الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الخبر: تعريفه وأنواعه وحديث طويل عنه]
قال ابن مالك: (فصل - الخبر مفرد وجملة والمفرد مشتقّ وغيره، وكلاهما مغاير للمبتدأ لفظا متّحد به معنى، ومتّحد به لفظا دالّ على الشّهرة وعدم التّغيّر، ومغاير له مطلقا دالّ على التّساوي حقيقة أو مجازا، أو قائم مقام
مضاف، أو مشعر بلزوم حال تلحق العين بالمعنى والمعنى بالعين مجازا).
ــ
على شيء يلتبس بالخبر والمبتدأ، وإن أشعر بالخبر لا إشعار له بما التبس بالخبر، فمن ثم لم يكن لجواز صاحبها في الدار مسوغ، ومن أجل أن الضمير المتصل بالمبتدأ لا يعود على الخبر نفسه، إنما يعود على شيء ملتبس به - كان تقديم ما يعود عليه الضمير ممكنا، فلهذا قيل: إن المفسر للضمير إذا أمكن تقديمه وقدم جازت المسألة نحو: زيدا أجله محرز، وزيدا أجله أحرز.
وأما المسألة الرابعة وهي ضرب غلامها بعل هند فلم يذكر لها هنا ما يصلح أن يكون نظيرا، ويمكن أن يزاد في نحو هذا المثال مضاف، فيكون نظيرا، وذلك نحو أن يقال: غلام هند إحسانها قيد، والظاهر أن ذلك لا يجوز. وإذا كان نحو:
ضرب غلامها بعل هند ممتنعا فهذا أولى بالمنع.
قال ناظر الجيش: اعلم أن الخبر هو محل الفائدة، والأقرب أن يقال في حده (1):
إنّه المجرّد من العوامل اللفظية الفعلية (2) وما شابهها المسند إلى مبتدأ.
وإنما قيد المسند بكونه إلى مبتدأ ولم يقتصر على المسند، لئلا يدخل في حد الخبر الصفة الواقعة مبتدأة من نحو: أقائم الزيدان، فإنه يصدق عليها أنها مجردة من العوامل المذكورة مسندة وليست الخبر.
ثم الخبر إما مفرد وإما جملة والمفرد قسمان: مشتق وغير مشتق أي جامد، والجملة قسمان: اسمية وفعلية.
والمراد بالمفرد هنا ما لعوامل الأسماء تسلط على لفظه عاريا كان من إضافة وشبهها أو ملتبسا بأحدهما نحو: زيد منطلق وعمر صاحبك (3) وبشر قائم أبواه. -
(1) شرح التسهيل (1/ 304) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون.
(2)
في نسخة الدار: إنه المجرد من العوامل الفعلية وما شابهها.
(3)
في الأصل: ضاحك، وما أثبتناه من نسخة (ب)، وهو الصحيح.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والجملة: ما تتضمن جزأين ليس لعوامل الأسماء تسلط على لفظ أحدهما نحو:
زيد أبوه عمرو، وبشر حضر أخوه؛ فنحو قائم أبواه من المثال الثالث ليس بجملة عند المحققين لتسلط العوامل على أول جزأين.
قال المصنف (1): والمراد بالمشتق هنا ما دل على متصف مسوغا من مصدر مستعمل أو مقدر، فذو المصدر
المستعمل نحو: ضارب ومضروب وحسن وأحسن، وذو المصدر المقدر نحو: ربعة وحزوّر. وقفاخر من الصفات التي لا مصادر لها ولا أفعال (2) فيقدر لها مصادر كما تقدر للأفعال التي لم يستعمل لها مصادر.
وغير المشتق: ما عري مما وسم به المشتق. وكل واحد من النوعين إذا أخبر به عن مبتدأ فالأكثر أن يغايره لفظا ويتحد به معنى، نحو: هذا زيد، وزيد فاضل.
