرات الممكنة، وحذف ما كان في حذفه كذلك ممنوع.
وفي رد هذا الوجه الخامس إشعار برد الوجه السادس؛ لأن مبناه على تقدير ما لا يتعين تقديره وتقدير ما عدم نظيره، فثبت بمجموع ما ذكرته أن أولى الأوجه الستة بالصواب ما ذهب إليه الأخفش ويليه الأول، وما سواهما ضعفه بيّن واطراحه متعين. انتهى كلام المصنف (2).
وذكر سيدنا الشيخ بهاء الدين بن النحاس - عفا الله تعالى عنه - المذاهب المذكورة في هذه المسألة، وتكلم فيها مذهبا مذهبا، فأحببت ذكرها كما أوردها (3)؛ لأن في كلامه فوائد لم يتضمنها كلام المصنف. -
(1) انظر إلى ما يقوله ابن مالك، وكيف يحاسب المثال حسابا شديدا، ومن الذي ينوي أن ينطق حرفا من الجملة أو كلمة منها ثم يسكت؟
(2)
شرح التسهيل (1/ 282).
(3)
انظر الى أمانة هذا الرجل وهو ناظر الجيش ينقل ويسند النقل، ولا يهضم حقّا لصاحبه. وتعرف أمانته إذا قلت لك أن ما نقله ناظر الجيش وأسنده نقل أكثره أبو حيان ولم يسنده، وانظر هذا النقل في التذييل والتكميل:(3/ 290) وانظره أيضا في الهمع: (1/ 105، 106) ولم يسنده هو الآخر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال (1): اختلف الناس في إعراب ضربي فقال بعضهم: هو مرتفع بأنه فاعل فعل مضمر تقديره: يقع ضربي زيدا قائما، أو ثبت ضربي زيدا قائما وقال بعضهم:
هو مبتدأ والقائلون بذلك [1/ 313] اختلفوا: هل يحتاج إلى خبر أو لا، فقال بعضهم: ليس ثمّ تقدير خبر؛ لأن المصدر هنا واقع موقع الفعل. كما في قولهم:
أقائم الزيدان، فقال الكسائي وهشام والفراء وابن كيسان (رحمهم الله تعالى) (2):
إن الحال نفسها هي الخبر؛ لأنها سادة مسده على خلاف بينهم في ذلك.
قال الكسائي وهشام: إن الحال إذا وقعت خبرا للمصدر كان فيها ذكران مرفوعان (3) أحدهما من صاحب الحال والآخر من المصدر، وإنما احتاجوا إلى ذلك لأن الحال لا بد لها من ضمير يعود على ذي الحال وهي خبر، والخبر عندهم لا بد فيه من ضمير يعود على المبتدأ؛ لأن المبتدأ عندهم إنما يرتفع بما عاد عليه في أحد مذهبي الكوفيين، وضربي هنا مبتدأ مرفوع فلا بد من رافع، فاحتاجوا إلى القول بتحمل قائم ضميره ليرفعه حتى إنهما قالا: يجوز أن يؤكد المضمرين اللذين في قائما، فتقول:
ضربي زيدا قائما نفسه نفسه، وقيامك مسرعا نفسك نفسه؛ فإن أكدت القيام أيضا مع المضمرين قلت: قيامك مسرعا نفسك نفسه نفسه، فتكرر النفس ثلاث مرات (4).
وأما الفراء (5) ومن أخذ بقوله: فزعموا أن الحال إذا وقعت خبرا للمصدر فلا ضمير فيها لجريانها على صاحبها في إفراده وتثنيته وجمعه وتعريها من ضمير المصدر إذا قيل: ركوبك إن بادرت، وقيامك إن أسرعت، وضربي زيدا إن قام، فكما أن الشرط لا ضمير فيه يعود إلى المصدر فكذلك الحال.
وجاز نصب قائما ومسرعا وما أشبههما على الحال عند الكسائي وهشام والفراء ومن أخذ بمذهبهم وإن كان خبرا لما لم يكن المبتدأ، ألا ترى أن المسرع هو المخاطب -
(1) انظر هذا النقل الطويل في مخطوطة الأزهر رقم (4947) وهي العنوان شرح العلامة ابن النحاس على مقرب ابن عصفور (التعليقة) من ورقة (32) إلى ورقة (37) وهو ما يقرب من اثنتي عشرة صفحة استغرقت هنا صفحات طويلة.
