الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وفيه الخلاف الذي شرحته آنفا؟ !
[تمام المنة ص «363»]
زكاة عروض التجارة
مداخلة: تاجر عنده مواد بناء .. هل يخرج الزكاة على البضاعة، على هذه الاموال -طبعاً- اللّي ما انباعت بس معروضة للبيع كل سنة، أو كل يعني حول؟
الشيخ: ما في زكاة على عروض التجارة مقننة، وإنما يُخْرِج ما تطيب به نفسه، بدون تحديد ولا انتظار حولان الحول.
(الهدى والنور /307/ 26: 45: 00)
زكاة عروض التجارة
مداخلة: سؤال حفظك الله، عروض التجارة، المعلوم الخلاف بين أهل العلم في حكم الزكاة فيها، وقول الجمهور في وجوب الزكاة في عروض التجارة، والقول الآخر بوجوب الزكاة عموماً من غير حولٍ ولا نصاب، وقول الجمهور بوجوب الزكاة حولاً ونصابًا.
السؤال: نريد تحرير المسألة على ضوء الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح لهذه المسألة، بحيث أن نخرج بها مُتَيَقِّنة قلوبنا بهذا القول الصحيح؟
الشيخ: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فمن المعلوم عند أهل العلم قاطبةً أن الأصل في الأموال، كما هو الأصل في
الدماء وفي الفروج، ألا وهو الحرمة، وأنه لا يجوز إيجاب شيء من هذه الأمور الثلاثة إلا بنص من كتاب الله أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بإجماع متيقن من علماء الأمة، وفيما علمتُ واطَّلعت عليه ووقفتُ، لم أجد دليلاً مما يعود إلى هذه المصادر الثلاثة، على ما ذهب إليه أكثر العلماء من الفقهاء المتقدمين والمتأخرين، من إيجاب الزكاة على عروض التجارة بالشرطين المذكورين آنفاً في سؤالك، ألا وهو أن يبلغ النصاب أولاً، ثم أن يحول عليه الحول ثانياً، وشيء ثالث يقولونه: إنه إذا تَحَقَّق هذان الشرطان في شيء من عروض التجارة، فلا بد من تقويم هذه العروض في آخر كل سنة بعد أن يحول الحول، فبعد التقويم يُخْرج من القيمة المقدرة بالمائة اثنين ونصف، كما هو الشأن في زكاة النقدين.
مثل هذا التفصيل، لم نجده منصوصاً -كما ذكرنا آنفاً- في الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
وإذا كان الأصل ما ذكرنا، فنحن موقفنا موقف المنع من أن يُفْرض زكاة على أموال التجارة بكيفية وتقييد لم يرد لهما ذكر في مصدر من تلك المصادر.
لكن لا يخفى على كل باحث أو عالم، أن هناك نصوصاً عامة تأمر بإخراج الزكاة، وبتطهير النفوس بإخراج الزكاة، نصوصاً عامة.
ثم هناك نصوص خاصة بَيَّنت ما هي الأشياء التي يجب عليها الزكاة، وما هي المقادير التي تجب، سواءً ما كان منها متعلقاً بالنقدين كما سبقت الإشارة سابقاً، أو ما كان منها متعلقاً ببعض الحيوانات الأهلية كالغنم والإبل، أو كان متعلقاً ببعض الثمار، ونحو ذلك.
هناك نصوص تتعلق ببيان ما يجب على هذه الأنواع، فنحن نقول: نلتزم هذه النصوص ونُنَفِّذها، ولا نزيد عليها استعمالاً للنظر أو القياس؛ لأن هناك ما يمنع منه ألا وهو ذاك الأصل الذي قَدَّمت ذكره في مطلع هذه الكلمة، لاسيما وقد جاء في بعض الأحاديث ما يؤكد هذا الأصل، كمثل حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه حينما أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن داعيةً ومبشراً ومعلماً، قال له عليه
الصلاة والسلام: «لا تأخذ الصدقة إلا من هذه الأنواع الأربعة، فذكر القمح والشعير والتمر والزبيب» .
