الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[جواز رفع ظرف المكان الواقع خبرا ونصبه]
قال ابن مالك: (ويفعل ذلك بالمكانيّ المتصرّف بعد اسم عين:
راجحا إن كان المكانيّ نكرة، ومرجوحا إن كان معرفة، ولا يخصّ رفع المعرفة بالشعر، أو بكونه بعد اسم مكان خلافا للكوفيّين).
ــ
وأقول: إن المصنف مستغن عن ذكر ذلك.
أمّا القسم الأوّل: فظاهر لأنه لم يكن الخبر فيه ظرفا موقوعا فيه، إنما الخبر هو نفس المبتدأ ولا ظرفية هناك، وإذا كان كذلك فلا يقال: إن ظرف الزمان وقع خبرا لزمان، إنما وقع زمان غير ظرف خبرا لزمان، وهذا أمر واضح.
فحكم قولنا: زمان خروجك السّاعة حكم قولنا: زيد قائم في المبتدأية والخبرية.
وأما القسم الثّاني: وهو ما يكون الظرف فيه أعم نحو: زمان خروجك يوم الجمعة؛ فإن رفعت كان الزمان مخبرا به عن زمان كما في القسم الأول، ولكن أردت بيوم الجمعة بعض يوم الجمعة مجازا، وإن نصبت فلا بد من التأويل (1) ولأنك إذا أخذت الأمر على ظاهره لزم أن يكون الزمان ظرفا للزمان.
وقد ذكر الشيخ فروعا في مسائل الإخبار بظرف الزمان عن المصدر تركتها خوف الإطالة، مع أن الذي ذكره المصنف فيه غنية عن أكثرها (2).
قال ناظر الجيش: قال المصنف: «ذلك من قولي: ويفعل ذلك إشارة إلى الرفع المفهوم من قولي: وربّما رفع خبرا الزّمان الموقوع في بعضه. وراجحا ومرجوحا حالان من ذلك المشار به إلى الرفع. -
(1) أي تقدير في أو تقدير مضاف محذوف أي زمان خروجك بعض يوم الجمعة.
(2)
ثم قال: «والمضاف للمصدر كالمصدر نحو: أفضل قيامك يوم الجمعة، برفع يوم الجمعة ونصبه، والمصادر كلها تنتصب على الأوقات؛ فإذا وقعت خبرا لزمان وكان أعمّ من الزمان جاز الرفع والنصب نحو: زمان خروجك خفوق النّجم» . (التذييل والتكميل: 4/ 64 وما بعدها).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومثال ما قصد مما يكون الرفع فيه راجحا لتنكير الظرف المكاني مع كونه مؤقتا متصرفا (1) مخبرا به عن اسم عين قولهم: المسلمون جانب والمشركون جانب ونحن قدّام وأنتم خلف، والنصب جائز عند البصريين وعند الكوفيين، ومن زعم أن مذهب الكوفيين في مثل هذا التزام الرفع فقد وهم. فإن كان اسم المكان معرفة متصرفا اختير النصب، وجاز الرفع عند البصريين، ولم يجز عند الكوفيين إلّا في الشعر، وإذا كان المخبر عنه اسم مكان كقولك: داري خلفك ومنزلي أمامك». انتهى (2).
واحترز بالمتصرف من الذي لا يتصرف نحو عند، وكأن هذا الحكم الذي ذكره يختص بالظرف المكاني المبهم لا الظرف المختص (3) على ما يدل عليه تمثيله.
وقد ذكر الشيخ تقسيما في هذا الموضع فقال (4): «الظرف المكاني المتصرف إما أن يقع خبرا عن أسماء الأماكن، أو عن المصادر أو عن الأسماء غير الأماكن والمصادر: فإن وقع خبرا عن أسماء المكان المبهمة جاز فيه الرفع والنصب، نحو مكاني خلفك، ومن كلام العرب: منزله شرقيّ الدّار [1/ 373] برفع شرقي ونصبه.
فإن كان اسم المكان من الظروف المختصة؛ فالرفع نحو موعدك ركن الدار والمسجد أو المقصورة». قال: «فأما قولهم: موعدك باب البرادن أو باب الطّاق فقد روي النصب قليلا على معنى ناحية باب البردان وناحية باب الطاق، ولا يقاس على ذلك» .
قلت: واستثناؤه الظروف المختصة من جواز النصب يدلّ على أنه أراد بالظّرف الواقع خبرا في أصل التقسيم إنّما هو الظرف المبهم، كما قلنا: إن ذلك هو -
(1) الظرف المتصرف: هو ما يفارق النصب على الظرفية إلى غيرها، فيرفع على الفاعلية أو الابتداء، وينصب على المفعولية كالذي يذكره.
وغير المتصرف: هو ما يلزم النصب على الظرفية، أو يجر بمن كقبل وبعد ولدن وعند.
(2)
انظر: شرح التسهيل (1/ 322) وجواب إذا لم يذكر في الشرحين (ناظر الجيش وابن مالك) وهو مفهوم من جواب إن المذكور في قوله: فإن كان اسم المكان معرفة متصرفا اختير النصب وجاز الرفع عند البصريين
…
إلخ.
(3)
المراد بالظرف المكاني المختص: ما له صورة وحدود محصورة، نحو الدار والمسجد والبلد.
والمراد بالمبهم: ما ليس كذلك نحو الجهات الست، وهي أمام ووراء ويمين وشمال وفوق وتحت، وما أشبهها في الشياع كناحية ومكان وجانب، وقد اختلف في المقادير كفرسخ هل هي من المختص أو من المبهم. (حاشية الصبان: 2/ 129).
(4)
التذييل والتكميل (4/ 66 - 68).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الظاهر من كلام المصنف.