(2)
ساقطة من الأصل وهي في نسخة (ب).
(3)
هكذا في النسخ والذكران: معناه الضميران.
(4)
التأكيد الأول: نفسك للضمير المستقر في الحال العائد على صاحبها، والتأكيد الثاني للمبتدأ وهو القيام، والثالث للضمير المستقر في
الحال كما يقولون، وسيبطله ابن النحاس نفسه بعد ذلك.
(5)
انظر التذييل والتكميل: (3/ 301)، والهمع:(1/ 105).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا القيام، والقائم هو زيد أو أنا لا الضرب؟ فلما كان خلاف المبتدأ انتصب على الحال، لأن الخلاف عندهم يوجب النصب.
وأما ابن كيسان (1) فقال: إنما أغنت الحال عن الخبر لشبهها بالظرف، والذين قالوا بتقدير خبر اختلفوا في كيفية تقديره ومكانه، فذهب البصريون في المشهور عنهم والأخفش إلى تقديره مثل قائم، واختلفوا في كيفيته: فقال البصريون:
تقديره إذ كان إن أردت الماضي. وإذا كان إن أردت المستقبل. هذا إن جعلت ضمير كان عائدا على زيد، وقائما حال منه، وإن جعلت الضمير عائدا إلى ياء المتكلم وقائما حالا منه - كان تقديره: إذ كنت قائما إن أردت الماضي، وإذا كنت قائما إن أردت المستقبل.
وقال الأخفش: ضربي زيدا ضربه قائما. وقال بعض الناس: تقديره بعد قائما والتقدير: ضربي زيدا قائما ثابت أو موجود أو ما أشبه ذلك، وقائم عندهم حال من زيد، والعامل فيها ضربي، وحكى أبو محمد بن السيد (2) أن هذا مذهب الكوفيين (3)، وكذلك حكاه شيخنا جمال الدين بن عمرون (4) عنهم.
قلت: وهذا المذهب هو الذي ذكره المصنف رحمه الله إلزاما لأبي علي الفارسي ولم ينسبه لأحد. فهذه ستة مذاهب: ثلاثة والخبر محذوف واثنان وهو مبتدأ والخبر محذوف، وواحد وهو مرتفع بفعل.
أما من قال: هو مرتفع بفعل فيرد عليه [1/ 314] أنه تقدير ما لا دليل على تعينه؛ لأنه كما يجوز تقدير ثبت يجوز تقدير قل أو عدم، وما لا يتعين تقديره لا سبيل إلى إضماره مع أنه إذا دار الأمر بين الحذف من أول الكلام وآخره كان الحذف من آخره أولى؛ فإن أول الكلام موضع استجمام وراحة وآخره موضع تعب وطلب استراحة فبان فساد ذلك الوجه.
وأما الوجه الثاني: وهو عدم احتياجه إلى الخبر لوقوعه موقع الفعل فظاهر الفساد؛ لأنه لو وقع موقع الفعل لصح الاقتصار عليه مع فاعله، كما صح ذلك في: أقائم الزيدان، وحيث لم يصح أن يقال ضربي ويقتصر بطل ما ذكروه. -
(1) انظر المرجعين السابقين.
(2)
سبقت ترجمته.
(3)
التذييل والتكميل (3/ 301).
(4)
سبقت ترجمته.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما قول الكسائي وهشام (1): فيبطله أن العامل الواحد لا يعمل في معمولين ظاهرين ليس أحدهما تابعا للآخر رفعا، فكذلك لا يعمل في مضمرين (2).
وما ذهبا إليه من أن قولنا: زيد حيث عمرو حيث فيه رافعة لزيد وعمرو؛ لأن معناه زيد في مكان فيه عمرو. فقد نابت حيث مناب ظرفين هما في مكان وفيه في المعنى، فرفعت الاسمين اللذين كانا يرتفعان بهما - لا وجه له (3)؛ لأن هذا شيء لا نظير له في كلام العرب. ولأنه يلزم أن يكون كذلك إذا قلت: زيد حيث جلس عمرو؛ إذ المعنى: زيد في مكان جلس فيه عمرو، ولو كان كذلك وجب أن تكون مرفوعة منصوبة؛ لأنها نابت مناب ظرفين أحدهما مرفوع والآخر منصوب، فتكون عمدة من جهة الرفع وفضلة من جهة النصب، وفي هذا ما فيه.
