المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الموصولات الحرفية - أن وكي وما ولو - وأحكامها] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٢

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثامن باب الاسم العلم

- ‌[تعريف العلم]

- ‌[تقسيم العلم إلى منقول ومرتجل]

- ‌[تقسيم العلم إلى مفرد ومركب/ تقسيم المركب]

- ‌[تقسيم العلم إلى اسم وكنية ولقب]

- ‌[أحكام العلم ذي الغلبة]

- ‌[أحكام العلم ذي الأداة]

- ‌[تنكير العلم بالتثنية والجمع والإضافة وأحكام ذلك]

- ‌[مسميات الأعلام]

- ‌[حكم الصرف وعدمه لأنواع الأعلام]

- ‌[حكم أفعل وصفا للنكرة]

- ‌[حكم الأعداد من التعريف وغيره والصرف وغيره]

- ‌[حكم الكنايات من العلمية أو غيرها]

- ‌الباب التاسع باب الموصول

- ‌[تقسيم الموصول وتعريف كل قسم]

- ‌[الموصول من الأسماء وأنواعه - الموصولات الخاصة]

- ‌[جمع الذي والتي]

- ‌[الموصولات المشتركة ومعناها]

- ‌[حذف عائد الموصول بأنواعه]

- ‌[حكم أي الموصولة من البناء والإعراب]

- ‌[حكم أنت الذي فعل وفعلت]

- ‌[حكم وقوع شبه الجملة صلة للموصول]

- ‌[من وما ومراعاة اللفظ أو المعنى فيها]

- ‌[من وما: أنواعهما - معناهما]

- ‌[أنواع أيّ وأحكام كل نوع]

- ‌[الموصولات الحرفية - أن وكي وما ولو - وأحكامها]

- ‌[أحكام الموصول مع صلته]

- ‌الباب العاشر باب اسم الإشارة

- ‌[تعريفه - أنواعه]

- ‌[مرتبة المشار إليه]

- ‌[هاء التنبيه وأحكامها]

- ‌[فصل هاء التنبيه عن اسم الإشارة]

- ‌[إلحاق كاف الخطاب بأسماء الإشارة]

- ‌[إلحاق كاف الخطاب لبعض الكلمات الأخرى]

- ‌[تبادل أسماء الإشارة]

- ‌[الإشارة إلى المكان]

- ‌الباب الحادي عشر باب المعرّف بالأداة

- ‌[اختلافهم في الأداة]

- ‌[أنواع أل]

- ‌[حكم أل التي للجنس]

- ‌[أل الزائدة ومواضع الزيادة]

- ‌[مدلول إعراب الاسم من رفع أو نصب أو جر]

- ‌الباب الثاني عشر باب المبتدأ

- ‌[تعريفه - نوعاه]

- ‌[عامل الرفع في المبتدأ والخبر]

- ‌[الوصف الرافع للاسم وأحكامه]

- ‌[حذف الخبر جوازا ووجوبا ومسائل ذلك]

- ‌[مسألة ضربي زيدا قائما وبقية الحديث فيها]

- ‌[رفع الحال المنصوبة على الخبرية]

- ‌[إعراب الاسم المرفوع بعد لولا]

- ‌[الحال السادة مسد الخبر ووقوعها جملة]

- ‌[حذف المبتدأ جوازا ووجوبا ومسائل ذلك]

- ‌[حكم قولهم: زيد والريح يباريها - وقولهم: راكب الناقة طليحان]

- ‌[المبتدأ والخبر من جهة التعريف والتنكير]

- ‌[مواضع الابتداء بالنكرة]

- ‌[إعراب قولهم: كم مالك؟ وقولهم: ما أنت وزيد

- ‌[بعض مسائل تقديم الخبر]

- ‌[حكم «في داره زيد» وأشباهه]

- ‌[بقية مسائل تقديم الخبر وجوبا]

- ‌[الخبر: تعريفه وأنواعه وحديث طويل عنه]

- ‌[الخبر المشتق وغيره، وحكمهما في تحمل ضمير المبتدأ]

- ‌[استكنان الضمير الرابط وبروزه]

- ‌[أنواع الخبر الجملة، وحكم بعض الجمل في وقوعها أخبارا]

- ‌[روابط الخبر الجملة - جمل لا تحتاج إلى رابط]

- ‌[حكم الضمير الرابط من جواز حذفه أو بقائه]

- ‌[مجيء الخبر ظرفا والآراء في ذلك]

- ‌[حكم وقوع ظرف الزمان خبرا عن اسم العين والمعنى]

- ‌[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ونصبه وجره]

- ‌[جواز رفع ظرف المكان الواقع خبرا ونصبه]

- ‌[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ووجوب نصبه]

- ‌[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ونصبه]

- ‌[جواز رفع المصدر الواقع خبرا ونصبه]

- ‌[تعدد الخبر وأنواعه]

- ‌[تعدد المبتدأ ونوعاه]

- ‌[اقتران الخبر بالفاء وجوبا وجوازا الأحكام وشروط ذلك]

- ‌[مسائل مختلفة في اقتران الخبر بالفاء]

الفصل: ‌[الموصولات الحرفية - أن وكي وما ولو - وأحكامها]

[الموصولات الحرفية - أن وكي وما ولو - وأحكامها]

قال ابن مالك: (فصل: من الموصولات الحرفيّة: أن النّاصبة مضارعا وتوصل بفعل متصرّف مطلقا، ومنها أن

وتوصل بمعموليها، ومنها كي وتوصل بمضارع مقرونة بلام التّعليل لفظا أو تقديرا، ومنها ما وتوصل بفعل متصرف غير أمر وتختصّ بنيابتها عن ظرف زمان موصولة في الغالب بفعل ماضي اللّفظ مثبت أو منفيّ بلم وليست اسما مفتقرا إلى ضمير خلافا لأبي الحسن وابن السّرّاج وتوصل بجملة اسمية على رأي، ومنها لو التّالية غالبا مفهم تمنّ وصلتها كصلة ما في غير نيابة وتغني عن التّمنّي فينصب بعدها الفعل مقرونا بالفاء).

قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام عن الموصول الاسمي شرع في الموصول الحرفي ونظمه في هذا الفصل وختمه بمسألة وهي أن لو قد يتمنى بها ثم إنه ذكر أن الموصولات الحرفية خمسة: وهي: أن النّاصبة للفعل وأنّ المؤكّدة وكي وما ولو وسنذكر أن بعضهم لم يعد ما موصولا حرفيّا بل يدعى أنها باقية على اسميتها، وأما لو فأثبت كونها موصولا حرفيّا جماعة. ووافقهم المصنف كما سيأتي.

قال المصنف (1): «قد تبين من كلامي في أول هذا الباب أن الموصولات الحرفية هي التي تقوم [1/ 258] بصلاتها مقام مصادر والحاجة الآن داعية إلى تعيينها.

فمنها: أن: وقيدت بنصبها المضارع احترازا من التي أصلها أنّ نحو: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى (2)، ومن الزائدة نحو: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ (3)، ومن التفسيرية نحو: فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ (4)، ولهن موضع يذكرن فيه وكذا المصدرية لاستيفاء القول فيها موضع آخر (5) والذي دعت الحاجة إليهما كيفية وصلها وبيان ما توصل بها.

فذكر أنها توصل بفعل متصرف مطلقا ليتناول ذلك المضارع المتصرف نحو: أريد -

(1) انظر شرح التسهيل (1/ 223).

(2)

سورة المزمل: 20.

(3)

سورةيوسف: 96.

(4)

سورة الشعراء: 63.

(5)

انظر باب إعراب الفعل وعوامله.

ص: 754

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أن تفعل، والماضي المتصرف نحو: عجبت من أن أتيت، والأمر المتصرف نحو:

أرسلت إليه بأن افعل، وقرنت أن بالباء بعد أرسلت لئلّا يوهم تجردها من الباء أنها التفسيرية، وعلم بذكر المتصرف قيدا لما توصل به أن وأنها لا توصل بما لا تصرف له من مضارع كينبغي في الأشهر (1) ولا ماض

كعسى ولا أمر كهلمّ في لغة بني تميم.