فإذاً: قوله: لا تأخذ تأكيد لتلك القاعدة، «أن الأصل في الأموال المنع والحرمة إلا فيما جاء فيه النص» .
وانضم إلى هذا أحاديث أخرى تُصَرِّح فتقول مثلاً في الحديث المتفق عليه، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«صدقة على عبد الرجل ولا على فرسه» ، أو كما قال عليه السلام والحديث في الصحيحين.
ولذلك لما جاء بعض التجار من الشام إلى عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- ومعهم خيل للبيع للتجارة، قالوا له: يا أمير المؤمنين! خذ منا زكاتها، قال -رضي الله تعالى عنه-: إنه لم يفعل ذلك صاحباي من قبلي، فألحُّوا وألحَّ، وكان في المجلس علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين! خذها منها على أنها صدقة من الصدقات، فأخذها فطابت قلوبهم.
فهذا دليل على أن الخيل كان النبي صلى الله عليه وسلم .. والحديث في «مسند الإمام أحمد» .
ففيه بيان أن الخيل التي كانت تُرَبَّى وتُشْتَرى من أجل المتاجرة أنه لا زكاة عليها، أي: كما فرض عليه السلام الزكاة فعلى الحيوانات الأخرى التي سبق ذكرها كالغنم والبقر والإبل.
إلى هنا ينتهي بيان ما عندي جواباً عن ذاك السؤال.
ولكن يظن كثير من الفقهاء المعاصرين، إن لم أقل من المتفقهة؛ لأن أكثر هؤلاء المعاصرين لم يتفقهوا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما إن كانوا قد تفقهوا فتفقهوا بما قرؤوه في الكتب الفقهية التقليدية المذهبية، التي تفرض على قارئها وعلى المتفقه بها أن يلتزمها دون أن يعرف دليل أصحابها، وخير من هؤلاء من يتفقه على المذاهب الأربعة، وهو مما يسمى اليوم بالفقه المقارن، فيقرأ قولة هذا المذهب وذاك المذهب ويعيش في اختلافات، ثم ينقل رأي كل مذهب مقروناً
بالدليل الذي يذكره المذهب دون أن يدرس هذه الأدلة على ضوء الأصول العلمية من أصول الحديث أو أصول الفقه، فهو -مثلاً- لا يعمل أصلاً من أصول الفقه كعام وخاص ومطلق ومقيد ونحو ذلك، لما يكون قد قرأه في علم الأصول ودرسه وربما [بحث] بحثاً نظرياً، ولكنه لم يطبق ذلك عملياً.
كذلك ما يتعلق بالأصل الآخر، ألا وهو أصل علم الحديث وأصوله، فهو -مثلاً- حينما ينقل أدلة كل قول أو مذهب لا يجري عليها التحقيق العلمي فيقول: هذا حديث صحيح، وهذا حسن، وهذا ضعيف ونحو ذلك، والذي يقعون فيه اليوم أنهم لسهولة ما يذهبون إليه ويقعون فيه يراعون ما يسمونه بالمصلحة، وذلك يغنيهم عن أن يُجْهِدوا أنفسهم وأن يطبقوا الأصول العلمية المشار إليها آنفاً.
ثم إذا رأوا المصلحة فماذا يراعون؟ مصلحة الفقير أم مصلحة الغني أم المصلحتين المتعلقتين بكل الفريقين، إنما هي مصلحة واحدة، أما الشارع الحكيم فقد رأى مصلحة الفريقين، وهذا هو الفرق بين حكم الشارع الحكيم، ونظر الناظرين والرائين من أهل الرأي.
هذا أريد -أيضاً- أن أُلْفِت النظر إليه، وشيء آخر وأرجو أن يكون هو الأخير، هؤلاء الرائين والناظرين، والذين يبحثون في مصلحة الفقراء والمساكين، هؤلاء ينظرون إلى المسألة التي نحن في صدد الكلام حولها، ينظرون إليه بعين واحدة، وهاكم البيان.
