الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مسائل مختلفة في اقتران الخبر بالفاء]
قال ابن مالك: (وقد تدخل على خبر كلّ مضافا إلى غير موصوف، أو إلى موصوف بغير ما ذكر، وعلى خبر موصول غير واقع موقع من الشّرطيّة ولا ما أختها، ولا تدخل على خبر غير ذلك خلافا للأخفش. وتزيلها نواسخ الابتداء إلّا إنّ وأنّ ولكنّ على الأصحّ).
ــ
ميزة وكرامة ورعاية وخدمة استوجب بها صلته عنك بذلك».
قال ابن أبي الربيع: «فهذا معنى قول أبي عليّ: آذنت بأنّ ما بعدها مستحق للفعل المتقدم أو معناه» .
الأمر الرابع:
أورد على قول النحاة أن الخبر يكون مستحقّا بالصلة قوله تعالى: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ (1) فإن هذا المعنى الذي ذكروه لا يتحقق في الآية الشريفة؛ لأن كون هذه النعم من الله غير مستحق باستقرار نعمه بنا، وأجيب عن ذلك بجوابين:
الأول: أن السبب أقيم في الآية الشريفة مقام المسبب؛ فالمعنى في الآية الشريفة:
وما بكم من نعمة فمن الله، فاشكروا الله عليها؛ لأنها منه. فأقيم سبب الشكر على النعمة وهو كونها منه مقام
المسبب عنه وهو الشكر، واستغني به عنه.
الثاني: أن هؤلاء قد عرفوا النعمة وجهلوا المنعم، فنبهوا أن الاستقرار الأول سبب للعلم بالاستقرار الثاني.
قال ناظر الجيش: هذا الكلام يتضمن الإشارة إلى مسائل خمس:
الأولى:
أن الفاء قد تدخل على خبر كل مضافا إلى غير موصوف، ومثال ذلك قول الأفوه:
660 -
وكلّ قرينة فإلى افتراق
…
ولكن فرقة تنفي الملاما (2)
-
(1) سورة النحل: 53.
(2)
البيت نسب هنا وفي التذييل والتكميل إلى الأفوه الأودي وليس في ديوانه.
ومعناه: كل قرينة تفارق قرينها بالموت، وفراق الموت لا لوم فيه؛ لأنه يطوف على كل حي. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومثله ما جاء في معنى بعض الأذكار المأثورة عن بعض السلف وهو: «باسم الله ما شاء الله، كلّ نعمة فمن الله، لا قوّة إلّا بالله، الخير كلّه بيد الله، ما شاء الله لا يصرف السّوء إلّا الله، ما شاء الله، لا قوّة إلّا بالله» .
والظاهر أن الوصف مقدر يرشد إليه المعنى؛ فإن المعنى كل نعمة في الوجود فمن الله، وكذا يقدر في البيت، وكل قرينة تقرن بقرينها.
الثانية:
أن الفاء قد تدخل أيضا على خبر كل مضافا إلى موصوف بغير ما ذكر، أي بغير الظرف وشبهه والجملة، ومثاله قول الشاعر:
661 -
كلّ أمر مباعد أو مدان
…
فمنوط بحكمة المتعالي (1)
الثالثة:
أن الفاء قد تدخل أيضا على خبر موصول غير واقع موقع من الشرطية ولا ما أختها، وذلك كما في قوله: وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ (2) وكذا -
- والشاهد في البيت قوله: وكل قرينة فإلى افتراق؛ حيث اقترن خبر كل المضافة إلى النكرة غير الموصوفة بالفاء.
والبيت في: التذييل والتكميل (4/ 105) وليس في معجم الشواهد.
(1)
البيت من بحر الخفيف، وهو دعوة إلى الرضا بقضاء الله وحكمه سبحانه وتعالى، وقائله مجهول.
والشاهد فيه قوله: كل أمر مباعد .. فمنوط، حيث اقترن بالفاء خبر المبتدأ كل المضاف إلى نكرة موصوفة بنكرة مثلها.
والبيت في: شرح التسهيل (1/ 330) وفي التذييل والتكميل (4/ 105) وفي معجم الشواهد (ص 324).
(2)
سورةآل عمران: 166. وفي هذه الآية وما بعدها قال أبو حيان (البحر المحيط: 3/ 108): «ما موصولة مبتدأ والخبر قوله: فبإذن الله، وهو على إضمار: أي فهو بإذن الله، ودخول الفاء هنا قال الحوفي: لما في الكلام من معنى الشّرط لطلبته للفعل، وقال ابن عطية: رابطة مسدّدة، وذلك للإيهام الذي في ما فأشبه الكلام الشرط، وهذا كما قال سيبويه: الذي قام فله درهمان، فيحسن دخول الفاء إذا كان القيام سبب الإعطاء. انتهى كلامه وهو أحسن من كلام الحوفي؛ لأنّ الحوفيّ زعم أن في الكلام معنى الشّرط، وقال ابن عطية: فأشبه الكلام الشّرط.