وإذا تقرر هذا فاعلم أن الواقعة في قوله تعالى: وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ (2)، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى (3) مخففة من الثقيلة واسمها محذوف والجملة بعدها خبرها» انتهى (4).

وقال الشيخ (5): لا يقوى عندي وصل أن بفعل الأمر لوجهين.

أحدهما: إنه إذا سبكت من أن وفعل الأمر مصدرا فات معنى الأمر المطلوب والمدلول عليه بالصيغة ففرق بين كتبت إليه بالقيام وكتبت إليه بأن قم.

الثاني: أنه لا يوجد من لسان العرب يعجبني أن قم ولا أجبت أن قم ولا عجبت من أن قم وكون ذلك مفقودا في لسانهم دليل على أنها لا توصل بفعل الأمر قال: وأمّا ما حكى سيبويه من كلامهم: كتبت إليه بأن قم (6) فالباء زائدة مثلها في:

447 -

[هنّ الحرائر لا ربّات أخمرة

سود المحاجر] لا يقرأن بالسّور (7)

-

(1) قوله: في الأشهر يشير إلى أن استعمال الماضي لينبغي قليل. وذكر ابن منظور في لسان العرب (1/ 322). أن ينبغي يستعمل لها ماض قال: «قولهم: ينبغي لك أن تفعل كذا هو من أفعال المطاوعة. تقول: بغيته فانبغى كما تقول كسرته فانكسر

قال الزّجّاج: انبغى لفلان أن يفعل كذا أي صلح له أن يفعل كذا».

(2)

سورة الأعراف: 135.

(3)

سورة النجم: 39.

(4)

شرح التسهيل (1/ 224).

(5)

التذييل والتكميل (3/ 148).

(6)

كتاب سيبويه (3/ 126) بتحقيق هارون.

(7)

البيت من بحر البسيط نسب للمجنون، ولم أجده في ديوانه. كما نسب لذي الرمة، ولم أجده في ديوانه أيضا. والبيت وقع في شعرين أحدهما للراعي النميري، والثاني للقتال الكلابي. (محقق التذييل والتكميل 1/ 698).

اللغة: الحرائر: جمع حرة وهو ضد الأمة. ربات: كمع ربة بمعنى صاحبة. أخمرة: جمع خمار وهو النقاب الذي تستر به المرأة وجهها. المحاجر: جمع محجر وهو ما دار بالعين وبدأ من البرقع.

والشاعر: يصف نساء فاجرات لا يبالين بشيء. وشاهده واضح: وهو زيادة البناء في المفعول. والبيت في معجم الشواهد (ص 179) والتذييل

والتكميل (3/ 149).

ص: 755

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

انتهى. وفيما قاله نظر:

أما الوجه الثاني: فالاستدلال به ظاهر الفساد؛ لأنه لا معنى لقولك: يعجبني أن قم ولا أحببت أن قم؛ لأنه إنما تعجب أو يحب ما يمكن أن يكون له خارج.

والطلب إنشاء والإنشاء لا خارج له.

وأما الوجه الأول: فقد أحببت عنه بأن فوات معنى الأمر في الموصولة بالأمر عند التقدير بالمصدر كفوات معنى المضي والاستقبال في الموصولة بالماضي والموصولة بالمضارع عند التقدير المذكور، وما قرره المصنف يعتضد بما حكاه سيبويه عن العرب وهو كتبت إليه بأن قم، وحكم الشيخ بزيادة الباء غير مرضي؛ لأن حروف الجر ولو كانت زائدة إنما تباشر الأسماء الصريحة أو المؤولة.

ثم قال المصنف: (1) ومثال وصل كي مقرونة بلام التعليل لفظا: جئت لكي أراك ومثالها مقرونة تقديرا: جئت كي أراك ولا يتعين كون كي مصدرية إلا وهي مقرونة باللام لفظا. وأما إذا لم يقارنها اللام فتحتمل أن تكون مصدرية واللام مقدرة كما تقدر مع أن في نحو: جئت أن أراك ويحتمل أن تكون حرف جر بمعنى اللام ويكون الفعل بعدها منصوبا بأن مقدرة فإذا لفظ باللام لم يجز أن تكون بمعناها لئلّا يلزم دخول حرف جر على حرف جر.

وأما قول الشاعر [1/ 259]:

448 -

فقالت أكلّ النّاس أصبحت مانحا

لسانك كيما أن تغرّ وتخدعا (2)

فكي فيه حرف جر لا حرف مصدري لئلّا يلزم دخول حرف مصدري على حرف مصدري. وقد أجاز الفراء ذلك، وجعل أحدهما مؤكدا للآخر وأيد مذهبه بقول -

(1) شرح التسهيل (1/ 251).

(2)

البيت من بحر الطويل من قصيدة لجميل بن معمر العذري في ديوانه (ص 125) تحت عنوان «حوار» وقبل بيت الشاهد قوله:

فقالت أفق ما عندنا لك حاجة

وقد كنت عنّا ذا عزاء مشيّعا

فقلت لها لو كنت أعطيت عنكم

عزاء لأقللت الغداة التّضرّعا

وقد روى البيت: لسانك هذا كي تغرّ وعليه فلا شاهد فيه.

والبيت في شرح التسهيل (1/ 224)، ومعجم الشواهد (ص 209).

ص: 756

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الشاعر:

449 -

أردت لكيما أن تطير بقربتي

فتتركها شنّا ببيداء بلقع (1)

فجمع بين اللام وكي وأن، وهذا لا محيص فيه من أحد أمرين مستغربين:

إما أن تكون كي مصدرية فيلزم اجتماعها مع أن وهما حرفان مصدريان، إلا أن اجتماع حرفين مصدريين أسهل من اجتماع حرفي جر (لأن للحرف المصدري شبها للأسماء بوقوعها مواقعها وتوكيد اسم بمثله جائز) (2) ولو كان موصولا كقراءة زيد بن علي رضي الله عنه:(خلقكم والذين من قبلكم)(3) فأكد الذين بمن وكقول معاوية رضي الله تعالى عنه:

450 -

إنّ الّذين الأولى أدخلتهم نفر

لولا بوادر إرعاد وإبراق (4)

-

(1) البيت من بحر الطويل ومع كثرة الاستشهاد به والحديث عنه فهو مجهول القائل.

اللغة: تطير: تذهب سريعا، مستعار من طيران الطائر. شنّا: الشن هي القربة التالية. البيداء: المفازة الواسعة التي يبيد فيها من يسلكها. بلقع: أي لا شيء فيها.

ومراجع البيت في معجم الشواهد (ص 230) وهو في شرح التسهيل (1/ 224).

(2)

ما بين القوسين ساقط من النسخ وهو من شرح التسهيل.

(3)

جزء من آيةرقم: 21 من سورة البقرة: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.

وانظر القراءة في البحر المحيط لأبي حيان (1/ 95): يقول أبو حيان: «وقرأ زيد بن علي: من قبلكم بفتح ميم «من» . قال الزمخشري وهي قراءة مشكلة: ووجهها على إشكالها أن يقال: أقحم الموصول الثاني بين الأول وصلته تأكيدا. قال أبو حيان: وهذا التخريج الذي خرج الزمخشري قراءة زيد بن علي هو مذهب بعض النحاة زعم أنك إذا أتيت بعد الموصول بموصول آخر في معناه مؤكدا له لم يحتج الموصول الثاني إلى صلة نحو قوله:

من النّفر اللّائي الّذين إذا هم

يهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا

فإذا وجوابها صلة اللائي ولا صلة للذين لأنه إنما أتي به للتأكيد.

قال أصحابنا: وهذا الذي ذهب إليه باطل، لأن القياس إذا أكد الموصول أن تكرره مع صلته؛ لأنها من كماله. وإذا كانوا أكدوا حرف الجر أعادوه

مع ما يدخل عليه لافتقاره إليه ولا يعيدونه وحده إلا في ضرورة فالأحرى أن يفعل مثل ذلك بالموصول الذي الصلة بمنزلة جزء منه.

