الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[من وما ومراعاة اللفظ أو المعنى فيها]
قال ابن مالك: (فصل (1): من وما في اللّفظ مفردان مذكّران (2) فإن عني بهما غير ذلك فمراعاة اللّفظ فيما اتصل بهما وبما أشبههما أولى ما لم يعضد المعنى سابق فيختار مراعاته أو يلزم بمراعاة اللفظ لبس أو قبح فيجب مراعاة المعنى مطلقا خلافا لابن السّرّاج في نحو: من هي محسنة أمّك؛ فإن حذف هي سهل التّذكير، ويعتبر المعنى بعد اعتبار اللّفظ كثيرا وقد يعتبر اللّفظ بعد ذلك).
قال ناظر الجيش: قد تقدم أن من الموصول كلمات حصل الاشتراك فيها بين المفرد والمذكر وفروعهما، أعني التثنية والجمع والتأنيث فيستعمل في جميع ما ذكر بلفظ واحد ولا شك أن المراد بتلك الكلمة يتبين بالعائد والخبر ونحوهما، فعلى هذا قد يوافق المعنى المراد اللفظ وقد يخالفه، وإذا خالف فقد يراعى اللفظ خاصة وقد يراعى المعنى خاصة وقد يراعيان معا فقصد المصنف الآن الإشارة إلى ذلك ولكنه قصر الحكم على من وما [1/ 243] فلم يذكر غيرهما.
وابن عصفور عمم الحكم فقال (3): «ويجوز فيما كان من الموصولات للواحد والاثنين والجمع المذكّر والمؤنّث بلفظ واحد نحو من وما الحمل على اللفظ والحمل على المعنى» . ومن ثم اعترض الشيخ على المصنف بأن تخصيصه هذا الحكم من الموصولات بمن وما ليس بجيد؛ لأن غيرهما من الموصولات مما يستعمل مفردا مذكرا يشركهما فيه، وذلك الغير ذا بعد من وما في الاستفهام، وأي في الأفصح، وذو وذات في الأفصح، وأل (4) وهذا الذي قاله هو كلام ابن عصفور (5).
والذي يظهر أن المقتضي لاقتصار المصنف على ذكر من وما أمران:
أحدهما: أنهما كانا كالأصل في ذلك (6) لغيرهما ولهذا بدأ بهما النحاة في -
(1) كلمة فصل: مأخوذة من نسخة التسهيل المحققة (ص 36).
(2)
كلمة مذكران.
(3)
المقرب ص 63 قال ابن عصفور: ويجوز فيما كان من الموصولات للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد نحو من وما الحمل على اللفظ فيعامل معاملة الواحد المذكر والحمل على المعنى فيكون الحكم على حسب المعنى الذي تريد وهو أيضا في شرح الجمل لابن عصفور: (1/ 134 - 136) تحقيق فواز الشغار وإميل يعقوب.
(4)
نصه في التذييل والتكميل: (3/ 107).
(5)
انظر المقرب (ص 63) وشرح الجمل: (1/ 134، 136).
(6)
كلمة في ذلك ساقطة من نسخة الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الذكر عند غير المشترك من الموصولات، وقد اقتصر ابن عصفور في التمثيل عليهما فصار كأنهما الأصل في ذلك فكان ذكرهما مغنيا عن ذكر غيرهما.
الثاني: أن مراعاة اللفظ تارة والمعنى أخرى ليس مخصوصا بمن وما الموصولتين بل هذا الحكم جائز في جميع أقسامهما فلا فرق في ذلك بين الموصولتين والشرطيتين - والاستفهاميتين فكان الواجب ذكرهما بالخصوص لأن أخواتهما من الموصولات لا يستعمل إلا موصولا فلو أن المصنف نحا إلى ما نحا إليه ابن عصفور لكان كلامه متوجها إلى من وما الموصولتين فقط ولم يفهم منه أن هذا الحكم لهما في الشرط والاستفهام أيضا.
إذا تقرر هذا فاعلم أن بين كلام ابن عصفور في هذا الفصل وكلام المصنف فيه والتقسيم الذي أورداه - مخالفة:
وأنا أذكر كلّا من الكلامين ثم أشير إلى وجوه المخالفه بينهما: (1).