فالشخص المشار إليه بهذا هو المعبر عنه بزيد فقد اتحدا معنى وتغايرا لفظا، وكذا زيد فاضل. وقد يقصد بالخبر المفرد بيان الشهرة وعدم التغير، فيتحد بالمبتدأ لفظا، ويكون أيضا على نوعين:
مشتق كقول رجل من طيئ [1/ 342]:
602 -
خليلي خليلي دون ريب وربّما
…
ألان امرؤ قولا فظنّ خليلا (3)
وغير مشتق كقول أبي النجم:
603 -
أنا أبو النّجم وشعري شعري
…
[لله درّي ما أجنّ صدري](4)
-
(1) شرح التسهيل (1/ 304).
(2)
الربعة: بفتح الراء وسكون الباء أو فتحها: الرجل بين الطول والقصر (القاموس: ربع).
الحزوّر: بفتح الحاء والزاي وتشديد الواو: الغلام القوي والرجل القوي والضعيف ضد (القاموس: حزر).
القفاخر: بضم القاف وكسر الخاء: الضخم الجثة (القاموس: 2/ 125) والقفاخرة: المرأة الحسنة الخلق.
(3)
البيت من بحر الطويل لم أعثر له على قائل، ومعناه أن الخليل الحق هو المصافي والمخلص في الحب والود والمتفاني في مساعدة صاحبه قولا وفعلا لا قولا كما يفعل بعض الأخلاء.
وشاهده قوله: خليلي خليلي حيث اتحد الخبر بالمبتدأ لفظا لا معنى إذ الخليل الثاني معناه المصافي والمخلص في الود وهو مشتق.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 304) والتذييل والتكميل (4/ 9) تحقيق د/ حسن هنداوي، وليس في معجم الشواهد.
(4)
الرجز كما قال صاحبه لأبي النجم العجلي من قبيلة عجل وهو، في الفخر والاعتزاز بالنفس والعمل.
وفيه شاهدان: حيث اتحد المبتدأ والخبر لفظا، وذلك إنما كان للدلالة على الشهرة، ومعناه في الأول: أنا ذلك المعروف الموصوف بالكمال، وشعري هو الموصوف بالفصاحة والبلاغة لا شعر غيري. البيت في -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أي: خليل من لا أشك في صحة خلته، ولا يتغير في حضوره ولا غيبته، وشعري على ما ثبت في النفوس من
جزالته، والتوصل به من المراد إلى غايته، وقد يفعل مثل هذا بجواب الشرط (1) كقولك: من قصدني فقد قصدني، أي فقد قصد من عرف بنجاح قاصده، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:«فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله» (2). يعني أن المعنى: فقد وقعت موقعها لما حصل فيها من جزيل الثواب.
وقد يكون مغايرا للمبتدأ في لفظه ومعناه، والحامل على ذلك الإعلام بالتساوي في الحكم حقيقة كقوله تعالى: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ (3) أو مجازا كقول الشّاعر:
604 -
ومجاشع قصب هوت أجوافها
…
لو ينفخون من الخؤرة طاروا (4)
وقد يكون المغاير لفظا ومعنى قائما مقام مضاف كقوله تعالى: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ (5)، وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ (6) ويدخل في هذا أيضا الدال على التساوي مجازا، فيقدر فعل مضاف إلى الخبر في قولهم: زيد زهير ومجاشع قصب، ونحو ذلك، وقد يكون المغاير لفظا ومعنى مشعرا بحال تلحق العين بالمعنى -
- شرح التسهيل: (1/ 304) والتذييل والتكميل: (4/ 10) ومعجم الشواهد (ص 478).
(1)
معناه أن جواب الشرط لا بد أن يكون مغايرا لفعله وهو الكثير المشهور، ولكنهما قد يتحدان للمعاني التي يذكرها.
(2)
الحديث في صحيح البخاري: (1/ 16) من كتاب الإيمان وأيضا في (7/ 4) من كتاب النكاح.
(3)
سورة الأحزاب: 6.
