الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[رفع الحال المنصوبة على الخبرية]
قال ابن مالك: (ورفعها خبرا بعد أفعل مضافا إلى ما موصولة بكان أو يكون - جائز، وفعل ذلك بعد مصدر صريح دون ضرورة ممنوع).
قال ناظر الجيش: أي: ورفع الحال المذكورة، وأشار بذلك إلى ما أجازه الأخفش من رفع قائم على الخبرية من قولهم: أخطب ما يكون الأمير (1) قائما، وليعلم قبل تقدم مذهبه أنّا إذا قلنا: أخطب ما كان أو أخطب ما يكون، فما مصدرية، والتقدير:
كون الأمير، وفي إضافة أخطب إلى الكون نوع تجوز؛ لأن أفعل التفضيل لا تضاف إلا إلى ما هو بعضه، وليست الخطابة بعض الكون، ثم منهم من قدر مضافا محذوفا أي: أخطب أوقات كون الأمير لا لينتفي المجاز؛ فإن الخطابة ليست بعض الأوقات أيضا، لكن لما كانت الخطابة لا تقع إلا في الأوقات سهل ذلك تأولها بها.
ومنهم من لم يقدر شيئا محذوفا، وجعل أخطب كونا كما تقدم، ويترتب على الرأيين بحث: وهو أن من قدر المضاف وجعل أخطب زمانا لإضافته إلى الأوقات المحذوفة وجوز وقوع إذا غير ظرف - لم يجعل إذا متعلقة بمحذوف كما في: ضربي زيدا قائما بل جعل نفس الظرف مرفوعا على الخبرية لا معمولا للخبر، ويكون قد أخبر بزمان عن زمان.
قال الشيخ بهاء الدين رحمه الله: ولا يستنكر خروج إذا من الظرفية ورفعها؛ فقد جاءت مجرورة في قول الشّاعر [1/ 319]:
553 -
وبعد غد يا لهف نفسي في غد
…
إذا راح أصحابي ولست برائح (2)
-
(1) التذييل والتكميل: (3/ 295) والهمع (1/ 106).
(2)
البيت من بحر الطويل وهو في التوجع ورثاء النفس نسبه صاحب شرح ديوان الحماسة (3/ 1226) وكذلك صاحب معجم الشواهد إلى أبي الطمحان القيني، ونسبه السيوطي في شرح شواهد المغني (1/ 274) إلى هدبة بن خشرم في قصة له طويلة ملخصها: أن هدبة قال هذا البيت من أبيات أربعة أولها:
ألا علّلاني قبل نوح النّوائح
…
وقبل ارتقاء النّفس فوق الجوانح
ثم بيت الشاهد.
وقوله: إذا راح أصحابي بدل من غد، وهو موضع الشاهد، وجوز الأخفش وقوع إذا في موضع المجرور والمرفوع.
والبيت في معجم الشواهد (ص 87) والتذييل والتكميل (2/ 63).
ترجمة أبي الطمحان: هو حنظلة بن الشرقي شاعر مخضرم، كان جيد الشعر وكان فاسقا فاجرا خبيث -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأبدل إذا من غد.
وأجاز المبرد (1) الرفع الصريح فيها، وذلك إذا قلت: إذا يقوم زيد إذا يقعد عمرو؛ فإذا الأولى مبتدأ والثانية خبر، وعلى هذا إذا ظهر الإعراب في الظرف يرتفع فتقول: أخطب ما يكون الأمير يوم الجمعة، وأما من لم يقدر مضافا محذوفا وجعل أخطب كونا - فإذا في موضع نصب متعلقة بمحذوف كما كان في ضربي زيدا قائما، وعلى هذا إذا قلت: أخطب ما يكون الأمير يوم الجمعة نصبت اليوم.
وإذا تقرر هذا فاعلم أن الأخفش رحمه الله تعالى أجاز الرفع في هذه المسألة كما تقدم. قال الشيخ (2): «وتبعه المبرد والفارسي (3) وهذا المصنف» . انتهى.
وقال المصنف رحمه الله تعالى: «يلزم من ذلك - يعني ما أجازه الأخفش من الرّفع - ارتكاب مجازين:
أحدهما: إضافة أخطب مع أنه من صفات الأعيان إلى ما يكون وهو في تأويل الكون.