- أما المصنف فإنه قال (2): قد تقدم أن من وما يقع كل واحد منهما موقع الذي -
(1) قبل أن نقرأ هذا الموضوع الطويل الكثير الخلاف إليك تقديما موجزا له وهو ما ذكره الرضيّ في شرحه على الكافية: (2/ 55) في هذا الموضوع قال الرضي:
«من وما في اللفظ مفردان مذكران صالحان للمثنى والمجموع والمؤنث فإن عني بهما أحد هذه الأشياء فمراعاة اللفظ فيما يعبر به عنهما من الضمير والإشارة ونحوهما أكثر وأغلب وإنما كان كذلك؛ لأن اللفظ أقرب إلى تلك العبارة المحمولة عليهما من المعنى إذ هو وصلة إلى المعنى
…
ثم قال:
«وإن تقدم على المحمول على من وما وشبههما من المحتملات ما يقصد المعنى في ذلك المحمول كقولك منهن من أحبها فهو أولى من قولك أحبه لتقدم لفظة منهن فلهذا لم يختلف القراء في تذكير: ومن يقنت منكنّ - ومن يأت بخلاف قوله تعالى: وتعمل لأنه جاء بعد قوله: منكنّ وهو عاضد للمعنى فلذا قال:
نؤتها أجرها. وإن حصل بمراعاة اللفظ ليس وجب مراعاة المعنى فلا تقول: لقيت من أحبه وأنت تريد من النسوان إلا أن يكونه هناك قرينة. ويجب أيضا مراعاة المعنى فيما وجب مطابقته للمحمول على المعنى نحو: من هي محسنة أمّك ولا يجوز محسن لأنه خبر لهي المحمولة على معنى من الذي بمعنى التي والخبر المشتق يجب مطابقته للمبتدأ تذكيرا وتأنيثا وإفرادا وتثنية وجمعا». ثم قال:
(2)
شرح التسهيل: (1/ 212).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والتي وتثنيتهما وجمعهما والكلام الآن في أنهما في اللفظ مفردان مذكران فإذا وافق معناهما. لفظهما كفى المتكلم واستوى العالم والمتعلم وإذا خالف معناهما لفظهما فلك فيما لهما من ضمير وغيره مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى، لكن مراعاة اللفظ فيما اتصل بهما أولى كقوله تعالى:(1) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ (2)، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ (3). ومراعاة المعنى فيما اتصل بهما جائز كقوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ (4) ومن وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ (5).
ومنه قول امرئ القيس:
416 -
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها
…
لما نسجتها من جنوب وشمأل (6)
أي التى نسجتها منه. ومثله قول الآخر:
417 -
تعشّ فإن عاهدتني لا تخونني
…
نكن مثل من يا ذئب يصطحبان (7)
هذا إذا لم يعضد المعنى سابق فيختار مراعاته كقول الشاعر: -
(1) شرح التسهيل (1/ 212).
(2)
سورةآل عمران: 162.
(3)
سورة الحديد: 23.
(4)
سورةيونس: 43.
(5)
سورة الأنبياء: 82.
(6)
البيت من بحر الطويل وهو ثاني بيت من معلقة امرئ القيس المشهورة وهي في الديوان (ص 8 - 26).
اللغة: توضح والمقراة: موضعان. لم يعف رسمها: لم يذهب أثرها.
نسجتها: أتت عليها. الجنوب والشمأل: من أسماء الرياح عند العرب.
والمعنى: لم يتغير مواضع أحبابه وديارهم بسبب الرياح فقط وإنما بمرور الأزمنة عليها وسقوط الأمطار.
ويستشهد بالبيت على مجيء العائد على الموصول باعتبار معناه وهو المفرد المؤنث ولو اعتبر لفظ ما لقال نسجها.
والبيت في معجم الشواهد (ص 303) وفي التذييل والتكميل: (3/ 108).
(7)
البيت من بحر الطويل من قصيدة للفرزدق سبق الحديث عنها.
وهو في هذا البيت يصف موقفا بينه وبين ذئب لقيه في طريقه فرمى له الفرزدق رجل شاة ثم عاد فرمى له يدها وتصاحبا (انظر القصيدة في ديوان الفرزدق 2/ 329) وبعد بيت الشاهد قوله:
وأنت امرؤ يا ذئب والغدر كنتما
…
أخيّين كانا أرضعا بلبان
ويستشهد بالبيت على ذكر الضمير العائد على الموصول مثنى باعتبار معناه في قوله: يصطحبان وسيأتي هذا البيت شاهدا مرة أخرى في آخر هذا الباب.
