الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حول إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر
«(1)»
[قال الألباني]: قرأت في باب الفتاوى من مجلتكم الزاهرة «ص 354، جلد 20» ما نصه:
سئلنا عن السفر الذي يبيح الفطر في رمضان؟ !
وخلاصة الجواب: إن جمهور العلماء حددوه بالسفر الذي تقصر فيه الصلاة قياساً عليه، وهو الذي تكون مسافته مدة ثلاثة أيام ولياليها، بسير الإبل، ومشي الأقدام، -أي سير عشرين ساعة تقريباً- وتقدر هذه المسافة بواحد وثمانين كيلو متراً تقريباً.
وعلى المسافر أن يبيت الصوم ليلة سفره، وله أن يفطر منذ الفجر إذا أنشأ سفره قبله، خلافاً لما يفعله كثير من المسافرين جهلاً منهم.
أقول: لا يهمني الآن البحث في السفر الذي تقصر فيه الصلاة، ويحل فيه الإفطار، وهل يحد بمسيرة أيام أو كيلو مترات، أم هو مطلق في كل سفر طويل أو قصير لا يقيد بشيء من القيود المذكورة ما دام يطلق عليه اسم السفر شرعاً ولغة، وكما هو مذهب كثير من العلماء المحققين، لا أريد الآن البحث فيه، فإن له مناسبة أخرى إن شاء الله تعالى، وإنما توجهت النية إلى الكلام على ما جاء في آخر هذه الفتوى من قوله: «وله أن يفطر منذ الفجر إذا أنشأ
…
».
فأقول: لقد عظم علي هذا القول جداً، لأمرين أحدهما أهم من الآخر:
الأول: أن السنة الصحيحة تجيز صراحة ما نسبه صاحب الإفتاء إلى فعل الجهال، وفيه أحاديث كثيرة أجتزيء الآن بواحد منها لقوة سنده ووضوح دلالته، ألا وهو حديث أنس رضي الله عنه:
(1) مجلة التمدن الإسلامي، «20/ 501 - 502» .
أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد السفر، وقد رحلت دابته، ولبس ثياب السفر، وقد تقارب غروب الشمس، فدعا بطعام، فأكل منه، ثم ركب، فقلت له: سنة؟ فقال: نعم.
أخرجه الترمذي وحسنه، والبيهقي والسياق له، وإسنادهما صحيح على شرط الشيخين، وترجم البيهقي بـ «باب من قال: يفطر وإن خرج بعد طلوع الفجر».
والحديث صريح في هذا، بل هو يدل على أكثر من ذلك، وهو جواز الإفطار قبل الخروج بعد التأهب، ولذلك قال ابن العربي المالكي:
وأما حديث أنس فصحيح يقتضي جواز الفطر مع أهبة السفر، حتى ذكر أن قوله:«من السنة» ، لا بد أن يرجع إلى التوقيف، والخلاف في ذلك معروف في الأصول.
قال الشوكاني في نيل الأوطار:
والحق أن قول الصحابي «من السنة» ينصرف إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد صرح هذا الصحابي بأن الإفطار للمسافر قبل مجاوزة البيوت من السنة.
الأمر الآخر: إنه قد قال بجواز ذلك جماعة من السلف والأئمة، فمنهم الإمام أحمد في مسائل أبي داود عنه «ص 95» ، ومنهم الشعبي كما في «البداية» لابن رشد «1/ 204» ، ومنهم عمرو بن شرحبيل - وهو تابعي مخضرم- رواه البيهقي بسند صحيح عنه، ومذهب الحنابلة على هذا كما في كتب المذهب، مثل كشاف القناع وغيره، واستظهره الإمام الصنعاني.
فلعل كاتب الفتوى لم يستحضر حين الكتابة هذا الذي أوردناه من السنة، وأقوال الأئمة، ولذلك رأيت أنه لابد من أن أنبه إليه وأذكر به «فإن الذكرى تنفع المؤمنين» والله سبحانه ولي المتقين.
كتب محمد ناصر الدين الألباني سنة 1373 هـ
(مقالات الألباني ص 65 - 67)