يقولون: ليس من مصلحة الفقراء والمساكين، ولا هو مما يدل على ذلك حكمة أحكم الحاكمين أن يكون الرجل عنده الملايين المملينة، قيمة عروض التجارة، ألا يُفْرض عليها الزكاة، ففيه تحريم الفقراء والمساكين من أن يحصلوا على حقهم المعلوم والمذكور في عموم قوله تعالى:{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19].
وجوابي على هذا من ناحيتين اثنتين، ولعلنا ننتهي من بيانهما من الكلام حول هذه المسألة، لنتلقى ما قد يرد علينا من إشكالات أو شبهات أو اعتراضات.
الجواب الأول: أننا نحن نتمسك بالأصل العام الذي سبق الإشارة إليه في أول
الكلام، فنقول: يجب على هؤلاء الأغنياء بعروض التجارة زكاة منها نفسها، لتحقيق الغاية المفروضة التي من أجلها فُرِضت الزكاة بكل أنواعها وأشكالها كما أشار إلى ذلك ربنا عز وجل في القرآن الكريم بقوله:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].
فإذاً: على كل غني عنده عروض في التجارة، أن يُطَهِّر نفسه مما أحضرت عليه الأنفس ألا وهو الشح، كما قال عز وجل:{وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ} [النساء: 128]، أن يطهر نفسه من هذا الشح بأن يخرج ما تطيب به نفسه زكاة واجبة عليه، لكي يطهر نفسه من دنس البخل والشح. هذا الجواب الأول.
فلا يفهمن أحد من الأغنياء بعروض التجارة أن لا زكاة عليها مطلقاً؛ لأن بحثنا إنما هو أن لا زكاة عليها مُقَنَّنة بما سبق بيانه في أول الكلام، أما الزكاة المطلقة فلا بد منها، كما قال تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]، هذا الحق، قسم منه مطلق فيجري على إطلاقه، وقسم منه مقيَّد كما جاء بيانه في السنة، وفي كتب الفقه أيضاً على خلاف بينهم في بعض الفروع.
أما الأمر الآخر: فأنا أقول -والواقع يؤكد ذلك- أن من حكمة أحكم الحاكمين أن الله عز وجل فرض على المال المكنوز زكاةً معينة بنصاب معلوم ما دام هذا المال مكنوزاً ولم يفرض مثل هذه الزكاة على هذا المال الذي كان مكنوزاً وتَحَوَّل إلى عروض تجارة، في ذلك حكمة بالغةٌ؛ لأن الفائدة الكبرى بالنسبة للفقراء والمساكين، بل وبالنسبة للمجتمع الإسلامي ككل، تتحقق بعدم فرض الزكاة هذه المقننة على هذه الأموال التي معروضة للتجارة أكثر، بدليل أن هذا المال المكنوز حينما يتحول إلى تجارة في ذلك تحريك هذه الأموال، وتشغيل الفقراء والمساكين، فتكون فائدتهم أولاً: أكثر من هذه النسبة المئوية التي تفرض على الأموال المكنوزة من الذهب أو الفضة، ثم تكون أطهر وأشرف لهم كما أشار إلى ذلك عليه الصلاة والسلام في الحديث المعروف:«اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي المعطية، واليد السفلى هي الآخذة» .
وكما قال في الحديث المعروف أيضاً: «أطيب الكسب كسب الرجل من عمل يده، وإن أولادكم من كسبكم» .
فإذاً: تَحَوُّل المال المكنوز إلى عروض تجارة، ذلك أنفع للمساكين وأشرف لهم؛ لأنهم يأخذون بكسب جبينهم.
هذا ما عندي والآن نسمع ما عندكم.
مداخلة: بسم الله الرحمن الرحيم.
أقول: استمعت إلى ما تحدثتم به -بارك الله فيكم وفي من يسمع-.
