الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو الذي نقطع به لهذا الحديث الصحيح فإنه نص في المسألة لا يقبل التأويل مع تأيده بظاهر القرآن والآثار الصحيحة عن السلف رضي الله عنهم.
ومما سبق يعلم أن القول بعدم جواز الإفطار وإيجاب الكفارة على المفطر مما لا دليل عليه في الشرع فعلى من نصب نفسه للرد علينا وحاول تضعيف الحديث الصحيح انتصارا لمذهبه أن يأتي بالدليل الذي يقنع به نفسه قبل غيره بصحة ما ذهب إليه وإلا فهو عندنا وكما بينا خلاف ظاهر القرآن ونصوص الآثار الصحيحة وذلك كاف في إثبات خطأه ولو كان الحديث عنده ضعيفا.
فليتأمل في هذا المنصفون على اختلاف مذاهبهم يتبين لهم صواب ما ذكرنا. إن شاء الله تعالى وهو ولي التوفيق.
وإن مما يحسن التنبيه إليه أن ذلك الموقف الطيب الذي وقفه ابن العربي ومن معه من الحديث هو الذي يجب على كل مسلم أن يتخذه تجاه هذا الحديث خاصة والأحاديث الأخرى بصورة عامة ولو كانت على خلاف رأي الآباء والشيوخ لأنه هو الموقف الوحيد الذي يتفق مع الإيمان الصحيح كما قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} .
«فلا جرم أن الأئمة أمروا بذلك أتباعهم وألحوا عليهم بذلك في عبارات كثيرة مشهورة عنهم وقد ذكرت الكثير منها في مقدمة كتابي «صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم» . فمن شاء رجع إليه.
[تصحيح حديث إفطار الصائم ص 44 - 49]
حديث أبي بصرة الغفاري في الباب ودلالته على ما دل عليه حديث أنس
روى أحمد وأبو داود من طريق عبيد بن جبير قال: ركبت مع أبي بصرة الغفاري في سفينة بالفسطاط في رمضان، فدفع، ثم قرب غداءه، ثم قال: اقترب،
فقلت: ألست ترى البيوت؟ فقال: أرغبت عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكل.
[رد الإمام الألباني القول برد الحديث ورجح قوته في الشواهد فيراجع البحث في الأصل ثم قال]:
دلالة الحديث على ما دل عليه حديث أنس:
وأما قول الشيخ: إن الحديث لو صح لم يكن فيه حجة لأنه ليس فيه أنه خرج بعد الصبح فركب ثم أكل فيحتمل أنه خرج من بيته قبل الفجر.
فأقول: الاحتمال المذكور باطل من وجوه:
أولا: أنه خلاف المتبادر من الحديث.
ثانيا: أنه خلاف ما فهم منه العلماء الذين خرجوه فهذا أبو داود يترجم له بقول: «باب متى يفطر المسافر إذا خرج؟ «يشير بذلك إلى أن أبا بصرة كان خرج صائما ثم أفطر وهذا المجد ابن تيمية ترجم له بقوله: «من سافر في أثناء يوم هل يفطر فيه؟ ومتى يفطر؟ » ومثله وأصرح منه قول البيهقي الآتي قريبا إن شاء الله تعالى.
ثالثا: أن أبا بصرة لو خرج قبل الفجر - كما ادعى الشيخ - فمعنى ذلك أنه سافر قبل أن يجب عليه الصيام لعدم وجود شرطه وهو الإقامة ومن المعلوم أن مثل هذا يجوز له الأكل بعد الفجر بنص القرآن واتفاق المسلمين بل إن بعضهم أوجبه عليه فإذ الأمر كذلك فهل يعقل أن يعترض عليه عبيد بن جبير بقول: «ألست ترى البيوت؟ » فلا شك أن هذا القول منه دليل على أن أبا بصرة خرج صائما وأنه أكل بعد الفجر وأفطر فأراد عبيد رحمه الله أن يلفت نظره إلى ما ظنه مانعا من الإفطار وهو كونه لا يزال في حكم المقيم لأنه لم يجاوز البيوت فأخبره أبو بصرة رضي الله عنه بأن المجاوزة ليست بشرط وأن التمسك به خلاف السنة ..
هذا هو المعنى الذي يمكن فهمه من الحديث إذا تجردنا عن الهوى والتقليد الأعمى وهو الذي فهمه العلماء كما ذكرت في الوجه الأول. ويشهد لذلك أيضا ترجمة البيهقي للحديث بقوله: «باب من قال يفطر وإن خرج بعد طلوع الفجر» .
فهذا نص قاطع على بطلان ما تأول الشيخ الحديث به من المعنى وهو مما يدل على أن الشيخ يجتهد في فهم الأحاديث - خلاف ما يتظاهر به - وكأنه - ألهمنا الله الصواب جميعا - يجتهد لهدمها وإبطال معانيها حتى لا تتعارض مع مذهبه فالمذهب هو الأصل عنده والحديث تبع له وهذا خلاف ما يجب أن يكون عليه المسلم كما سبق التنبيه عليه «ص 37» وخلاف ما جرى عليه العلماء المنصفون حتى من كان منهم معروفا باتباعه لمذهب من المذاهب الأربعة وأقرب شاهد لدينا على ذلك الإمام البيهقي رحمه الله فإنه مع اتباعه للمذهب الشافعي وتأييده له في أكثر مسائله فسر الحديث بقوله الذي ذكرته آنفا بخلاف ما ذهب إليه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ولم يحمله معنى لا يتحمله ولا يساعد عليه الذوق العربي والفهم السليم كما صنع غيره وهو ينتمي لمذهب الشافعي أيضا.
رابعا: قول عبيد بن جبير: «ثم قرب غداءه» فإن فيه إشارة إلى أن الخروج والأكل كان غدوة وهي ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس كما نقله الشيخ نفسه عن القاموس.
فإذا ثبت هذا فلا أدري ما وجه تأييد الشيخ ما ذهب إليه في تأويل الحديث من المعنى بقول عبيد هذا؟ لأن أكل أبي بصرة سواء كان في أول النهار - وهو بعد الفجر - أو كان بعد طلوع الشمس فلا يؤيد بوجه من الوجوه قول الشيخ أن الخروج كان قبل الفجر.
فإذا تأمل العاقل في هذه الوجوه الأربعة تبين له دون أي شك أن الحديث حجة نيرة على جواز الإفطار المختلف فيه وأنه في ذلك كحديث أنس رضي الله عنه وقد صرح بذلك المحقق الشوكاني في «نيل الأوطار» «4/ 195» .
[تصحيح حديث إفطار الصائم ص 49 - 57]