والصحيح أن الاسم بعد حيث مرفوع بالابتداء وخبره محذوف بدليل ظهوره إذا قلت: زيد حيث عمرو جالس؛ فلو رفعت حيث عمرو لبقي جالس لا إعراب له، ولأن حيث يلزم الإضافة إلى الجمل إلا ما جاء شاذّا من قول الشاعر:
550 -
[ونطعنهم تحت الحبى بعد ضربهم
…
ببيض المواضي] حيث ليّ العمائم (4)
وقوله: -
(1) وهو أن الحال نفسها هي الخبر وقد سدت مسده. وانظر في نقد رأيهما: التذييل والتكميل: (3/ 302) والهمع: (1/ 106).
(2)
إنما قال: لا يعمل في مضمرين لأنهما قالا: إن الحال لا يتحمل ضميرين الأول لصاحب الحال والثاني للمبتدأ.
(3)
قوله: لا وجه له خبر المبتدأ في قوله: وما ذهبا إليه.
(4)
البيت من بحر الطويل، وهو في الفخر نسبه صاحب معجم الشواهد إلى عملس بن عقيل، ونسبه السيوطي في شرح شواهد المغني:(1/ 389) إلى الفرزدق، وبحثت عنه في ديوانه فلم أجده.
اللغة: الحبى: بضم الحاء وكسرها جمع حبوة وهي أواسط ظهر الإنسان. بيض المواضي: السيوف البواتر. حيث ليّ العمائم: كناية عن الرءوس.
والمعنى: نضربهم فوق رؤوسهم ونطعنهم في ظهورهم.
واستشهد بالبيت على: إضافة حيث للمفرد، وذلك شاذ لأن حيث من الظروف الواجب إضافتها إلى الجمل، وهي في البيت ظرف مكان مبني.
والبيت لم يأت في شرح التسهيل لابن مالك في هذا الموضع، ولا في شرح أبي حيان وهو في معجم الشواهد (ص 363).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
551 -
أما ترى حيث سهيل طالعا
…
[نجما يضيء كالشّهاب لامعا (1)]
فلو ارتفع الاسم بعد حيث بها لزم عروها عن الإضافة، وهذا أمر لا عهد لأحد بمثله في كلام العرب، وإذا انتفى أن يرفع الحال ضميرين انتفى كونها خبرا.
ومما يبطل أيضا كون الحال رافعة ضميرين أننا لو ثنينا فقلنا: ضربي أخويك قائمين لم يمكن أن يكون في قائمين هنا ضميران؛ لأنه لو كان لكان أحدهما مثنّى والآخر مفردا، وتثنية اسم الفاعل وإفراده إنما هو بحسب ما يرفع من الضمير، فكان يلزم أن يكون اسم الفاعل مفردا مثنّى في حال واحدة، هذا ما لا يمكن بوجه، فبان بطلان ما ذهب إليه الكسائي وهشام.
وأما قولهما بجواز تأكيد الضميرين، فشيء ذكروه قياسا لا سماع يعضده أصلا.
وأما قول الفراء (2) رحمه الله تعالى: إن الحال لم تتحمل ضمير المبتدأ للزومها مذهب الشرط فالجواب عنه أن الشرط - بمفرده من غير جواب لا يصلح للخبرية؛ لأنه لا يفيد. وإذا كان كذلك تعين أن جواب الشرط محذوف فيكون الضمير محذوفا مع الجواب مع أن جميع ما ذكروه ادعاء، ولا دليل على شيء منها، فكيف يصار إليها؟
وأما تشبيه ابن كيسان (3) رحمه الله تعالى الحال بالظرف فكأنه قال: ضربي زيدا في حال قيام - فليس بشيء؛ لأنه لو جاز ذلك [1/ 315] بهذا التقدير لجاز مع الجثة أن تقول: زيد قائما؛ لأنه بمعنى زيد في حال قيام، وحيث لم يجز ذلك دل على فساد ما ذكروه.
