الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رد دعوى نسخ
النهي عن صيام السبت
عن عبد الله بن بُسْرٍ السُلَمِيِّ عن أخته- وقال يزيد: الصَّماء-أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَصُوموا يومَ السبتِ إلا فيما افْتُرِضَ عليكم، وإن لم يجد أحدكم إلا لِحَاءَ عِنَبَة، أوعُودَ شَجَرَةٍ؛ فليمضغهُ» .
قال أبو داود: «وهذا حديث منسوخ» .
وأما دعوى نسخه الذي ذهب إليه المصنف رحمه الله تعالى؛ فهي مردودة بأنه من الممكن حمله على صوم السبت مفرداً، كما أفاده الترمذي. وحينئذ فلا تعارض بينه وبين حديث الباب الآتي، وأحاديث صيامه صلى الله عليه وسلم إياه؛ لأنه ليس في شيء منها إفراده بالصيام. وقد بسط القولَ في هذا بسطاً شافياً: العلامةُ ابن القيم رحمه الله في «تهذيب السنن» «3/ 297 - 301» ، وذكر خلاصته في «زاد المعاد» «1/ 237 - 238» ؛ فليراجعهما من شاء.
صحيح سنن أبي داود (7/ 180)
النهي عن صيام السبت
[قال الإمام في تعقباته على الشيخ سيد سابق رحمه الله في فقه السنة]:
قوله تحت عنوان: النهي عن إفراد يوم الست بصيام: «عن بسر السلمي عن أخته الصماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم
…
». رواه
أحمد وأصحاب السنن والحكم وقال: صحيح على شرط مسلم وحسنه الترمذي».
قلت: اختلف العلماء في هذا الحديث فقواه من ذكر المؤلف وقال مالك: «هذا كذب» .
وضعفه الإمام أحمد كما في «تهذيب السنن» وقال النسائي:
«هو حديث مضطرب» وبه أعله الحافظ في «بلوغ المرام» فقال: «ورجاله ثقات إلا أنه مضطرب وقد أنكره مالك» .
وقد بين الاضطراب فيه الحافظ في «التلخيص» 6/ 472 فليراجعه من شاء.
ثم تبين لي أن الحديث صحيح وأن الاضطراب المشار إليه هو من النوع الذي لا يؤثر في صحة الحديث لأن بعض طرقه سالم منه وقد بينت ذلك في «إرواء الغليل» 960 بيانا لا يدع مجالا للشك في صحته.
وتأويل الحديث بالنهي عن صوم السبت مفردا يأباه قوله: «إلا فيما افترض عليكم» فإنه كما قال ابن القيم في «تهذيب السنن» : «دليل على المنع من صومه في غير الفرض مفردا أو مضافا» لأن الاستثناء دليل التناول وهو يقتضي أن النهي عنه يتناول كل صور صومه إلا صورة الفرض ولو كان إنما يتناول صورة الأفراد لقال: لا تصوموا يوم السبت إلا أن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده كما قال في الجمعة فلما خص الصورة المأذون فيها صومها بالفريضة علم تناول النهي لما قابلها».
قلت: وأيضا لو كانت صورة الاقتران غير منهي عنها لكان استثناؤها في الحديث أولى من استثناء الفرض لأن شبهة شمول الحديث له أبعد من شموله لصورة الاقتران فإذا استثني الفرض وحده دل على عدم استثناء غيره كما لا يخفى.
وإذ الأمر كذلك فالحديث مخالف للأحاديث المبيحة لصيام يوم السبت كحديث ابن عمرو الذي قبله ونحوه مما ذكره ابن القيم تحت هذا الحديث في بحث له قيم أفاض فيه في ذكر أقوال العلماء فيه وانتهى فيه إلى حمل النهي على إفراد يوم السبت بالصوم جمعا بينه وبين تلك الأحاديث وهو الذي ملت إليه في «الإرواء» .
والذي أراه - والله أعلم - أن هذا الجمع جيد لولا أمران اثنان:
الأول: مخالفته الصريحة للحديث على ما سبق نقله عن ابن القيم.
والآخر: أن هناك مجالا آخر للتوفيق والجمع بينه وبين تلك الأحاديث إذا ما أردنا أن نلتزم القواعد العلمية المنصوص عليها في كتب الأصول ومنها:
أولا: قولهم: إذا تعارض حاظر ومبيح قدم الحاظر على المبيح.
ثانيا: إذا تعارض القول مع الفعل قدم القول على الفعل.
ومن تأمل في تلك أحاديث المخالفة لهذا وجدها على نوعين:
الأول: من فعله صلى الله عليه وسلم وصيامه.
الآخر: من قوله صلى الله عليه وسلم كحديث ابن عمرو المتقدم.
ومن الظاهر البين أن كلا منهما مبيح وحينئذ فالجمع بينها وبين الحديث يقتضي تقديم الحديث على هذا النوع لأنه حاظر وهي مبيحة. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لجويرية: «أتريدين أن تصومي غدا» وما في معناه مبيح أيضا فيقدم الحديث عليه.
هذا ما بدا لي فإن أصبت فمن الله وله الحمد على فضله وتوفيقه وإن أخطأت فمن نفسي وأستغفره من ذنبي.
[تمام المنة ص (405)]
النهي عن صيام الدهر
[قال الإمام في تعقباته على الشيخ سيد سابق رحمه الله في فقه السنة]:
قوله تحت عنوان: النهي عن صوم الدهر: «فإن أفطر يومي العيد وأيام التشريق وصام بقية الأيام انتفت الكراهة» .
قلت: هذا التأويل خلاف ظاهر الحديث: «لا صام من صام الأبد» وقوله: «لا صام ولا أفطر» وقد بين ذلك العلامة ابن القيم في «زاد المعاد» بما يزيل كل شبهة
فقال رحمه الله: «وليس مراده بهذا من صام الأيام المحرمة
…
»».
وذكر نحوه الحافظ في «الفتح: 4/ 180» .
قوله في تمام بحثه السابق: «وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم حمزة الأسلمي على سرد الصيام وقال له: «صم إن شئت وأفطر إن شئت» وقد تقدم».
قلت: نعم تقدم الحديث تحت الكلام عمن يرخص لهم في الفطر
…
ولكن بلفظ آخر وليس فيه السرد جاء ذلك في رواية لمسلم بلفظ: «قال يا رسول الله إني رجل أسرد الصوم؟ أفأصوم في السفر؟ قال: «صم إن شئت وأفطر إن شئت» .
ورواه ابن خزيمة 2153.
ولا دليل في الحديث على ما ذهب إليه المؤلف لأنه لا تلازم بين السرد وصوم الدهر وقد ذكر الحافظ في «الفتح» استدلال بعض العلماء على الجواز بحديث حمزة هذا ثم عقب عليه بقوله:
«وتعقب بأن سؤال حمزة إنما كان عن الصوم في السفر لا عن صوم الدهر ولا يلزم من سرد الصيام صوم الدهر فقد قال أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسرد الصوم فيقال: «لا يفطر» . أخرجه أحمد ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم الدهر فلا يلزم من ذكر السرد صيام الدهر».
ثم قوله أيضا: «والأفضل أن يصوم يوما ويفطر يوما فإن ذلك أحب الصيام إلى الله» .
قلت: فهذا من الأدلة على كراهة صوم الدهر مع استثناء الأيام المحرمة إذ لو كان صوم الدهر هذا مشروعا أو مستحبا لكان أكثر عملا فيكون أفضل إذ العبادة لا تكون إلا راجحة فلو كان عبادة لم يكن مرجوحا
كما تقدم عن ابن القيم.
[تمام المنة ص (408)]