ثم كمل الشيخ التقسيم، فقال (1): «وإن وقع خبرا عن المصادر فالنصب نحو:
القتال خلفك والضّرب قدامك. وإن وقع خبرا لغير الأماكن والمصادر وكان مضافا إلى نكرة نحو: زيد خلف حائط وبكر وراء جبل، فالاتفاق على جواز الرفع والنصب، أو إلى معرفة فالرفع والنصب عند البصريين مطلقا والنصب عند الكوفيين إن لم يملأه فإن ملأه فالرفع عندهم أحسن من النصب، أو كان غير مضاف وكان مصحوبا بمن فالنصب والرفع نحو: زيد قريبا منك، وقريب منك وناحية من الدّار وناحية من الدار.
وقال سيبويه (2): قال يونس: العرب تقول: هل قريبا منك أحد، وقال الكسائي والفراء وهشام (3): يقال: عبد الله قريب منك وقريبا منك وبعيد منك، ويقلّ في كلامهم: بعيدا منك، وإنما قلّ لأنهم لما قالوا: عبد الله قربك وبقربك حسن ذلك مذهب المحلّ في قريبا منك. وإن كان غير مصحب بمن وفيه أل فالرّفع والنّصب عند البصريين والرفع فقط عند الكوفيين نحو: زيد الأمام أو اليمين أو الشمال. وإن كان بغير أل وعطف عليه منكور مثله فالاختيار عند الكوفيين الرفع، والبصريون يسوّون بينهما نحو: القوم يمين وشمال، وزيد مرأى ومسمع رفعا ونصبا، أو لم يعطف عليه مثله رفعه الكوفيّون لا غير، وجوّز البصريّون رفعه ونصبه، قالوا: زيد خلفا وخلف وأماما وأمام. فإن كان الظرف مختصّا لم يجز أن يقع خبرا لا برفع ولا بنصب نحو: زيد دارك إلا في ما سمع نحو قولهم: زيد جنبك يعنون ناحية جنبك ولا يقاس عليه: زيد ركن الدّار لا برفع ولا بنصب (4).
وقالت العرب (5): زيد قصدك نصبوا على المحلّ، المعنى: مكان قصدك، ولم يقولوا: زيد قيامك ولا عمرو قعودك وهم يعنون المكان، وقصدك لا يقاس عليه غيره. -
(1) المرجع السابق.
(2)
انظر الكتاب: (1/ 409) ونصه قال: «حدّثنا يونس أنّ العرب تقول في كلامها: هل قريبا منك أحد كقولهم: هل قربك أحد» .
(3)
التذييل والتكميل (2/ 215).
(4)
المرجع السابق.
(5)
لم أجد ذلك في التذييل والتكميل حتى آخر النقل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأجاز سيبويه (1): زيد قصدك بالرّفع من حيث أجاز زيد خلفك ولم يجزه الفرّاء (2).
وقال سيبويه: يقال: هو صددك وسقبك وقربك، صددك وسقبك وقربك، والرّفع جائز عنده على قول من يقول: زيد خلفك» انتهى كلام الشيخ.
وقد تبين منه أن البصريين يجوزون الرفع والنصب في المكاني المتصرف المبهم إذا وقع خبرا عن اسم عين سواء أكان الظرف نكرة أم معرفة بأل أم بالاضافة، وسواء أكانت النكرة مضافة أم لا مذكورا معها من أم غير مذكور (3).
وهذا الذي ذكره يؤخذ [1/ 374] من كلام المصنف حيث قال: ويفعل ذلك بالمكانيّ المتصرّف بعد اسم عين إلى آخره؛ لأنه بإطلاقه يدخل تحت كلامه الأقسام كلها.
ثم إذا تأملت علمت أن بين كلام المصنف وكلام الشيخ مخالفة ما بالنسبة إلى أرجحية النصب ومرجوحيته، فإن الشيخ حكم بالتساوي في صور اقتضى كلام المصنف فيها أرجحية أحد الأمرين على الآخر (4).
(1) انظر في هذا النقل وما بعده الكتاب: (1/ 407) قال سيبويه: «باب ما ينتصب من الأماكن والوقت، واعلم أن هذه الأشياء كلّها انتصابها من وجه واحد، ومثال ذلك: هو صددك وهو سقبك وهو قربك، واعلم أن هذه الأشياء كلّها قد تكون أسماء غير ظروف بمنزلة زيد وعمرو، سمعنا من العرب من يقول:
دارك ذات اليمين، وقال الشاعر وهو لبيد (من الكامل):
فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه
…
مولى المخافة خلفها وأمامها
(2)
في معاني القرآن له: (1/ 119) يقول: ومن كلامهم المسلمون جانب والكفّار جانب. فإذا قالوا: المسلمون جانب صاحبهم نصبوا، وذلك أنّ الصاحب يدلّ على محل كما تقول: نحو صاحبهم وقرب صاحبهم؛ فإذا سقط الصاحب لم تجده محلّا تقيده قرب شيء أو بعده.
وقال ذلك الكلام مرة أخرى في (2/ 203) وعلله قائلا: «وإنما أختاروا النصب في المعرفة؛ لأنه حين معلوم مسند إلى الّذي بعده فحسنت الصفة» .
(3)
والأمثلة على الترتيب بالرفع: زيد يمين واليمين ويمينك، ويمين حائط، ويمين من عليّ ويجوز النصب.
(4)
مثال ذلك قولنا: نحن قدّام وأنتم خلف رجح ابن مالك فيه الرفع.
وقولنا: زيد أمامك أو يمينك أو الأمام أو اليمين رجح ابن مالك فيه النصب، وحكم أبو حيان بتساوي الوجهين في المسألتين.