الشيخ: وفيكم.
مداخلة: وحقيقةً، عندما أقرأ في كتب العلماء، وأجدهم يقررون زكاة عروض التجارة، كانت هناك أشياء في نفسي لم أجد الإجابة عليها، مثلاً: نجد أن رجلاً عنده عمارة يؤجرها قد نقول قيمتها عشرة ملايين، يُؤَجِّرها بمليون ريال، من العلماء من يقول بأنه يزكي على هذا المليون منذ أن يستلم الأجرة، ومنهم من يقول إذا حال الحول على هذه الأجرة يزكي على المليون وهو خمسة وعشرين ألف ريال، بينما نجد رجلاً آخر هو أيضاً يشتغل في عروض التجارة ورأس ماله عشرة ملايين ولا يربح، قد يخسر مليون ونجد من يقول بعروض التجارة أنه عليه أن يزكي قرابة مائتين وأربعين ألف أو قريبًا من ذلك، وكان في نفسي هذا الأمر: هل زكاة عروض التجارة على كل التجارة، مع أننا نجدها في المزارع ليست إلا على ناتج الأرض، نجدها أيضاً في -كما قلت- المُؤَجَّر على من قال: إذا حال الحول على الأُجْرة وما يستفيد منها، وغيرها من عنده أشياء أخرى، فكانت هذه قضية لم أجد عنها إجابة أو لها إجابة، والفرق الذي ذكرتموه بين المال المكنوز وبين عروض التجارة واضح فعلاً؛ لأن هذا دفعاً للتاجر لأن يحرك ماله وهو في الحقيقة نفع لعموم للفقراء والأغنياء ولغيرهم، وهذا أمر لا يُنْكر ومشاهد، فأشرتم إلى مسألة أخرى وهي قضية مراعاة حال الفقير وحال الغني، وكنت منذ يومين أكتب بهذه المسألة وأنا أقرر منهج الوسطية، وقلت أنني وقفت أمام قوله تعالى: «من أوسط ما تطعمون
أهليكم» وقلت: إن الوسطية فيما أفهمها، خلاف ما توصلت إليه، أن الوسطية لا يمكن أن تسمى وسطية إلا إذا كانت تتضمن معنى الخيرية ومعنى البينية، أن تكون بين أمرين ويكون خيراً، وقلت مثال على ذلك:{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89]، قد يأتي إنسان ويقول أنك تطعم أفضل الأنواع، هذا هو الأفضل فهو الوسطية، أقول له: لا، أصلاً الخير الأفضل هو أن تطعم الوسط بين الأمرين؛ لأن فيه مراعاة لحال الغني، ومراعاة لحال
الفقير، لو قلنا للغني أطعم أفضل ما عندك، لراعينا حال الفقير دون الغني، ولو قلنا أطعم ما شئت بدون قيد لأطعم ما يضار به الفقير، فجاء الشرع ليراعي حال الاثنين، حال الفقير وحال الغني، وهو في النهاية له أيضاً أفضلية ودلالات بعيدة المدى، حتى يخرج ونفسه طيبه وهو مقتنع، فأنتم أشرتم إلى هذه القضية، وأيضاً وجدت قبولاً في نفسي -بارك الله فيكم- مراعاة حال الطرفين وهو الغني وأيضاً الفقير في هذه المسألة.
فأقول -جزاكم الله خيراً- هذه المسألة وهي مسألة عروض التجارة كما تعلمون كلام العلماء فيها، فأشعر من خلال ما تحدثتم به أن المسألة كما استمعتُ بحثها مهم جداً، والحديث فيها وتحرير هذه القضية بشكل أوسع، ومرة أخرى أرجو أن لا تزعل أو تغضب مني عندما أقول: كم أتمنى أن تُسْرَد في رسالة لأهميتها، ولا أرى أنها تقل عن غيرها من الرسائل التي أفردتم وهي كثيرة جداً والحمد لله؛ لأنها مسألة عامة، وتحرر فيها الأقوال والأدلة، وينتهى فيها إلى القول الصحيح .. وبارك الله فيكم، وجزاكم الله خيراً.