قال أبو حيان: ودخول الفاء على ما قاله الجمهور وقرروه قلق هنا، وذلك أنّهم قرروا في جواز دخول الفاء على خبر الموصول أن الصلة تكون مستقلة، فلا يجيزون الذي قام أمس فله درهم؛ لأن هذه الفاء إنما دخلت في خبر الموصول لشبهه بالشرط؛ فكما أن فعل الشرط لا يكون ماضيا من حيث المعنى فكذلك الصلة. والذي أصابهم يوم التقى الجمعان هو ماض حقيقة؛ فهو إخبار عن ماض من حيث المعنى؛ فعلى ما قرروه يشكل دخول الفاء هنا. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله تعالى: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ (1) ولا شك أن هذا ماض لفظا ومعنى مقطوع بوقوعه صلة وخبرا.
وقد تأولوا هذا على معنى التبين كأنه قيل: وما يتبين إصابته إياكم [1/ 387] وما يتبين إفاءة الله على رسوله منهم، ونظير ذلك قوله تعالى: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ (2) أي إن يتبين كون قميصه قد من قبل.
الرابعة:
أن الفاء لا تدخل على خبر شيء غير الذي ذكر في هذا الفصل، وقد خالف الأخفش في ذلك، وأجاز دخول الفاء على خبر المبتدأ الذي لا يشبه أداة الشرط نحو:
زيد فمنطلق، وزعم أنهم يقولون: أخوك فوجد (3). ومثل ما زعم قول الشاعر:
662 -
[يموت أناس أو يشيب فتاهم]
…
ويحدث ناس والصّغير فيكبر (4)
قال المصنف (5): ورأيه في ذلك ضعيف (6)؛ لأنه لم يرد به سماع ولا حجة له -
- قال: والذي نذهب إليه أنه يجوز دخول الفاء في الخبر والصلة ماضية من جهة المعنى؛ لورود هذه الآية، ولقوله تعالى: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى
رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ
[الحشر: 6] ومعلوم أن هذا ماض مقطوع بوقوعه صلة وخبرا، ويكون ذلك على تأويل وما يتبين إصابته إياكم كما تأولوا:
إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ [يوسف: 26] أي إن تبيّن كون قميصه قدّ
…
إلخ، ثم ذكر عدة آيات أخرى.
(1)
سورة الحشر: 6.
(2)
سورةيوسف: 26.
(3)
قال الأخفش في كتابه: معاني القرآن (ص 93) تحقيق عند تفسير قوله تعالى: أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام: 54].
قال: «يشبه أن تكون الفاء زائدة كزيادة ما ويكون الّذي بعده الفاء بدلا من التي قبلها، وأجوده أن تكسر إن وأن تجعل الفاء جوابا للمجازاة، وزعموا أنهم يقولون: أخوك فوجد بل أخوك فجهد يريدون:
أخوك وجد بل أخوك جهد فيزيدون الفاء».
(4)
البيت من بحر الطويل، وهو من تأملات الشاعر في الحياة، ولم أعثر له على قائل.
ويستشهد به على زيادة الفاء في خبر المبتدأ في قوله: والصغير فيكبر دون أن يكون المبتدأ اسما موصولا أو مضافا إلى اسم موصول أو موصوفا به، وهو المبتدأ الذي يشبه اسم الشرط.
والبيت في: التذييل والتكميل (4/ 104) ومعجم الشواهد (ص 152).
(5)
شرح التسهيل (1/ 330).
(6)
قال السيرافي في شرحه لكتاب سيبويه: (2/ 705)(رسالة دكتوراه بكلية اللغة): «قد تقدّم من قول سيبويه أنه لا يجوز أن تقول: زيد فاضربه كما لا يجوز أن تقول: زيد فمنطلق وزيد فله درهم. والذي أبطل -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في قول الشاعر:
663 -
وقائلة خولان فانكح فتاتهم
…
وأكرومة الحيّين خلو كما هيا (1)
ولا في قول الآخر:
664 -
أرواح مودّع أم بكور
…
أنت فانظر لأيّ ذاك تصير (2)
-
- هذا أنّ دخول الفاء لا معنى له ها هنا، فإذا كان اسم موصول بفعل ما ولم تقصد به إلى شخص بعينه وكان الفعل مستقبلا أو في معنى الاستقبال وإن كان ماضيا جاز أن تدخل الفاء في خبره، وتذهب بالاسم الأول مع صلته مذهب المجازاة، وذلك قولك: الّذي يأتيني فله درهم إذا لم تكن قاصدا إلى واحد بعينه».
(1)
البيت من بحر الطويل، ولم ينسب في كتاب سيبويه:(1/ 139) قال محققه: وهو من الخمسين التي لم يعرف قائلوها.
اللغة: خولان: حي من اليمن. الأكرومة: المرأة الكريمةالفاضلة.
الحيّين: حي أبيها وحي أمها. خلو: خالية من الزواج.
والمعنى: كيف أسمع كلام هذه القائلة بالزواج من بنات خولان والحال أن في أقارب أبي وأمي بنات لم تتزوج.