وخرج أصحابنا البيت: على أن الصلة للموصول الثاني وهو خبر مبتدأ محذوف وذلك المبتدأ وخبره صلة الموصول الأول وكذلك يكون التقدير في الآية الكريمة خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ.

(4)

البيت سبق الاستشهاد به، وشاهده هنا: توكيد الذين بالأولى. وهو مرجوح والذي جوزه اختلاف لفظي التوكيد والمؤكد.

ص: 757

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فكذا توكيد ما له شبه بالأسماء من الحروف بخلاف ما لا شبه له بها كحروف الجر. ويجوز جعل من في الآية الكريمةو الأولى في البيت خبر مبتدأ مضمر هو وخبره صلة للذين.

وأشرت بالتنبيه على أن «كي» لا تخلو من لام التعليل - إلى أنها لا تتصرف تصرف أن. فإنّ «أن» يبتدأ بها وتكون فاعلة ومفعولة ومضافا إليها ومجرورة بأكثر حروف الجر. وكي لا تقع إلا مجرورة باللام أو مقدرا معها اللام.

وأما ما المصدرية (1): فتوصل بفعل متصرف غير أمر وأكثر ما يكون ماضيا كقوله تعالى: إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ (2) قال الشاعر:

451 -

يسرّ المرء ما ذهب اللّيالي

وكان ذهابهنّ له ذهابا (3)

وتقع هي وصلتها موقع ظرف الزمان كقولك: جد ما دمت واجدا أي مدة دوامك واجدا، ولا يشاركها في هذا الاستعمال غيرها.

وقد أجاز الزمخشري مشاركة أن إياها في ذلك وجعل من ذلك قوله تعالى:

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ (4) أي وقت أن آتاه الله الملك (5) والذي ذهب إليه غير جائز عندي؛ لأن استعمال أن في موضع التعليل -

(1) الكلام لابن مالك انظر شرح التسهيل (1/ 225).

(2)

سورة التوبة: 118.

(3)

البيت من بحر الوافر ومع حفظ الناس له وكثرة ترديدهم إياه فهو مجهول القائل.

وشاهده واضح: وهو تأويل ما والفعل بعدها بمصدر هو فاعل يسر والمرء مفعول.

وانظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص 32).

والبيت في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 225) وللمرادي (1/ 232). ولأبي حيان (1/ 700).

(4)

سورة البقرة: 258.

(5)

العجب من ابن مالك خطأ الزمخشري وأسند إليه رأيا واحدا في الآية مع أنه - أي الزمخشري - ذكر في الآية رأيين:

أحدهما: ما رواه بن مالك عنه وهو أن أن بمعنى الظرف. والثاني: ما ذهب إليه ابن مالك في الآية وهو أنها للتعليل. يقول الزمخشري: أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ متعلق بـ (حآج) على وجهين:

أحدهما: (حآج) لأن آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ على معنى أن إيتاء الملك أبطره وأورثه الكبر فحاج لذلك

فتكون أن للتعليل.

الثاني: (حآج) وقت أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ فتكون أن للظرف. انظر الكشاف للزمخشري (1/ 387) بتحقيق محمد الصادق قمحاوي، مكتبة ومطبعة عيسى البابي الحلبي (1972 م).

ص: 758

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مجمع عليه وهو لائق في هذا الموضع فلا يعدل عنه، واستعمالها في موضع الظرف لا يعترف به أكثر النحويين، ولا ينبغي أن يعترف به؛ لأن كل موضع ادعى فيه ذلك صالح للتعليل فالقول به موقع في لبس.

وأجاز الزمخشري في: إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا (1) ما أجازه في أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ (2) وأن يكون حالا كأنه قيل مسلمة إليهم إلا حين يتصدقون على القائل بالعفو (3) ومتصدقين بالعفو وليس كما قال: بل التقدير مسلمة إليهم إلا بأن يصدقوا، وهذا التقدير موافق للمعنى والاستعمال المجمع على مثله؛ إذ ليس فيه إلا حذف حرف جر داخل على أن وهو مطرد بخلاف ما ادعاه الزمخشري (4).

وقد استشهد بعضهم على وقوع أن وصلتها موقع [1/ 260] ظرف الزمان بقول الشاعر:

452 -

فقلت لها لا تنكحيه فإنّه

لأوّل سهم أن يلاقي مجمعا (5)

وزعم المستشهدون به: أن معناه لأول سهم زمن ملاقاته مجمعا. ولا حجة فيه لإمكان أن يكون التقدير فإنه لأول سهم بأن يلاقي مجمعا أي سبب ملاقاته مجمعا وهذا التقدير موافق للمعنى مع الاتفاق على كثرة نظائر فهو أولى.

- وإذا وقعت ما المصدرية موقع الظرف لم توصل في الغالب إلّا بفعل ماضي -

(1) سورة النساء: 92.

(2)

سورة البقرة: 258.

(3)

انظر فيما رواه الشارح عن الزمخشري تفسيره المشهور بالكشاف: (1/ 553)، طبعة عيسى البابي الحلبي، سنة (1972 م).

(4)

في شرح التسهيل لابن مالك بخلاف الوجهين اللذين ادعاهما الزمخشري.

(5)

من بحر الطويل مطلع قصيدة في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي: (2/ 491) طبعة لجنة التأليف والنشر سنة 1968 م لتأبط شرّا وكان قد خطب أمرأة فزهدت فيه معتلة بأنه سيقتل قريبا؛ لأنه كان له في كل حي جناية. وبعد بيت الشاهد قوله:

فلم تر من رأي فتيلا وحاذرت

تأيّمها من لابس اللّيل أروعا

قليل غرار النوم أكبر همّه

دم الثأر أو يلقى كميّا مسفّعا

والمعنى: لا تنكحي هذا الفتى فإنه سيقتل قريبا وستصبحين أيما.

الإعراب: أن يلاقي: يحتمل الابتدائية، وخبره لأول سهم. والجملة خبر إن. ويحتمل أن يكون في موضع نصب بدلا من الضمير في فإنه. والهاء في إنه تحتمل أن تكون ضمير الشأن وأن تكون ضمير تأبط شرّا.

والبيت في معجم الشواهد (ص 208) وشرح التسهيل (1/ 226) والتذييل والتكميل (3/ 153).

ص: 759

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اللّفظ مثبت أو منفي بلم (1) كقول الشاعر:

453 -

ولن يلبث الجهّال أن يتهضّموا

أخا الحلم ما لم يستعن بجهول (2)

وقد توصل بمضارع كقول الشاعر:

454 -

نطوّف ما نطوّف ثمّ يأوي

ذوو الأموال منّا والعديم

إلى حفر أسافلهنّ جوف

وأعلاهنّ صفّاح مقيم (3)

وأشار المصنف بقوله: وليست اسما إلى آخره - إلى أن في ما المصدرية خلافا:

وأن مذهب الجمهور أنها حرف ومذهب الأخفش وابن السراج قيل وجماعة من الكوفيين أنها اسم فإذا قلت: أعجبني ما قمت فتقديره عند سيبويه والجمهور قيامك (4) ويقدره الأخفش ومن وافقه القيام الذي قمته ويدعون حذف العائد (5) -

(1) المعنى أو مضارع منفي بلم لأنه في معنى الماضي.

(2)

البيت من بحر الطويل ومن العجب أن صاحب الدرر قال: لم أعثر على قائله. (الدرر: 1/ 55) وقد وجدته في قصيدة طويلة منسوبة لكعب بن سعد الغنوي وهي في الأصمعيات (ص 83) طبعة دار المعارف بتحقيق شاكر وهارون.

والمعنى: أن الجهال يؤذون الحليم ويهضمونه حقه إلا إذا استعان الحليم بجاهل مثلهم فإنهم يكفون أذاهم عنه وشاهده واضح.

والبيت في معجم الشواهد (ص 312) وفي شروح التسهيل لابن مالك (1/ 226) ولأبي حيان (3/ 154). وللمرادي (1/ 231).

(3)

البيتان من بحر الوافر وهما للبرج بن مسهر من قصيدة سبق الحديث عنها.

