الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حكم أل التي للجنس]
قال ابن مالك: (فإن خلفها كلّ دون تجوّز فهي للشّمول مطلقا، ويستثنى من مصحوبها، وإذا أفرد فاعتبار لفظه فيما له من نعت وغيره أولى؛ فإن خلفها تجوّزا فهي [1/ 288] لشمول خصائص الجنس على سبيل المبالغة).
ــ
كان كذلك فلم يعرض للعهدية غلبة.
وأما أن أل لها مدخل في لمح الصفة، فأبعد لأنها لم تفد لمح صفة، والذي لمح الصفة إنما هو المتكلم لمح ما كان عليه الاسم قبل نقله إلى العلمية، وهي حالة التنكير فأدخل أل عليه بعد العلمية لا لإفادة تعريف ولا غيره، بل شبه حاله بعد العلمية بحاله قبلها، فأجاز فيه بعد ما كان يجوز قبل، هكذا أفهم معنى قولهم: لمح الصفة.
وقال الشيخ (1): وعن بعضهم أنها مع كونها للمح الصفة للعهد، وفيه نظر (2).
وأما ما ذكروه من أن الجنسية يعرض لها الحضور فلم أتحققه، والذي يظهر أن أل للعهد والحضور مستفاد من الحضور، أعني من حضور من دخلت على اسمه أل بمجلس المتكلم إمّا حسّا كما في: فإذا الأسد، وبهذا الرجل، ويا أيها الرجل، وإمّا معنى كما في الآن والساعة. وكما أن العهد يتعلق بمعهود سابق هكذا يتعلق بمعهود حاضر، بمعنى أنه بسبب حضوره صار معهودا؛ لأن المراد بالمعهود تقدم شعور الذهن به قبل ذكره، ولا شك أن الحاضر حال حضوره يستشعر به الذهن، فيصير حكمه حكم من تقدم الشعور به دون حضور قبل ذكره.
قال ناظر الجيش: اعلم أن أصحاب أهل المعاني (3) ذكروا أن أل إما أن يراد بها العهد كما في قوله تعالى: كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ (4)، وإما أن يراد بها نفس الحقيقة كقولك: الرجل خير من المرأة، والدينار خير من الدرهم، وإما أن يراد بها الاستغراق، كقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (5).
قالوا: وقد تأتي لتعريف شيء باعتبار عهديته في الذهن لمطابقته الحقيقة، -
(1) التذييل والتكميل (3/ 232).
(2)
النظر المذكور هو أن أل التي للعهد معرفة، وأل التي للمح الصفة زائدة.
(3)
انظر مفتاح العلوم للسكاكي (ص 80).
(4)
سورة المزمل: 15، 16.
(5)
سورة العصر: 2.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كقولك: أدخل السوق، وليس بينك وبين مخاطبك معهود في الخارج.
والحاصل: أن المراد باسم الجنس المعرف باللام إما نفس الحقيقة لا ما يصدق عليه من الأفراد وتسمى اللام فيه لام الجنس ولام الحقيقة (1).
قالوا: ونحوه: علم الجنس نحو أسامة، وإما فرد معين واللام فيه للعهد الخارجي (2)، ونحوه: العلم الخاص كزيد، وإما فرد غير معين واللام فيه للعهد الذهني (3)، ونحوه: النكرة كرجل، وإما كل الأفراد وهو الاستغراق (4). ونحوه:
لفظ كل مضافا إلى النكرة، كقولنا: كل رجل. هذا كلامهم وهو أقرب إلى التحرير والضبط من الذي ذكره النحويون في هذا الفصل (5).
وقد عرفت مختار السكاكي في المسألة، ولا شك أنه أورد ذلك في كتابه وأطال البحث فيه، والذي تلخص منه أن اللام إنما هي للعهد لا غيره. ثم العهد عنده قسمان: تحقيقي وحكمي، فالتحقيقي: نحو قوله تعالى: كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ (6).
ونحو أن تقول: انطلق الرجل والمنطلق ذو جد. والحكمي: هو الذي تنزل منزلة الحقيقي بأحد طرق أشار إليها في كلامه. والتعريف الحقيقي عنده أحد قسمي تعريف العهد. والاستغراق إنما هو مستفاد من المقام إذا كان المقام خطابيّا على أن كلامه محتمل للبحث وبعض أدلته مخدوشة (7). -
(1) وذلك كقوله تعالى: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء: 30].
(2)
وذلك كقوله تعالى: كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ [المزمل: 15، 16].
(3)
كقوله تعالى: إِذْ هُما فِي الْغارِ [التوبة: 40].
(4)
وذلك كقول الله تعالى: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر: 1، 2].
(5)
انظر أيضا من أنواع أل المعرفة ما ذكره في باب العلم عند شرح هذا المتن. ومثله ما قارنت الأداة نقله أو ارتجاله وفي المنقول من مجرد صالح لها ملموح به الأصل وجهان.
وقال أبو حيان: وقسم بعض أصحابنا أل ستة أقسام:
1 -
أن تكون لتعريف العهد في شخص أو جنس.
2 -
أن تكون لتعريف الحضور.
3 -
أن تكون للغلبة.
4 -
أن تكون للمح الصفة.
5 -
أن تكون بمعنى الذي والتي.
6 -
أن تكون زائدة. (التذييل والتكميل: 3/ 235).
(6)
سورة المزمل: 15، 16.