والثاني: الإخبار بقائم مع أنه في الأصل من صفات الأعيان عن أخطب ما يكون مع أنه في المعنى كون؛ لأن أفعل التفضيل بعض ما يضاف إليه، والحامل على ذلك قصد المبالغة وقد فتح بابها بأول الجملة (4)، فعضّدت بآخرها مرفوعا». انتهى (5).
قال الشيخ بهاء الدين (6): «ووجّه ابن الدّهان رفع الأخفش قائما بأن جعل أخطب مضافا إلى أحوال محذوفة، أي: أخطب أحوال كون الأمير فلا مجاز في قائم حينئذ» .
وقال الشيخ أثير الدين (7): «قوله: فلا مجاز في قائم حينئذ - غير مسلم بل هو مجاز لأن قائما من صفات الأعيان لا من صفات الأحوال، والمطابق للإخبار عن أخطب -
- الدين. (انظر ترجمته وأخباره في الشعر والشعراء: 1/ 395).
(1)
انظر: رأيه في التذييل والتكميل (3/ 298) وليس في المقتضب.
(2)
التذييل والتكميل (3/ 295).
(3)
قال أبو علي (الإيضاح: ص 78): «ومما يرتفع الاسم فيه بالابتداء قولهم: ضربي زيدا قائما، وأكثر شربي السّويق ملتوتا، وأخطب ما يكون الأمير قائما. فضربي وأكثر وأخطب مرتفع بالابتداء، وقائما سدّ مسدّ خبر الابتداء، والتقدير: ضربي زيدا إذا كان قائما وإذ كان قائما» .
(4)
في النسخ: وقد فتح بابها تؤول الجملة، ولا معنى له.
(5)
شرح التسهيل (1/ 282).
(6)
التذييل والتكميل (2/ 298).
(7)
أثير الدين لقب للشيخ أبي حيان محمد بن يوسف النحوي. انظر ما قاله في التذييل والتكميل (3/ 296).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحوال الأمير أن يقال القيام كما يقال: أحسن أحوال زيد السرور، ولا تقول السّارّ».
وقال الشيخ بهاء الدين (1): ويجوز أن تجعل ما بمنزلة شيء، والجملة التي هي يكون الأمير صفته والعائد محذوف خبر يكون الأمير، ويكون ناقصة كان أصلها:
أخطب أحوال يكون الأمير فيها قائما، وتكون ما للعموم والكثرة كقوله تعالى:
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ (2). ودليل وقوعها للجنس الإشارة إليها بقوله تعالى: وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ (3) وتكون ما حينئذ كناية عن الأحوال، فيتوجه ما قاله الأخفش.
وقال الشيخ أثير الدين: «ويكون الإخبار بقائم أيضا مجازا؛ إذ القائم من صفات الأعيان لا صفات الأحوال كما بيّنا» انتهى (4).
وأشار المصنف بقوله: وفعل ذلك بعد مصدر صريح دون ضرورة ممنوع - إلى نحو قول القائل: ضربي زيدا قائم، على تقدير: وهو قائم؛ وحق هذا أن يمنع مطلقا؛ لأنه شبيه بقولك: جاء زيد راكب؛ لكن الضرورة أباحت حذف المبتدأ المقرون بالفاء في جواب الشرط، وهو أصعب، وإجازة حذف مبتدأ مقرون بواو الحال أولى.
ومثال حذف المبتدأ مقرونا بالفاء قول الشاعر:
554 -
بني ثعل لا تنكعوا العنز شربها
…
بني ثعل من ينكع العنز ظالم (5)
أراد: فهو ظالم، هذا كلام المصنف (6)[1/ 320].
قال الشيخ (7): «كان ينبغي أن لا يقول: دون ضرورة بل يقول: وفعل ذلك -
(1) المرجع السابق.
(2)
،
(3)
سورةيونس: 18.
(4)
التذييل والتكميل (3/ 297).
(5)
البيت من بحر الطويل لرجل من بني أسد.
في اللسان (مادة: نكع): «نكعه حقّه حبسه عنه، ونكعه الورد منعه إياه» ثم أنشد بيت الشاهد.
وشربها: حظها من الماء، وبني ثعل: قبيلة.