ومعنى البيتين: أننا نكثر الطواف على اللذات والتجول في الأطراف لطلب البطالة وليس مآل الجميع الفقير والغني إلا إلى حفر وهي القبور التي أسافلها جوف وأعاليها حجارة عريضة كالسقف لها.

انظر البيتين في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (3/ 227). وشاهده هنا قوله: نطوف ما نطوف. ففيه وصل ما المصدرية الظرفية بفعل مضارع وذلك نادر واستشهد به ابن هشام في المغني (2/ 579).

لشاهد آخر برواية أخرى.

والبيت في معجم الشواهد (ص 352) وشرح التسهيل (1/ 226) والتذييل والتكميل (3/ 154).

(4)

انظر الكتاب: (3/ 11) قال سيبويه «ومن ذلك أيضا: ائتني بعد ما تفرغ فما وتفرغ بمنزلة الفراغ

إلخ». وانظر أيضا التذييل والتكميل (3/ 154).

(5)

ذكر ابن السراج في كتابه المشهور المسمى بأصول النحو (2/ 112) «أن أن المصدريّة حرف أما ما فإنها اسم. واحتجّ بأنها لم تعمل في الفعل كعمل أن وذكر أن ذلك مذهب الأخفش قال: ويجوز أن تقول: ضربت ما ضربت أي الضّرب الّذي ضربت. كما تقول: فعلت ما فعلت أي فعلت مثل الفعل الّذي فعلت وتقول: -

ص: 760

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقد رد عليهم بوصل ما بليس في قوله:

455 -

[أليس أميري في الأمور بأنتما]

بما لستما أهل الخيانة والغدر (1)

قالوا: فلا يسوغ تقدير ما بالذي لعدم الربط.

ثم أشار بقوله: وتوصل بجملة اسمية على رأي إلى أن ما قد توصل بجملة اسمية كقول الشاعر:

456 -

واصل خليلك ما التواصل ممكن

فلأنت أو هو عن قريب ذاهب (2)

وقول الآخر:

457 -

فعسهم أبا حسّان ما أنت عائس (3)

وهذا رأي طائفة ومنهم الأعلم.

واختلف قول ابن عصفور فمرة أجاز ومرة منع (4). -

- فعلت ما فعل زيد، أي كالفعل الّذي فعل زيد، فإن لم ترد هذا المعنى فالكلام محال لأن فعلك لا يكون فعل غيرك قال الله تعالى: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا والتأويل عندهم والله أعلم: كالخوض الّذي خاضوا.

(1)

البيت من بحر الطويل مجهول القائل في مراجعه.

ومعناه: اعتراف من الشاعر لرجلين أنه أتخذهما رئيسين له وهما أهل للوفاء والأمانة.

وشاهده قوله: بما لستما حيث وصلت ما بفعل جامد والفعل الجامد لا يتحمل ضميرا حتى يعود على ما، فدل ذلك على حرفيتها وتأولها مع ما بعدها بمصدر.

والبيت في معجم الشواهد (ص 175) وفي التذييل والتكميل (3/ 154) وفي شرح التسهيل للمرادي (1/ 231).

(2)

البيت من بحر الكامل غير منسوب في مراجعه من شروح التسهيل وشاهده ومعناه واضحان.

انظر البيت في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 227) ولأبي حيان (3/ 156) وللمرادي (1/ 233) وليس في معجم الشواهد.

(3)

الشاهد شطرة من بحر الطويل لم تذكر مراجعه الشطر الآخر.

اللغة: عسهم: أمر من عاس الشيء يعوسه أي وصفه والمعنى: صفهم يا أبا حسان.

والشاهد فيه: وصل ما المصدرية الظرفية بجملة اسمية. وقال في لسان العرب (عوس): «قال ابن سيده: ما هنا زائدة كأنه قال: عسهم أبا حسّان أنت عائس أي: ما أنت عائس» .

والبيت في شرح التسهيل (1/ 254) والتذييل والتكميل (3/ 156) وليس في معجم الشواهد.

(4)

في شرح المقرب لابن عصفور: (1/ 60)«وأما ما فتوصل بالجملة الاسمية والفعلية» وفي شرح الجمل له: (1/ 135) يقول: وأما ما المصدرية فمذهب سيبويه أنها لا توصل إلا بالفعل نحو: يعجبني ما صنعت تريد صنعك، وتذهب طائفة من النحويين منهم الأعلم أنها توصل بالجملة الاسمية ثم مثل له بالبيت الذي أوله: أعلاقة أم الوليد.

ص: 761

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال المصنف: (1) «وقد توصل بمضارع المصدرية غير الظّرفية فيه كقول الشاعر:

458 -

وللمنيّة أسباب تقرّبها

كما تقرب للوحشية الدّرع (2)

وقد توصل بجملة اسمية كقول الشاعر:

459 -

أحلامكم لسقام الجهل شافية

كما دماؤكم تشفي من الكلب (3)

وقول الآخر:

460 -

أعلاقة أمّ الوليد بعد ما

أفنان رأسك كالثّغام المخلس (4)

-

(1) شرح التسهيل (1/ 254).

(2)

البيت من بحر البسيط لم يعرف قائله فيما ذكر من مراجع.

ومعناه: أن المنية قبل نزولها بالإنسان ترسل رسلها، فهذا علة، وذاك شيب، وثالث حادثة، كما ترسل الدروع عند صيد الحيوانات البرية أو

قتلها. وما في البيت: مؤولة مع ما بعدها بمصدر مجرور بالكاف.

وانظر البيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 227) ولم يرد في معجم الشواهد ولا في شرح أبي حيان.

(3)

البيت من بحر البسيط قاله الكميت بن زيد الأسدي، وهو في المدح، والبيت في كتاب شعر الكميت بن زيد (1/ 81).

اللغة: أحلامكم: جمع حلم بالكسر وهو الأناة والعقل. الكلب: بالتحريك: داء يعرض للإنسان من عض الكلب فيصيبه شبه الجنون فلا يعض أحدا إلا كلبا، وتعرض له أعراض رديئة، ويمتنع من شرب الماء حتى يموت عطشا، وأجمعت العرب على أن دواءه قطرة من دم ملك يخلط بماء فيسقاه وهو معنى بيت الشاهد.

والشاهد في البيت: جر المصدر المؤول بما مع الجملة الاسمية بعدها بالكاف.

وانظر البيت في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 227) ولأبي حيان (1/ 155) وللمرادي (1/ 233) ومعجم الشواهد (ص 61).

(4)

البيت من بحر الكامل قاله المرار الأسدي يوبخ شيخا كبيرا أحب امرأة شابة.

اللغة: العلاقة: الحب. أمّ الوليد: بالتصغير ليدل على أن المرأة صغيرة وهو مفعول علاقة وعلاقة اسم مصدر (شاهد لسيبويه: 1/ 166) أفنان: جمع فنن وهو الغصن شبه به شعر الرأس على سبيل الاستعارة. الثّغام: بالفتح نبات يشبه الشيب في البياض. المخلس: ما اختلط فيه البياض بالسواد.

الشاهد فيه: استشهد به هنا على وصل ما المصدرية غير الظرفية بجملة اسمية. وقال سيبويه: جعل «بعد مع ما» بمنزلة حرف واحد وابتدأ ما بعده (2/ 139).

وكذلك فعل المبرد (المقتضب: 2/ 54).

فكأن ما عندهما كافة والجملة مستقلة والصحيح ما ذهب إليه ابن مالك.

والبيت في شرح التسهيل (1/ 227) وفي التذييل والتكميل (3/ 155) وفي معجم الشواهد (ص 201).

ص: 762

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والحكم على ما هذه بالمصدرية أولى من جعلها كافة؛ لأنها إذا كانت مصدرية كانت هي وصلتها في موضع جر بالكاف في البيت الأول، وبإضافة الظرف في البيت الثاني.

