الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأذان من كان على رأس الجبل، أو العكس؟ لا، لِكُلٍ وقته الذي حَدَّده الشرع له.
(الهدى والنور / 319/ 30: 21: 00)
كلمة حول عدم انضباط التوقيت الفلكي للمغرب ومن ثَمَّ الإفطار على هذا التوقيت
مداخلة: هل يصح إفطار المسلم مع غياب قرص الشمس، وهل ذلك صحيح، وما حكم من يُفْطر إذا غاب قرص الشمس؟
الشيخ: هنا مسألة يجهلها كثير من الناس؛ والسبب ابتعاد أهل العلم وطلاب العلم عن تطبيق ما علموه من الشرع، ألا وهو: قد جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مشيراً إلى الشرق: «إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم» .
إذا أقبل الليل من هاهنا من المشرق، وأدبر النهار من هاهنا من المغرب، وغربت الشمس أي: لم تعد تظهر الشمس، فقد أفطر الصائم يعني: صار في وقت الإفطار .. دخل في وقت حِلّ الفطر، هذا شيء، وإذا حَلَّ إفطار الصائم بسبب غروب الشمس وجبت صلاة المغرب؛ لأنه ليس لكل من هذين الأمرين وقت يختلف عن الآخر .. في الوقت الذي تجوز فيه صلاة المغرب يجوز فيه الإفطار العكس بالعكس تماماً.
الشيء الثاني الذي ينبغي أن نكون على ذكر منه: قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر» هناك حديث آخر يقول: «لا تزال أمتي بخير ما صلوا صلاة المغرب قبل أن تشتبك النجوم» .
إذاً: هنا أمران قد يبدو لبعض الناس أنهما متعارضان، وأنه لا بد من الإخلال بأحدهما على حساب الآخر، والأمر ليس كذلك، وبيانه: في سنة النبي صلى الله عليه وسلم العملية، هذا النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمر بالأمرين كليهما .. أمر بالتعجيل بالإفطار وأمر بالتعجيل
بصلاة المغرب، هو نَفَذّ هذين الأمرين تنفيذاً رائعاً وسهلاً جداً، ذلك ما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غربت الشمس أفطر على تمرات وجعلها وتراً، فإن لم يجد فعلى جرعات من ماء، ثم يصلي» .
إذاً: استطاع أن يجمع بين الأمرين: التعجيل بالإفطار والتعجيل بالصلاة، وهكذا يجب على المحبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم حُبًّا صادقاً كما أشار ربنا عز وجل إلى ذلك في الآية الكريمة المعروفة:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] فمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما تتحقق باتباع سنته سواء كانت هذه السنة فرضاً أو نفلاً، كل ذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يُعَجِّل بالإفطار ويعجل بأداء صلاة المغرب فالسنة في تنفيذ الأمرين على عجل معاً، ثم هناك حديث آخر يُوَضِّح مبلغ اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالتعجيل بالإفطار.
جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فغربت الشمس فقال عليه الصلاة والسلام لأحد أصحابه: «اجدح لنا اجدح لنا» أي: هيئ لنا الإفطار من السويق، «قال له: يا رسول الله أمامك نهار» يعني: ضوء النهار في المغرب لا يزال واضحاً، وإن كانت الشمس قد غربت فعلاً، فأكد النبي عليه السلام عليه أمره السابق:«اجدح لنا» ثلاث مرات، في كل مرة يقول الرجل: أمامك نهار، والنبي صلى الله عليه وسلم يكرر عليه أمره، قال الراوي:«فأفطرنا، حتى لو أن أحدنا ركب على ناقته لرأى الشمس» تَصَوّروا الآن هنا المبالغة في التعجيل بالإفطار، من هنا غربت الشمس .. من هنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بإحضار ما يفطر عليه، ومن لا يعلم وكلهم لا يعلمون إلا ما علمهم الرسول عليه السلام، وهذا أمر بدهي جداً.
وهذا يتكرر اليوم مع الأسف .. هه ما زال الضوء يبين؛ لأنهم لا يعلمون السنة، كذلك الرجل .. ذلك الرجل كان معذوراً؛ لأنه لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بيَّن لهم من قبل التعجيل الفعلي العملي وهو أن تغرب الشمس من هنا وأن يباشر الإفطار من هنا؛ ولذلك قال:«يا رسول الله! أمامك نهار» فما بالاه وإنما قال له ثلاث
مرات: «اجدح لنا» .
فما بال المسلمين اليوم يقولون: لم يؤذن، وأنتم ترون الشمس قد سقطت في الأفق، وقد غربت وتجدون النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالتعجيل بالإفطار أولاً، ثم يحث ذلك الصحابي على التعجيل بتقديم ما يفطر عليه، ولو أنه ما زال ضوء النهار واضحًا لم يذهب بكليته.
إذاً: هنا أمران يجب أن نلاحظهما وأن نطبقهما، التعجيل بالإفطار والتعجيل بصلاة المغرب، لا نؤخر أحدهما على حساب الآخر.
