الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حذف عائد الموصول بأنواعه]
قال ابن مالك: (ويجوز حذف عائد غير الألف واللام إن كان متصلا:
منصوبا بفعل أو وصف أو مجرورا بإضافة صفة ناصبة له تقديرا، أو بحرف جرّ بمثله معنى ومتعلّقا الموصول أو موصوف به. وقد يحذف منصوب صلة الألف واللّام والمجرور بحرف وإن لم يكمل شرط الحذف.
ولا يحذف المرفوع إلا مبتدأ ليس خبره جملة ولا ظرفا بلا شرط آخر عند الكوفيين وعند البصريين بشرط الاستطالة في صلة غير أيّ غالبا وبلا شرط في صلتها).
قال ناظر الجيش: لما تقدم أن الموصولات لا بد لها من صلة وعائد بين الصلة بأقسامها وشروطها وكان العائد هو الضمير الذي يربط الصلة بالموصول، منه ما يجوز حذفه ومنه ما لا يجوز حذفه - شرع في الكلام على ذلك.
وينبغي أن يعلم أن العائد قد يكون زائدا على جزأي الإسناد الذي اشتملت عليه الصلة وقد يكون أحد جزأي الإسناد.
ثم الضمير العائد إما أن يكون مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا، أي محكوما على وضعه برفع أو بنصب أو بجر وقد قدم المصنف الكلام على المنصوب وثنى بالمجرور وثلث بالمرفوع.
ثم لما كان بعض الموصولات لا يجوز حذف عائده وهو الألف واللام أخرجه أولا بقوله: ويجوز حذف عائد غير الألف واللام. فعلم أن الكلام في الحذف إنما هو بالنسبة إلى الموصولات غير ما أخرجه.
إذا تقرر هذا فاعلم أن المصنف ذكر لجواز حذف العائد المنصوب شرطين:
أن يكون متصلا وأن يكون الناصب له فعلا أو وصفا - ولجواز (1) حذف العائد المجرور بالإضافة شرطا واحدا وهو أن يكون جره بإضافة صفة ناصبة تقديرا.
وبالحرف شرطا واحدا (2) وهو أن يكون الموصول جر بحرف مثل الحرف الذي جر -
(1) أي ذكر المصنف لجواز حذف
…
إلخ.
(2)
أي ذكر لجواز حذف العائد المجرور بالحرف
…
إلخ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العائد إليه معنى ومتعلقا - ولجواز حذف العائد المرفوع ثلاثة شروط إن كان الموصول غير أي:
أن يكون مبتدأ، وأن يكون خبره ليس جملة ولا ظرفا وأن تكون الصلة فيها استطالة [1/ 231] وشرطية إن كان الموصول أيّا وهما ما ذكر غير الاستطالة، هذا عند البصريين.
وأما عند الكوفيين فالاستطالة عندهم غير مشترطة فغير أي عندهم يجري مجرى أي عند الجميع، وإذا عرف هذا إجمالا فلنذكره مفصلا:
قال المصنف (1): قيد العائد الذي يجوز حذفه بكونه لغير الألف واللام لأن عائدهما عند الأكثر لا يحذف؛ لأنه يكمل صلتهما تكميل صلة غيرها ويميزهما من المعرفتين ويبدي من التأنيث والتثنية والجمع ما لا يبديانه، وقيد بالنصب احترازا من غير المنصوب فإن فيه تفصيلا يأتي ذكره.
وقيد المنصوب بالاتصال احترازا من المنفصل فإنه لا يجوز حذفه إذ لو حذف لجهل كونه منفصلا. واشترط في المتصل انتصابه بفعل أو وصف احترازا من نصبه بغيرهما نحو: رأيت الذي كأنه أسد فإن حذفه لا يجوز.
ومثال المتصل الجائز الحذف لنصبه بفعل قوله تعالى: وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ (2) ومنه قول الشاعر:
384 -
كأنّك لم تسبق من الدّهر ساعة
…
إذا أنت أدركت الّذي كنت تطلب (3)
ومثله قول الآخر: -
(1) شرح التسهيل: (1/ 204).
(2)
سورة البقرة: 41.
(3)
البيت من بحر الطويل من مقطوعة سبق الحديث عنها وعن قائلها في هذا التحقيق. وقبل بيت الشاهد قوله:
فلا تأخذوا عقلا من القوم إنّني
…
أرى العار يبقى والمعاقل تذهب
والشاعر يرغب في الحرب والقتال ويزهد في أخذ الدية معللا أن من أدرك ما طلب من الثأر فكأنه لم يصب .. وقس على طلب الثأر في الشر طلب المجد وغيره.
والشاهد فيه: حذف الضمير العائد المنصوب بالفعل أي الذي تطلبه.
والبيت ليس في معجم الشواهد وهو في شرح التسهيل: (1/ 204) وفي التذييل والتكميل: (3/ 72).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
385 -
وحاجة دون أخرى قد سنحت بها
…
جعلتها للّذي أخفيت عفوانا (1)
ومما جاء بوجهين يعني بالإثبات والحذف قوله تعالى: وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ (2) وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ (3).