ولم يصرف بما هو له ثابت بخلاف الحكم بأن ما كافة، وأيضا فإن النظر يقتضي أن تكون ما مصدرية لكثرة استعمالها وعدم عملها غير مقصورة على الوصل بالفعل بخلاف أن وكي ولا تستحق ذلك لو المصدرية لقلة استعمالها فإن الحاجة إلى اختلاف [1/ 261] المصحوب في صلة وغيرها دون كثرة استعمالها غير ماسة، وأيضا فمن مواقع ما المصدرية النيابة عن وقت واقع ظرفا، والوقت الواقع ظرفا قد يضاف إلى جملة اسمية كما يضاف إلى جملة فعلية فإذا وصلت ما بكلتا الجملتين حين وقوعها موقع ذلك الوقت سلك بها سبيل ما وقعت موقعه، فكان

الحكم بجواز وصلها بجملة اسمية راجحا على الحكم بمنعه وهذا على تقدير عدم ذلك مسموعا فكيف وقد ظفرت به في البيتين السابق ذكرهما، وإذا ثبت وصل ما المصدرية النائبة عن ظرف بجملة اسمية لم يتبعه وصلها بها إذا لم تكن نائبة عن ظرف» انتهى (1) وهو كلام حسن واستدلال جيد.

وأما لو المصدرية: فعلامتها أن يصلح في موضعها أن وأكثر وقوعها بعد ما يدل على تمن كقوله تعالى: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ (2) وقد تكون غير مسبوقة بتمن، وعن ذلك احترز المصنف بقوله: غالبا قبل قوله: مفهم تمنّ وذلك كقول قتيلة (3):

461 -

ما كان ضرّك لو مننت وربّما

منّ الفتى وهو المغيظ المحنق (4)

-

(1) انظر شرح التسهيل (1/ 228).

(2)

سورة البقرة: 96 انظر التعليق على هذه الآية بعد قليل.

(3)

هي قتيلة بنت النضر بن الحارث بن علقمة، من بني عبد الدار من قريش، شاعرة من الطبقة الأولى في النساء. أدركت الجاهلية والإسلام وأسر أبوها النضر في موقعة بدر فأمر به النبي عليه الصلاة والسلام فقتل فرثته قتيلة بقصيدتها التي أنشدتها بين يدي رسول الله. وفيها تطلب من رسول الله العفو عن أسرى بدر وتذكر له أسفها على أبيها. وأسلمت قتيلة بعد ذلك وتوفيت في خلافة عمر سنة (20 هـ).

انظر ترجمتها في الأعلام (6/ 28).

(4)

البيت من بحر الكامل من قصيدة لقتيلة - كما جاء في الشرح - ترثي بها أباها وقيل أخاها. وهي -

ص: 763

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وكقول الآخر:

462 -

لقد طوفت في الآفاق حتّى

بليت وقد أنى لي لو أبيد (1)

وكقول الآخر:

463 -

وربما فات قوما جلّ أمرهم

من التّأنّي وكان الحزم لو عجلوا (2)

ولا توصل لو المصدرية إلا بفعل متصرف ماض أو مضارع وهذا مراد المصنف بقوله: وصلتها كصلة ما في غير نيابة (3).

وقد فهم الشيخ هذا الموضع فهما عجيبا وحمله على غير مراد المصنف مع تصريح المصنف بمراده في شرحه، ثم إنه أورد عليه بمقتضى ذلك الفهم إيرادا وهو ساقط لترتبه على الفهم المخل بمراد المصنف. والناظر إذا وقف

على شرح الشيخ حقق -

- في ديوان الحماسة (2/ 966) بشرح المرزوقي، وفي ديوان الخنساء ومراثي ستين شاعرة من العرب (ص 187). ولما سمع رسول الله من قتيلة هذا الشعر قال:«لو سمعته قبل قتله لأطلقته لها» .

وشاهده: وقوع لو المصدرية غير مسبوقة بتمن.

انظر البيت في معجم الشواهد (ص 248) وفي شرح التسهيل لابن مالك (1/ 228) والتذييل والتكميل (3/ 157) وفي شرح للمرادي (1/ 234).

(1)

البيت من بحر الوافر وهو من الأبيات التي اكتشفت قائلها، والذي قاله هو مسجاح بن سباع (جاهلي معمر) من مقطوعة يشكو فيها عمره الطويل وملله العيش، وبيت الشاهد مطلعها وبعده:

وأفناني ولا يفنى نهار

وليل كلّما يمضي يعود

وشهر مستهل بعد شهر

وحول بعده حول جديد

ومفقود عزيز الفقد تأتي

منيّته ومأمول وليد

اللغة: بليت: هلكت من البلي: أنى لي: حان لي. لو أبيد: لو أهلك وهو فاعل أنى.

والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 228) والتذييل والتكميل (3/ 157) والقصيدة في ديوان الحماسة (2/ 1009).

(2)

البيت من بحر البسيط نسب للأعشى وللقطامي ولم أجده في ديوان أحد منهما.

الإعراب: قوما: مفعول فات. جل أمرهم: فاعله. الحزم: اسم كان. لو عجلوا: لو مصدرية والجملة بعدها مؤولة بمصدر خبر كان وهو موضع الشاهد. وانظر البيت في معجم الشواهد (ص 291) وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 228) والتذييل والتكميل (3/ 157).

(3)

قوله في غير نيابة معناه: أن ما تنوب عن ظرف زمان ولا تنوب لو المصدرية عن ظرف زمان فهما وإن اشتركا في الصلة فقد اختصت ما بالنيابة عن الظرف.

ص: 764

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ما قلته (1).

قال المصنف: (2)«وأكثر النحويين لا يذكرون لو في الحروف المصدرية (3)» .

وممن ذكرها (4) الفراء وأبو علي ومن المتأخرين التبريزي (5). وأبو البقاء (6). -

(1) قال ابن مالك في الحديث عن لو: «ولا توصل إلّا بفعل متصرف ماض أو مضارع» .

(شرح التسهيل: 1/ 229) وقال أبو حيان عند شرح قوله: «وصلتها كصلة ما» يعني أنها توصل بما وصلت به ما من فعل متصرف: ماض ومضارع ولا توصل بالأمر، وذكر المصنف أن ما توصل بفعل منفي بلم وظاهر كلامه أن لو توصل بذلك فتقول: وددت لو لم يقم زيد، وقد اختار المصنف في ما أنها توصل بالجملة الاسمية، واستدل لصحة ذلك، ولا يحفظ ذلك في لو. لا يحفظ مثل: وددت لو زيد قائم، فينبغي أن يقيد قوله: وصلتها كصلة ما إلا في الجملة الاسمية» (التذييل والتكميل/ 3/ 158).

فما أخذه أبو حيان على ابن مالك وهو عدم استثنائه الجملة الاسمية من صلة لو. ورد عليه الشارح بأن ابن مالك حدد صلة لو في شرحه حين قال: ولا توصل لو إلّا بفعل متصرف ماض أو مضارع.

(2)

شرح التسهيل (1/ 229).

(3)

قال أبو حيان: «وممّا يبعد كون لو مصدرية أنه لا يحفظ من كلامهم دخول حرف الجر عليها فلا يوجد: عجبت من لو خرج زيد أي عجبت من خروج زيد» (التذييل والتكميل: 3/ 158).

(4)

أي من المتقدمين بدليل قوله بعد: ومن المتأخرين.

(5)

هو أبو زكريا يحيى بن علي بن محمد الشيباني التبريزي من أئمة اللغة والأدب أصله من تبريز ولد سنة (421 هـ) ونشأ ببغداد ورحل إلى بلاد الشام فقرأ تهذيب اللغة على أبي العلاء المعري ودخل مصر ثم عاد إلى بغداد ودرس الأدب بالمدرسة النظامية وطبقت شهرته الآفاق فقصده الخلق ينهلون من علمه إلى أن مات سنة (502 هـ).

مصنفاته كثيرة: منها: مقدمة في النحو، شرح اللمع لابن جني، شرح ديوان الحماسة الملخص في إعراب القرآن. شرح ديوان المتنبي، تهذيب إصلاح المنطق لابن السكيت وتهذيب إصلاح الألفاظ له.

انظر ترجمته في الأعلام (9/ 197) ونشأة النحو (ص 174).

(6)

قال أبو البقاء عند تفسير قوله تعالى: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ [البقرة: 96].