والشاهد فيه قوله: خولان فانكح، حيث أجاز الأخفش زيادة الفاء في خبر كل مبتدأ محتجّا بهذا ومثله.
ولكن سيبويه منع ذلك، وخرج البيت على أن خولان خبر مبتدأ محذوف أي هذه خولان (الكتاب:
1/ 139) وانظر بقية الكلام في الشرح.
والبيت في: شرح التسهيل (1/ 331) وفي التذييل والتكميل) (4/ 106) وفي معجم الشواهد (ص 426).
(2)
البيت من بحر الخفيف قاله عدي بن زيد الشاعر الجاهلي الحكيم، وهو مطلع قصيدة في الموعظة والتذكير بالموت يعاتب فيها النعمان بن المنذر، كان قد حبس عديّا بلا ذنب ثم قتله، وذكر في كثير من المراجع أبياتا منها انظر: أمالي ابن الشجري (1/ 134) الطناحي - شرح شواهد المغني (1/ 469) معجم الشعراء للمرزباني ص 81) ومن هذه القصيدة قوله:
أيّها الشّامت المصيّر بالدّه
…
ر أأنت المبرّأ الموفور
أم لديك العهد الوثيق من الأيّ
…
ام أم أنت جاهل مغرور
أين كسرى كسرى أبو ساس
…
ان أم أين قبله سابور
ثم بعد الفلاح والملك والأمّ
…
ة وارتهم هناك القبور
ثم أضحوا كأنهم ورق جـ
…
فـ فألوت به الصبا والدبور
اللغة: الرّواح: السير بالعشي. البكور: السير أول النهار. لأي ذاك: الواجب أن يقول: لأي ذينك، ولكنه مثل عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ [البقرة: 68].
وقوله: أرواح مودع مثل عِيشَةٍ راضِيَةٍ [القارعة: 7] أي ذات رضا؛ لأن الرواح لا يودع، ولكن فيه التوديع، قال ابن الشجري:«لو أنشد مودّع جاز، وكان التّقدير مودّع فيه» .
ومعنى بيت الشاهد: أن الموت لا يفوته شيء إن لم يأت المرء نهارا أتاه ليلا، ولا يدري المرء ما قدر له.
والشاهد فيه قوله: أنت فانظر، حيث زيدت الفاء في خبر المبتدأ كما هو مذهب الأخفش، ولكنهم أولوه: -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأن معنى الأول: هذه خولان، فخولان خبر مبتدأ محذوف، ومعنى الثاني:
انظر أنت؛ فأنت فاعل فعل محذوف على أن زيادة الفاء في مثل هذا قد سهلها كون الخبر أمرا كما سهلها كون العامل أمرا مفرغا في نحو: زيد فاضرب، وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (1)؛ لأن الأمر يتطرق إلى ما تعلق به معنى المجازاة، فالقائل زيدا فاضرب، أو زيدا فاضربه كأنه قال: مهما يكن من شيء فزيدا اضرب، ومهما يكن من شيء فزيدا اضربه، فلا يلزم من جواز هذا جواز: زيد فمنطلق؛ إذ ليس الخبر أمرا فيتطرق إلى ما تعلق به معنى المجازاة. انتهى (2).
قال ابن عصفور (3): وأجاز أبو الحسن دخول الفاء في الخبر وإن لم توجد الشروط، وأجاز أن تقول: زيد فمنطلق، والصّحيح أن ذلك لا يجوز؛ لأن الفاء -
- قال السيرافي: أوله سيبويه على أوجه ثلاث وعندي فيه رابع.
أما أوجه سيبويه فهي:
الأول: ترفع أنت بفعل مستتر يفسره الظاهر.
الثاني: ترفع أنت على الابتداء، ويضمر له خبر، والفاء جواب الجملة.
الثالث: أن تجعل أنت خبر المبتدأ أي: الراحل أنت.
قال السيرافي: والوجه الرابع الذي عندي أن ترفع أنت ببكور؛ لأن المصادر تعمل عمل الأفعال كأنك قلت: أنت تروح أنت. انتهى بتلخيص. (انظر شرح كتاب سيبويه للسيرافي: 2/ 710). والبيت في معجم الشواهد (ص 171) وهو في: التذييل والتكميل (4/ 106) وفي شرح التسهيل لابن مالك (1/ 331).
ترجمة عدي بن زيد: هو عدي بن زيد ويكنى أبا عمير نصراني عبادي ينتمي إلى بيت من البيوتات القديمة في الحيرة، وقد سكن فيها، فلان لسانه وسهل منطقه، وكان عدي كاتبا لكسرى، وكان كسرى مكرما له محبّا، ولو أراد عدي أن يملكه كسرى على الحيرة لملّكه، ولكنه كان يحب الصيد واللهو ولم يكن راغبا في ملك العرب، كان وصيّا على النعمان بن المنذر وهو صغير، ولما كبر النعمان وملك الحيرة غدر بعدي، فحبسه ثم قتله، وقد اقتص ابن عدي لأبيه من النعمان.