(4)
البيت من رائية طويلة لجرير بن عطية يرثي بها زوجته نوار، ثم انتقل بعد الرثاء إلى هجاء الفرزدق، ونص البيت كما في ديوان جرير (ص 207) طبعة بيروت يقول:
لا يخفينّ عليك أنّ مجاشعا
…
لو ينفخون من الخؤور لطاروا
اللغة: قصب: نبات معروف. هوت: يقال: هوى صوره إذا خلا. الخؤرة: الضعف.
معناه: أن هذه القبيلة ضعيفة لا خير فيها، وهي بمنزلة عيدان القصب الخالية من الداخل، وصدورهم خالية كالهواء أيضا، والأمر كما قال الله تعالى في الظالمين: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ [إبراهيم: 43].
والشاهد فيه: قوله: ومجاشع قصب حيث غاير الخبر المبتدأ في لفظه ومعناه، ولكنه ساواه مجازا حيث المراد تشبيه الأول بالثاني، والبيت في شرح التسهيل (1/ 305) والتذييل والتكميل:(4/ 11) وليس في معجم الشواهد.
(5)
سورةآل عمران: 163.
(6)
سورة البقرة: 177.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو المعنى بالعين، فالأول: نحو قولك زيد صوم تريد المبالغة كأنك جعلته نفس الصوم، ولا يراد بذلك ذو صوم؛ لأن ذا الصوم يصدق على القليل الصوم وكثيره، وهو صوم لا يصدق إلا على المدمن الصوم، وكذلك ما أشبهه (1).
والثاني: نحو نهار فلان صائم وليله قائم، ومنه: وَالنَّهارَ مُبْصِراً * (2) وكقول الشاعر أنشده سيبويه (3):
605 -
أمّا النّهار ففي جوف وسلسلة
…
واللّيل في جوف منحوت من السّاج (4)
ومن هذا القبيل قولهم: شعر شاعر وموت مائت. انتهى كلام المصنف (5).
ويتعلق به أبحاث:
الأول:
أفهم كلامه أن الخبر الواقع ظرفا أو مجرورا ليس قسما برأسه كما ذهب إليه ابن السراج (6) فقال: إنه ليس من قبيل المفرد ولا من قبيل الجملة بل إنه منطو في أحد القسمين إما المفرد وإما الجملة وسيأتي الكلام في ذلك عند تعرض المصنف له.
الثاني:
نازعه الشيخ في: ربعة وحزوّر وتفاخر مصوغة من مصادر أهملت، وأنها تقدر لها مصادر، فقال (7): -
(1) من مثل قولك: زيد عدل وفضل ورضا.
(2)
يونس: 67، النمل: 86، غافر:61.
(3)
انظر الكتاب (1/ 161).
(4)
البيت من بحر البسيط وهو من شواهد سيبويه (1/ 161). قال الأستاذ عبد السّلام هارون: هو من الخمسين المجهولة القائل.
والشاعر يتحدث عن نفسه فيقول: إنه يقضي النهار مقيدا ومغلولا في سلسلة كما يوضع بالليل في خشيبة من الساج، وهو شجر غليظ ينبت في الهند، وإنما قلنا: يتحدث عن نفسه لأن الشعر لرجل من اللصوص كما ذكرت مراجعه.
والشاهد فيه: المجاز في جعل النهار والليل مقيدين، وإنما يريد نفسه.
والشاهد في شرح التسهيل (1/ 306) والتذييل والتكميل: (4/ 12). ومعجم الشواهد (ص 78).
(5)
شرح التسهيل لابن مالك (1/ 306).
(6)
التذييل والتكميل (4/ 5)، والهمع (1/ 99).
(7)
التذييل والتكميل (4/ 19).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يلزم ذلك وإن كانت تستعمل أوصافا؛ لأن الإخبار بها لا يستلزم اشتقاقها، وإن استعملت نعوتا أو أخبارا ورفعت ما بعدها فإنما ذلك لإجرائها مجرى المشتق.
قال: وقد ذكر المصنف ذلك في باب النعت؛ فإنه لما قسم النعت إلى مفرد وجملة قسم المفرد إلى مشتق لفاعل أو مفعول، وإلى جار مجرى المشتق أبدا، أو جار مجراه في حال دون حال.