«لو هنا بمعنى أن الناصبة للفعل ولكن لا تنصب وليست التي يمتنع بها الشّيء لامتناع غيره. ويدل على ذلك شيئان: أحدهما: أن هذه يلزمها المستقبل والأخرى معناها في الماضي. الثاني: أن يود يتعدى إلى مفعول واحد وليس مما يعلق عن العمل فمن هنا لزم أن يكون لو بمعنى أن. وقد جاءت أن بعد يود في قوله تعالى: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ [البقرة: 266] وهو كثير في القرآن والشّعر (التبيان في إعراب القرآن: 1/ 96).

إلا أنه في كتابه: اللباب في علل البناء والإعراب (2/ 113) تحقيق د/ عبد الإله نبهان (مطبوعات مركز الثقافة بدبي) يقول: «باب الموصول والصّلة: الموصول أسماء وحروف: فالأسماء الذي والّتي وفروعهما ومن وما وأي: وأمّا الحروف فما وإنّ الثقيلة وإن الخفيفة ثم شرح ذلك بالتّفصيل ولم يذكر لو من الحروف المصدرية.

ص: 765

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال أبو علي في التذكرة: وقد حكى قراءة بعض القراء: ودوا لو تدهن فيدهنوا (1) بنصب فيدهنوا حمله على

المعنى كأنه قال: ودّوا أن تدهن فيدهنوا كما حمل أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ (2) على أَوَلَيْسَ .... بِقادِرٍ (3)، (4).

ثم قال بعد (5): فإن قيل كيف دخلت لو المصدريّة على أنّ في نحو فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً (6) فالجواب من وجهين:

الأول: أن لو داخلة على «ثبت» مقدرا رافعا لأن فلا يلزم من ذلك مباشرة حرف مصدري لحرف مصدري.

الثاني: أن يكون هذا من باب التوكيد اللفظي وهو من أحسنه؛ لأنه توكيد كلمة بما يوافقها معنى دون لفظ وهذا أجود من التوكيد بإعادة [1/ 262] اللفظ بعينه ومنه توكيد السبل بالفجاج في قوله تعالى: لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً (7) ومنه توكيد الذين بمن في قراءة زيد بن علي: (والذين من قبلكم)(8). -

(1) سورة القلم: 9.

(2)

سورة الأحقاف: 23.

(3)

سورةيس: 81.

(4)

قال أبو حيان في تفسيره الكبير (البحر المحيط: 9/ 39):

وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ لو هنا على رأي البصريين مصدرية بمعنى أن أي ودوا إدهانكم.

ومذهب الجمهور: «أن معمول ودّ محذوف أي ودوا إدهانكم وحذف لدلالة ما بعده عليه ولو باقية على بابها من كونها حرفا لما كان سيقع لوقوع غيره وجوابها محذوف تقديره لسروا بذلك» .

ومعناه: ودّوا لو تذهب عن هذا الامر فيذهبون معك.

ثم قال: وأما قوله: «فيدهنون» : بالرفع فهو عطف على يدهن، وقال الزمخشري: عدل به عن طريق آخر وهو أن جعل خبر مبتدأ محذوف أي فهم يدهنون كقوله: فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ.

قال أبو حيان: «وجمهور المصاحف على إثبات النون، وقال هارون: إنه في بعض المصاحف فيدهنوا ولنصبه وجهان: أحدهما: أنه جواب ودوا لتضمنه معنى ليت. والثاني: أنه على توهم أنه نطق بأن.

أي ودوا أن تدهن فيدهنوا فيكون عطفا على التوهم ولا يجيء هذا الوجه إلا على قول من جعل لو مصدرية بمعنى أن» (البحر المحيط: 3/ 39).

(5)

شرح التسهيل (1/ 230).

(6)

سورة الشعراء: 102 وهي: فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

(7)

سورةنوح: 20.

(8)

سورة البقرة: 21. وانظر في القراءة وتخريجها: البحر المحيط (1/ 95). -

ص: 766

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولتفضيل هذا النوع من التأكيد على إعادة اللفظ بعينه كان قولك: زيد كمثل عمرو شائعا مستحسنا في النظم والنثر بخلاف زيد ككعمرو فإنه مخصوص بالضرورة كقوله:

464 -

وصاليات ككما يؤثفين (1)

[1/ 263] وقد اجتمعت لو وأن المصدريتان في قول علي رضي الله عنه مخاطبا لعامله:

«ما كان عليك أن لو صمت لله أياما، وتصدّقت بطائفة من طعامك محتسبا» انتهى كلام المصنف (2).

وقد باشرت أن في قوله تعالى: وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً (3).

وهذه الآية أصرح في الدلالة على مصدرية لو من الآية الشريفة التي أوردها المصنف؛ وذلك لتقدم يود عليها. ثم الجواب عن المباشرة في تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ كالجواب عن المباشرة في فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً (4).

واعلم أن من لم يثبت مصدرية لو جعلها في الشواهد المتقدمة الامتناعية (5) فقال: -

- وقد رد ذلك ابن هشام فقال: السؤال في الآية فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً مدفوع من أصله لأن لو فيها ليست مصدرية. وفي الجواب الثاني نظر لأن توكيد الموصول قبل مجيء صلته شاذ كقراءة زيد بن علي (والذين من قبلكم) بفتح الميم (مغني اللبيب: 1/ 267).

(1)

البيت من مشطور السريع وهو لخطام المجاشعي كما في مراجعه.

اللغة: الصّاليات: الأثافي لأنها صليت النار أي باشرتها. يؤثفين: ينصبن للقدر.

والشاعر: يصف ديارا خلت من أهلها فنظر إلى آثارها فوجدها باقية لم تتغير بعد أن رحل عنها أهلها.

وجاء هذا الشاهد في غالب كتب النحاة حتى إن سيبويه استشهد به ثلاث مرات في كتابه (1/ 32)، (1/ 408، 4/ 279).

والاستشهاد بالبيت هنا على دخول أحد حرفين على الآخر مع اتحادهما لفظا ومعنى وهو مخصوص بالضرورة.

والبيت في معجم الشواهد (ص 542) وفي شرح التسهيل (1/ 231).

(2)

شرح التسهيل (1/ 231).

(3)

سورةآل عمران: 30.

(4)

سورة الشعراء: 102. والجواب مذكور في الصفحة السابقة: لو داخلة على ثبت مقدرا، من باب التوكيد اللفظي.

(5)

أي التي تفيد امتناع الشرط والجواب معا كقوله تعالى: وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها [السجدة: 13]. وسماها سيبويه: «حرف لما كان سيقع لوقوع غيره» .

ص: 767

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ (1) أن مفعول يود محذوف وأن جواب لو محذوف.

وأن التقدير: يود أحدهم التعمير لو يعمر ألف سنة لسره ذلك، وتخرج بقية الشواهد على نحو ذلك، ولا يخفى ما في هذا التخريج من التكلف والقول بمصدرية لو أسهل منه، إذ لا مانع يمنعه من جهة الصناعة النحوية ولا كلفة فيه بل هو الظاهر.

بقي ها هنا التنبيه على شيء:

وهو أن قول المصنف: مفهم تمنّ - يشمل ودّ وأحبّ وآثر وتمنى واختار، ثم إنه لم يمثل إلا بود ويود قبل ولم يسمع من مفهم التمني غير ود ويود وربما أشعر اقتصار المصنف على التمثيل بذلك، أعني ودّ ويودّ على أن مفهوم التمني مقصور عليهما.

ثم أشار المصنف بقوله: وتغني عن التمنّي فينصب بعدها الفعل مقرونا بالفاء إلى معنى آخر يستفاد يذكر لو وهو التمني في بعض المواضع.

وأشعر قوله: وتغني عن التّمني فينصب بعدها الفعل مقرونا بالفاء إلى معنى آخر يستفاد بذكر لو وهو التمني مستفادا من لو نفسها وسيأتي تقرير ذلك والبحث فيه (2).

قال المصنف (3): وأشرت بقولي: وتغني عن التّمني (فينصب بعدها الفعل مقرونا بالفاء)(4) إلى نحو قول الشاعر:

465 -

سرينا إليهم في جموع كأنّها

جبال شرورى لو نعان فننهدا (5)

فلك في نصب ننهد أن تقول نصب؛ لأنه جواب تمنّ إنشائي كجواب ليت.