أما الأذان اليوم، فنحن نأسف أن الأذان في البلاد الإسلامية كُلِّها إلا ما ندر جداً جداً، لا يؤذنون على التوقيت الشرعي؛ وإنما يؤذنون على التوقيت الفلكي .. التوقيت الفلكي لا يرى اختلاف المطالع .. لا يرى اختلاف الأراضي في البلدة الواحدة .. فعندنا نحن مثلاً في عمان وما أدري الوضع عندكم هنا في معرفة السطحية .. بلدكم كأنه سهل، أما عمان تعرفونها جيداً فهي مختلفة الأراضي اختلافاً جداً جداً كثيراً، فهناك الجبال وهناك الهضاب وهناك السهول وهناك الوديان، فلا يصح أن يكون الأذان المُوَحّد يشمل كل هذه الأماكن، لا، ونحن قد شاهدنا بأعيننا الاختلافات الواضحة جداً فيما يتعلق ليس فقط بغروب الشمس بل وبطلوع الفجر وبأذان الظهر والمغرب، بل وكل الأوقات، وبقية الأوقات الخمسة.
والذي يهمني الآن ما يتعلق بغروب الشمس، أنتم تعلمون أن هناك في عمان أذان موحد يعني: يؤذن في مكان ويُذاع هذا من كل المساجد سواءً كان المسجد على قمة جبل أو كان رأس هضبة أو في سهل أو في واد، أذان واحد، فرأينا الاختلافات الكثيرة جداً.
أنا أعيش على جبل يعرف بجبل هملان، وبيتي وداري تطل على الشرق والغرب، فأرى طلوع الفجر الصادق وطلوع الشمس، وأرى غروب الشمس، وبحثنا الآن في الغروب .. تغرب الشمس والأذان بعد الغروب بثمان أو عشر دقائق، كما الشأن عندكم هنا، الأذان الموحد بعد غروب الشمس أراه بعيني بثمان
دقائق أو عشر دقائق.
ذهبنا في بعض المرات إلى قرية تسمى بالناعور، في الطريق إلى بيت القدس كما تعلمون، فرأيت ظاهرتين متباينتين تماماً، كنا مرة ننتظر غروب الشمس في شهر رمضان عند أحد الإخوان هناك .. لأول مرة أسمع الأذان المُوَحّد مع غروب الشمس هناك في الناعور، لكن في سنة أخرى وأنا أدخل إلى المسجد لصلاة المغرب هذا الأذان الموحد يرفع صوته بمكبر الصوت على مِئْذَنة المسجد والشمس أمامه لم تغرب.
فإذاً: هؤلاء الذين سمعوا هذا الأذان أفطروا، بل وصلوا، لكن صلاتهم قبل الوقت، بينما من كان في المنطقة الأخرى التي كنت فيها في السنة الماضية يصلي في الوقت تماماً ويفطر في الوقت تماماً، لماذا؟ لاختلاف الأراضي انخفاضاً وارتفاعاً.
وحدثني أحد أئمة مسجد صهيب، هو في طريق الذاهب إلى الدوار السابع، قال هو أيضاً رأى بعينه ما رأيت أنا في الناعور، الأذان يؤذن في مسجده والشمس لَمَّا تغرب بعد.
إذاً: هذا الأذان الموحد أولاً، ثم الأذان الفلكي ثانياً، هذا خطأ يعرض صلاة المصلين للبطلان، وقد يُعَرِّض صومهم أيضاً كما سمعتم آنفاً في مسجد الناعور أيضاً للبطلان، فلا بد من مراعاة اختلاف الأماكن.
ومن العجب أن الذين وضعوا الرزناما هذه الفلكية، يعلمون هذه الحقيقة من اختلاف الأماكن فيقولون: مع مراعاة الفوارق، من الذي يراعيها؟
إذا كان المؤذن الذي شرع بإعلام الناس الغافلين البعيدين عن رؤية الشمس طلوعاً وخروجاً وغروباً إلى آخره كُلِّف هؤلاء المؤذنون وجعلوا أمانة على الأذان، إذا هم يؤذنون بناءً على الرزناما وقد عرفنا وعرف الجميع اختلاف الأماكن تماماً، لا فرق عندي بين من يصلي على الأذان الموحد مع اختلاف الأراضي، وبين من يصلي على أذان مكة، أذنوا في مكة! مكة بعيد .. طيب يا أخي بعيد أو قريب، المهم اختلاف المطالع الذي في الشرق تغرب الشمس عنه قبل الذي في الغرب .. الذي في الوادي تغرب الشمس عنه قبل الذي في قمة الجبل وهكذا؛ ولذلك رأيتم آنفاً بأن
ذلك الصحابي قال: إن الرسول عليه السلام لما أفطر لو ركب أحدنا على الجمل لرأى الشمس طالعة.
إذاً: بالنسبة لمن كان على قمة هضبة .. لا أقول: جبل، الشمس ما غربت بالنسبة إليه، لكن بالنسبة لمن كان في السهل فقد غربت عنه، فهذا له غروب، وذاك الذي على الهضبة له غروب، وذاك الذي على الجبل له غروب وهكذا.