ومثال المتصل الجائز الحذف لنصبه بوصف قول الشاعر:
386 -
ما الله موليك فضل فاحمدنه به
…
فما لدى غيره نفع ولا ضرر (4)
وقول الآخر:
387 -
وليس من الرّاجي يخيب بماجد
…
إذا عجزه لم يستبن بدليل (5)
-
(1) البيت من بحر البسيط قاله سوار بن المضرب وهو في الفخر وبعده:
إنّي كأنّي أرى من لا حياة له
…
ولا أمانة بين النّاس عريانا
اللغة: سنحت بها: عرضت لها، والبيت روي كذلك. عنوانا: وزنه فعوال من: عنّ لي الشيء إذا اعترض ويجوز أن يكون فعلانا من عناه كذا.
والمعنى: يفتخر الشاعر بذكائه وحسن تأتيه للأمور وأخذه الأمر بالحيلة وأنه حيي أمين. وشاهده كما في البيت قبله.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 204) وفي التذييل والتكميل (3/ 73)، وفي لسان العرب (سنح - عنن) ومعجم الشواهد (ص 381).
(2)
سورةيس: 35. وهذا مثال إثبات العائد، ومثال حذفه قوله تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً [آل عمران: 30].
(3)
سورة الزخرف: 71. وهذا مثال إثبات العائد، ومثال حذفه قوله تعالى: وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ [فصلت: 31].
(4)
البيت من بحر البسيط ورد في عدة مراجع ومع ذلك لم ينسب فيها وهو في الوعظ.
والمعنى: إذا منحك الله نعمة فاشكره عليها فإن ذلك فضل منه وليس بواجب عليه، واعلم أنه هو الذي ينفع ويضر وغيره لا يملك شيئا.
وشاهده: واضح وهو حذف العائد المنصوب بالوصف وأصله: الذي موليكه الله فضل فما فيه مبتدأ وفضل خبر وجملة موليكه الله صلة ما.
والبيت في معجم الشواهد (ص 163) وفي شرح التسهيل (1/ 205) وفي التذييل والتكميل (3/ 73).
(5)
البيت من بحر الطويل غير منسوب في مراجعه، وهو في المدح حيث يمدح الشاعر رجلا من الكرام وأن من يرجوه لا يخيب إلا إذا ظهر عجز الممدوح.
وشاهده كالذي قبله وأصله الراجيه، كل ما هنالك أن الهاء في موليكه اتفق على أنها في محل نصب، أما في الراجيه فقد اختلف فيها: قال المبرد والرماني: الضمير في موضع خفض وقال الأخفش وهشام: -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تقدير الأول: موليكه، وتقدير الثاني: من الراجيه. قال الشيخ:
«وأغفل المصنف شرطين في جواز حذف الضمير المنصوب بالفعل:
أحدهما: أن يكون الضمير يتعين الربط به نحو: جاءني الذي ضربته. فإن لم يتعين الربط لم يجز حذفه نحو: جاءني الذي ضربته في داره لا يجوز أن تقول:
جاءني الذي ضربت في داره؛ لأنه لا يدري أهو المضروب أم غيره.
الثاني: أن يكون الفعل تامّا فإن كان ناقصا لم يجز حذف الضمير المنصوب.
تقول: جاءني الذي ليسه زيد ولا يجوز ليس زيد». انتهى (1).
وهذان الشرطان اللذان استدركهما على المصنف ذكرهما أبو الحسن ابن عصفور وعبر عن اشتراط الأول بأن لا يكون في الصلة ضمير آخر عائد على الموصول (2) وتعبير الشيخ بقوله: «أن يتعيّن الضّمير للرّبط» أولى من تعبير ابن عصفور بألا يكون في الصلة ضمير آخر عائد على الموصول.
فإن حذف الضمير المنصوب في مثل: جاءني الذي ضربته لسوء أدبه لا يمنع.
وعبارة ابن عصفور تقتضي بظاهرها منعه بخلاف ما عبر به الشيخ.
ثم أقول: لا استدراك على المصنف في هذين الشرطين:
أما الأول: فلا شك أن قاعدة كلية وهي أن شرط الحذف في كل باب [1/ 232] أن يدل دليل على المحذوف ثم في بعض المواضع قد يحتاج الحذف إلى قيود غير ذلك فتذكر.
وأنت إذا ادعيت أن ثم ضميرا حذف في نحو: جاءني الذي ضربت في داره قيل لك: ليس في الكلام ما يدل على ما أردت؛ لأن الربط قد حصل بالضمير المجرور فالقائل يقول: في مثل: جاءني الذي ضربت في داره لم يكن ثم ضمير وحذف إذ لو حذف لم يكن دليل على حذفه.
