الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صيام يوم عرفة إذا صادف السبت
مداخلة: شيخنا جزاك الله كل خيرًا، صيام يوم عرفة إذا صادف السبت؟
الشيخ: صيام يوم السبت ما خلصنا منه؟ لا حول ولا قوة إلا بالله، يا جماعة في هذه المناسبة وقبل مباشرة الإجابة، مباشرة أقول: أنصح إخواننا الذين صار عندهم شيء من العلم أن لا يتجرؤوا وأن يبنوا ويصدروا ..
ويصدروا أحكامًا هي أكبر منهم، وعليهم أن يكونوا ممن أشار إليهم الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله:«من يُرِد الله به خيراً يُفَقِّهه في الدين» ، الحديث الذي ورد في خصوص صيام يوم السبت بلفظ:«لا تصوموا يوم السبت، إلا فيما افترض عليكم، ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة فليمضغه» ، هذا الحديث له جانبان، جانب حديثي وجانب فقهي.
الجانب الحديثي يعني: هل هو صحيح أم غير صحيح؟
الجانب الفقهي ما دلالته؟
يمكن لكثير من الناس، خاصة طلبة العلم، وبصورة أخص الذين تعجبهم نفوسهم ويظنون أنهم صاروا في منزلة من يفتي بأنه يجوز أو لا يجوز، هؤلاء ربما يكون لهم بعض العذر وليس كل العذر، أن يقولوا لا، هذا الحديث: لا يدل أنه إذا صادف يوم السبت يوم عرفة أو يوم عاشوراء، أنه لا يجوز نصومه.
هذا لهم بعض العذر وليس لهم عذر، لكن كون الحديث صحيحًا، أو كون الحديث ضعيفًا، ليس لهم أن يدخلوا فيه إطلاقاً؛ لأنهم لا علم عندهم لطريق معرفة الحديث الصحيح أو الحديث الضعيف، الكلام الآن يجري مع إخواننا فضلاً عن الآخرين الذين يؤمنون بصحة هذا الحديث، وإذا كان أحد عنده شيء من الدراسة الحديثية ويقول: لا هذا الحديث غير صحيح، حينئذ نفتح صحيفة جديدة، وندرس الحديث على ضوء قواعد علم الحديث، لننظر هل قولنا بأن هذا الحديث
صحيح أم قولهم بأن هذا الحديث غير صحيح هو الصحيح.
أما إذا كان البحث يدور على أساس أن هذا الحديث صحيح، وهو صحيح لا شك ولا ريب فيه، حينئذٍ يَسْهُل بيان خطأ أولئك الناس كل الناس، سواء كانوا مقلدين أو كانوا متبعين كإخواننا السلفيين أو غيرهم، من السهولة بمكان أن نفهمهم أن هذا الحديث نص قاطع لا يقبل التأويل، في أنه إذا صادف يوم السبت يوم عاشوراء أو يوم عرفة أنه لا يجوز صيامه، وهاكم البيان:
سمعتم الحديث -آنفاً- بعد أن نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن صيام يوم السبت استثنى فقال: «إلا فيما افترض عليكم» .
وحينئذٍ صار عندنا نهي عن صيام يوم السبت، يعني نلخص الحديث بتمامه نأخذ خلاصته، خلاصته: أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن صيام يوم السبت إلا في الفرض.
فإذا قال قائل -كما نسمع-: لا، وإلا في عاشوراء، وسألنا ثاني وإلا في عرفة وإلا في أيام البيض الله أكبر، أنا لا أتصور مسلماً يدري وينتبه لما يخرج من فمه، أنه يتجرأ أن يقول هذا الكلام، رسول الله يقول:«لا تصوموا يوم السبت، إلا فيما افترض عليكم» .
وهو يقول: إلا كذا وإلا كذا وإلا كذا، هذا ليس استدراكاً على رسول الله، أليس معنى ذلك -لا سمح الله- أن هذا الذي يقول هذا الاستدراك الثاني والثالث والرابع في لسان حاله يقول: الرسول لا يعرف يتكلم؟
مداخلة: ليس فصيح.
الشيخ: ليس فصيح، لا يعرف يتكلم، لأنه نهي نهياً عاماً واستثناء واحدًا، وكان عليه أنه يأتي بكلمة تشمل هذه الأنواع وهذه المستثنيات الأخرى، هذه الذي يقولها هؤلاء الجماعة، تصور: طالب العلم العاقل المتجرد عن الهوى، تَصَوُّره لهذا الكلام يكفي له أن يقول: تبت إلى الله ورجعت إليه مما كنت أقول، وصدق رسول الله
حين يقول: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم» .