وعدي هو القائل يعاتب النعمان:
لو بغير الماء حلقي شرق
…
كنت كالغصّان بالماء اعتصاري
انظر ترجمة عدي بن زيد في معجم الشعراء للمرزباني (ص 80 - 82). وكذلك في تاريخ الأدب العربي لبروكلمان: (1/ 124) وما بعدها.
(1)
سورة الشرح: 8.
(2)
شرح التسهيل لابن مالك (1/ 331).
(3)
لم أعثر على هذا النقل الطويل عن ابن عصفور في سفريه المشهورين في النحو، وهما شرح الجمل والمقرب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إما عاطفة أو رابطة، ولا يصح كونها في: زيد فمنطلق عاطفة؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن يصير المبتدأ بغير خبر ولا رابطة؛ لأن الخبر مرتبط بالمبتدأ من غير دخول الفاء، ولا تجوز دعوى الزيادة؛ لأن زيادة الحروف خارجة عن القياس، فلا يقال به إلا أن يرد بذلك سماع قياس مطرد، كما فصل بالباء في خبر ما وليس، ولم يجئ في الفاء إلا قولهم: أخوك فوجد، وقولهم: ويحدث ناس والصّغير فيكبر.
وأجاز بعض الكوفيين دخول الفاء في الخبر إذا كان أمرا أو نهيا نحو قولك: زيد فاضربه، وعمرو فلا تشتمه، ومنعوا دخولها في نحو قولك: زيد فقائم، وإنما أجازوا ذلك حملا للرفع على النصب، وذلك أن العرب تقول: زيدا فاضرب وبزيد فامرر، فيتقدم معمول ما بعد الفاء عليها، ووجه ذلك أن الأصل: تنبه فاضرب زيدا، أو تنبه فامرر بزيد، فحذفت الجملة الأولى لدلالة المعنى عليها، فبقيت الفاء أول الكلام، وهي موضوعة على ألا تكون كذلك، فقدم ما بعدها عليها إصلاحا للفظ.
فأجازوا على ذلك أن يقال: زيد فاضربه على أن يكون الأصل: تنبه فزيدا اضربه، ثم حذف تنبّه، فبقيت الفاء أولا فتقدم المبتدأ عليها إصلاحا للفظ.
قال (1): والصحيح أن ذلك لا يقال به إذا وجد في كلامهم: زيد فاضربه؛ إذ لم تدع ضرورة [1/ 388] إلى تقدير حذف جملة، وتقديم ما بعد الفاء عليها، إذ قد يمكن جعل زيد خبرا لمبتدأ محذوف، ويكون التقدير: هذا زيد فاضربه، وتكون الفاء رابطة لجملة الأمر بالجملة التي قبلها أو عاطفة لها عليها، وإذا نصبت أو جررت والفعل بعد الفاء مفرغ لم يكن بد من ادعاء التقديم، إذ لا عامل له إلا الفعل الذي بعدها، فتبين إذن أن قول العرب: زيد فاضربه لا ينبغي أن يحمل على زيادة الفاء في الخبر كما ذهب إليه أبو الحسن؛ لأن زيادتها لا تنقاس للعلة التي تقدم ذكرها، ولا على ما ذهب إليه الكوفيون، وهو أن الأصل: تنبه فزيد اضربه لما في ذلك من تقدير حذف جملة، وتقديم ما بعد الفاء عليها، ولم تدع إلى ذلك ضرورة؛ إذ قد يمكن الحمل على ما ذكرناه» انتهى (2). -
(1) القائل هو ابن عصفور أيضا، وانظر التعليق السابق.
(2)
أي كلام ابن عصفور، وانظر التعليقين السابقين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال ابن أبي الربيع: «اختلف النحويون في دخول الفاء في خبر المبتدأ على ثلاثة مذاهب (1):
فسيبويه وأكثر النحاة من البصريين: على أنها لا تدخل في الخبر إلا بالشروط (2) التي قد عرفت.
وأبو الحسن الأخفش: يرى دخولها على الذي يراه سيبويه ومن تبعه، وعلى وجه آخر وهو الزيادة نحو: زيد فمنطلق.
والثالث: ما ذهب إليه بعض الكوفيين، وهو أنها تدخل على الوجه الذي يراه البصريون، وعلى وجه آخر: وهو أن تدخل على تقدير جواب شرط محذوف، فتقول: زيد فمنطلق على تقدير: مهما يكن شيء فزيد منطلق كما يقال: زيدا فاضرب على معنى (3) مهما يكن من شيء فاضرب زيدا. وكما يقال: فامرر على معنى مهما يكن من شيء فامرر بزيد. فقد اتفق النحويون على ما ذهب إليه سيبويه، فلا كلام في ذلك.