وهو في معجم الشواهد (ص 398) وفي شرح التسهيل (1/ 213) وفي التذييل والتكميل (3: 108).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
418 -
وإنّ من النّسوان من هي روضة
…
تهيج الرّياض قبلها وتصوّح (1)
فاعتضد اعتبار المعنى وهو التأنيث يسبق من النسوان.
والإشارة بقولي: وبما أشبههما إلى نحوكم وكأين ..
وأشرت بقولي: أو يلزم بمراعاة اللفظ لبس - إلى نحو قولك: أعط من سألتك لا من سألك، وأعرض عمن مررت
بها لا عن من مررت به. فهذا وأمثاله يجب فيه مراعاة المعنى لئلا [1/ 244] يوقع في لبس وفهم غير المراد.
وأشرت بما يلزم منه قبح إلى نحو من هي حمراء أمتك فإن مراعاة المعنى فيه متعينة إذ لو استعمل التذكير مراعاة للفظ فقيل: «من هو أحمر أمتك» لكان في غاية من القبح.
ووافق ابن السراج على منع التذكير في هذا وأمثاله، وأجاز في نحو من هي محسنة أمك أن يقال: من هي محسن أمّك، ومن محسن أمك، فأما من محسن أمك فقريب (2) وأما من هي محسن أمّك ففيه من القبح قريب مما في هى أحمر أمتك فوجب اجتنابهما.
والذي حمل ابن السراج على جواز من هي محسن أمك: شبه محسن بمرضع ونحوه من الصفات الجارية على الإناث بلفظ خال من علامة بخلاف أحمر فإن إجراء مثله على مؤنث لم يقع فلذلك اتفق على منع من هي أحمر أمتك (3). -
(1) البيت من بحر الطويل وهو من قصيدة طويلة لجران العود في هجاء امرأته (انظر ديوانه ص 7).
والبيت في الديوان هكذا:
ولسن بأسواء فمنهنّ روضة
…
......
إلخ اللغة: أسواء: جمع مفرده سواء بمعنى مثل أي لسن سواسية. الرّوضة: الحديقة وتجمع على رياض.
تهيج: من هاج النبت إذا يبس (المصباح: 1/ 221). تصوّح: من التصوح، ومعناه أن ييبس البقل من أعلاه.
وجران العود يذكر أن من النساء من هن جميلات يرتاح النظر إليهن ومنهن غير ذلك كما في البيت الذي بعده.
وشاهده: عود الضمير العائد على الموصول مؤنثا باعتبار معناه والذي قوى ذلك سبقه بما يناسبه.
والبيت في معجم الشواهد (ص 85) وفي شرح التسهيل (1/ 213) وفي التذييل والتكميل (3/ 109).
(2)
بالقاف ووجهه أن حذف العائد أباح تذكير خبر الصلة وروي بالغين أي فغريب ووجه غرابته شيئان، أولهما: حذف العائد المرفوع من الصلة القصيرة. الثاني: ما نحن فيه وهو مراعاة لفظ من في تذكير الصلة ثم الإتيان بخبر الموصول بعدها مؤنثا.
(3)
أي وجاز على قبح من هى محسن أمك لشبه محسن بمرضع.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واعتبار المعنى بعد اعتبار اللفظ كقول تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (1). فلو عضد المعنى بعد اعتبار اللفظ تأيد (2) اعتبار المعنى ولذا قرأ غير حمزة والكسائي (3): وتعمل (4) بالتاء لأن معنى التأنيث قد اعتضد بسبق منكن وهو نظير اعتضاد معنى التأنيث فيمن هي روضة بسبق من النسوان.
واعتبار اللفظ بعد اعتبار المعنى كقوله تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (5) ومنه قول الشاعر:
419 -
لست ممّن يكعّ أو يستكينو
…
ن إذا كافحته خيل الأعادي (6)
-
(1) سورة البقرة: 8.
(2)
في شرح التسهيل: تعين مكان تأيد.
(3)
غير حمزة والكسائي من القراء السبعة هم: نافع وابن كثير وأبو عمرو بن العلاء وابن عامر وعاصم.
(4)
الآية: 31 من سورة الأحزاب وهي: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً. أجمع القراء على قراءة - يقنت بالياء التحتية والحجة في ذلك أن الفعل مسند إلى من ولفظ من مذكر فسبق التذكير إلى الفعل قبل ما يدل على التأنيث من قوله: منكنّ، وقوله: نؤتها أجرها. وهذا بخلاف الفعل الثاني في الآية وهو تعمل.