(7)
قال السكاكي: «واعلم أن القول بتعريف الحقيقة باللام واستغراقها مشكل، فإذا قلنا: المراد بتعريف الحقيقة القصد إليها وتمييزها من حيث هي هي لزم أن يكون أسماء الأجناس معارف، وهو قول لم يقل به أحد، ولزم أن -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إذا عرفت ذلك فالمصنف قد ذكر: أن أل إما للعهد وإما للجنس، ثم شرع الآن في ذكر أنها للاستغراق. وذكر أن الاستغراق قسمان: حقيقي: وهو الذي يخلف أل فيه كلّ حقيقة، ومجازي: وهو الذي يخلفها فيه كل مجازا، فإذا كان الاستغراق حقيقيّا كانت لشمول الأفراد، ويلزم من شمول الأفراد شمول الخصائص، وإن كان الاستغراق مجازيّا كانت أل لشمول الخصائص فقط.
فمثال التي يخلفها كل دون تجوز، نحو قوله تعالى: وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (1).
وذكر المصنف: أن أل [1/ 289] إذا كانت للشمول مطلقا تختص بحكمين وهما: الاستثناء من مصحوبها، وأنه إذا كان مفردا جاز اعتبار لفظه وهو الأولى، واعتبار معناه. -
- يكون اللام في الرجل أو نحو الضرب لتأكيد تعريف الحقيقة إذا لم يقصد العهد، وهو قول لم يقل به أحد».
«وإذا قلنا: المراد بتعريف الحقيقة القصد إليها حال حضورها أو تقدير حضورها لم يمتز عن تعريف العهد لوارد بالتحقيق أو بالتقدير؛ لأن تعريف العهد ليس شيئا غير القصد إلى الحاضر في الذهن حقيقة أو مجازا كقولك: جاءني رجل فقال الرجل كذا. وانطلق رجل إلى موضع كذا. والمنطلق ذو جد، وإذا قلنا:
المراد بتعريف الحقيقة هو الاستغراق لزم في اللام كونها موضوعة لغير التعريف إذا تأملت، ولزم مع ذلك أن يكون الجمع بينها وبين لفظ المفرد جمعا بين المتنافيين».
ثم قال: «والأقرب بناء على قول بعض أئمة أصول الفقه بأن اللام موضوعة لتعريف العهد لا غير هو أن يقال:
المراد بتعريف الحقيقة أحد قسمي التعريف، وهو تنزيلها منزلة المعهود بوجه من الوجوه الخطابية إما لأن ذلك الشيء محتاج إليه على طريق التحقيق، فهو لذلك حاضر في الذهن، فكأنه معهود، أو على طريق التهكم، وإما لأنه عظيم الخطر معقود به الهمم وقلما ينسى، وإما لأنه لا يغيب عن الحس فهو حاضر، وإما لأنه جار على الألسن كثيرا لوروده في الكلام، وإما لأن أسبابا في شأنه متآخذة، أو غير ذلك مما يجري مجرى هذه الاعتبارات، فتقام الحقيقة لذلك مقام المعهود ويقصد إليها بلام التعريف». (مفتاح العلوم: ص 93).
(1)
سورة النساء: 28.
(2)
شرح التسهيل (1/ 258).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فمثال الاستثناء: قوله تعالى: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا (1)، والاستثناء مما يستدل به على أن أل للاستغراق؛ لأنها لو لم تقتض شمول الحقيقة والإحاطة بأفرادها لم يستثن الَّذِينَ آمَنُوا من المعرف بها وهو الْإِنْسانَ.
وأما الحكم الثاني: وهو مراعاة اللفظ تارة والمعنى أخرى، فقد قيده بقوله: وإذا أفرد، وإنما قيده بذلك؛ لأن أل تدخل على المثنى وعلى المجموع. فمثال دخولها على المثنى قولهم: نعم الرّجلان الزّيدان.
قال الشيخ (2): فأل فيه جنسية وقد دخلت على المثنى، ومثل الشيخ دخولها على الجمع بقوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (3) قال: وهو كثير (4).
ولم يظهر لي التمثيل الذي ذكره:
أما نعم الرجلان فليست أل فيه للاستغراق، وإنما هي للجنس، ولا يلزم من الجنس الاستغراق (5).
وأما الآية الشريفة وهي: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ فأل الداخلة على المؤمنين موصولة، فالعموم بالموصولية، والذي
يظهر أن المصنف إنما احترز بقوله: وإذا أفرد من الجمع خاصة لا من المثنى، ومثال ذلك: أكرم الرجال، فأل فيه للاستغراق والمراد به: كل فرد، ومراعاة لفظه في نعته وغير نعته واجبة.
ومثال الإفراد وقد روعي فيه اللفظ: قوله تعالى: وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ (6)، وقوله تعالى: لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (7).
ومثال الإفراد وقد روعي فيه المعنى دون اللفظ: قوله تعالى: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ -
(1) سورة العصر: 1 - 3.
(2)
التذييل والتكميل (3/ 236).
(3)
سورة المؤمنون: 1.
(4)
التذييل والتكميل (3/ 236).
(5)
انظر ما ذكره في أول الشرح لهذا الموضع من أنواع أل وأمثلته. قال: «إن المراد باسم الجنس المعرف باللام إما نفس الحقيقة لا ما يصدق عليه من الأفراد، وتسمى اللام فيه للجنس. وإما فرد معين واللام فيه للعهد، وإما كل الأفراد ولامه للاستغراق، ونحو لفظ كل مضافا إلى النكرة» .
(6)
سورة النساء: 36.
(7)
سورة الليل: 15 - 18.