وأفاد هذا الكلام أن الضرب وقع في داره ولا يلزم أن يكون الجائي هو المضروب -
- في محل نصب، وهو رأي سيبويه (شرح الأشموني: 2/ 246). والبيت في شرح التسهيل (1/ 205)، وفي التذييل والتكميل:(3/ 73)، وليس في معجم الشواهد.
(1)
التذييل والتكميل: (3/ 73).
(2)
انظر نصه في شرح الجمل لابن عصفور: (1/ 128) بتحقيق الشغار ويعقوب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإذا قال: جاء الذي ضربته في داره أفاد مع ذلك أنه هو المضروب، ولم يكن هذا التركيب أصلا لذلك التركيب لما عرفت فامتناع الحذف هذا ليس له موجب إلا عدم الدلالة على الحذف وهذا بخلاف قولنا: جاء الذي إياه ضربته، حيث قلنا إنه يمتنع حذفه، فإن الحذف لو حصل لكان معنا دليل يدل على أن العائد محذوف إذ تقدير العائد من ضرورة صحة الكلام ولكن لا دلالة على كونه منفصلا. وقد يكون الإتيان به منفصلا مطلوبا لغرض لا يفيده إلّا الانفصال فمن ثم لزم القول بامتناع حذفه.
وأما الثاني (1): فلأن حذف أخبار الأفعال الناقصة قد علم امتناعه في مكانه والشيء إذا كان معلوم الحكم في باب وذكر لنا حكم مناقض في باب آخر يمكن أن يشمل المذكور في ذلك الباب وجب ألا ينسحب عليه الحكم المذكور لئلا يلزم التناقض، فإذا قيل في باب كان: إن المنصوب بها وبأخواتها لا يحذف (2) ثم يقال في باب آخر: إن المنصوب بالفعل يجوز حذفه مثلا وجب أن يحمل ذلك على غير باب كان لما قلناه وهذا ظاهر.
ثم اعلم أنهم ذكروا هنا مسألة (3):
وهي أن هذا الضمير المنصوب إذا حذف بشرطه ففي توكيده والنسق عليه خلاف كقولك: جاء الذي ضربت نفسه وجاء الذي ضربت وعمرا فأجاز ذلك الأخفش والكسائي ومنعه ابن السراج (4) وجماعة واختلف النقل عن الفراء في ذلك -
(1) أي الشرط الثاني من الشرطين اللذين استدركهما أبو حيان على المصنف.
(2)
قال ابن مالك في باب كان: «إن سبب تسميتها نواقص إنما هو عدم اكتفائها بمرفوع وإنما لم تكتف بمرفوع لأن حدثها مقصود إسناده إلى النسبة التي بين معموليها، فمعنى قولك: كان زيد عالما وجد اتصاف زيد بالعلم والاقتصار على المرفوع غير واف بذلك فلهذا لم يستغن عن الخبر، وكان الفعل جديرا بأن ينسب إلى النقصان» (شرح التسهيل لابن مالك).
(3)
انظر هذه المسألة بأعلامها في التذييل والتكميل (3/ 74) والهمع (1/ 91).
وحاشية الصبان على الأشموني (1/ 171).
(4)
لم أجد لابن السراج حديثا عن العائد المنصوب ووجدته يقول في العائد المرفوع: «تقول: الّذي هو وعبد الله ضرباني أخوك، فإن حذفت هو من هذه المسألة لم يجز. لا تقول: الذي وعبد الله ضرباني أخوك ثم قال: والفرّاء يجيز الّذي نفسه محسن أخوك تريد هو نفسه محسن
أخوك يؤكّد المضمر».
(الأصول لابن السراج: 2/ 285).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واتفقوا على جواز مجيء الحال من الراجع المحذوف إذا كانت مؤخرة عنه في التقدير، واختلفوا إذا كانت في التقدير مقدمة عليه فأجازها ثعلب ومنعها هشام (1).
- ومثال المجرور بإضافة صفة ناصبة تقديرا قوله تعالى: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ (2) فهذا مثال الإثبات، ومثال الحذف قوله تعالى: فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ (3).
ومنه قول الشاعر:
388 -
لعمرك ما تدري الضّوارب بالحصى
…
ولا زاجرات الطّير ما الله صانع (4)
وقول الآخر:
389 -
سأغسل عني العار بالسّيف جالبا
…
عليّ قضاء الله ما كان جالبا (5)
وقول الآخر: -
(1) معناه أنك إذا قلت: جاء الذي ضربت راكبا جاز باتفاق وصاحب الحال العائد المحذوف في قولك ضربت وأصله ضربته، أما إذا قلت: جاء راكبا الذي ضربت وصاحب الحال الضمير المحذوف أيضا فقيل بالجواز وقيل بالمنع.
(2)
سورة الأحزاب: 37.
(3)
سورةطه: 72.
(4)
البيت من بحر الطويل من قصيدة للبيد بن ربيعة العامري يرثي بها أخاه أربد ومطلعها كما في الديوان (ص 90):
بلينا وما تبلى النجوم الطّوالع
…
وتبقى الجبال بعدنا والمصانع
والبيت يدعو إلى إبطال عادات قبيحة عند العرب في الجاهلية وهي الضرب بالحصى وزجر الطير ليعرف الإنسان خيره وشره ويبين أن الله وحده هو الذي يعرف ذلك.