فذكر من الجاري أبدا لوزعيّ بمعنى فطن، وجرشع بمعنى غليظ، وصمحمح بمعنى شديد، وشمردل بمعنى طويل (1)[1/ 343].
قال الشيخ: «فكذلك تكون ربعة وحزوّر وقفاخر جارية مجرى المشتقّ» انتهى (2) والذي ذكره الشيخ هو الظاهر والأقرب.
الثالث (3):
قسم المصنف الخبر المغاير للمبتدأ لفظا ومعنى أربعة أقسام:
ما دل على التساوي حقيقة كقوله تعالى: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ (4).
وما دل على التساوي مجازا نحو: «ومجاشع قصب هوت أجوافها» .
وما حذف منه مضاف هو الخبر في الأصل، وأقيم المضاف إليه مقامه نحو قوله تعالى: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ (5).
وما يفيد إلحاق عين بمعنى أو معنى بعين نحو: زيد صوم، ونحو نهار زيد صائم.
والذي ذكره النحاة أن الخبر إما أن يكون هو المبتدأ في المعنى كزيد قائم، وهذا -
(1) قال ابن مالك في باب النعت (تسهيل الفوائد: ص 167):
«فصل: المنعوت به مفرد أو جملة كالموصول بها منعوتها نكرة أو معرف بأل الجنسية، والمفرد: مشتق لفاعل أو مفعول أو جار مجراه أبدا أو في حال دون حال.
فالجاري أبدا: كلوزعي وجرشع وصمحمح وشمردل، وذي بمعنى صاحب وفروعه وأولي وأولات، وأسماء النسب المقصود.
والجاري في حال دون حال: مطرد وغير مطرد، فالمطرد: أسماء الإشارة غير المكانية، وذو الموصولة وفروعها، ورجل بمعنى كامل، وأي وكل وجد وحق مضافات إلى اسم جنس مكمل معناه للمنعوت.
وغير المطرد: النعت بالمصدر والعدد .. إلخ.
(2)
التذييل والتكميل (4/ 9).
(3)
كلمات الأول والثاني والثالث ساقطة من نسخة الأصل.
(4)
سورة الأحزاب: 6.
(5)
سورةآل عمران: 163.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هو الذي أراده المصنف بقوله: متّحد به معنى بعد قوله: مغاير له لفظا: وإما أن يكون منزلا منزلته كقولنا: أبو يوسف أبو حنيفة، وزيد الأسد، وكقوله تعالى:
وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ (1) أي تنزلن منزلة الأمهات في حرمة التزوج، ونحو: ما أنت إلا سير. ثم قالوا: ولذلك تأويلان:
أحدهما: على أنه حذف مضاف أي مثل أبي حنيفة، ومثل الأسد، وصاحب سير، وكذا زيد صوم أي صاحب صوم.
الثاني: أن يجعل أحدهما الآخر مبالغة كما قال أبو علي (2) في قول الشاعر:
606 -
[ترتع ما رتعت حتّى إذا ادّكرت]
…
فإنّما هي إقبال وإدبار (3)
جعلها نفس الإقبال والإدبار مبالغة لكثرة وقوع ذلك من فاعله.
وأما المصنف فكأنه نحا إلى شيء، وهو أن الخبر إذا كان مغايرا للمبتدأ معنى فقد تقصد المبالغة بجعل العين نفس المعنى، أو بجعل المعنى نفس العين إذا كان في الكلام إشعار بلزوم حال تلحق أحدهما بالآخر، وحينئذ فلا يقدر مضاف -
(1) سورة الأحزاب: 6.
(2)
في كتاب سيبويه جاء قوله: (1/ 337) بعد كلام له: وإن شئت رفعت هذا كلّه فجعلت الآخر هو الأول، فجاز على سعة الكلام، ثم أنشد بيت الخنساء، وقال: جعلها الإقبال والإدبار. فجاز على سعة الكلام، كقولك: نهارك صائم وليلك قائم. وفي المقتضب: (3/ 230) يقول المبرد تعليقا على البيت المذكور: أي ذات إقبال وإدبار، ويكون على أنّه جعلها الإقبال والإدبار لكثرة ذلك منها.