ولذلك فالدين النصيحة والذكرى تنفع المؤمنين .. لا يجوز التزام التوقيت الفلكي؛ لأن التوقيت الفلكي يأخذ الخط المستقيم، خط البحر الذي لا انخفاض ولا طلوع ولا نزول فيه إطلاقاً، وهذا لا يجوز في الشرع؛ ولذلك فمن رأى منكم طلوع الفجر قبل أذان الفجر فله أن يمسك عن الطعام وأن يباشر الصلاة، أما إذا سمع الأذان ولم ير طلوع الفجر فلا يجوز له أن يصلي، ويجوز له أن يستمر في سحوره؛ لأن الرسول عليه السلام كان يقول وبهذا الحديث أُنْهي الجواب عن هذا السؤال وإن طال الكلام؛ لأن هذه مسألة مع الأسف الشديد أكثر الناس عنها غافلون ولها جاهلون، قال عليه الصلاة والسلام:«لا يغرنكم أذان بلال، فإنما يؤذن بليل، فكلوا واشربوا، حتى يؤذن ابن أم مكتوم» .
هنا سؤال: متى كان يؤذن ابن أم مكتوم وكان رجلاً ضريراً؟
كان يصعد على ظهر المسجد، فينتظر المارة في أزقة المدينة، إذا بدا لهم الفجر ساطعاً من الشمال إلى الجنوب، قيل له: أصبحت أصبحت فيؤذن.
يقول الرسول عليه السلام: «لا يَغرنَّكم أذان بلال فإنما يؤذن بليل» جاء في رواية صحيحة: «لِيُقَوِّم النائم، وليتسحر المتسحر على أذان بلال» يؤذن بليل «فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، وكان لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت أصبحت» وكان رجلا ضريراً، انظروا الآن كم في المسألة يُسْر أولاً: المؤذن لا يرى طلوع الفجر وإنما يعتمد على المارة الذين يرون طلوع الفجر، فإذا قالوا له: أصبحت يعني: دخل وقت الفجر يقول: الله أكبر الله أكبر ..
هكذا كان الأمر في عهد الرسول عليه السلام إلى عهود قريبة جداً، كان في كل
مسجد مؤذن يعلم المواقيت الشرعية، وكان هناك في بعض المساجد إلى اليوم .. في دمشق لا أدري هنا موجود أو لا؟ ما يسمى بالمِزْوَلة هي عبارة عن آلة يتمكن بها المؤذن أن يعرف وقت دخول الظهر ووقت دخول العصر، أما بقية الأوقات فهي تشاهد من عامة الناس كما رأيتم آنفاً في الحديث الصحيح، المَارّة يقولون للمؤذن: أصبحت أصبحت، أما وقت الظهر يحتاج إلى علم خاص .. وقت العصر يحتاج إلى علم خاص، هذا العلم كانوا قديماً بطريقة مبسطة جداً فطرية: ينصب شاخص هكذا عمود .. عصا .. تُغْرَز على الأرض فيلاحظ عندما تطلع الشمس من المشرق هذا الشاخص يضرب الظل ..
إلى المغرب، وكلما ارتفعت الشمس كلما تقاصر هذا الظل ويتقاصر ويتقاصر، فيما يسمى بخط الاستواء، هناك هذا الظل يصبح يركب الشخص ظله أو الظل شاخصه، أي يغيب لا يرى هذا الظل إطلاقاً، أين؟ في خط الاستواء، هنا تصبح وقت الكراهة شرعاً، فإذا بدأ الظل من جانب آخر دخل وقت الظهر، أما هنا في بلادنا يختلف الأمر؛ لأن الشمس حينما تطلع لا تستوي على رؤوسنا في أي فصل من الفصول الأربعة، وإنما تكون مائلة إلى الجنوب قليلاً أو كثيراً، أكثر ما تكون مائلة في فصل الشتاء، وأكثر ما تكون قائمة في فصل الصيف، ولكن بالنسبة إلينا هذا الشاخص ظِلّه لا يغيب إطلاقاً عنه.
الشاهد: فالمؤذن الذي يعرف التوقيت الشرعي، يُراعي ظل هذا الشاخص قَصُر قَصُر قصر حتى يراه بعينه كأنه وقف، لم يعد يتقاصر ولم يعد يتطاول هذا وقت الكراهة شرعاً، وهذا أكثر الناس لا يعلمونه بل أقول لكم آسفاً: أكثر المؤذنين، بل مؤذنين اليوم لا يعرفون هذا الحكم الشرعي مطلقاً، فإذا وقف الظل ولم يعد يرى يتقاصر، كما كان من قبل يتقاصر ولا يبدأ يتطاول كما سيتطاول فيما بعد، حينما يقف بالنسبة للعين المجردة هذا هو وقت الكراهة، فإذا طار قليلاً زال وقت الكراهة ودخل وقت الظهر، وهذا يختلف باختلاف الفصول.
هذه وظيفة المؤذنين؛ ولذلك كانوا يضعون أمام المؤذنين وعلى الجدر مزولة