الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل هاء التنبيه عن اسم الإشارة]
قال ابن مالك: (وفصلها من المجرّد بأنا وأخواته كثير وبغيرها قليل وقد تعاد بعد الفصل توكيدا).
ــ
ولا تلحق المقرون باللام، فلا يقال هذالك، كرهوا كثرة الزوائد، ولا تلحق أيضا المقرون بالكاف في التثنية والجمع، فلا يقال هذانك ولا هؤلائك؛ لأن واحدهما ذاك أو ذلك، فحمل على ذلك مثناه وجمعه؛ لأنهما فرعاه، وحمل عليهما مثنى ذلك وجمعه لتساويهما لفظا ومعنى. انتهى (1).
وعجبا من المصنف كيف منع أن يقول هؤلائك وقد تقدم له إنشاد البيت الذي فيه من «هؤليائكن الضال والسمر» وهؤليائكن تصغير هؤلائكن.
قال الشيخ: وهذا الّذي ذهب إليه المصنف مبني على زعمه أنّ المشار إليه ليس له إلا مرتبتان: القرب والبعد. وهذا الّذي اختاره وذكر أنه مذهب بعض النّحويين - لم أقف عليه لأحد على كثرة مطالعتي لكتب هذا الشأن (2).
قال ناظر الجيش: الضمير يرجع إلى هاء التنبيه، أي: وفصل هاء التنبيه من اسم الإشارة المجرد من كاف الخطاب بأنا وأخواته من ضمائر الرفع المنفصلة - كثير ليس بالقليل، بخلاف الفصل بغيرها فإنه قليل.
فمثال الفصل بالضمير: قولك: ها أنا ذا، وها أنا ذي، وها نحن أولاء، وها أنت ذا، وها أنت ذي، وها أنتما ذان، وها أنتما تان، وها أنتم أولاء، وها هو ذا، وها -
- اللغة: غزلان: جمع غزال، والمقصود به النساء. شدنّ: يقال شدن الغزال إذا قوى وطلع قرناه. ونونه الثانية للنسوة. هؤليّائكنّ: مصغر هؤلاء شذوذا وأصله أولاء بالمد، وهاؤه للتنبيه وكافه للخطاب وهو مضوع الشاهد. الضّال: جمع ضالة وهو السدر البري. السّمر: بفتح السين وضم الميم جمع سمرة وهو شجر الطلح. والمعنى: ما أجمل هؤلاء الفتيات اللاتي يقطنّ في هذه الأمكنة وبين تلك الأشجار.
واستشهد بالبيت على ما سبق ذكره في اللغة من لحاق هاء التنبيه اسم الإشارة المقرون بكاف الخطاب، واستشهد به الكوفيون على اسمية فعل التعجب بدليل تصغيره في قوله: يا ما أمليح. والتصغير من خصائص الأسماء.
ويا فيه للنداء، والمنادى محذوف تقديره يا صاحبي.
والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 244) وفي التذييل والتكميل (3/ 197) وليس في معجم الشواهد.
(1)
شرح التسهيل (1/ 245).
(2)
التذييل والتكميل (3/ 197).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هي ذي، وها هما ذان، وها هما تان، وها هم أولاء، وها هن أولاء [1/ 277].
وقد قال الله تعالى: ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ، (1) ومنه قول السائل عن وقت الصلاة: ها أنا ذا يا رسول الله (2).
ومثال الفصل بغير ذلك: قول النابغة:
504 -
ها إنّ ذي عذرة إن لم تكن نفعت
…
فإنّ صاحبها قد تاه في البلد (3)
وأنشد سيبويه (4):
505 -
ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا
…
فقلت لها هذا لها ها وذا ليا (5)
-
(1) سورةآل عمران: 119، وبقيتها: وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ
…
إلخ.
(2)
الحديث بنصه في صحيح مسلم: (2/ 106) في كتاب المساجد ومواضع الصّلاة، باب أوقات الصّلوات الخمس، وأصله: أنّ رجلا سأل النّبي صلى الله عليه وسلم عن وقت الصّلاة، فقال له عليه السلام:«صلّ معنا هذين» يعني اليومين.
وفي آخر الحديث: قال عليه الصلاة والسلام: «أين السّائل عن وقت الصّلاة؟» فقال الرّجل: أنا يا رسول الله، قال:«وقت صلاتكم بين ما رأيتم» .
قال محقق الحديث وشارحه: وعبارة الموطّأ: ها أنا ذا.