وشاهده قوله: ما الله صانع حيث حذف العائد المجرور بإضافة الصفة إليه وحقه لو ذكر أن يقال: ما الله صانعه.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 205) وفي التذييل والتكميل (3/ 75) وليس في معجم الشواهد.
(5)
البيت من بحر الطويل قائله سعد بن ناشب وهو مطلع قصيدة له في الشعر والشعراء (2/ 700) وفي الحماسة (1/ 67) وبعده:
وأذهل عن داري وأجعل هدمها
…
لعرضي من باقي المذمّة جانبا
ويصغر في عيني تلاوى إذا انثنت
…
يميني بإدراك الّذي كنت طالبا
والشاعر يفتخر بالقوة والشجاعة وأن طريقه إلى قضاء حاجته هو السيف حتى لو أداه ذلك إلى الموت.
وشاهده قوله: ما كان جالبا حيث حذف العائد المجرور بالإضافة وأصله ما كان جالبه.
والبيت في معجم الشواهد (ص 28) وهو في التذييل والتكميل (3/ 75) أما ابن مالك فقد جعل الشاهد البيت الذي أوله: ويصغر في عيني تلادي .. إلخ. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
390 -
ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا
…
[ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد](1)
- ومثال المجرور بحرف جر مثله الموصول أو موصوف به: مررت بالذي مررت به أو بالرجل الذي مررت به فهذا مثال الإثبات.
- ومثال الحذف قوله تعالى: وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (2) ومنه قول الشاعر:
391 -
نصلّي للّذي صلّت قريش
…
ونعبده وإن جحد العموم (3)
[1/ 233] أي للذي صلت له.
- وكذا لو كان أحد المتعلقين فعلا والآخر صفة بمعناه كقول القائل:
392 -
وقد كنت تخفي حبّ سمراء حقبة
…
فبح لان منها بالذي أنت بائح (4)
-
- ترجمة الشاعر: هو سعد بن ناشب من بني العنبر كان أبوه ناشب أعور وكان من شياطين العرب وكذلك كان سعد ابنه. انظر بعض أخباره في الشعر والشعراء (1/ 700).
(1)
البيت من بحر الطويل وهو لطرفة بن العبد من معلقته الطويلة المشهورة التي مطلعها (ديوان طرفة ص 86):
لخولة أطلال ببرقة ثهمد
…
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
ومعنى الشاهد: ستظهر لك الأيام كل شيء فلا تتعجل ولا تلهث وراء أي خبر فسيأتيك كل ما تبحث عنه. وشاهده كالذي قبله أي كنت جاهله.
والبيت في شرح التسهيل للمرادي: (1/ 205) ولأبي حيان (3/ 76) وهو في معجم الشواهد (ص 112).
(2)
سورة المؤمنون: 33.
(3)
البيت من بحر الوافر لم ينسب في مراجعه.
اللغة: جحد العموم: أنكر الجميع فضله واستحقاقه للعبادة.
المعنى: يقول الشاعر: إنهم يطيعون الله ويقومون بواجبهم ولا يبالون بعد ذلك بمن غطى الله على بصره وأعمى قلبه.
والشاهد فيه: قوله نصلي للذي صلت قريش حيث حذف العائد المجرور بمثل ما جربه الموصول لفظا ومعنى، والتقدير نصلي للذي صلت له قريش.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 205) وفي التذييل والتكميل (3/ 77) وفي معجم الشواهد (ص 353).
(4)
البيت من بحر الطويل ثالث بيت من قصيدة لعنترة بن شداد في ديوانه (ص 211) ورواية البيت في الديوان كالآتي:
تغرّبت عن ذكرى سميّة حقبة
…
فبح عنك منها بالّذي أنت بائح
اللغة: الحقبة: المدة من الزمن. لان: معناها الآن. البائح: المفصح عما في قلبه.
وشاهده: حذف العائد المجرور بحرف جر بمثله الموصول والتقدير: فبح بالذي أنت بائح به.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 206) وفي التذييل والتكميل (3/ 78) وفي معجم الشواهد (ص 84).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فهذه أمثلة انجرار الموصول بمثل الحرف الذي جر به العائد في المعنى والمتعلق.
ــ
وأما انجرار الموصوف بالموصول بمثل ذلك فكقول الشاعر:
393 -
إن تعن نفسك بالأمر الّذي عنيت
…
نفوس قوم سموا تظفر بما ظفروا (1)
أي الذي عنيت به.