وأما ما ذهب إليه أبو الحسن من الزيادة فيقال فيه: إن الزيادة في الحرف لا بد لها من دليل، ولا يكون الدليل إلا غير محتمل، ولم يأت بشيء إلا محتمل التأويل، فمنه قول الشاعر:
665 -
وقائلة خولان فانكح فتاتهم
…
... البيت
فقال المعنى: خولان انكح فتاتهم، وليس هذا بصحيح؛ لأنه لو كان كذلك لكان النصب أحسن، والمروي في البيت الرفع، وإنما خولان خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذه خولان فانكح فتاتهم كما تقول: هذا زيد فاضربه، ومما يستدل به لأبي الحسن قول الشاعر:
666 -
أرواح مودّع أم بكور
…
أنت
…
فانظر البيت. -
(1) انظر لقطة رقم: 39 و 40 من شرح الإيضاح لابن أبي الربيع (ميكرو فيلم بمعهد المخطوطات رقم 220 نحو مصنف غير مفهرس) ويسمى بالملخص لابن أبي الربيع.
(2)
في نسخة (ب): إلا في الشروط.
(3)
في نسخة (ب): على تقدير مهما يكن.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد تأول سيبويه البيت على ثلاثة أوجه (1):
أحدها: أن يكون أنت فاعلا بفعل مضمر تقديره انظر، وتكون الفاء قد دخلت دخولها في قولك: زيدا فاضربه كأنه قال: مهما يكن من شيء فانظر لأي ذاك تصير أي: لا يصدنك شيء في النظر؛ لأنه أمر لازم ولا بد منه.
الثاني: أن يكون مبتدأ والخبر محذوف تقديره: أنت مرادي.
الثالث: أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره: المراد أنت؛ فلم يكن لأبي الحسن دليل قاطع على الزيادة.
وأما ما ذهب إليه بعض الكوفيين من أنها تدخل لما في الكلام من الشرط المقدر، وجعلوه بمنزلة: زيدا فاضرب [1/ 389] فلا يثبت، وأنا أبين ذلك فأقول (2):
اعلم أن العرب إذا حذفت الشرط، جعلت مكانه ما يتضمن حذف الشرط فتقول: أما زيد فمنطلق، وأما زيدا فاضرب، وأما بزيد فامرر. الأصل: مهما يكن من شيء فزيد منطلق، أو فاضرب زيدا، أو فامرر بزيد، ثم حذفت العرب الشرط وجعلت مكان الجملة كلها (أمّا) فصار: أما فزيد منطلق، فجاءت الفاء تلي الحرف الذي يدل على الشرط، فقبح اللفظ؛ لأن حرف الشرط لا تليه الفاء التي تلقى بها الشرط، فقدموا شيئا من جملة الجواب على الفاء، ليزول قبح اللفظ، فقالوا: أما زيد فمنطلق، وأما منطلق فزيد. وكذلك أما زيدا فاضرب، وأما بزيد فامرر، ولم يسمع حذف الشرط، ولم يجعل مكانه أمّا، واكتفي بالفاء إلا بشرطين:
أحدهما: أن تكون الجملة فعلية.
والثاني: أن تكون اقتضائية نحو: زيدا فاضرب، وبزيد فامرر.
قال الله سبحانه وتعالى: لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (3) وقال تعالى: وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (4). انتهى، وهو أكثر تنقيحا من كلام ابن عصفور في هذا الموضع. -
(1) انظر كتاب سيبويه: (1/ 140، 141) وانظر حديث سيبويه عن اقتران الخبر بالفاء في كتابه: (1/ 138، 139، 140) وانظر كلام المبرد عنه في المقتضب: (3/ 195) وما بعدها.
(2)
الكلام لأبي الحسن عبيد الله بن أحمد بن أبي الربيع، سبقت ترجمته.
(3)
سورة الصافات: 61.
(4)
سورة المدثر: 7.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المسألة الخامسة:
أن المبتدأ الذي يجوز دخول الفاء في خبره إذا دخل عليه ناسخ من نواسخ الابتداء غير أن وإن، ولكن منع دخول الفاء بالاتفاق، وذلك لزوال شبه المبتدأ حينئذ باسم الشرط.
ولأن بعض النواسخ كليت ولعل تخرج الكلام من كونه خبرا والشرط خبر بدليل وقوعه صفة للنكرة؛ فلو دخلت الفاء لكان الكلام خبرا غير خبر، وذلك محال.
أما إذا كان الناسخ إن أو أن أو لكن فإن الفاء لا يمتنع دخولها.
قال المصنف (1): فإنها ضعيفة العمل؛ إذ لم يتغير بدخولها المعنى الذي كان مع المبتدأ (2). ولذلك جاز العطف معها على معنى الابتداء (3) ولم تعمل في الحال (4)؛ بخلاف كأن وليت ولعل؛ فإنها قوية العمل مغيرة بدخولها المعنى الذي كان مع الابتداء مانعة بدخولها من العطف على معنى الابتداء، وصالحة للعمل في الحال تقوي شبهها بالأفعال، وساوتها في المنع من الفاء المذكورة.
ومن بقاء الفاء مع دخول إن قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (5). وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (6).