وأما قولهم: إنه منصوب على الخلاف: ففاسد أيضا؛ لأن الخلاف لو كان عاملا -
(1) البيتان من الرجز المشطور، وهما في المدح وقائلهما مجهول، والشهاب هو النجم اللامع.
وشاهده كالذي قبله. وقال صاحب الدرر: (1/ 180) ولا يخفى أن إعراب هذا الشعر مشكل، والذي أراه أن الرؤية بصرية، وأن حيث مفعول به لترى، وسهيل مجرور بإضافة حيث إليه، وطالعا حال من سهيل، ومجيء الحال من المضاف إليه وإن كان قليلا فقد ورد كثير منه في الشعر، قال تأبط شرّا:
سلبت سلاحي بائسا وشتمتني
…
فيا خير مسلوب ويا شرّ سالب
والبيت كالذي قبله لم يرد إلا في معجم الشواهد (ص 497).
(2)
انظر في نقد رأي الفراء: التذييل والتكميل (3/ 303) والهمع: (1/ 106).
(3)
انظر في نقد رأي ابن كيسان المرجعين السابقين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لعمل حيث وجد، ونحن نرى العرب تقول: ليس زيد قائما لكن قاعد وبل قاعد برفع قاعد على الجواز، وما زيد قائما لكن قاعد وبل قاعد على الوجوب مع كونه مخالفا لما قبله، فبان فساد ما ذكروه. وفساد النصب على الخلاف مذكور في موضعه من النحو بأحسن بيان، فلا حاجة إلى الإطالة فيه (1).
وأما المذهب المروي عن الكوفيين آخرا، وهو أن الخبر محذوف تقديره ثابت أو موجود - ففاسد أيضا (2)؛ لأنه تقدير ما ليس في اللفظ دليل عليه كما تقدم؛ فإنه كما يقدر ثابت جاز أن يقدر أيضا منفي ومعدوم وما أشبه ذلك، ولأنه إذ ذاك يكون حذف الخبر جائزا لا واجبا؛ لأن قائما حينئذ يكون حالا من زيد، والعامل فيه المصدر، فلا تكون الحال سادة مسد الخبر، فلا يلزم حذفه، وإنما يجب حذف الخبر في مثل هذا إذا سدت الحال مسده؛ لأن الحال إذ ذاك عوض من الخبر بدليل أن العرب لا تجمع بينهما، ولا يحذف خبر هذه المصادر إلا مع وجود الأحوال للمناسبة التي بين الحال والخبر؛ لأن أصل الخبر التنكير كالحال، ولأن الحال هي صاحبها كما أن الخبر المفرد هو المبتدأ، والحال مقيدة كما أن الخبر كذلك، ففهم من عدم اجتماعهما قصر العوضية، ولا يتصور العوضية إلا على قول من قدم الخبر قبل الحال.
ولأنك إذا قدرت الخبر: ثابت أو موجود، وجعلت قائما حالا من زيد - فلا -
(1) النصب على الخلاف مذهب مشهور في كتب النحو قال به الكوفيون وخرجوا عليه كثيرا من الأسماء المنصوبة. من ذلك الظرف الواقع خبرا مثل: زيد أمامك، ومن ذلك المفعول معه مثل: سرت والنيل، ومن ذلك أفعل في التعجب لما قالوا باسميته.
وما قالوه من مذهب النصب على الخلاف فاسد لأنه - في باب المبتدأ - لو كان الموجب لنصب الظرف كونه مخالفا للمبتدأ لكان المبتدأ أيضا يجب أن يكون منصوبا؛ لأن المبتدأ مخالف للظرف، كما أن الظرف مخالف للمبتدأ؛ لأن الخلاف لا يكون من واحد بل من اثنين فصاعدا، وعليه كان ينبغي أن يقال: زيد أمامك، وهو لا يجوز. وفي باب المفعول معه يقال: إن ما بعد لكن وبل ولا يكون مخالفا لما قبلها ويأتي مرفوعا ومجرورا تقول: قام زيد لا عمرو، ومررت بزيد لا عمرو. فإذا كان الخلاف ليس موجبا للنصب مع هذه الأحرف وما بعدها مخالف - فلأن لا يكون موجبا للنصب مع الواو التي لا يجب أن يكون ما بعدها مخالفا أولى. وأما أفعل في التعجب فهو فعل للزومه نون الوقاية مع ياء المتكلم، وأما تصغيره فشاذ. ثم إن الخلاف معنى من المعاني ولم يثبت النصب بالمعاني. انظر فساد النصب على الخلاف كتاب الإنصاف:(1/ 247، 250)
وحاشية الصبان على الأشموني: (2/ 136)، (3/ 18).
