الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[جواز رفع المصدر الواقع خبرا ونصبه]
قال ابن مالك: (ويغني عن خبر اسم عين باطّراد مصدر يؤكّده مكرّرا، أو محصورا، وقد يرفع خبرا، وقد يغني عن الخبر غير ما ذكر من مصدر أو مفعول به أو حال).
قال ناظر الجيش: الاستغناء عن خبر اسم عين بمصدر مكرر نحو قولهم: زيد سيرا سيرا، وبمصدر محصور كقولهم: إنّما أنت سيرا، والأصل زيد يسير سيرا، فحذف الفعل واستغني عنه بمصدره، وجعل تكريره بدلا من اللفظ بالفعل، فامتنع إظهاره لئلا يجتمع عوض ومعوض عنه، وكذلك الأصل إنما أنت تسير سيرا، فحذف الفعل واستغني عنه بمصدره، وقام الحصر مقام التكرار في سببية التزام الإضمار. وقد يجعل هذا النوع من المصادر خبرا قصدا للمبالغة فيرفع نحو:
649 -
ترتع ما رتعت حتّى إذا ادّكرت
…
فإنّما هي إقبال وإدبار (1)
هذا كلام المصنف (2).
وتمثيل المصنف الحصر بإنما مشعر بأن الحذف واجب مع ما وإلا نحو: ما أنت إلّا سيرا من طريق الأولى. والمصدر المعرف فيما ذكره كالمصدر المنكر كقولك:
ما أنت إلّا الضّرب، وما أنت إلّا ضرب النّاس، وما أنت إلّا سيرا لزيد.
واعلم أن الفعل إنّما يجب إضماره إذا كان الإخبار عن سير متصل بزمان -
(1) البيت من بحر البسيط من قصيدة للخنساء ترثي بها أخاها صخرا.
وهذا البيت في وصف ناقة ذكرت في البيت الذي قبله وهو:
فما عجول على بوّ تطيف به
…
قد ساعدتها على التّحنان أظآر
اللغة: العجول: الناقة. البوّ: جلد يحشى تبنا تراه الناقة فتظنه ولدها فتدر اللبن. التّحنان: الحنين.
الأظآر: جمع ظئر وهي التي تعطف على ولد غيرها. ترتع: ترعى. ادّكرت: تذكرت ولدها.
والمعنى: تصف الخنساء حزنها الشديد على أخيها صخر، فتذكر أن حزنها فاق حزن ناقة مات ولدها، فهي لا تهنأ بطعام أو شراب حين تذكره.
وشاهده قوله: فإنما هي إقبال وإدبار، حيث أخبر بالمصدر عن اسم العين، وفيه توجيهات:
1 -
المبالغة بجعل المعنى نفس العين. 2 - تأويل المصدر باسم الفاعل.
3 -
أن هناك مضافا محذوفا أي ذات إقبال.
والبيت في: شرح التسهيل (1/ 324) وفي معجم الشواهد (ص 164).
(2)
شرح التسهيل (1/ 324).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الإخبار لم ينقطع [1/ 378] وإذا أريد أنه سار ثم انقطع السير، أو أخبر أنه يسير في المستقبل - فإن الفعل يظهر نحو ما أنت إلّا تسير سيرا، ذكر ذلك سيبويه (1) وإذا كان كذلك فكلام المصنف يحتاج إلى التقييد بما ذكر.
وأشار المصنف بقوله: وقد يغني عن الخبر غير ما ذكر إلى آخره - إلى ثلاث مسائل:
الأولى:
ما أغنى فيه عن الخبر مصدر يعني من غير تكرير ولا حصر نحو: زيد سيرا أي يسير سيرا.
الثانية:
ما أغنى فيها عنه مفعول به كقول بعض العرب: إنّما العامريّ عمامته أي: إنما العامري يتعهد عمامته؛ فأما من روى: إنّما العامريّ عمّته فنصب على المصدر، التقدير: إنما العامري يتعمم عمامته، فيكون نظير: إنما أنت سيرا، فلا يكون من القليل بل من الكثير المطرد (2).