بعد هذا البيان نأتي بصورة سترون هؤلاء المتحمسين لهذه الاستثناءات الثلاثة، وأقولها بعبارة أخرى: المُسْتَدركين على رسول الله، سيتراجعون في مسألة أخرى، نقول لهم: إذا صادف يوم عيد يوم السبت، هل تصومونه؟ يوم النحر وثلاثة أيام بعده منه، لابد في سنة من السنين صادف أنه في يوم .. يوم اثنين مثلاً.
مداخلة: يوم اثنين.
الشيخ: يوم اثنين.
مداخلة: أو خميس.
الشيخ: أو خميس صادف بلا شك، هل نصوم يوم الاثنين إذا صادف يوم عيد؟ سيكون الجواب بالإجماع لا، سنقول لهم: لماذا؟ يقولوا لك: هذا منهيّ عنه، ما هو الفرق بين صيام يوم السبت وهو منهي عنه، وبين صيام يوم عيد، من أيام العيد صادف يوم الاثنين وهو مرغوب في صيام يوم الاثنين، مرغوب في صيام يوم الخميس، لكن لما وافق ظرفاً نُهِيَ عن صيامه، لما صادف يوماً نُهِي عن صيامه، ما كان موقف العلماء؟ غَلَّبوا النهي على الإباحة، فقالوا: لا، نحن لا نصوم الخميس والاثنين لمصادفة هذا اليوم أو ذاك ليوم العيد وهو منهي عن صيامه.
لا فرق أبداً بين نهي الرسول عن يوم السبت وبين نهي الرسول عن صيام أربعة من العيد، فما هي القاعدة التي لجأ إليها هؤلاء الذين يذهبون إلى الاستدراك على الرسول عليه الصلاة والسلام فقالوا: بجواز صيام يوم السبت، إذا وافق يوماً فاضلاً كيوم عرفة مثلاً، فماذا يقول هؤلاء في صيام يوم الاثنين ويوم الخميس، وهما من الأيام التي يستحب صيامها؟
هؤلاء إن كانوا فقهاء، سيجيبون بكلام علماء الأصول، سيقولون: لما تعارض النهي مع الإباحة، قُدِّم النهي على الإباحة، أيام العيد منهي عن صيامها، يوم الاثنين ويوم الخميس مباح صيامه مرغوب فيه، فإذا تعارض المبيح مع المحظور قدم
المحظور عن المبيح، نفس القاعدة نحن طبقناها هنا في صوم يوم السبت.
مداخلة: حتى لو بصيام يوم ويفطر يوم، يبطل صيامه ويفطر؟
الشيخ: نفس النتيجة، يا أخي.
مداخلة: نفس النتيجة.
الشيخ: نفس النتيجة، يعني مثلما يقول ابن حزم -يرحمه الله-: هذا حكم جاء به الشارع، يجب أن نُخْضع له القاعدة وحده، قدم الحاظرعلى المبيح فيما يتعلق بصوم يوم السبت، فيما يتعلق بصوم يوم العيد الحاظر مقدم على المبيح، أخيراً ..
أخيراً نقول شيئاً: كثير من الناس يتوهمون أنهم إذا صادف يوم سبت يوم عاشوراء أو يوم من أيام العيد الفضيل، أنهم إذا تركوا صيام ذاك اليوم يوم السبت فاتهم خير كبير، صوم يوم عاشوراء يُكَفِّر السنة الماضية، صوم يوم عرفة الماضية والآتية، كيف نخسر هذه الفضيلة وتلك؟
الجواب: -لو كانوا يعلمون- في قوله عليه الصلاة والسلام: «من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه» ، نحن لم نصم يوم السبت، لماذا؟ زهداً في صيام يوم عرفة وفي صيام يوم عاشوراء وفي صيام أيّ يوم فضيل من أيام البيض مثلاً، ليس زهداً، وإنما طاعة لله ورسوله.
إذاً: صدق فينا هذا الحديث، «من ترك شيئاً لله» ، شيئاً هنا مثل شيئاً في الآية السابقة، {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] من ترك شيئاً مطلق أي شيء من هذه الأشياء، تركنا صيام يوم السبت مع أنه صادف يوم عرفة، لماذا؟ لله، لأنه نهانا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
إذاً: نحن خير من أولئك الذين صاموا يوم عاشوراء، وإن شاء الله استحقوا أن يغفر الله لهم السنة الماضية والسنة الآتية، نحن الذين نستحق إن شاء الله بنص هذا الحديث، نحن عملنا بحديثين، حديث فيه فضيلة وحديث فيه نهي، هم عملوا