الشيخ: وأنت جزاك الله خيراً على حسن ظنك بأخيك أولاً.
مداخلة: بشيخي.
الشيخ: بارك الله فيك، أنا أخوك وحسبنا فضلاً أن نكون إخوة، ويجمعنا الإسلام والتناصح في دين الله عز وجل.
ثم أشكرك على اقتراحاتك العلمية المفيدة للأمة الإسلامية، فأنا قد استفدت منك على قلة مكثك معي، وهذا من سوء حظي، استفدت منك اقتراحين، فيا ترى
كم ستكون اقتراحاتك لو حظيت بأيام كثيرة منك، وحينئذ سأقول لك: بأي الاقتراحات أبدأ.
مداخلة: اقتراحاتي كلها سهلة ميسرة.
الشيخ: هكذا أنت تظن ..
مداخلة: ولذلك قلت لكم يا شيخ:
…
أن لا أطيل عندكم.
الشيخ: هذا محذور؛ لأن هذا ليس من التعاون، تفضل ما عندك.
مداخلة: شيخ الأول: هل يفهم من حديث معاذ الحصر حينما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تؤخذ إلا من الزبيب
…
».
الشيخ: وكيف لا يؤخذ، هو كذلك.
مداخلة: الثاني: أنت قررت أن القول الصحيح أنه يؤخذ من قول الله عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 10] .. {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] .. {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19].
وهو الذي يربط التكافل الاجتماعي بين الغني وبين الفقير.
الشيخ: أحسنت.
مداخلة: وأنت تقول أن يُخْرج منها نفسها، هل تقصد منها نفسها أن لا يُقَوِّمها مالاً ويخرج من نفس عينها.
الشيخ: هنا لي تفصيل، أنا أقول بعض العروض منها عينها؛ لأن الفقير لا يستغني عن مثلها، والبعض الآخر لا يمكن أن تخرج للفقير، فحينئذ تُقَوَّم ويعطى للفقير القيمة، يعني نفترض مثلاً تاجر سيارات ومليونير، وهو قد يجب عليه ليس سيارة واحدة سيارات، فلمن يعطيها؟ للفقير؟ الفقير ليس بحاجة إلى سيارة.
فإذاً: هو يُقَوِّم هذه النسبة التي تجود بها نفسه، ويظن أنه يطهر ويزكي بها نفسه، ثم يوزعها للفقراء والمساكين في حدود ما يعلم هو.
فإذاً: هما قسمان، قسم بحاجة أن توزع إلى الفقراء والمساكين وليسوا بحاجة إلى بيعها للاستفادة من قيمتها، والقسم الآخر كما ذكرنا تُقَوّم وتُعْطَى للفقراء والمساكين قيمة هذه العروض، وليس ذاك العروض.
مداخلة: سؤال
…
آخر كان في نفسي، هل يمكن القول بإخراج الزكاة على الأرباح؟
الشيخ: لا.
مداخلة: لماذا؟
الشيخ: لأنه لا يجب زكاة على مال حتى يحول عليه الحول.
مداخلة: نعم، على مال حتى يحول عليه الحول، لكن إذا حال عليه الحول ألا يخرج على أرباحها، إذا حال الحول يخرج على الأرباح.
الشيخ: إذاً: أنت تعني شيئاً فهمته الآن، وهو رجل نفترض كمل النصاب عنده في أول شهر محرم، وحال الحول على هذا المال في رأس محرم في السنة القابلة، لكن في أثناء السنة الأولى جاءته مرابح كما تقول أو أرباح، لما دخلت السنة الثانية نظر فوجد عنده أنصبه وليس نصاباً واحداً، فهل يخرج عن النصاب الواحد الذي حال عليه الحول دون الأنصبة الأخرى الذي لم يحل عليها الحول، أم يخرج عن مجموع ما عنده مما حال عليه الحول ومما لم يحل عليه الحول، تعني هذا؟
مداخلة: نعم، أعني هذا.