ويستشهد به على: سقوط الفاء من جواب الشرط، وما يليها أيضا من المبتدأ، وهو ضرورة، والتقدير:
فهو ظالم.
والبيت في شرح التسهيل (2/ 283) والتذييل والتكميل: (3/ 299) ومعجم الشواهد (ص 341).
(6)
شرح التسهيل لابن مالك (2/ 283).
(7)
التذييل والتكميل (3/ 299).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بعد مصدر صريح ممنوع؛ فإن أدّت الضّرورة إلى رفعه خبر مبتدأ محذوف، وتكون الجملة حالا جاز، قال: ولم يبين جهة الأصعبية، ونقول: بل هو في الشرط أسهل؛ لأنّ جواب الشّرط لا بد أن يكون جملة فلنا دليل على ما حذف.
وأما الحال السادة مسدّ الخبر ففيها خلاف: هل تقوم الجملة مقامها؟ كما سيأتي، فلا دليل منها على ما يحذف» انتهى (1).
واعلم أن ابن الدهان (2) أجاز رفع قائم في: ضربي زيدا قائما - على الخبرية لا على المعنى الذي تقدم، بل على معنى أن تريد بقائم معنى ثابت دائما لا يتغير.
فيكون خبرا عن ضربي حقيقة، كما تقول: الأمر بيننا قائم، والحرب قائمة على ساق، وهذا كما تقول: ضربي زيدا شديد، ولا خلاف في جوازه (3).
(1) المرجع المذكور في الهامش السابق وقد اختصره الشارح وحذف مهمّا في الكلام.
قال أبو حيان: أتقوم الجملة مقامهما أم لا يجوز إلا أن يكون صريح الاسم؛ فعلى هذا لا مقتضى للجملة بخلاف جملة الشرط؛ فإنها تطلب جملة الجواب وتقتضيه؛ فإذا حذف منها شيء دلّ عليه الشّرط.
(2)
انظر هذا الرأي مسندا إلى ابن الدهان في التذييل والتكميل لأبي حيان (2/ 298).
(3)
قال ابن الدهان في كتابه شرح اللمع (2/ 111) وهو المسمى بالغرة (مخطوط بدار الكتب رقم (171) نحو تيمور، والموجود منه الجزء الثاني فقط):
فأما قولهم: ضربي زيدا قائما فتقديره: ضربي زيدا إذا كان قائما، وإذ كان قائما؛ فضربي مبتدأ وإذ أو إذا الخبر، وهما ظرفان والعامل فيهما مستقر أو استقر، وقائم حال من المضمر في كان وليس بخبر لكان؛ لاستحالة وقوع المعرفة هنا فقائم الآن حال من مضمر مرفوع بفعل في موضع جر بإضافته إلى ظرف العامل فيها اسم فاعل محذوف أو فعل، وذلك الظرف المحذوف كان الخبر للمبتدأ.
ولم يستجيزوا: ضربي زيدا مشيا؛ لأن الحال هنا في موضع ضعيف فلم يتصرف فيها، وأخطب ما يكون الأمير قائما تقديره: أخطب أوقات كون الأمير إذا كان قائما، فلا يحتاج إلى عامل في إذا؛ لأن أخطب وقت لإضافته إلى الوقت، وإذا وقت فهو هو؛ فإن لم تقدر الوقت محذوفا وجعلت أخطب مضافا إلى ما وجعلت ما عامة؛ لأن أفعل لا تضاف إلى واحد لفظا ومعنى، وكان تقدير ما يكون أكوانا، فكان أن جعلت الأكوان خطيبة على الاتساع كان إذا متعلقا بمستقر أو استقر؛ لأنه غير المصدر.
وقد وردت واقعة على العموم كقوله تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا [يونس: 18] والوجه الأول أكثر؛ لأن العرب كثيرا ما تتسع في الزمان، فتجعل الفعل له. وعلى هذا قالوا: نهارك صائم، قال الشاعر (من البسيط):
أمّا النّهار ففي جوف وسلسلة
…
واللّيل في جوف منحوت من السّاج
فأما قولهم: هذا بسرا أطيب منه رطبا فتقديره هذا الشيء إذا كان بسرا أطيب منه رطبا.