وأما تعمل: فقد قرأ حمزة والكسائي بالياء التحتية وحجتهما في ذلك أنه محمول على تذكير لفظ «من» لأن لفظه مذكر. وغير حمزة والكسائي قرأ بالتاء الفوقية وحجتهم في ذلك أنهم حملوا الفعل على معنى «من» لأن المراد بها مؤنث وهو خطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم. وأيضا فإنه أتى بعد قوله «منكن» الذي يدل على التأنيث فجرى على تأنيثه (وهو موضع الشاهد في الآية) ومن هنا حسن التأنيث فيه بخلاف الفعل الأول.
وأما «نؤتها» فقد قرئ بالياء وهو إخبار عن الله عز وجل لتقدم ذكره في الآية والآيات السابقة كما قرئ بالنون وفيه تعظيم لله سبحانه تعالى بإعطاء الأجر لنساء النبي عليه الصلاة والسلام.
(انظر في ذلك الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها لمكي بن أبي طالب (2/ 196، 197) تحقيق د/ محيي الدين رمضان (مؤسسة الرسالة).
(5)
سورة الطلاق: 11. واعتبار اللفظ أولا في قوله: يؤمن ويعمل ويدخله؛ حيث جاء الضمير مفردا مذكرا، واعتبار المعنى ثانيا في «خالدين» حيث جمع وهو حال، واعتبار اللفظ مرة أخرى في قوله: قد أحسن الله له رزقا.
(6)
البيت من بحر الخفيف غير منسوب في مراجعه وهو في الفخر بالشجاعة والقوة عند الحرب.
اللغة: يكعّ: بضم الكاف وكسرها من كع يكع إذا ضعف وجبن. استكان: ذل وخار.
والشاهد في البيت: ذكر العائد على الموصول مفردا في يكعّ وجمعا في يستكينون ومفردا مرة أخرى في كافحته وكلّ جائز.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 214) وفي التذييل والتكميل (3/ 116) وليس في معجم الشواهد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هذا ما ذكره المصنف في شرح هذا الفصل (1).
- وأما ابن عصفور: فإنه قدر جواز الحمل في من وما على اللفظ وجوازه على المعنى ومثل لكل منهما ثم قال: (2).
وإن شئت حملت في جميع ما ذكر بعض الصلة على اللفظ وبعضها على المعنى إلا أن يؤدي حمل بعض الصلة على اللفظ وبعضها على المعنى إلى مخالفة الخبر للمخبر عنه والخبر فعل أو إلى إيقاع وصف خاص بالمذكر على المؤنث أو بالمؤنث على المذكر من الصفات التي لم يفصل بين مذكرها ومؤنثها بالتاء فإن أدى إلى شيء من ذلك لم يجز وكذلك إن أدى حمل الصلة كلها على اللفظ إلى إيقاع وصف خاص بالمذكر على المؤنث من الصفات المذكورة لم يجز.
ومثل مخالفة الخبر للمخبر عنه مع كون الخبر فعلا بقول القائل: من كان يقومان أخواك ومن كان يقومون إخوتك يعني أن الضمير المحمول على اللفظ مخبر عنه بما بعده والخبر الواقع عنه فعل. فهذا لا يجوز فيه إلا الحمل على اللفظ خاصة نحو من كان يقوم أخواك أو على المعنى خاصة نحو من كانا يقومان أخواك.
أما المخالفة كالمثال المذكور أولا وهو: (من كان يقومان أخواك)، فلا يجوز.
قال: «وإنما قلت والخبر فعل؛ لأن مخالفة الخبر للمخبر عنه إذا كان اسما وكان من الصفات التي يفصل بين مذكرها ومؤنثها بالتاء ففيه خلاف ..
فمنهم من لم يجز الجمع بين الحملين: وإليه ذهب ابن السراج.
[1/ 245] ومنهم من أجازه: وإلى ذلك ذهب الكوفيون وأكثر البصريين وهو الصحيح (3) فيقول: من كان قائما أخواك. ومن كانا قائمين أخواك. ومن كان قائمين أخواك. الأول على اللفظ والثاني على المعنى والثالث الاسم فيه محمول على اللفظ والخبر على المعنى. -
(1) شرح التسهيل (1/ 214).