ثم قال: «ومن الاستغناء عن خبر المبتدأ بالمفعول به ما رواه الكوفيون من قول العرب: حسبت العقرب أشدّ لسعة من الزّنبور فإذا هو إيّاها أي: فإذا هو يساويها، -
(1) الكتاب: (1/ 335)، قال سيبويه: هذا باب ما ينتصب فيه المصدر كان فيه الألف واللام أو لم يكن فيه على إضمار الفعل المتروك إظهاره؛ لأنه يصير في الإخبار والاستفهام بدلا من اللفظ بالفعل كما كان الحذر بدلا من احذر في الأمر، وذلك قولك: ما أنت إلّا سيرا، وما أنت إلا الضّرب الضّرب
…
فكأنه قال في هذا كله: ما أنت إلا تفعل فعلا، وما أنت إلا تفعل الفعل، ولكنهم حذفوا الفعل لما ذكرت لك.
ثم قال بعد كلام: «واعلم أن السّير إذا كنت تخبر عنه في هذا الباب فإنما تخبر بسير متصل بعضه ببعض في أي الأحوال كان، وأما قولك: إنّما أنت سير، فإنما جعلته خبرا لأنت ولم تضمر فعلا» .
(2)
إنما كان من الكثير المطرد للحصر الذي فيه.
(3)
شرح التسهيل (1/ 325).
(4)
سورة الزمر: 3.
(5)
سورةآل عمران: 106.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا يجوز أن يكون إياها قد شذ وقوعها في موضع رفع كما شذّ في موضع جر قول العرب: مررت بإيّاك، حكاها الفراء عنهم، ثم قال: وأنشد الكسائي:
650 -
وأحسن وأجمل في أسيرك إنّه
…
ضعيف ولم يأسر كإيّاك آسر (1)
انتهى (2).
وهذه المسألة التي ذكرها أعني: فإذا هو إياها هي المسألة التي جرت بين الكسائي والفراء وبين سيبويه بحضرة هارون الرشيد وقيل: بل بحضرة يحيى بن خالد البرمكي (3) وتسمى المسألة الزنبورية وقضيتها عجيبة. وقد أوردها الشيخ بهاء الدين ابن النحاس في تعليقه على المقرب، ومن وقف عليها عرف ما حصل من التحامل على سيبويه، وأنه كيد وغبن، نعوذ بالله من قهر الرجال (4).
والمشهور أن سيبويه أجاب بقوله: فإذا هو هي، وأن الكوفيين قالوا: فإذا هو إياها، وهذا هو الظاهر وهو نقل البصريين، ولهذا لما ذكر المصنف فإذا هو إياها أسند ذلك إلى رواية الكوفيين، لكن قال الشيخ بعد ذكر المسألة:
«وقد اختلف القول فيها فقيل: أجاب سيبويه بقوله: فإذا هو إيّاها، وقال الكوفيون: فإذا هو هي. -
(1) البيت من بحر الطويل، وهو دعوة بالإشفاق والرحمة من الآسر للمأسور إذا كان المعنى حقيقيّا، وإذا كان مجازيّا فهو دعوة بأن يصل المحبوب حبيبه، ويرحم المعشوق عشيقه.
والشاهد فيه قوله: ولم يأسر كإياك آسر، حيث وقع ضمير النصب بعد حرف جر شذوذا كما يقع أحيانا في موضع الضمير المرفوع كقول العرب: فإذا هو يساويها.
انظر البيت في: شرح التسهيل (1/ 325) والتذييل والتكميل (4/ 85) ومعجم الشواهد (ص 156).
(2)
شرح التسهيل: (1/ 325) وفيه تقديم وتأخير، وبالنسخة اليتيمة في دار الكتب نقص في هذا الموضع أتي به شارحنا ووضحه.
