الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[إلحاق كاف الخطاب لبعض الكلمات الأخرى]
قال ابن مالك: (وتتّصل بـ «أرأيت» - موافقة أخبرني - هذه الكاف مغنيا لحاق علامات الفروع بها عن لحاقها بالتّاء، وليس الإسناد إليها مزالا عن التّاء، خلافا للفرّاء. وتتّصل أيضا بـ «حيهل» و «النّجاء» و «رويد» أسماء أفعال.
وربّما اتّصلت بـ «بلى» . وأبصر، وكلّا، وليس، ونعم، وبئس، وحسبت).
قال ناظر الجيش: لما ذكر أن الكاف المتصلة بأسماء الإشارة حرف خطاب وكان ثم مواضع أخر تستعمل فيها الكاف حرفا استطرد المصنف فذكرها (1).
فمنها (أرأيت): إذا أريد بها معنى أخبرني فإنه يجوز أن تتصل به كاف الخطاب وألا تتصل، فإن لم تتصل به وجب للتاء ما يجب لها مع سائر الأفعال: من تذكير وتأنيث، وتثنية وجمع، ومنه قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ (2).
وإن اتصلت به استغني بما يلحق الكاف من علامة تأنيث وتثنية وجمع عن ما يلحق التاء، وألزمت التاء ما يلزمها في خطاب المفرد المذكر، ومنه قوله تعالى:
قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ (3).
ولو كان الخطاب لاثنين بهذا المعنى لقيل أرأيتكما، ولو كان لأنثى لقيل أرأيتك، ولو كان لإناث لقيل أرأيتكنّ [1/ 280](4) فتلزم التاء الضمة والتجريد.
والكاف في هذا كله حرف خطاب لا موضع لها من الإعراب. واستدل سيبويه (5) على ذلك بقول العرب: أرأيتك فلانا ما حاله؟ ومنه قوله تعالى:
أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ (6).
وزعم الفراء أن موضعه رفع بالفاعلية، وأن التاء حرف خطاب (7)؛ والقول -
(1) شرح التسهيل (1/ 246).
(2)
سورة الأنعام: 46.
(3)
سورة الأنعام: 40، 47.
(4)
سقط ترقيم (ص 279) من الأصل.
(5)
الكتاب (1/ 245).
(6)
سورة الإسراء: 62.
(7)
لخص السيوطي هذه المذاهب في كتابه الهمع (1/ 77) فقال: المسألة الرابعة: تتصل هذه الكاف - أعني الحرفية - بأرأيت بمعنى أخبرني نحو: أرأيتك يا زيد عمرا ما صنع؟ وأرأيتك يا هند، وأرأيتكما وأرأيتكم وأرأيتكن، فتبقى التاء مفردة دائما، ويغني لحاق علامات الفروع بالكاف عن لحوقها التاء وفيها حينئذ مذاهب:
أحدها: أن الفاعل هو التاء، والكاف حرف خطاب لا موضع لها من الإعراب، وعليه البصريّون.
الثاني: أن التاء حرف خطاب وليست باسم، وإلا لطابقت، والكاف هي الفاعل للمطابقة وعليه الفراء. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأول أولى؛ لأن التاء لا يستغنى عنها، والكاف يستغنى عنها، وما لا يستغنى عنه أولى بالفاعلية مما يستغنى عنه، ولأن التاء محكوم بفاعليتها مع غير هذا الفعل بإجماع والكاف بخلاف ذلك؛ فلا يعدل عما ثبت لهما دون دليل.
فلو لم يرد بـ (أرأيت) معنى أخبرني وجب للتاء والكاف مجتمعين ما يجب لهما منفردين فيقال: أرأيتك قادرا، وأرأيتك قادرة، وأرأيتما كما قادرين، أرأيتموكم قادرين، أرأيتنكنّ قادرات، كما يقال: أعلمتك قادرا، وأعلمتما كما قادرين، وأعلمتموكم قادرين، وأعلمتك قادرة، وأعلمتنكن قادرات. هذا كلام المصنف (1).
وحاصل الأمر: أن رأيت التي بمعنى علمت يدخل عليها همزة الاستفهام. ولا شك أنها تتعدى إلى اثنين؛ فإن لم
يضمن معنى فعل آخر واستعملت على أصل موضعها - جاز أن يتصل بها الكاف ضميرا منصوبا، ويكون مطابقا للضمير المرفوع في إفراد وتذكير وأضدادهما، وتكون مفعولا أولا وما بعده مفعولا ثانيا. وقد ذكر المصنف أمثلة ذلك.
وإن ضمنت معنى أخبرني انسلخ عنها معنى الاستفهام حتى لا تقتضي جوابا حينئذ، وجاز أن يتصل بها كاف الخطاب ويجيء فيها العمل الذي ذكره المصنف.