(2)
التذييل والتكميل (3/ 303).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يخلو إذ ذاك من أن يخبر المخاطب عن ضرب قد عهد منك إيقاعه بزيد في حال قيامه، أو عن ضرب لم يعهده منك في تلك الحال؛ فإذا أردت الأول لم يكن لإخبارك عنه بثابت أو مستقر فائدة؛ لأنه معلوم عند المخاطب وإن كان الثاني لم يكن في الكلام دليل على ذلك المحذوف؛ لجواز أن يكون التقدير: ضربي زيدا قائما غير ثابت.
ولأن في جعل قائما معمول ضربي حذف الخبر برمته كما ذكروا، وفي جعل قائما معمول الخبر حذف بعض الخبر. وحذف بعض الخبر أولى من حذف جميعه، فظهر فساد ما ذكروه.
وأما مذهب الأخفش (1) رحمه الله تعالى: فإنه إن جعل المصدر الثاني وهو ضربه مضافا إلى المفعول، وفاعله ضمير المتكلم محذوفا على ما تقرر - فإن المصدر يحذف فاعله إذا كان ضميرا، ولا يكون مستترا فيصير كأنه قال: ضربي زيدا أضربه قائما، فأما أن يفهم من نفس الخبر عين المفهوم من المبتدأ فلا يصح، وإما أن يفهم منه أن ضربه المطلق مثل ضربه قائما، وهو غير المعنى المفهوم، وإن جعل المصدر مضافا إلى فاعله صار المفهوم منه غير المطلوب من الكلام على ما سيبين معنى الكلام حين يبين في توجيه كلام سيبويه رحمه الله تعالى، فظهر أن الصحيح ما ذهب إليه سيبويه رحمه الله تعالى دون غيره (2)، وذلك لما ذكرنا من أن اعتقاد الحال معمولة للخبر يجعل المحذوف [1/ 316] بعض الخبر، وهو أولى من حذف جميع الخبر.
وهنا نكتة لطيفة: وهو أن الاسم العامل ومعموله ينزل منزلة المضاف والمضاف إليه في باب النداء وباب لا، فكما يحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه كذلك يحذف العامل ويبقى معموله، إلا أنه لما كان الأكثر إذا حذف المضاف يعرب المضاف إليه بإعرابه ولا كذلك العامل والمعمول كثر حذف المضاف وقل حذف العامل، وهذا -
(1) انظر في رد رأي الأخفش: التذييل والتكميل: (3/ 290) والهمع: (1/ 106).
(2)
قال سيبويه: (1/ 402): «وأمّا عبد الله أحسن ما يكون قائما، فلا يكون فيه إلّا النّصب؛ لأنه لا يجوز لك أن تجعل أحسن أحواله قائما على وجه من الوجوه» .
وفي موضوع آخر يقول: (1/ 419): «وتقول: عهدي به قائما وعلمي به ذا مال فتنصبه على أنّه حال وليس بالعهد ولا العلم، وليسا هنا ظرفين،
وتقول: ضربي عبد الله قائما على هذا الّذي ذكرته لك».
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإن اشترك فيه مذهب سيبويه والأخفش فإن مذهب سيبويه ينفرد بما أذكره:
قال شيخنا جمال الدين (1) محمد بن عمرون رحمه الله تعالى: «والّذي يوضح المسألة أن معنى ضربي زيدا قائما: ما ضربت زيدا إلّا قائما، وهذا المعنى لا يستقيم إلا على مذهب سيبويه رحمه الله تعالى؛ لأنّ العامل يتقيد بمعموله، فإذا جعلت الحال من تمام المبتدأ يكون الإخبار بأن ضربي مقيّدا بالقيام واقع وذا لا ينفي أن يقع الضرب في حال القيام، وإذا جعل الحال من جملة الخبر يكون ضربي زيدا هذا الّذي لم يقيد بحال كائن. إذا كان قائما؛ فلو قدر وقوع ضرب في غير حال القيام يكون مناقضا للأخبار؛ إذ من الحال وقوع غير المقيد بالحال في زمان وتخلف شيء منه عن ذلك الزمان إذا أريد الحقيقة» .