واعلم أن ابن عصفور ذكر أن من الصور التي يجوز فيها حذف العائد المجرور بحرف: «أن يكون مثل ذلك الحرف معنى ومتعلّقا قد جرّ مضافا إلى الموصول نحو: مررت بغلام الّذي مررت (2)» . ولكنه لم يذكر الصورة التي ذكرها المصنف وهي أن يكون الحرف قد جر الموصوف بالموصول فالذي يتحصل من كلام الرجلين ثلاث صور (3). -
(1) البيت من بحر البسيط نسب لكعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، قال الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد: إنه من قصيدة أنشدها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم (شرح ابن عقيل ص 75) ومع ذلك فالبيت ليس في ديوان كعب. والبيت ليس في معجم الشواهد، أما البيت الذي استشهد به النحاة للشاهد ومن نفس القصيدة ولنفس الشاعر فهو قول كعب (حاشية الصبان علي الأشموني: 1/ 173):
لا تركننّ إلى الّذي ركنت
…
أبناء يعصر حين اضطرّها القدر
والشاهد في البيتين: حذف الضمير المجرور بالحرف لأن الموصوف بالموصول مجرور بمثله.
وبيت الشاهد في شرح التسهيل (1/ 206)، وفي التذييل والتكميل (3/ 78) وليس في معجم الشواهد.
(2)
قال ابن عصفور في المقرب (1/ 61) في الحديث عن العائد: «وإن كان مخفوضا فإن كان خفضه بالإضافة فإن المضاف إليه إن كان اسم الفاعل بمعنى الحال أو الاستقبال جاز حذفه وإن كان غيره لم يجز حذفه نحو قولك: جاءني الذي أبوه قائم، وإن كان خفضه بحرف جر فإن لم يدخل على الموصول أو على ما أضيف إليه حرف مثل الحرف الذي دخل على الضمير لم يجز مثل قولك: جاءني الذي مررت به وجاءني غلام الذي مررت به، وإن دخل عليهما حرف مثل الذي دخل عليه فإن لم يكن العامل في الموصول أو ما أضيف إليه والضمير بمعنى واحد لم يجز خلافه نحو قولك: مررت بالذي مررت به وفرحت بغلام الذي مررت به وإن كان جاز إثباته وحذفه نحو قولك: مررت بالذي مررت به وإن شئت حذفته قال:
نصلّي للّذي صلّت قريش
…
ونعبده وإن جحد العموم
(3)
هي أن يكون الحرف الجار للعائد المحذوف قد دخل مثله على الموصول مثل: نصلي للذي صلت قريش أو الموصوف بالموصول مثل: إن تعن نفسك بالأمر الّذي عنيت .. إلخ أو المضاف إلى الموصول مثل: مررت بغلام الذي مررت.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأشار المصنف بقوله: وقد يحذف منصوب صلة الألف واللّام والمجرور بحرف وإن لم يكمل شرط الحذف - إلى أن هذين الأمرين في غاية القلة.
فأما حذف منصوب صلة الألف واللام فكقول الشاعر:
394 -
ما المستفزّ الهوى محمود عاقبة
…
ولو أتيح له صفو بلا كدر (1)
التقدير: ما المستفزه.
قال المازني: لا يكاد يسمع حذفه من العرب إلا أنه ربما جاء في الشعر.
وأما حذف المجرور بحرف إذا فقد الشرط المتقدم الذكر ففي صور:
- وذلك إما بأن لا يجر الموصول كقول حاتم:
395 -
ومن حسد يجور عليّ قومي
…
وأي الدّهر ذو لم يحسدوني (2)
أي لم يحسدوني فيه.
ومثله قول الفرزدق:
396 -
لعلّ الّذي أصعدتني أن يردّني
…
إلى الأرض إن لم يقدر الحين قادره (3)
أراد أصعدتني به. -
(1) البيت من بحر البسيط غير منسوب لقائل في مراجعه. ومعناه: كل من يجري وراء هواه وما تطلبه نفسه غير مأمون العواقب وإن كان صافيا في معيشته وذلك لأن صفوه غير مأمون وشاهده: حذف العائد المنصوب بالوصف من صلة أل وهو قليل، ولأبي حيان تفصيل فيه يقول:
«إن كان الاسم الواقع في صلتها مأخوذا من فعل يتعدى إلى واحد فالإثبات فصيح والحذف قليل نحو:
جاءني الضاربه زيد والضارب زيد قليل وإن كان مأخوذا من فعل يتعدى إلى اثنين أو ثلاثة حسن الحذف لأجل الطول
…
إلخ». (التذييل والتكميل: 3/ 84).
والبيت في شرح التسهيل (1/ 207) والتذييل والتكميل (3/ 84) ومعجم الشواهد (ص 180).
(2)
البيت سبق الاستشهاد به في هذا التحقيق وشاهده هنا واضح من الشرح.