(2)
نصه في المقرب (1/ 63) من المطبوع (مطبعة العاني ببغداد).
(3)
انظر هذه النقول بنصها في حاشية كتاب المقرب لابن عصفور (ص 18) نسخة جامعة القاهرة المحققة. تحقيق يوسف يعقوب الغنيم (كلية دار العلوم) إشراف الأستاذ عبد السّلام هارون سنة (1970 م) تحت رقم (984).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكذلك: من كان قائما إخوتك. ومن كانوا قائمين إخوتك. ومن كان قائمين إخوتك (1) ومن ذلك قوله جل
وعلا: وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى (2) وقال الشاعر:
420 -
…
وأيقظ من كان منكم نياما (3)
وكذا يقول: من كان قائما جاريتك ومن كانت قائمة جاريتك ومن كان قائمة جاريتك: على اللفظ وعلى المعنى وعليهما معا.
قال: فإن (5) كانت من لفظ واحد فإن الكسائي لا يجيز إيقاع صفة المذكر من ذلك على المؤنث ولا المؤنث على المذكر فيجوز عنده أن تقول من كانت حمراء جاريتك حملا على المعنى ومن كان حمراء جاريتك حملا للاسم على اللفظ وللخبر على المعنى ولا يجوز عنده أن تقول من كان من النساء أحمر جاريتك -
(1) الأول: الاسم والخبر فيه محمولان على اللفظ، والثاني: محمولان على المعنى، والثالث: الاسم محمول على اللفظ والخبر محمول على المعنى.
(2)
سورة البقرة: 111.
(3)
الشاهد شطرة ثانية من بحر المتقارب لم أعثر لها على تتمة أو قائل.
وشاهده هنا: أنه جمع فيما عاد على الموصول بين الحمل على اللفظ (اسم كان) والحمل على المعنى (خبرها).
والشاهد في التذييل والتكميل (3/ 111) وليس في معجم الشواهد.
(4)
القائل هو ابن عصفور، وما نقل هنا مجمله في المقرب (1/ 63) من المطبوع و (ص 18) من المخطوط المحقق بجامعة القاهرة، وأما تفصيله والأمثلة المذكورة ففي حاشية على المقرب من النسخة المخطوطة المحققة.
(5)
كلمة (فإن) ساقطة من النسخ وهي من عندنا زيادة يقتضيها المقام.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا من كان أحمر جاريتك. والفراء يجيز جمع ذلك لاتفاق صفة المذكر والمؤنث في الحروف الأصول كاتفاق
قائم وقائمة في ذلك (1).
وما ذهب إليه الكسائي هو الصحيح؛ لأن مثل قائمة قد تقع على المذكر كراوية ونافعة ومثل قائم قد يقع على المؤنث كحائض وطامث ومثل أحمر لا يقع على المؤنث ومثل حمراء لا يقع على المذكر.
وإن لم يكن من لفظ واحد كأمة وعبد لم يجز عند أحد من النحويين أن يقع صفة المذكر على المؤنث ولا المؤنث على المذكر فتقول: من كانت أمة جاريتك حملا على المعنى ومن كان أمة جاريتك حملا للاسم على اللفظ وللخبر على المعنى ولا يجوز أن تقول: من كان من النساء عبدا أمتك ولا من كان عبدا أمتك، ومثال ما يؤدي فيه حمل جميع الصلة على اللفظ إلى إيقاع وصف خاص للمذكر على المؤنث من الصفات غير المفصول بين مذكرها ومؤنثها بالتاء قولك من كان أحمر جاريتك.
هذا آخر كلام ابن عصفور (2) وبينه وبين كلام المصنف المخالفة من جهات:
أحدها: أن المصنف لم ينص على مسألة من كان يقومان أخواك (3) ولا نبه على أنها ممتنعة وذلك إما لأن ذلك جائز عنده غير ممتنع وإما لأنه إنما ذكر أولا [1/ 246] حمل جملة الكلام على اللفظ وحمله على المعنى ولا شك أن المسألة المذكورة جائز فيها الحمل على اللفظ خاصة وعلى المعنى خاصة كما تقدم.
والممتنع كما ذكر ابن عصفور إنما هو حمل البعض على اللفظ والبعض على المعنى، وإما لأنه أهمل التعرض الى المسألة المذكورة.