وهذا عندي هو المختار. ولك أن تقول: ليس هذا من باب الجواب بالفاء، بل من باب العطف على المصدر؛ لأن لو والفعل في تأويل المصدر والمصدر قد عطف عليه الفعل فينتصب بإضمار أن كقول الشاعر: -

(1) سورة البقرة: 96.

(2)

انظر الصفحات القادمة من التحقيق.

(3)

شرح التسهيل (1/ 229).

(4)

ما بين القوسين في شرح التسهيل.

(5)

البيت من بحر الطويل ولم ينسب في مراجعه.

اللغة: شرورى: بفتح أوله وضم ثانيه وفتح الراء الأخيرة: اسم موضع - فننهد من نهد إلى العدو أي نهض إليه.

والشاعر يفتخر ببأسه وبأس قومه وتفوقهم على عدوهم.

وشاهده واضح من الشرح الطويل فيه.

والبيت في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 229) ولأبي حيان (3/ 158). وللمرادي (1/ 235).

وفي معجم الشواهد (ص 94).

ص: 768

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

466 -

لقد كان في حول ثواء ثويته

تقضّى لبانات ويسأم سائم (1)

ومنه قراءة السبعة إلا نافعا: إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا (2) بالنصب عطفا على وحيا.

وذهب أبو علي في لو التي بعدها نعان وشبهها: إلى أنها بمعنى الأمر وأن النصب بعدها كالنصب بعد الأمر، قال في التذكرة بعد كلامه على قراءة من قرأ «فيدهنوا» بالنصب:«يجوز أن تكون لو هذه أجريت مجرى لو الّتي بمعنى الأمر في قوله «لو نعان فننهدا» أي أعنّا بالله فننهدا وقال أيضا في قوله تعالى: فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ (3) أي أحدث لنا كرّة فنكون». هذا نص كلامه في التذكرة.

وأما الزمخشري فإنه قال: «وقد تجيء لو في معنى التّمنّي كقولك: لو تأتيني -

(1) البيت من بحر الطويل وهو للأعشى من قصيدة يهجو فيها يزيد بن مسهر الشيباني وهو في البيت يخاطب نفسه ومطلع القصيدة قوله:

هريرة ودّعها وإن لام لائم

غداة غد أم أنت للبين واجم

انظر ديوان الاعشى (ص 177) وبيت الشاهد ثاني أبيات القصيدة.

اللغة: الحول: العام. الثواء: الإقامة من ثوي يثوي وهو بالجر بدل اشتمال من حول على حذف الرابط (المقتضب: 1/ 27) كما روي نصبه على معنى ثويته ثواء. لبانات: جمع لبانة بالضم وهي الحاجة.

والأعشى يقول لنفسه: إنه مكث مع المهجو عاما كاملا فلم ينل شيئا وكان في إمكانه في هذا العام أن تقضى كل حاجاته، بل إنه أيضا مل من الإقامة لطولها.

وفي البيت قال المبرد: النحويون ينشدون هذا البيت على ضربين: برفع يسأم لأنه معطوف على فعل وهو تقضّى فلا يكون إلا مرفوعا ومن قال: تقضّي لبانات قال: ويسأم سائم بالنصب؛ لأن تقضي اسم فلم يجز أن يعطف عليه فعل فأضمر أن ليجري المصدر على المصدر فصار تقضي وأن يسأم (المقتضب: 2/ 27).

والشاهد مراجعه كثيرة: في معجم الشواهد: (ص 56).

والبيت في شروح التسهيل لابن مالك: (1/ 229) ولأبي حيان (3/ 159) وللمرادي (1/ 235).

(2)

سورة الشورى: 51. قرأ نافع: أو يرسل رسولا فيوحي برفع الفعلين وقرأ الباقون بنصبهما وحجة من رفع: أنه أستأنفه وقطعه عما قبله أو رفعه على إضمار مبتدأ تقديره أو هو يرسل رسولا ويجوز رفع يرسل على الحال على أن يجعل إلا وحيا حالا ويعطف عليه أو يرسل ويعطف عليه فيوحي. وحجة من نصب أنه حمله على معنى المصدر؛ لأن قوله: إلا وحيا معناه إلا أن يوحي فيعطف أو يرسل على أن يوحي. انظر الكشف عن وجوه القراءات (2/ 254) تحقيق د/ محيي الدين رمضان (مؤسسة الرسالة).

(3)

سورة الشعراء: 102.

ص: 769

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فتحدثني كما تقول ليتك تأتيني فتحدّثني» (1).

فإن أراد بهذا الكلام ما أردته أنا فهو صحيح، وإن أراد أن لو حرف موضوع للتمني كليت فغير صحيح؛ لأن ذلك يستلزم منع الجمع بينها وبين فعل التمني كما لا يجمع بينه وبين ليت؛ وذلك لأن حروف المعاني مقصود بها النيابة عن الأفعال على سبيل الإنشاء فالجمع بينهما وبين تلك الأفعال ممتنع لامتناع الجمع بين نائب ومنوب عنه؛ ولهذا امتنع الجمع بين لعل وأترجى وبين إلا وأستثني، فلو كانت لو موضوعة للتمني كليت لساوتها في امتناع ذكر فعل التمني معها، فكان قول القائل: تمنيت لو تفعل غير جائز كما أن قوله: تمنّيت ليتك تفعل غير جائز الأمر بخلاف ذلك، فصح ما قلته والحمد لله. انتهى كلام المصنف (2).

وتحصل منه أن في نحو قول الشاعر «لو نعان فننهد» ثلاثة أقوال:

أحدها: قول أبي علي أن لو بمعنى الأمر.

والثاني: أنها للتمني كما يعطيه ظاهر قول الزمخشري حيث قال: وقد تجيء لو، في معنى التمني إلى آخره.

وعلى هذين القولين يكون للو معنى زائد على كونها شرطية ومصدرية وهو إما الأمر كما يقول أبو علي وإما التمني كما يعطيه كلام الزمخشري.

لكن في شرح الشيخ (3) ما نصه: «وأما ما حكي عن أبي علي أن لو بمعنى الأمر فينبغي ألا يحمل على ظاهره، وإنما يريد أبو علي أنها أشربت معنى التمنّي، والتمنّي طلب. وأما قول الزمخشري: أنّ لو تجيء في معنى التمني فهو قول النّحويين ولا يعنون أنّها وضعت دالة على التمني. وإنما المعنى أنها تشرّبت معنى التّمني فتجاب بما يجاب به ليت، وإذا أشربت معنى التمني فهي لو التي هي حرف لما كان سيقع لوقوع غيره. وليست قسما موضوعا للتمني إنّما تشّربته على سبيل المجاز» انتهى.

ولا يخفى ضعف ما حمل عليه قول أبي علي. وأما كون لو إذا أفادت معنى [التمني](4) -

(1) انظر المفصل للزمخشري (ص 323) وبقية كلامه: ويجوز في: فتحدّثني النّصب والرّفع قال الله تعالى: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [نون: 9] وفي بعض المصاحف: فيدهنوا.

(2)

شرح التسهيل (1/ 230).

(3)

التذييل والتكميل (3/ 161).

(4)

ما بين المعقوفتين زيادة من عندنا يتطلبها المقام.

ص: 770

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فهي لو الامتناعية أشربت معنى التمني ففيه نظر (1).

والقول الثالث: وهو الذي يراه المصنف: أن لو هي المصدرية وهي واقعة بعد فعل الوداد، ولكن الفعل حذف وجعلت لو دالة عليه. ولا يتحقق هذا الذي ذكره؛ لأن تقديره يقتضي أن تكون لو مصدرية وإذا كانت مصدرية كان الفعل المقدر قبلها منصبّا على المصدر المنسبك منها ومن الفعل الذي هو [1/ 264] صلتها فلا تكون هي حينئذ مغنية عن التمني، بل إنما فهم التمني من ذلك الفعل المقدر.