(3)
البيت من بحر الطويل من قصيدة في الغزل للفرزدق يصف ليلة تسلل فيها إلى امرأة والتقى بها وجلس منها كما يجلس الرجل من امرأته كما كان يفعل امرؤ القيس إلا أن الفرق بينهما أن الفرزدق قال في آخر قصيدته (ديوان الفرزدق: 1/ 208):
فيا ربّ إن تغفر لنا ليلة النّقا
…
فكلّ ذنوبي أنت يا ربّ غافره
ويستشهد به على حذف العائد المجرور دون استيفاء شروط الحذف.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 206) والتذييل والتكميل (3/ 79). وليس في معجم الشواهد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإما بأن يجر الموصول بحرف مثل الحرف الذي جر به العائد معنى لا متعلقا كقول الشاعر:
397 -
فأبلغن خالد بن فضلة وال
…
مرء معنّى يلوم من يثق (1)
أي يلوم من يثق به فالمتعلق مختلف.
ومثله قول الشاعر:
398 -
وإنّ لساني شهدة يشتفى بها
…
وهو على من صبّه الله علقم (2)
أراد على من صبه الله عليه.
- وإما أن لا يجر الموصول كالصورة الأولى لكن مثل ذلك الحرف الذي يقدر مع العائد المحذوف بعد الصلة كقول الشاعر:
399 -
ولو أنّ ما عالجت لين فؤادها
…
فقسا استلين به للان الجندل (3)
-
(1) البيت من بحر المنسرح (مستفعلن. مفعولات. مستفعلن) مجهول القائل.
وشاهده قوله: معنى يلوم من يثق: حيث حذف العائد المجرور بالحرف وقد جر بمثله الموصول إلا أن متعلقهما مختلف. فالأول متعلق بمعنى والثاني متعلق بيثق، ويلاحظ أن الموصول ليس هو المجرور وإنما المجرور هو المضاف إلى الموصول وهما سواء.
والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 207) والتذييل والتكميل (3/ 80) وليس في معجم الشواهد.
(2)
البيت سبق الحديث عنه والاستشهاد به. وشاهده هنا قوله: وهو على من صبه الله علقم حيث حذف العائد المجرور بالحرف دون استيفاء شروط الحذف وذلك لأن على الداخلة على الموصول متعلقة بعلقم والداخلة على العائد متعلقة بصبه.
(3)
البيت من بحر الكامل من قصيدة مدح طويلة للأحوص يبدؤها بالغزل فيقول:
يا بيت عاتكة الّذي أتغزّل
…
حذر العدى وبه الفؤاد موكّل
إني لأمنحك الصّدود وإنّني
…
قسما إليك مع الصّدود لأميل
والقصيدة كلها من هذه الرقة في الغزل والمدح انظرها في ديوان الأحوص (ص 166 - 172).
وشاهده واضح من الشرح.
والبيت في شرح التسهيل: (1/ 207) وفي التذييل والتكميل: (3/ 80) معجم الشواهد (ص 296).
ترجمة الأحوص: هو الأحوص بن محمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت الأنصاري كان الأحوص يرمي بالأبنة والزنا وشكي إلى عمر بن عبد العزيز فنفاه من المدينة واستشفع فيه فلم تقبل شفاعته وقد غنت -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أراد: ولو أن ما عالجت به لين فؤادها فقسا؛ فحذف المتصل بعالجت استغناء منه بالمتصل باستلين وإن كان بعد الصلة لأنه عائد على ما والكلام واحد.
قال الشيخ: «وقد نقص المصنف شروطا أخر في المسألة يعني في حذف العائد المجرور بحرف» .
الثاني: «ألا يكون الضمير محصورا في موضع المحصور نحو مررت بالذي ما مررت إلا به ومررت بالذي إنما مررت به» .
الثالث: «ألا يكون ثم ضمير آخر يصلح للربط نحو مررت بالذي مررت به في داره فلا يجوز حذفه» . انتهى (1).
ولم ينقص المصنف شيئا من الشروط. وهذه الثلاثة التي ذكرها الشيخ لا يحتاج المصنف إلى ذكرها بل لو ذكرها كان ذكرها عيّا:
أما الثالث فقد عرفت جوابه فيما تقدم عند ذكر المنصوب المتصل.
وأما الأولان فالعجب من الشيخ كيف ذكرهما استدراكا ومنع حذف ما أقيم مقام الفاعل معلوم وكذا منع حذف المفعول المحصور والحكم إذا علم في بابه بشيء كان قيد الحكم الذي يذكر مطلقا في باب آخر، وقد قال المصنف في باب الفاعل (2):«ولا يحذف الفاعل إلا مع رافعه المدلول عليه» . ثم قال في باب النائب عن الفاعل ما نصه (3): «قد يترك الفاعل فينوب عنه في كلّ حاله» . -
- الجاريات شعره لرقته وعذوبته (أخباره في الشعر والشعراء: 2/ 535)(خزانة الأدب: 1/ 231) وله ديوان شعر مطبوع.
(1)
التذييل والتكميل (3/ 81) وفيه تقديم الشرط الثالث على الثاني.
(2)
انظر نصه في (ص 76) من تسهيل الفوائد لابن مالك (طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب تحقيق محمد كامل بركات).
(3)
انظر (ص 77) من تسهيل الفوائد ونصه: -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا شك أن هي جملة أحكامه أنه لا يحذف فلزم من هذين الكلمتين أن القائم مقام الفاعل لا يحذف.