ثانيها: أن المصنف لم يفرق في الصفات بين باب أحمر وحمراء وبين باب قائم وقائمة ويؤخذ هذا من قوله في متن الكتاب: مطلقا أي سواء فصل بين المذكر والمؤنث التاء أم لم يفصل ولهذا عقب ذلك بقوله. خلافا لابن السّراج في نحو من هي محسنة أمّك. -
(1) انظر: التذييل والتكميل (3/ 112).
(2)
انظر التعليق رقم: 4 من الصفحة السابقة.
(3)
وهي التي يخالف فيها الخبر المخبر عنه مع كون الخبر فعلا وهي غير جائزة عند ابن عصفور.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وثالثها: إن نقل ابن عصفور عن ابن السراج مخالف نقل المصنف عنه فإن المصنف ذكر أن ابن السراج يجيز نحو من هي محسن أمّك وابن عصفور ذكر أن ابن السراج يمنع ذلك (1).
إذا عرف هذا فالحكم أن كلام المصنف تضمن ذكر حكم لم يتضمنه كلام ابن عصفور وهو أن ثم صورة أخرى
يجب فيها مراعاة المعنى كما وجب فيمن كانت حمراء أمتك وهي التي يحصل فيها بمراعاة اللفظ لبس نحو أعط من سألتك لا من سألك وأعرض عن من مررت بها لا عن من مررت به.
وإن في كلام ابن عصفور أمرين:
أحدهما: أن لقائل أن يقول كيف أجاز من كان حمراء أمتك مع أن فيه إيقاع وصف خاص بالمؤنث على المذكر لأن حمراء خبر عن الضمير المذكر المستتر في كان، فلا فرق بين هذا وبين قولنا: من كان أحمر أمتك لأن كلّا من حمراء وأحمر واقع خبرا عن الضمير المستتر في كان العائد على من المخبر عنه بأمتك إلا كأنهم لم يعتبروا ما ذكرته وإنما لحظوا أن مدلول من مؤنث بدليل الإخبار عنه بمؤنث وأحمر خبر عن الضمير العائد على من فكأن أحمر أخبر به عن من نفسها وهو صفة مختصة بالمذكر فلم يجز وقوعها هنا وهذا بخلاف حمراء فإنها موافقة لمن في المعنى فجاز وقوعها. -
(1) قال ابن السراج في كتابه الأصول في النحو (2/ 360، 361) تحقيق عبد الحسين الفتلي تقول:
«من أحمر أخوك تريد من هو أحمر أخوك ومن حمراء جاريتك تريد من هى حمراء جاريتك، وليس لك أن تقول: من أحمر جاريتك فتذكر أحمر للفظ من لأن أحمر ليس بفعل تدخل التاء في تأنيثه ولا هو أيضا باسم فاعل يجري مجرى الفعل في تذكيره وتأنيثه لا يجوز أن تقول: من أحمر جاريتك ويجوز أن تقول:
من محسن جاريتك لأنك تقول: محسن - ومحسنة كما تقول ضرب وضربت فليس بين محسن ومحسنة في اللفظ والبناء إلا الهاء وأحمر وحمراء ليس كذلك للمذكر لفظ وبناء غير بناء المؤنث وهذا مجازه والأصل غيره وهو في الفعل عربي حسن يقول: من أحسن جاريتك ومن أحسنت جاريتك كله عربي فصيح ولست تحتاج أن تضمر هو ولا هي فإذا قلت: من محسن جاريتك فكأنك قلت من هو محسن جاريتك، فأكدت تذكير من بهو ثم تأتي بعد ذلك بمؤنث فهو قبيح إذا أظهرت هو وهو مع الحذف أحسن» انتهى.
وما ذكره ابن عصفور في مذهب ابن السراج هو الأصح لأنه قال إذا قلت: «من محسن جاريتك فلست تحتاج أن تضمر هو ولا هي» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والحاصل: أنهم لم ينظروا إلى الضمير وكأن المقتضي لعدم اعتبار الضمير مع كونه عائدا على من التي معناها مؤنث فلم تعتبر المخالفة بينه وبين ما أخبر به عنه في نحو قولنا من كان حمراء أمتك فجوزوا ذلك دون قولنا من كان أحمر أمتك.
ثانيهما: إدخاله نحو أمة وعبد في تقسيم الصفات وليسا بوصفين وإنما هما اسمان.
وبعد: فالذي يظهر أن كلام المصنف في هذا الفصل أنظف من كلام ابن عصفور.