ثم قال رحمه الله تعالى (2) - في مسألة: أكثر شربي السويق ملتوتا -: «وما أبطلنا به مذهب من يعتقد أنّ الحال من معمول المصدر يظهر في هذه المسألة أكثر؛ لأن ملتوتا لو جعل من تمام الشّرب يكون الإخبار حينئذ عن أكثر شرب سويق ملتوت أنه حاصل، وذلك لا ينفي أكثرية في غير حال اللّتّ» .
والمراد من هذا الكلام أن الأكثرية تقع في حال اللت، ولو وقعت في غير حال اللت لا يكون في الإخبار كثير فائدة. انتهى كلام الشيخ بهاء الدين في نقل المذاهب المذكورة وتقريرها.
ثم قال الشيخ بهاء الدين أيضا: وفي هذه المسألة أمور لا بد من التعرض لها (3).
منها: لم قدر الخبر ظرفا دون غيره؟ لأنا نقدر الخبر محذوفا، والحذف مجاز وتوسع، والظروف أجمل لذلك من غيرها.
ومنها: لم قدر ظرف الزمان دون ظرف المكان (4)؟ إنما نابت الحال مناب الخبر الذي هو ظرف الزمان المحذوف للمشابهة التي بين ظرف الزمان والحال لفظا ومعنى، -
(1) انظر هذا النص لابن عمرون في التذييل والتكميل: (3/ 291، 292).
(2)
القائل هو ابن عمرون أيضا.
(3)
انظر التعليقة على المقرب ورقة (35) والتذييل والتكميل: (3/ 293).
(4)
في نسخة (ب): لم قدر ظرف الزمان دون المكان؟ وهما سواء.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ألا ترى أن كل واحد منهما منصوب على معنى في؟ فإنك إذا قلت: جاء زيد ضاحكا، فكأنك قلت: جاء زيد وقت ضحكه. ولذلك أكثر ما تجيء هذه الحال السادة مسد الخبر مفردة لا جملة؛ لأنها إذ ذاك تشبه الظرف.
إلا أن الجملة لما كانت بتقدير المفرد حملت في النيابة عن خبر المبتدأ على الحال المفردة، وذلك لأن الحال عوض منه كما ذكرنا. والحال لظرف الزمان أنسب منها لظرف المكان؛ لأنها توقيت للفعل من جهة المعنى كما أن الزمان توقيت للفعل، وذلك قدر سيبويه الحال بإذ في قوله تعالى: وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ (1) فقال: «إذ طائفة في هذه الحال» (2).
ولأن المبتدأ هنا حدث، وظرف الزمان مختص بالإخبارية عن الحدث دون الجثة فهو أخص به من ظرف المكان (3).
ومنها: لما قدرت إذ [1/ 317] وإذا دون غيرهما؟ قال شيخنا رحمه الله: ما ولي الظروف إن أردت الماضي إذ؛ لأنها تستغرق الماضي، وإن أردت المستقبل إذا لأنها تستغرق المستقبل أيضا (4).
ومنها: لم قدر بعد الظرف فعل؟ ولم كان كان التامة دون غيرها؟ ولما لم يقدر نصب قائم على الخبر لكان؟
وذلك لأن الظرف لا بد له من فعل أو معناه؛ ليكون ظرفا له، والحال لا بد لها أيضا من عامل، والأصل في العمل الفعل، وقدرت كان تامة لتدل على الحدث المطلق الذي يدل الكلام عليه، ولم يعتقد في قائم الخبرية للزومه التنكير (5).
قال رحمه الله تعالى (6): ودخول واو الحال عليها على ما سيجيء يقوي جانب الحالية لا الخبرية، ولا يلتفت إلى قول من يجوز دخول الواو على أخبار كان -
(1) سورةآل عمران: 154.
(2)
قال في الكتاب: (1/ 90): وأما قوله تعالى: يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ فإنّما وجّهوه على أنّه يغشى طائفة منكم وطائفة في هذه الحال، كأنه قال: إذ طائفة في هذه الحال، فإنما جعله وقتا ولم يرد أن يجعلها واو العطف، وإنما هي واو الابتداء.