وقد تقدم ذكر أمثلته، وقد عرفت المذهبين المذكورين: وهما مذهب البصريين وهو أن التاء فاعلة والكاف حرف خطاب، ومذهب الفراء وهو أن الكاف فاعلة والتاء حرف خطاب كما التاء في أنت. ومستنده أن التاء لما تجردت للخطاب وأفردت له - لم يجز أن تكون مرفوعة لإفرادها؛ لأن التاء إذا كانت ضميرا لم تفرد مذكرة لمثنى ومجموع ومؤنث. بل تطابق ما كانت ضميرا له، فدل ذلك على سلب الاسمية عنها. ولما ظهرت الاسمية في الكاف قال: إنها المسند إليها الفعل على جهة الفاعلية.
وقد رد المصنف قول الفراء بما تقدم ذكره، وقد ذكر أن في المسألة مذهبا ثالثا.
قال الشيخ (2): وفي محفوظي أنه مذهب الكسائي، وهو أن الكاف في موضع -
- ورد بأن الكاف يستغنى عنها بخلاف التاء، فكانت أولى بالفاعلية. وبأن التّاء محكوم بفاعليتها في غير هذا الفعل بإجماع، ولم يعهد ذلك في الكاف.
الثالث: أن الكاف في موضع نصب، وعليه الكسائي. ورد بما ذكره الشارح نقلا عن أبي حيان مما سيأتي قريبا.
(1)
شرح التسهيل (1/ 247).
(2)
التذييل والتكميل (3/ 204) والمغني (1/ 181)، والهمع (1/ 77).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نصب على المفعولية، ورد هذا المذهب بأن الكاف لو كانت في موضع نصب لكانت المفعول الأول من المفعولين اللذين تقتضيهما رأيت، والمفعول الأول في المعنى هو المفعول الثاني. وأنت إذا قلت: أرأيتك زيدا ما صنع؟ [1/ 281] أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ (1) استحال أن يكون المخاطب غائبا، فلا يكون إذن المفعول الأول، وإذا لم يكن إياه علمنا أنه لا موضع له من الإعراب، وإن زيدا هو المفعول الأول وما بعده في موضع المفعول الثاني.
ومثال اتصال الكاف المذكورة بحيهل، والنّجاء، ورويد: حيّهلك، والنّجاءك، ورويدك، بمعنى إيت وأسرع
وأمهل.
واحترز المصنف بقوله: أسماء أفعال - من استعمال النجاء ورويد مصدرين كما سيذكر ذلك في باب أسماء الأفعال إن شاء الله تعالى (2).
قال المصنف: وروي أيضا اتّصالها ببلى، وأبصر، وكلا، وليس، ونعم، وبئس، وحسب، وأنشد أبو علي:
508 -
[لسان السّوء تهديها إلينا]
…
وحنت وما حسبتك أن تحينا (3)
وأجاز أن يكون الكاف فيه حرف خطاب، وهو غريب. وحمله على ذلك وجود أن بعدها؛ فإنه إن لم يكن الأمر كما قال لزم الإخبار بأن والفعل عن اسم عين، وذلك لا سبيل إليه في موضع يخبر عنه فيه بمصدر صريح نحو: زيد رضا، -
(1) سورة الإسراء: 62.
(2)
قال في متن التسهيل (ص 211): «ولأمهل رويد ما لم ينصب حالا أو مصدرا نائبا عن أرود، أو مفردا مضافا إلى المفعول، أو نعتا لمصدر مذكور أو مقدّر» .
(3)
البيت من بحر الوافر غير منسوب لشاعر إلا قولهم: أنشد أبو علي.
اللغة: اللسان: المقول والمراد به القول هنا، واللسان يذكر ويؤنث، ولذلك جاء البيت بروايتين: تهديه وتهديها. حنت: في القاموس: (4/ 219): كل ما لم يوفق للرشاد فقد حان وهو المقصود هنا.
وشاهده واضح من الشرح وهو رأي أبي علي. وقد رد عليه باحتمال كون أن وصلتها بدلا من الكاف سادة مسد المفعولين، ويحتمل البيت تخريجا آخر وهو أن تكون الكاف ضميرا مفعولا أول، وأن زائدة، وتحين في موضع المفعول الثاني، فلا تكون أن مصدرية، وهذا على مذهب الأخفش في إجازته أن «أن» الزائدة تنصب (التذييل والتكميل: 1/ 749).
والبيت في معجم الشواهد (ص 387)، وفي شروح التسهيل لابن مالك (1/ 248)، ولأبي حيان (3/ 206)، وللمرادي (1/ 254).