ثم إنه قد بقي من متعلقات الكلام المتقدم أمور:
ــ
منها: أنه قد تقدم أنه قد يحمل على اللفظ خاصة وقد يحمل على المعنى خاصة وقد يحمل عليهما وأن البداءة بالحمل على اللفظ حينئذ أولى قال تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (1).
وأنه يجوز أن يبدأ بالحمل على المعنى ثم يحمل على اللفظ.
قال ابن عصفور (2): «وهذا يعني الحمل على المعنى ثم اللفظ [1/ 247] باتفاق النحويين إن وقع بين الحملين فصل فتقول من يقومون اليوم وينظر في أمرنا إخوتك فإن لم يفصل وقيل وينظر لم يجز عند الكوفيين وأجاز ذلك البصريون قالوا:
والسماع في الحمل على اللفظ بعد الحمل على المعنى إنما هو مع الفصل والسيرافي ذكر أن البصريين لا يشترطون الفصل والكوفيون يشترطون ذلك (3).
والأستاذ أبو علي الشلوبين عكس هذا النقل فجعل مذهب البصريين اشتراط الفصل ومذهب الكوفيين عدم الاشتراط».
- ومنها: أنه تقدم أن سبب الحمل على اللفظ مراعاة اللفظ وسبب الحمل على المعنى مراعاة المعنى. -
(1) سورة النحل: 73. واسم الموصول في الآية هو ما. وعائد المفرد المحمول على لفظ ما: فاعل يملك، وعائد الجمع المحمول على معنى ما: فاعل يستطيعون.
(2)
انظر إشارة إلى ذلك في شرح الجمل له (1/ 138) وما بعدها بتحقيق الشغار ويعقوب.
(3)
انظر نصه في التذييل والتكمييل (3/ 110) وقد نقله أبو حيان بأمثلته وأعلامه دون أن يشير إلى ابن عصفور.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وذكر ابن عصفور (1): أن سبب الحمل على المعنى عند الكوفيين مراعاة المعنى وكون اللفظ لا يمكن ظهور المعنى فيه فلا يجوز عندهم من ضربته أجمعين إخوتك بتأكيد الضمير المنصوب على المعنى لأنه يمكن أن يظهر المعنى في اللفظ فتقول من ضربتهم أجمعين إخوتك فيجوز عندهم من ضربته أجمعون إخوتك على أن تجعله تأكيدا لمن على المعنى لأن المعنى لا يظهر في لفظه. ومذهب البصريين هو الصحيح بدليل قوله تعالى: يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ (2). فخالدين حال من الضمير المنصوب في يدخله وقد جمع حملا على المعنى مع أن إظهار المعنى في اللفظ ممكن.
- ومنها: أنه تقدم أنه لا فرق في مراعاة لفظ من وما ومعناهما بين الموصولتين والشرطيتين والاستفهاميتين. وتقدم التمثيل بقوله تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً (3) مما وجد فيه الحمل على اللفظ ثم الحمل على المعنى ثم الحمل على اللفظ.
ومثله قوله تعالى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذا جاءَنا (4).
وأما من قرأ جاءانا على التثنية فهو ضمير العاشي والقرين (5).
قالوا: ومما وقع فيه الحمل على اللفظ خاصة ولا يجوز الحمل على المعنى قولهم في التعجب ما أحسن زيدا. وإن كان الذي أوجب التعجب صفة مؤنثة أو صفات متعددة وعكسه أي ما وقع فيه الحمل على المعنى ولا يجوز فيه الحمل على اللفظ قولهم ما جاءت حاجتك كأنه قال: أية حاجة صارت حاجتك.
ولك أن تقول: أما ما جاءت حاجتك فكلام يجب الوقوف فيه على الوارد من العرب؛ لأن «جاءت» فيه بمعنى صارت. واستعمال «جاءت» بهذا المعنى شاذ. -
(1) شرح الجمل له (1/ 138) وما بعدها بتحقيق الشغار ويعقوب.
(2)
،
(3)
سورة الطلاق: 11.
(4)
سورة الزخرف: 36 - 38.
(5)
في التبيان للعكبري (2/ 1139): قال أبو البقاء: قوله تعالى: جاءَنا على الإفراد ردّا على لفظ من وعلى التثنية ردّا على القرينين الكافر وشيطانه.
وفي تعليق المحقق قال: حَتَّى إِذا جاءَنا قرأه الحرميان وأبو بكر وابن عامر على التثنية.