الشيخ: والجواب أن العلماء اختلفوا أيضاً في هذه المسألة على قولين، منهم من قال بأنه يُخْرج عن مجموع ما عنده، عن النصاب الذي وجب عليه بانطباق النص عليه، وعلى الأنصبة الأخرى التي لم يحل عليها الحول، لكنها تلحق بالنصاب فيُخْرج عن مجموع ما لديه.
القول الثاني: كلما توفر عنده نصاب سجل عنده، وانتظر أن يحول عليه الحول.
هذا قد قاله بعض العلماء، لكن إذا نظرنا إلى القواعد الشرعية التي منها قوله عز وجل:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، خاصة في هذا
الزمن الذي التجار يفاجؤون بمرابح كل لحظة، فليس من اليسر أن يعني الحساب كل مال يأتيه وقد بلغ النصاب ويسجل، ويسجل شيء بِدّه عقل الكمبيوتر إذا صح التعبير، فضلاً عن ضعف الإنسان وعجزه.
ولذلك: كانت هذه الملاحظة من الأسباب التي حملتني، بل ودفعتني دفعاً لترجيح القول الأول.
فإذاً: المرابح يخرج عليها الزكاة بشرط أن يكون هناك أصل، ألا وهو النصاب وقد حال عليه الحول، فليس كذلك -مثلاً- كما ضربت -آنفاً بارك لله فيك- عمارة شاهقة يأتيه كل رأس سنة -مثلاً- كذا ألوف مؤلفة من الدراهم أو الدنانير، فهذا ربح، فهل يجب عليه أن يخرج الزكاة فور استلامه لهذا الربح؟
الجواب: لا، لكن إذا كان عنده نصاب وحال عليه الحول، وكان قد جاءه هذا الربح الوفير يخرج عن المجموع.
مداخلة: وهذا هو الراجح، نعم.
الشيخ: هذا الذي ..
مداخلة: بارك الله فيك.
الشيخ: تفضل.
مداخلة: يا شيخ أحسن الله إليك، لما قلنا بأنه يجب عليه أن يُخْرِج، [بناء على] عموم الأدلة، نحن لم نُقَيّد؛ لأنه لم يرد في الشرع ما يقيد له هذه النسبة، وأرجعناها إلى نفسية صاحب المال وتقواه، وعموم قول الله عز وجل:{وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} [الحشر: 9].
أليس لو دخل علينا رجل وقال أن في هذه الحجة اضطراب؛ لأن الناس لا يعلمون كم يخرجون، وتختلف أحوال الناس، قد يكون تاجرًا لكنه جاهل لا يعرف، هل نستطيع أن نحدد مقدارًا معينًا أقله أكثره.
الشيخ: بارك الله فيك، لا، ما نستطيع، لكن هذه الحجة حجة داحضة؛ لأنه قد
يوجد تجار لم يسمعوا مطلقاً أنه يجب على عروض التجارة زكاة، فهل يكون هذا عذر له؟ لا، ولذلك قال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]. وفي الأمس القريب قلنا: إن هناك فروض عينية وفروض كفائية، وأن كل مكلف بلغ سن الرشد فيجب عليه أمور عينية من الصلاة وشروطها، لكن إذا كان فقيراً لا يجب عليه أن يعرف أحكام الزكاة، لا يجب عليه أن يعرف مناسك الحج، أَمَا وقد صار غنياً فهو يجب أن يعرف تفاصيل أحكام الزكاة، فكون هذا الغني بعروض التجارة لا يعرف نسبةً، وهذا ما أراده الله حيث لم يعرفنا، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]، كما قال عز وجل في القرآن.