وإذا كان كذلك وكان ثم فعل منصوب كان النصب بسبب العطف على المصدر لا بسبب التمني المفهوم من وددنا.

والظاهر أن لو هي المفيدة للتمني بنفسها كما يعطيه ظاهر كلام الزمخشري، وعند إفادتها التمني لا تكون مصدرية، وما رد به المصنف من أن ذلك يستلزم منع الجمع بينهما وبين فعل التمني فممنوع، فإن الواقعة بعد فعل التمني لا تمنى فيها؛ وإنما هي مصدرية محضة؛ فالجمع بينها وبين فعل التمني ليس جمعا بين نائب ومنوب عنه والمقيدة للتمني ليست المصدرية كما تقدم، فلا يحتاج إلى تقدير فعل قبلهما، وكما أنها حال إفادتها التمني ليست مصدرية، فكذا ليست الامتناعية وانما المفيدة للتمني قسم برأسه.

وقد قال بما ذكرته ابن هشام (2) وابن الضائع حتى قالا: «إنّها لا تحتاج إلى جواب كجواب الشّرط، ولكن قد يؤتى لها بجواب منصوب كجواب ليت» (3). -

(1) قوله ففيه نظر: هو الذي ذكر عن ابن مالك تعليقا على الزمخشري:

«وقد تجيء لو في معنى التمنّي كقولك: لو تأتيني فتحدثني» قال ابن مالك: إن أراد أن الأصل وددت لو تأتيني فتحدثني فحذف فعل التّمني لدلالة لو عليه فأشبهت ليت في الإشعار بمعنى التمني فكان لها جواب كجوابها فصحيح. أو أنّها حرف وضع للتّمني كليت فممنوع لاستلزامه

منع الجمع بينها وبين فعل التّمني كما لا يجمع بينه وبين ليت». وانظر المعنى (1/ 267).

(2)

هو ابن هشام الخضراوي محمد بن يحيى المتوفى سنة (646 هـ) سبقت ترجمته.

(3)

قال ابن الضائع في شرح الجمل (مخطوط بدار الكتب رقم 19 جزء 1 ورقة 62) «واعلم أنّ لو قد تكون بمعنى التّمني كقوله تعالى: لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ [البقرة: 167].

وقال تعالى: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [سورة القلم: 9].

ومنه: إلا ماء ولو باردا.

ويحسن أن يكون منه قول امرئ القيس (من الطويل): -

ص: 771

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واستدل من قال إن لو باقية على معنى الشرط وإنما أشربت معنى التمني - بأنه قد جمع لها بين جوابين: جواب منصوب بعد الفاء، وجواب باللام كقول الشاعر:

467 -

فلو نبش المقابر عن كليب

فيخبر بالذّنائب أيّ زير (1)

بيوم الشّعثمين لقرّ عينا

وكيف لقاء من تحت القبور

وقد قيل إنما نصب فيخبر؛ لأنه معطوف على مصدر متوهم فالمعنى لو حصل نبش فإخبار لقر عينا وإذا كان كذلك فليس يخبر جوابا.

ثم إن الشيخ ذكر في غضون كلامه أمورا:

منها: أنه قال (2): وأما دعوى المصنف أنّ لو في قوله تعالى حكاية: لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ (3) هي المصدرية فلا نعلم أحدا ذهب إلى ذلك غير هذا الرجل، بل هي عندهم الامتناعية أشربت معنى التمني وجوابها محذوف وكذلك في الآية الأخرى: لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (4).

ومنها: أنه ناقش المصنف في تقديره ثبت بعد لو، قال:«وهذا مذهب المبرد ومذهب سيبويه أنّ أن بعد لو في موضع رفع بالابتداء» (5). -

-

تجاوزت أحراسا عليها ومعشرا

عليّ حراسا لو يسرون مقتلي

انظر ذلك في المغني أيضا (1/ 167).

(1)

البيتان من بحر الوافر قالهما امرؤ القيس بن ربيعة الملقب بالمهلهل من قصيدة يفتخر فيها حين أخذ بثأر أخيه كليب من قبيلة جساس بن مرة في قصة مشهورة اقرأها في الأمالي: (2/ 145).

اللغة: الذّنائب: هضبة بنجد فيها قبر كليب. الزير: من يكثر زيارة النساء والجلوس معهن لقب به كليب لأنه كان يفعل ذلك. وقيل: لقب به المهلهل نفسه وهو هنا كأنه ينفيه عن نفسه. الشّعثمين: هما شعثم وشعيب ابنا معاوية بن عمرو.

المعنى: يطمئن مهلهل أخاه أنه أخذ بثأره وعليه أن ينام قرير العين وأن تسكن روحه.

وشاهده واضح من الشرح.

والبيت في معجم الشواهد (ص 185) وفي التذييل والتكميل (3/ 161).

(2)

التذييل والتكميل (3/ 162).

(3)

سورة البقرة: 167.

(4)

سورة الزمر: 58.

(5)

في كتاب سيبويه (3/ 139)«ولو بمنزلة لولا ولا يبتدأ بعدها الأسماء سوى أنّ نحو لو أنك ذهبت» .

وفي المقتضب (3/ 77) لولا في الأصل لا تقع إلّا على اسم ولولا تقع إلّا على فعل فإن قدّمت الاسم كان على فعل مضمر وذلك كقوله عزّو جل: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي [الإسراء: 100].

قال: فأنتم رفع بفعل يفسّره ما بعده.

ص: 772

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنها: دعوى المصنف أنّ أن ولو المصدريتين اجتمعا في قول علي رضي الله عنه: ما كان عليك أن لو صمت لله أيّاما. قال: «فليست لو هنا مصدرية بل أن هي المصدرية وهي المخففة من الثقيلة ولو صمت (1) جملة امتناعية وهي في موضع الخبر لأن، وجواب لو محذوف وأن لو هنا نظير وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ (2). والتقدير:

وما كان عليك في أنه لو صمت وتصدقت لوجدت ثوابه أو لنفعك، قال: وأن في قولنا: وددت أن لو كان كذا هي المخفّفة ولو هي الامتناعية ولا يكونان مصدريتين» انتهى (3).

وأقول: أما قوله: لم يعلم أحدا ذهب إلى ما قاله المصنف، فليس ذلك بإبطال لما ادعاه، وغاية ما ذكره أن لو في الآية الشريفة تحتمل كونها الامتناعية، ولا يلزم من ذلك إبطال ما ذكره المصنف، والظاهر أن الموجب لدعوى المصنف أنها المصدرية إنما هو نصب فيكون والتقدير [1/ 265] عنده فوددنا لو أن لنا كرة كما قدر الفعل في لو نعان فننهدا.

ولكن النصب في فَنَكُونَ (4) يحتمل أن يكون لعطفه على كرة، فلا يتم مقصود المصنف.

والحق أن دعوى مصدرية لو في فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً (5) بعيد محوج إلى تكلف إضمار ما لا دليل عليه، والظاهر أن لو في هذه الآية الشريفة للتمني المحض، ولا يحتاج إلى تقدير فعل قبلها كما يراه المصنف. ولك في موضع أن وما بعدها وجهان (6): أن تكون مبتدأ محذوف الخبر أو فاعلا بفعل مقدر.

وأما مناقشته له في تقدير ثبت بعد لو وأن ذلك ليس مذهب سيبويه بل مذهب المبرد فالجواب عنها أن الخلاف بين سيبويه والمبرد إنما هو في أن الواقعة بعد لو الامتناعية.

أما لو المصدرية فإنه يجب تقدير الفعل بعدها؛ لأن صلتها إنما تكون فعلا.

وأما قوله: إنّ أن في: ما كان عليك أن لو صمت لله أيّا ما هي المخففة من الثقيلة فقد ينازع فيه من حيث إن أن المخففة لا تقع إلا بعد أفعال التحقيق واليقين.

(1) في النسخ: ولو تصدقت وهو خطأ.

(2)

سورة الجن: 16.

(3)

التذييل والتكميل (3/ 163).

(4)

،

(5)

سورة الشعراء: 102.

(6)

هما ما ذكرا قبل من مذهب المبرد وسيبويه.

ص: 773