ومن شواهد بقائها مع أن المفتوحة قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ (7). -
(1) انظر: شرح التسهيل (1/ 331).
(2)
في نسخة (ب): الذي كان مع الابتداء، وما أثبتناه من الأصل وهو أفضل.
(3)
أي يجوز أن تقول: إن زيدا قائم وعمرو برفع الأخير على الابتداء والخبر محذوف، أو عطفه على محل إن واسمها ومحلهما الرفع.
(4)
أي لا يجوز أن تقول: إن زيدا قائما في الدار على أن خبر إن الجار والمجرور وقائما حال لضعف إن في العمل.
وقوله: بخلاف كأن وليت ولعل .. إلخ معناه أنه لا يجوز العطف على أسماء هذه النواسخ إلا بالنصب، كما يجوز أن يأتي منها الحال لقوة تأثيرها في الجملة.
(5)
سورةمحمد: 34.
(6)
سورة الأحقاف: 13.
(7)
سورة الأنفال: 41.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومنه قول الشاعر:
667 -
علمت يقينا أنّ ما حمّ كونه
…
فسعي امرئ في صرفه غير نافع (1)
ومن شواهد بقائها بعد دخول لكن قول الشاعر:
668 -
بكلّ داهية ألقى العداة وقد
…
يظنّ أنّي في مكري بهم فزع
كلّا ولكنّ ما أبديه من فرق
…
فكي يغرّوا فيغريهم بي الطّمع (2)
ومثله قول الآخر:
669 -
فو الله ما فارقتكم قاليا لكم
…
ولكنّ ما يقضى فسوف يكون (3)
-
(1) البيت من بحر الطويل، وهو مجهول القائل.
ومعناه: أن ما قدره الله سوف يقع، ولن يستطيع الإنسان دفعه مهما كانت حيلته وقوته.
ويستشهد به على اقتران خبر أن المفتوحة بالفاء؛ وذلك لأن اسمها موصول، فأشبه اسم الشرط. والأصل في دخول هذه الفاء على خبر المبتدأ. ودخلت على خبر أن هنا؛ لأنها لا تغير معنى الجملة كثيرا لضعفها في العمل.
والبيت في: شرح التسهيل (1/ 332). وفي التذييل والتكميل: (4/ 111) وليس في معجم الشواهد.
(2)
البيتان من بحر البسيط، وهما لشاعر مجهول.
اللغة: الدّاهية: الرجل العظيم البصير بعواقب الأمور، وهاؤه للمبالغة.
العداة: بضم العين وتاء في الآخر كرماة وقضاة جمع عاد. المكر: الخديعة. الفزع: الخوف والجبن.
الفرق: الخوف والجزع. الطّمع: ضد اليأس.
المعنى: يخبر الشاعر أنه شجاع وأنه يعد الشجعان مثله لأعدائه، وإذا كان قد أبدى خوفا منهم فانسحب بجنوده فإنما ليغري أعداءه ويطمعهم فيه، ثم بعد ذلك ينقض عليهم.
وشاهده: اقتران خبر لكن بالفاء، لأن اسمها موصول والموصول يشبه الشرط.
والبيت في: شرح التسهيل (1/ 332) والتذييل والتكميل (4/ 111) ومعجم الشواهد (ص 225).
(3)
البيت من بحر الطويل، نسب في بعض مراجعه (معجم الشواهد) إلى الأفوه الأودي، وبحثت عنه في ديوانه فلم أجده، وهو ثالث أبيات ذكرت في طول الليل في الأمالي لأبي علي القالي:(1/ 131) وهي:
ألا هل على اللّيل الطّويل معين
…
إذا نوّحت دار وحنّ حزين
أكابد هذا اللّيل حتّى كأنّما
…
على نجمه ألّا يغور معين
فو الله ما فارقتكم ......
إلخ ومعنى بيت الشاهد: أنه لا يفارق أحبابه كارها لهم، ولكنه فراق بقضاء الله وقدره.
والشاهد فيه قوله: ولكن ما يقضى فسوف يكون، حيث اقترن خبر لكن بالفاء أيضا.
والبيت في: شرح التسهيل (1/ 332) وفي التذييل والتكميل (4/ 112). ومعجم الشواهد (ص 391).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[1/ 390] وقال في شرح الكافية (1): إذا دخل شيء من نواسخ الابتداء على المبتدأ الذي اقترن خبره بالفاء أزال الفاء إن لم يكن إنّ أو أنّ أو لكنّ بإجماع المحققين؛ فإن كان واحدا منهن جاز بقاء الفاء نص على ذلك في إن وأنّ سيبويه (2)، وهو الصحيح الذي ورد القرآن به كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (3). وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً (4). وقوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (5)، (6).
وقوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ (7).
ثم ذكر شواهد لكن (8) ثم قال: «وروي عن الأخفش أنه منع من دخول الفاء بعد إن (9). وهذا عجيب؛ لأن زيادة الفاء على رأيه جائزة وإن لم يكن المبتدأ يشبه أداة الشرط نحو: زيد فقائم؛ فلو دخلت إن على اسم يشبه أداة الشرط فوجود الفاء في الخبر أسهل وأحسن من وجودها في خبر زيد وشبهه.