(3)
من رجالات الدولة العباسية كان هارون الرشيد يعظمه ويناديه بأبي؛ لأن هارون كان تحت رعايته صغيرا، وقد أنجب أولادا ذاع صيتهم في دولة هارون الرشيد، وتقلدوا المناصب العظيمة منهم الفضل وجعفر ومحمد وموسى. وأبو يحيى وهو خالد كان جنديّا من جنود أبي مسلم، وكان سببا في انتصاراته. نال يحيى وأولاده مدائح الشعراء، وكان الشعراء يقصدونهم دون الخلفاء لكثرة أعطيتهم.
ومن كلام يحيى: ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها: الهديّة والكتاب والرّسول.
ولما نكب هارون بالبرامكة حبس يحيى وظل في سجنه حتى مات فجأة من غير علة وعمره سبعون سنة، وكان ذلك عام (190 هـ). ترجمته في وفيات الأعيان:(6/ 219).
(4)
انظر المسألة بالتفصيل في أمهات كتب النحو فهي مشهورة هناك: المغني (1/ 88)، التذييل والتكميل (4/ 85). الإنصاف في مسائل الخلاف (2/ 702).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقيل: أجاب سيبويه بقوله: فإذا هو هي، وقال الكوفيون: فإذا هو إياها (1)، وكلا الجوابين له توجيه من العربية؛ فمن قال: فإذا هو إياها فإياها مفعول بفعل محذوف يدل عليه المعنى، فلما حذف الفعل انفصل الضمير، ومن قال: فإذا هو هي فليس المعنى أن الزنبور هو العقرب حقيقة، وإنّما هو من باب: زيد زهير أي:
فإذا هو مثلها في اللسع» انتهى (2).
و [الثالثة](3): أشار المصنف [1/ 379] بقوله: أو حال إلى أنه قد يستغنى عن خبر المبتدأ بحال مغايرة لما تقدم ذكره كما روى الأخفش من قول العرب: زيد قائما، والأصل زيد ثبت قائما (4) والأسهل منه ما حكاه الأزهري من قول بعض العرب: حكمك مسمّطا أي حكمك لك مثبتا فحكمك مبتدأ خبره لك ومسمطا حال استغني بها وهي
عارية عن الشروط المعتبرة في نحو: ضربي زيدا قائما (5) وعلى مثل هذا يحمل على الأجود قول النابغة الجعدي:
651 -
وحلّت سواد القلب لا أنا باغيا
…
سواها ولا عن حبّها متراخيا (6)
-
(1) قد يكون الفيصل في مثل هذه المسألة من مسائل الخلاف بين الكوفيين والبصريين ما قاله صاحب الإنصاف (2/ 702).
قال أبو البركات: ذهب الكوفيّون إلى أنّه يجوز أن يقال: كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو إياها، وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز أن يقال: فإذا هو إياها، ويجب أن يقال: فإذا هو هي.
ثم احتج لكل من الفريقين وحكى الحكاية المشهورة بين الكسائي وسيبويه في مجلس يحيى بن خالد، وكيف انتصر العرب للكسائي ظلما. وقد رجح صاحب الإنصاف مذهب البصريين ومال إليه، ورد مذهب الكوفيين وأبطل حججهم. وانظر أيضا: المغني (1/ 88).
(2)
التذييل والتكميل (4/ 85).
(3)
ما بين المعقوفتين زيادة يقتضيها السياق.
(4)
التذييل والتكميل (4/ 87). والهمع (1/ 100).
(5)
المرجعان السابقان. والتصريح (1/ 181). والمثل في: لسان العرب (3/ 2094).
(6)
البيت من بحر الطويل قاله النابغة الجعدي، وهو في الغزل الرقيق.
سواد القلب: حبته كسودائه وأسوده.
والشاهد فيه: قوله: لا أنا باغيا حيث وقعت باغيا حالا سادة مسد الخبر دون استيفاء شروط حذف الخبر وإقامة الحال مقامه.
وأصله: لا أنا أرى باغيا. وإنما فعلوا ذلك خروجا من عمل لا عمل ليس في المعارف.
انظر البيت في: شرح التسهيل (1/ 325، 377)، والتذييل والتكميل (4/ 87). ومعجم الشواهد (ص 424).