(3)
البيت من بحر البسيط من قصيدة طويلة للخنساء ترثي فيها أخاها صخرا، وقد غنى ابن سريج بعض أبياتها ومطلعها كما في الديوان (ص 26).
قذا بعينك أم بالعين عوّار
…
أم ذرّفت إذ خلت من أهلها الدّار
وقبل بيت الشاهد قولها تصف حزنها على أخيها.
فما عجول لدى بوّ تطيف به
…
لها حنينان إصغار وإكبار
ترتع ما رتعت
…
بيت الشاهد وبعده:
يوما بأوجع منّي يوم فارقني
…
صخر وللدّهر إحلاء وإمرار
اللغة: العجول من النساء والإبل: الواله التي فقدت ولدها وهي الثكلى لعجلتها في مجيئها وذهابها جزعا. البوّ:
ولد الناقة، وجلد يحشى تبنا، ويقرب من أم الفصيل فتعطف عليه وتدر اللبن. ادّكرت: أي تذكرت ولدها.
والشاهد في البيت: الإخبار عن الذات بالحدث في قولها فإنما هي إقبال وإدبار وقد خرجوه على المبالغة كأن الحدث هو الذات، وقيل بحذف المضاف أي ذات إقبال وإدبار، وقيل بتأويل المصدر باسم الفاعل أي مقبلة ومدبرة.
والبيت في شرح التسهيل لابن مالك: (1/ 324) وهو في معجم الشواهد (ص 164).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
محذوف؛ لأن تقديره مضاف لهذا القصد، وقد تقدم أن نحو: زيد ذو صوم يصدق على القليل الصوم، والكثير وزيد صوم لا يصدق إلا على المدمن الصوم.
وإن لم يقصد المبالغة فإما ألا يكون بين المبتدأ والخبر مشاركة في حكمه، فيجب تقدير مضاف كقوله تعالى: هُمْ دَرَجاتٌ (1) أي ذو ودرجات، وإما أن يكون بينهما مشاركة فيه، وحينئذ إما أن تكون المشاركة في ذلك الحكم ثابتة فيكون الخبر (2) وإلا على التساوي حقيقة كقوله تعالى: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ (3) فإن المشاركة بين المبتدأ (4) في الحكم الذي هو حرمة التزوج ثابت قطعا.
وإما أن تكون المشاركة بالدعوى دون تحقق ثبوت، فيكون الخبر دالّا على التساوي مجازا نحو قول الشاعر:
607 -
ومجاشع قصب
…
...
…
البيت
نعم، ويجوز في هذا أعني ما دل على التساوي مجازا - أن يقدر مضاف محذوف، ولا شك أن المجاز ينتفي حينئذ ويصير اللفظ حقيقة، والظاهر أن تقدير المضاف أولى من عدم التقدير، ولو قيل بتقدير المضاف فيما دل على التساوي حقيقة لم يكن بعيدا، بل ربما يترجح لأنه الأصل، وعلى هذا يرجع [1/ 344] الحال عند مغايرة الخبر المبتدأ في المعنى إلى أمرين:
أحدهما: تقدير مضاف محذوف.
والثاني: أن يجعل الثاني نفس الأول إذا قصدت المبادأة، وحينئذ يرجع ما قاله المصنف إلى ما قاله غيره من النحاة من أنه عند المغايرة لنا تأويلان:
إما أن يقدر مضاف محذوف إن لم يقصد المبالغة.
وإما أن يجعل أحدهما الآخر مبالغة.
وعلى هذين التأويلين حمل العلماء قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الجنين في بطن الناقة المذبوحة أو البقرة أو الشاة فقالوا: نلقيه أم نأكله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «كلوه إن شئتم فإنّ -
(1) سورةآل عمران: 163.
(2)
في الأصل: فيكون الحكم وما أثبتناه من نسخة (ب).
(3)
سورة الأحزاب: 6.
(4)
هكذا في الأصل.