وثبوت هذا عن الأخفش مستبعد، وقد ظفرت له في كتابه معاني القرآن العزيز أنه موافق لسيبويه في بقاء الفاء بعد دخول إن، وذلك أنه قال (10): وأما وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما (11) فقد يجوز أن يكون هذا خبر المبتدأ؛ لأن الذي إذا كان صلته فعلا جاز أن يكون خبره بالفاء نحو قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ -
(1) انظر نص هذا النقل الطويل في (1/ 376) وما بعدها من الشرح المذكور، بتحقيق د/ عبد المنعم هريدي.
(2)
انظر: الكتاب (3/ 103) ولم ينص سيبويه كما ذكر، ولكنه مثّل فقط.
(3)
سورة الأحقاف: 13.
(4)
سورةآل عمران: 91.
(5)
سورةآل عمران: 21.
(6)
في شرح الكافية بعد هذه الآية آيةأخرى تركها شارحنا هي قوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ [الجمعة: 8].
(7)
سورة الأنفال: 41.
(8)
هما الشاهدان المذكوران قبل ذلك تماما.
(9)
انظر في رأي الأخفش: شرح الرضي على الكافية (1/ 103) وشرح الأشموني على الألفية (1/ 225).
(10)
انظر نص مقاله هذا في كتابه معاني القرآن له: (2/ 60). رسالة دكتوراه بجامعة القاهرة.
(11)
سورة النساء: 16.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ (1) ثم قال: فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ (2)». انتهى (3).
ونقل ابن عمرون عن عبد القاهر أنه قال (4): مذهب أبي الحسن أنّ الفاء لا تمنع يعني مع أن، قال: وأظنّ الزّمخشري عوّل على كلام عبد القاهر.
فقال في الحواشي: «يجوز دخول الفاء في خبر الاسم المتضمّن لمعنى الشّرط إذا دخل عليه أن على مذهب الأخفش، ولا يجوز على مذهب سيبويه (5).
لكن قال المبرد في المسائل المشروحة من الكتاب (6): «كان الأخفش يضعّف (إن الّذي يأتيني فله درهم) لدخول إنّ على الّذي. ولا أدري ما قال إلّا غلطا» .
وكذا نقل السيرافي عن الأخفش أنه يضعف ذلك.
قال ابن عمرون: والّذي يظهر أنّ الأخفش هو الّذي يمنع؛ لأنّه يجوّز زيادة الفاء، فيمكن إذا ورد عليه شيء من ذلك أن يخرّجه على زيادة الفاء، وسيبويه لا يعتقد ذلك» انتهى (7). -
(1) و (2) سورة النساء: 97.
(3)
شرح الكافية الشافية لابن مالك: (1/ 377)(مكة المكرمة).
(4)
انظر كتاب المقتصد في شرح الإيضاح لعبد القاهر: (1/ 324) يقول: وقد اختلفوا في أن هل تمنع من الفاء أم لا؟ فمذهب أبي الحسن أنها لا تمنع، وعلى ذلك تقول: إنّ الّذي في الدّار فمكرم
…
إلخ.
(5)
قال الزمخشري في المفصّل: (ص 27): «إذا تضمّن المبتدأ معنى الشّرط جاز دخول الفاء على خبره، وذلك على نوعين: الاسم الموصول والنكرة الموصوفة إذا كانت الصّلة أو الصفة فعلا أو ظرفا، ثم مثل لذلك وقال: «وإذا دخلت ليت أو لعلّ لم تدخل الفاء بالإجماع، وفي دخول إن خلاف بين الأخفش وصاحب الكتاب» .
وشرحه ابن يعيش فقال: «وأما إن فذهب سيبويه إلى جواز دخول الفاء في خبرها مع هذه الأشياء؛ لأنها وإن كانت عاملة فإنها غير مغيرة معنى الابتداء والخبر؛ ولذلك جاز العطف عليها بالرفع على معنى الابتداء. وقال الأخفش: لا يجوز دخول الفاء مع إن؛ لأنها عاملة كأخواتها، والأول أقرب إلى الصّحّة، وقد ورد به التنزيل» شرح المفصل (1/ 101).
(6)
من مؤلفات المبرد ولم أعثر عليه. انظر: بغية الوعاة (1/ 219) وقد سماه السيوطي: الرد على سيبويه. والمطبوع هو كتاب الانتصار لسيبويه على المبرد لابن ولاد المتوفى سنة (332 هـ).
(7)
والتحقيق في المسألة أن النص الذي نقله ابن مالك عن الأخفش في كتابه المذكور، والذي وجدته أنا أيضا هو المعتمد، كذا ما حكاه عبد القاهر عن مذهب أبي الحسن: أن الفاء ليست بممنوعة مع إن، وكيف يخالف عالم مشهور كالأخفش نصوص القرآن واستعمالاته؟.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفي عبارة المصنف أمران:
أحدهما: قوله في المتن: وتزيلها نواسخ الابتداء. وفي الشرح: إذا دخل بعض النواسخ على مبتدأ دخلت الفاء في خبره أزال شبهه بأداة الشرط، فامتنع دخول الفاء على الخبر.