وقال المصنف أيضا في باب تعدي الفعل ولزومه: «يحذف كثيرا المفعول به غير كذا وكذا والمحصور» (1) فثبت أن المحصور لا يحذف، ولا يخفى أن مثل هذه الأمور لا ينبغي أن تستدرك والشيخ قدره أجل من أن يورد ما يشبه هذا الاستدراك أو غيره. وقد انقضى الكلام على العائد المنصوب والعائد المجرور.
وأما العائد المرفوع: فقد عرفت شروط جواز حذفه (2) وما يختص به الموصول غير أي من اشتراط أمر زائد على ما يشترط في أي.
أراد بالذي هو قائل فحسن الحذف لطول الصلة بالمجرور والمنصوب فإن زاد الطول ازداد الحذف حسنا كقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ (4)(التقدير (5) والله أعلم وهو الذي هو في السماء إله وهو في الأرض -
- «قد يترك الفاعل لغرض لفظي أو معنوي جوازا أو وجوبا فينوب عنه جاريا مجراه في كلّ ماله مفعول به أو جار مجراه أو مصدر
…
» إلخ.
(1)
انظر (ص 85) من تسهيل الفوائد ونصه: «يحذف كثيرا المفعول به غير المخبر عنه والمخبر به والمجاب به والمحصور والباقي محذوفا عامله» .
(2)
هذه الشروط هي المذكورة في المتن إجمالا عند قوله: ولا يحذف المرفوع إلا مبتدأ ليس خبره جملة ولا ظرفا بلا شرط آخر عند الكوفيين وعند البصريين بشرط الاستطالة في صلة أي غالبا وبلا شرط في صلتها.
(3)
شرح التسهيل (1/ 208).
(4)
سورة الزخرف: 84.
(5)
ما بين القوسين من شرح التسهيل وليس في النسخ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إله) (1) فإن عدمت الاستطالة ضعف الحذف وإن لم يمتنع كقول الشاعر:
400 -
من يعن بالحمد لا ينطق بما سفه
…
ولا يحد عن طريق الحلم والكرم (2)
[1/ 235] أراد بما هو سفه.
ومثله قراءة بعض السلف (تماما على الذي أحسن)(3) بالرفع أي على الذي هو أحسن واشترط في جواز الحذف كون الخبر غير جملة ولا ظرف لأنه لو كان أحدهما ثم حذف المبتدأ لم يعلم حذفه؛ لأن ما يبقى من الجملة أو الظرف صالح للوصل به دون شيء آخر فامتنع الحذف. انتهى (4).
وعن نحو «لا ينطق بما سفه، ونحو تماما على الّذي أحسن» احترز المصنف بقوله غالبا بعد قوله: بشرط الاستطالة في صلة غير أيّ.
ومما حذف فيه العائد لطول الصلة قول الشاعر:
401 -
وأنت الجواد وأنت الّذي
…
إذا ما النّفوس ملأن الصّدورا
جدير بطعنة يوم اللّقا
…
ء تضرب منها النّساء النّحورا (5)
-
(1) قال العكبري (التبيان: 2/ 1142): ولا يصح أن يجعل إليه مبتدأ وفي السماء خبره؛ لأنه لا يبقى للذي عائد، وكذلك إن رفعت إليها بالظرف فإن جعلت في الظرف ضميرا يرجع على الذي وأبدلت إلها منه جاز على ضعف لأن الغرض الكلي إثبات إلهيته لا كونه في السموات والأرض.
(2)
البيت من بحر البسيط ومع شهرته في كتب النحو شاهدا لما جاء له إلا أن قائله مجهول.
اللغة: يعن: بالبناء للمجهول لزوما أي يهتم. السفه: العيب. يحد: من حاد يحيد أي مال عن القصد.
والمعنى: من أراد أن يحمده الناس ويشكروه فلا يؤذيهم فيكون حليما كريما معهم.
والشاهد فيه: حذف العائد المرفوع بالابتداء مع قصر الصلة وهو ضعيف عند جمهور البصريين جائز عند الكوفيين.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 208)، والتذييل والتكميل (1/ 87) وفي معجم الشواهد (ص 368).
(3)
سورة الأنعام: 154. قال ابن جني في المحتسب (1/ 234): «هي قراءة ابن يعمر وهذا مستضعف في الإعراب لحذفك المبتدأ العائد على الّذي لأنّ تقديره تماما على الّذي هو أحسن، وحذف هو من هنا ضعيف».
(4)
شرح التسهيل: (1/ 233).
(5)
البيتان من بحر المتقارب من قصيدة للأعشى يمدح بها هوذة بن علي الحنفي (ديوان الأعشى ص 199). -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال الشيخ: «وقد نقص المصنف في جواز حذف هذا المبتدأ شروطا.
أحدهما: ألا يكون معطوفا على غيره نحو: جاءني الذي زيد وهو منطلقان فلا يجوز حذف هو.