(3)
التذييل والتكميل: (3/ 294).
(4)
المرجع السابق.
(5)
المرجع السابق.
(6)
غير موجودة في نسخة الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأخواتها إذا كان الخبر جملة، والضمير في كان فاعلها وهو يعود إلى زيد.
ومنها: هل يجوز تقدم هذه الحال على المصدر؟
منع ذلك الكسائي والفراء وهشام (1) إن كانت الحال من ظاهر، كما منعوا في نحو: جاء زيد راكبا - أن تقول: راكبا جاء زيد، فتقدمها. وسبب ذلك أن مبنى الحال عندهم على الشرط، فبطل: راكبا جاء زيد من حيث لم يجز: إن تركب جاء زيد.
فإن كانت من مضمر جاز التقديم عند الكسائي وهشام. ومن أخذ بمذهبهما فلا يجوز تقديمها إذا لم تقع خبرا، ويجوز عندهم: مسرعا قيامك كما يجوز مسرعا قمت؛ لأن الحال لمكنيّ، ولا ينكر تقدم مضمر على مضمر كما ينكر تقدم مضمر على ظاهر.
وأبطل الفراء: مسرعا قيامك ومبادرا ركوبك، وأجاز: مسرعا قمت ومبادرا ركبت؛ لأن الحال المكني يجوز تقدمها إذا لم تكن رافعة، فإذا رفعت منعت التقدم والتوسط ولزمت التأخر عنده؛ لأنها عنده مبنية على الشرط، والشرط يقع آخرا لا أولا، فيقال: شكرتك إن أنصفت، ولا يقال: إن أنصفت شكرتك؛ لأن الشرط إنما يتلقى بالفاء أو إذا أو بالفعل، ولا يتلقى بالاسم المفرد.
واحتج الكسائي وهشام على جواز: مبادرا ركوبك، بأن الحال مبنية على الوقت من حيث كانت في معناه، والوقت يرفع متقدما ومتأخرا، فيقال: قيامك يوم الخميس، ويوم الخميس قيامك.
قلت: جميع ما ذكروه مبني على ما تقدم من أقوالهم، وقد تقدم إفسادها، ولا نقل عندي عن مذاهب البصريين في ذلك، بل مقتضى قولهم جواز تقديم الحال إن قدر الخبر متقدما على المصدر (2)، ووجوب تأخيرها إن قدر الخبر مؤخرا؛ لأن العامل عندهم في الحال كان المقدرة، وهي مضاف إليها الظرف، والمضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف. -
(1) التذييل والتكميل: (3/ 308) والهمع: (1/ 107).
(2)
قوله: جواز تقديم الحال خبر مقتضى، وقوله: على المصدر، متعلق بتقديم الحال.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال ابن الدهان (1) في شرح الإيضاح: ولا يمتنع عندي في القياس: قائما ضربي زيدا؛ لأن خبر المبتدأ في هذه المسألة يتقدم على المبتدأ (2).
ومنها: أنه لا يجوز أن يسد الحال مسد الخبر إذا كان المبتدأ جثة؛ لأن الخبر المقدر لا يكون إلا ظرف زمان كما
تقدم، وظروف الزمان لا تكون أخبارا للجثة.
ومنها: هل يجوز لضمير المصدر أن يسد الحال مسد خبره؟
ذهب البصريون والكسائي إلى أن ضمير المصدر يجري مجراه في ذلك [1/ 318] نحو قولك: أكلي التفاحة هو نضيجة. فأكلى مبتدأ والتفاحة مفعوله وهو مبتدأ، و (هو) ضمير المصدر الذي هو أكلي، ونضيجة حال سدت مسد خبر المصدر، والضمير وخبره خبر المصدر الذي هو أكلي.