قال الشيخ: «هذا يقتضي أن الناسخ يدخل على مبتدأ دخلت الفاء في خبره، وليس كذلك؛ بل إذا دخل النّاسخ فلا يدخل إلّا على مبتدأ لا يكون الفاء في خبره، وليس المعنى أنّه إذا دخل الناسخ أزال الفاء» انتهى (1).
وما قاله الشيخ ظاهر، لكن يمكن حمل كلام المصنف على أن ثم مضافا محذوفا، التقدير ويزيل دخولها أي: ويمنع دخولها نواسخ الابتداء.
الثاني: الظاهر من قوله [1/ 391]: على الأصحّ أنه راجع إلى الثلاثة.
أما إنّ فقد عرف الخلاف الذي ذكر فيها بين الإمامين الكبيرين (2).
وأما أنّ ولكنّ فالظاهر أن من منع دخول الفاء مع إن المكسورةيمنع مع أن ولكن؛ بل ربما يكون منعه منهما أولى. على أن ابن عصفور صرح بالمنع؛ فإنه قال (3): «الموصول الّذي يجوز دخول الفاء في خبره إن دخلت عليه ليت أو لعلّ أو ما أشبههما من نواسخ الابتداء لم يجز دخول الفاء في خبره؛ لأن الموصول إذ ذاك لا يشبه اسم الشرط ما لم يكن الناسخ إن؛ فإن كان إن جاز دخول الفاء في الخبر، وجاز ذلك معها وحدها من بين سائر أخواتها؛ لأن العرب تعامل إن زيدا قائم معاملة زيد قائم لما كانا في معنى واحد بدليل قولهم: إن زيدا قائم وعمرو، ولا كذلك النواسخ» انتهى (4).
واقتضى كلامه أن دخول الفاء مخصوص بأن وحدها. -
(1) التذييل والتكميل (4/ 109).
(2)
أي سيبويه والأخفش، وقد ظهر أنه لا خلاف بينهما.
(3)
لم أعثر على هذا النقل في شرح الجمل لابن عصفور - مع طوله - ولا في المقرب، وهو غريب، ووجه الغرابة أنه مخالف للنصوص السابقة التي أوردها الشارح من القرآن والشعر.
(4)
أي كلام ابن عصفور، وانظر التعليق السابق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد ختم الشيخ هذا الفصل بمسألتين (1).
الأولى: «إن أعملت هذه العوامل في اسم آخر جاز دخول الفاء نحو: إن الّذي يأتيني فله درهم، وإن زيدا كل رجل يأتيه فله درهم» . وهي واضحة (2).
الثانية: «إذا جئت بالفاء في خبر ما فيه معنى الجزاء لم يجز العطف عليه قبلها عند الكوفيين، وأجازه ابن السّراج» (3). والله أعلم (4).
* * *
(1) التذييل والتكميل (4/ 113).
(2)
قوله: وهي واضحة من كلام ناظر الجيش.
(3)
قال ابن السراج (الأصول: 2/ 356): إذا قلت: الذي يأتيني فله درهم على معنى الجزاء فقد أردت: كل من يأتيني، فلا معنى للصفة هنا، والعطف يجوز عندي كما تقول: الذي يجيء مع زيد فله درهم، فعلى هذا المعنى تقول: الذي يجيء هو وزيد فله درهم، أردت الجائي مع زيد فقط.
(4)
هذا آخر الجزء الأول في النسخة التي جعلتها أصلا، والثابتة بمعهد المخطوطات تحت رقم: 64 نحو مصنف غير مفهرس، والمصورة من بلاد المغرب. وقد كتب بعد قوله: والله أعلم: الحمد لله رب العالمين، صلّى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. يتلوه أول الجزء الثاني: باب الأفعال الرافعة الاسم الناصبة الخبر. علقه محمد بن محمد بن محمد الباهي في يوم الخميس بعد العصر بالمدرسة المنصورية بالقاهرة المعزية، سابع عشر شوال، واتفق دوران المحمل فيه سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، أحسن الله إليه، وجعله في خير وعافية بلا محنة، راجيا من الله أن يبلغه هو وإخوانه في الله ومشايخه ووالديه ما يأملوه من خير الدنيا والآخرة وفوق ما يأملوه؛ إنه واسع العطاء كريم جواد، فهو حسبنا ونعم الوكيل.
أنهيته قراءة عليه أبقاه الله في منزله بالقاهرة المحروسة في يوم الثلاثاء، ثاني عشر ذي القعدة، سنة خمس وسبعين وسبعمائة.
ثم كتب في صفحة لاحقة هذه العبارة:
يمنع طبع هذا الكتاب بدون إذن ذويه يسر وحمزة. رقم الكتاب: 5.