الثاني: ألا يكون معطوفا عليه غيره نحو: جاءني الذي هو وزيد فاضلان وفي هذا خلاف للفراء فإنه أجاز حذفه فتقول: جاءني الذي وزيد فاضلان ولم يسمع.
الثالث: ألا يكون محصورا نحو: جاءني الذي ما في الدار إلا هو.
الرابع: أن لا يكون في معنى المحصور.
الخامس: ألا يكون بعد حرف نفي نحو: الذي ما هو قائم.
السادس: ألا يكون بعد لولا نحو: جاءني الذي لولا هو لقمت. انتهى (1).
والشرطان الأولان ذكرهما في المقرب (2). والحق أنه لا يحتاج إلى اشتراطهما ولا إلى اشتراط ما بعدهما؛ لأن هذه الصور المذكورة في كلّ منهما مانع يمنع الحذف وقد علم في مكانه.
فإذا أطلق القول بالحذف هنا كان من المعلوم أن ذلك مقيد بانتفاء ذلك المانع الذي يمنع منه.
ولا شك أنهم في باب العطف قد ذكروا أن حذف كل من المعطوف والمعطوف عليه لا يجوز وإن قيل بذلك فهو في غاية القلة على أنه في موضع خاص -
- وهو في هذين البيتين يصف ممدوحه بالشجاعة والإقدام في أيام الهول والحرب إذا خافت النفوس وهرعت النساء تحارب مع الرجال أو صرخت من أجلهن.
وشاهدهما قوله: جدير بطعنة يوم اللقاء حيث حذف عائد الموصول لطول الصلة وكان حقه أن يقول:
وأنت الذي هو جدير. والبيتان في التذييل والتكميل (3/ 86). وليسا في معجم الشواهد.
(1)
التذييل والتكميل (3/ 87).
(2)
قال ابن عصفور (المقرب: 1/ 600) في حديث عن العائد المرفوع: وإن كان العائد مبتدأ وكان الخبر جملة فعليّة أو اسمية أو ظرفا أو مجرورا لم يجز حذفه وإن كان الخبر غير ذلك وكان الضّمير قد عطف على غيره لم يجز حذفه وإن كان قد عطف غيره عليه ففيه خلاف والصّحيح أنّه لا يجوز حذفه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلا يتعداه (1).
وأما المحصور وما في معناه فقد تقدم أنهم نصوا على أنه لا يحذف وهو فضلة فكيف يجوز حذفه وهو عمدة؟ والسر في ذلك أنه المقصود بالذكر فإنما سبق الكلام ليذكر انحصار الحكم فيه فكيف يجوز حذفه.
وأما الواقع بعد لولا فقد علمت أن خبره محذوف واجب الحذف ولا يجوز مع حذف الخبر حذف المبتدأ؛ لأن ذلك مؤد إلى الإجحاف.
نعم إذا وقعت الجملة المركبة من مبتدأ وخبر وخبر لمبتدأ آخر جاز حذف تلك الجملة من حيث هي خبر ودل الدليل عليها والجملة بعد لولا ليست بخبر فلا يجوز ذلك فيها.
وأما الواقع بعد حرف نفي فقد يمنع ما ذكره من منع الحذف ويدعي جوازه إذ لا يظهر فيه مانع، نعم إنما امتنع المثال الذي مثل به لأن الصلة فيه لم تطل.
ثم قال الشيخ (2) بعد إنقضاء الكلام على حذف العائد: «هذا حكم الضّمير [1/ 236] المشتمل عليه الصلة إذا كان أحد جزأيها، فتقول: أين الرجل الذي قلت وأين الرّجل الذي زعمت، تريد: أين الرجل الذي قلت أنه يأتي، أو زعمت أنه
يأتي أو نحو ذلك مما يكون المعنى عليه قال الله تعالى: أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * (3)«أي تزعمون أنهم شركاء» .
(1) قال في الألفية في باب عطف النسق:
والفاء قد تحذف مع ما عطفت
…
والواو إذ لا لبس وهي انفردت
بعطف عامل مزال قد بقي
…
معموله دفعا لوهم اتقي
وحذف متبوع بدا هنا استبح .....
إلخ.
ومعناه: أن المعطوف بالفاء والواو قد يحذف ومنه في الواو قولهم: راكب الناقة طليحان أي والناقة وقوله تعالى سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل: 81] أي والبرد. وكذلك المعطوف عليه فيهما. وهو في غاية القلة كما ذكره الشارح على أن أكثر مسموع.
والموضع الخاص الذي ذكره هو أن الواو انفردت بأنها تعطف عاملا محذوفا بقي معموله ومثاله قوله تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الحشر: 9] وقول الشاعر (من الوافر):
إذا ما الغانيات برزن يوما
…
وزجّجن الحواجب والعيونا
فالتقدير في الآية: تبوؤوا الدار وأخلصوا الإيمان، وفي البيت: زججن الحواجب وكحلن العيونا.
(2)
التذييل والتكميل (3/ 88).
(3)
سورة القصص: 62، 74.