(3)
البيت من بحر البسيط من قصيدة للنابغة من قصائد الاعتذار التي قالها في النعمان بن المنذر.
وبيت الشاهد هذا آخر بيت فيها، وفيه يعتذر النابغة للنعمان عما بدر منه من هجاء أو غيره:
أنبئت أنّ أبا قابوس أوعدني
…
ولا قرار على زأر من الأسد
مهلا فداء لك الأقوام كلهم
…
وما أثمّر من مال ومن ولد
وفي بيت الشاهد: يعلن النابغة أنه سيعيش منغّصا محالفا للهم إن لم يقبل النعمان اعتذاره. والعذرة:
اسم للعذر. ورواية البيت في الديوان: فإنّ صاحبها مشارك النّكد. (ديوان النابغة: ص 31).
وشاهده: قوله: ها إنّ ذي عذرة، حيث فصل بين هاء التنبيه وذا الإشارية بإن. وسيأتي توضيحه في الشرح.
وهو في معجم الشواهد (ص 118) وشرح التسهيل (1/ 245). والتذييل والتكميل (3/ 199).
(4)
انظر: الكتاب (2/ 354) بتحقيق هارون.
(5)
البيت من بحر الطويل، وهو في ملحقات ديوان لبيد (ص 230) قال محقق الديوان:«نسبه الأعلم للبيد، ولكن ذكر غير واحد منهم صاحب الخزانة أنّهم لم يجدوه في ديوانه» . والملحقات أبيات نسبت إلى الشاعر في المعاجم وكتب النحو واللغة، ولا توجد في أصول ديوانه.
والبيت مفرد لا ثاني له.
وفي البيت: فصل بين هاء التنبيه وذا الإشارية بالواو، وهو قليل، وعلى مثل ذلك استشهد به النحاة.
وانظر البيت في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 245)، وللمرادي (1/ 250)، ولأبي حيان (3/ 199).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال سيبويه (1): «كأنّه أراد: وهذا لي، فصيّر الواو بين ها وذا، وزعم الخليل أنّ مثل ذلك أي ها الله ذا» .
قال سيبويه (2): وقد تكون ها في ها أنت ذا - غير ها المقدّمة. ولكنّها تكون للتّنبيه بمنزلتها في هذا، يدلّك على ذلك قوله تعالى: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ (3).
فلو كان ها المتقدمة مصاحبة أولاء لم تعد مع أولاء، وإلى نحو ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ أشرت بقولي: وقد تعاد بعد الفصل توكيدا. انتهى كلام المصنف.
وها هنا بحثان:
أحدهما:
أن كلام سيبويه أفهم أن ها التي فيها أنت ذا - ممكن أن يكون أتى بها قبل الضمير ابتداء بقصد التنبيه كما يؤتى بها قبل اسم الإشارة، وإذا كان كذلك فليست التي تصحب الإشارة. وعلى هذا فلا يقال إن الضمير فصل بين هاء واسم الإشارة؛ ولهذا قيل: إن كلام المصنف يخالف ظاهر كلام سيبويه.
والذي يظهر أن سيبويه أجاز في ها قبل الضمير أن تكون التي تصحب اسم الإشارة ثم فصل بينهما بالضمير كما قال المصنف، وأن يكون غيرها اسم الإشارة، وإنما أتى بها ابتداء؛ فعلى هذا لا فصل كما تقدم. هذا إذا لم تصحب ها اسم الإشارة الواقع بعد الضمير، فإن صحبته تعين أن تكون المتقدمة أتى بها ابتداء، وحينئذ لا يتجه قول المصنف: وقد تعاد بعد الفصل توكيدا؛ إذ لا إعادة ولا فصل لأنهما اثنان.
الثاني:
أن الشيخ لما أورد بيت النابغة، وهو الذي أوله: ها إن ذي عذرة، قال:
«وهذا ليس من جنس ما فصل به بين هاء التنبيه (4) واسم الإشارة؛ لأن ذي اسم إنّ وعذرة الخبر، فلا يمكن تركيب هاء التّنبيه وذي في ذلك فتقول فصل بينهما بإنّ؛ لأنك لو قلت ها ذي إنّ عذرة - لم يكن كلاما، فها لم يدخل
هنا على -
(1) انظر الكتاب: (2/ 354).
(2)
كتاب سيبويه: (2/ 354).
(3)
سورةمحمد: 38.
(4)
في الأصل: هاء التثنية، وفي نسخة (ب): هاء التأنيث. وكلاهما خطأ، والصحيح ما أثبته.