وزعم الفراء أن ضمير المصدر كالجثة نحو زيد وعمرو لا يرفعه إلا ما يرفع زيدا وعمرا عن وكأن الذي حمله على ذلك كون الحال عنده بمنزلة الشرط. والشرط إنما يخبر به المصدر لا عن ضميره، وذلك باطل، وقد تقدم تبيين بطلانه (3). -
(1) هو سعيد بن المبارك بن علي بن عبد الله الإمام ناصح الدين بن الدهان النحوي، ولد في رجب (453 هـ)، من أولاده يحيى بن سعيد أبو زكريا، وكان نحويّا أيضا، ولد قبل وفاة أبيه بعامين، ولذلك قال فيه أبوه:
قيل لي جاءك نشل
…
ولد شهم وسيم
قلت عزّوه بفقدي
…
ولد الشّيخ يتيم
وتوفي ابن الدهان الأب سنة (596 هـ)، وابن الدهان الابن سنة (616 هـ).
مصنفات ابن الدهان (الأب): له شرح الإيضاح المذكور في الشرح، قال السيوطي: وهو كتاب كبير في عدة مجلدات، ولم أره، وله أيضا شرح اللمع لابن جني المسمى بالغرة، وهو عدة أجزاء: الأول منه مفقود، والثاني مخطوط بدار الكتب (نحو تيمور رقم: 171) والثالث ميكروفيلم بمعهد المخطوطات (رقم 93 نحو) وله أيضا الدروس في النحو والفصول فيه، وتفسير القرآن، والأضداد، وقد عملت فيه رسالة دكتوراه بعنوان «ابن الدّهّان وآراؤه في النّحو» بكلية اللغة.
انظر ترجمة ابن الدهان (الأب) في بغية الوعاة: (1/ 587) وترجمة ابن الدهان (الابن) في نفس المرجع (2/ 334).
(2)
التذييل والتكميل (3/ 309).
(3)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال ابن عصفور (1): وسواء في ذلك المصدر وغيره مما لم يكن جثّة؛ إلّا أنّ مجيء ذلك في المصدر أكثر كما ذكرته.
ومما يدل على مجيئه في غير المصادر قول الشاعر:
552 -
خيال لأمّ السّلسبيل ودونه
…
مسيرة شهر للبريد المذبذب (2)
فخيال مبتدأ، ولأم السلسبيل صفة له. ولا يكون خبرا؛ لأنه لا مسوغ للابتداء بها إلا وصفها بالمجرور، والجملة التي هي: ودونه مسيرة شهر سادة مسد خبره؛ وساغ ذلك لأن الخيال لا حقيقة له جسيمة، فجرى مجرى المصادر (3).
ومنها: أنه لا يجوز أن تسد الحال مسد خبر أن الناصبة للفعل وإن كانت بتأويل المصدر، ووجهه أن الحال إنما تسد مسد الخبر إذا كان ظرف زمان، وظرف الزمان لا يكون خبرا لأن والفعل، وإلى ما ذكرنا من المنع ذهب الكسائي والفراء وهشام، وعلّلوه بأنها لما عملت في ما بعدها أشبهت الأدوات وبعدت عن المصادر، فلم يجز فيها ما جاز في المصادر.
وفي هذا التعليل نظر: فإن المصدر عامل في ما بعده، فالصحيح ما ذكرناه من التعليل. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
(1) لم أجده في كتبه. وهو في التذييل والتكميل (3/ 304).
(2)
البيت من بحر الطويل، وهو مطلع قصيدة قصيرة في ديوان الحماسة منسوبة للبعيث بن حريث بن جابر بن سري شاعر بن شاعر، وبعده:
فقلت له أهلا وسهلا ومرحبا
…
فردّت بتأهيل وسهل ومرحب
اللغة: أم السلسبيل: عشيقته. البريد المذبذب: المسرع المتعجل.
يذكر أن خيال حبيبته زاره ليلا، فصارت قريبة منه مع أنها بعيدة جدّا بجسمها وشخصها.
وشاهده واضح من الشرح.
قال صاحب شرح ديوان الحماسة (1/ 377):
«فإن قيل: لما نكّر فقال: خيال لأم السّلسبيل؟ قلت: يجوز أن يكون كأنّه يرى خيالها على هيئات مختلفة، فاعتقد أنّه عدة خيالات، فلذلك نكّره كأنه قصد إلى واحد منها» وهو غير ما ذكره الشارح عن ابن عصفور.
والبيت في معجم الشواهد (ص 54) والتذييل والتكميل (3/ 305).
(3)
رده أبو حيان فقال: «ولا حجّة في هذا البيت؛ لأنه يحتمل أن يكون خيال خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا خيال» .