فإذاً: يجب أن يعرف أنه يجب أن يُخْرِج ما تطيب به نفسه، وقد قال عليه السلام في الحديث المعروف صحته:«لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه» ، -وهنا بلا شك- وهذه حكمة إلهية بالغة، فحينما ربنا عز وجل أطلق هنا ولم يقيد، أراد امتحان هؤلاء الناس، وكما نعلم: كثيرًا من الأحكام قسم منها مطلق وكلها إلى المكلف، والإطلاق قد يكون من جانب، أو التقييد يكون من جانب قد يختلف عن جانب آخر، مثلاً: الزكوات المحدودة الأنصبة والكمية، نجدها على قسمين شرعاً: قسم منها ما يأتي الساعي من قِبَل الحاكم المسلم إلى الغني، ويأخذ تلك الزكاة رغم أنفه، وهي زكاة المواشي وزكاة الثمار.
قسم آخر وُكِلَ ذلك إلى نفس الغني كزكاة النقدين.
قد يقول قائل: ربما هذا الغني الذي لم يُكَلّف الشارع الحكيم الحاكم المسلم أن يرسل إلى الغني ويحصي ما له ويأخذ منه بالمائة اثنين ونصف، ربما هذا الغني لا يقوم بهذا الواجب، فهل هذا سؤال يصدر من مسلم؟
الجواب: لا؛ لأن الله عز وجل في كل ما شرع له حِكَم بالغة، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها، فلو تساءلنا: ما هي الحكمة في أن الله عز وجل جعل قسماً من هذه الواجبات على أموال الأغنياء، يأتي الساعي فيأخذها منه، وهنا تعلمون في أحكام تتعلق بالسُّعَاة، فهو لا يأخذ أحسن ما فيها ولا يأخذ أدنى ما فيها، رجعنا إلى
الوسطية التي أشرت إليها.
فما الحكمة من أن الله شرع على لسان نبيه أن هذا النوع من الزكاة يُجْبَى من موظفين، ولهم نصاب معروف في الزكوات، بينما جعل زكاة النقدين يكلف فيها الغني نفسه، فقد يخرج وقد لا يخرج كما هو مشاهد اليوم، كثير من الأغنياء لا يخرجون زكاة أموالهم، بل يصرفون أضعاف أضعافها بل فيما لا ينبغي، بل فيما لا يجوز، بل فيما يَحْرُم.
الحكمة واضحة جداً؛ لأنه لم يُرد رب العالمين أن يجعل كل حكم يقوم به المسلم رغم أنفه، ولكن يريد أن يتطهر هو بنفسه، ولذلك كان من الحكمة البالغة أن جعل زكاة النقدين يخرجها بطواعية من نفسه، بينما الزكاة الأخرى تؤخذ منه رغم أنفه.
فعلى هذا يصلح أن يكون جواباً على ما سألت، يعني هو يتقي الله عز وجل وليس لنا سبيل أن نفرض نحن من عندنا سواء كنا من ولاة الأمور أي الحكام، أو من ولاة الأمور بمعنى العلماء، ليس لنا أن نفرض عليه فرضاً فيما لم يفرض رب العالمين، وهذا من هذا النوع، فأنت تخرج زكاة النقدين بطيب نفسك، ويجب أن تعلم ماذا يجب عليك، كذلك تماماً مسألة عروض التجارة، فهذا المسلم يدان ويقال له: لا يستوي من عنده عشرة آلاف لمن عنده مائة ألف، لمن عندهم ملايين، فاتق الله عز وجل، وكما قال عليه السلام وهذا أعتقد محله في هذه المسألة:«استفت قلبك، وإن أفتاك المفتون» .
مداخلة: طيب يا شيخ حديث أبو داود عن سمرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعدّه للبيع.
الشيخ: أي نعم، هذا حديث من نصيب «ضعيف أبي داود» وفي سنده جهاله، فلا تقوم به حجة.
ولا شك أن السنة العملية: أن الأغنياء ما كانوا يخرجون زكاة أموالهم على هذا التفصيل الذي سبق شرحه آنفاً، فالحديث مع ضعف إسناده، يخالف السنة العملية