الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: إيه جزاك الله خيرًا.
مداخلة: لو سمحتم.
الملقي: تفضل.
مداخلة: أيضاً من القواعد الأصولية يعني: إذا تعارض القول والفعل، يُقَدّم القول على الفعل.
الشيخ: أحسنت، جزاك الله خيرًا.
مداخلة: ثانياً: قاعدة أيضاً أصولية.
الشيخ: بس هذا الكلام أرجو أن توجهه إلى جارك. [يضحك الشيخ]!
(الهدى والنور/369/ 01: 41: 00)
حول صيام السبت
الشيخ: فإذا تعارض أمره عليه السلام أو قوله مع فعله، قدم القول على الفعل؛ لهذا السبب أن قوله تشريع عام، فعله قد وقد، أي: قد يكون تشريعاً عامًّا، وقد لا يكون.
لاشك أنه يكون تشريعاً عاماً بشرطين أثنين:
ذكرنا صباحاً الشرط الأول: وهو أن يكون عبادة، وأن لا يكون عادة؛ لأن العادات لا تدخل في الشرعيات.
الشرط الثاني: أن لا يكون له مخالف من القول الصادر من الرسول عليه الصلاة والسلام، كما نحن الآن في صدده.
فإذا وجدنا قولاً خالف فعله عليه السلام، أخذنا بقوله وتركنا فعله، لأن قوله هو شرع عام وفعله قد وقد.
الآن نبحث في هذه القدقدة كيف نُعَلِّل فعل النبي صلى الله عليه وسلم لشيء خلاف ما
خاطب به أمته؟
من السهل جداً أن نقول: هذا الفعل إذا لم يكن عندنا دليل يُبَيِّن أنه جاء بعد القول، فإذاً: يحمل على الأصل، وهي البراءة الأصلية.
لأن الشريعة ما جاءت بالأحكام طَفْرَةً واحدةً، وقصة الخمر والتَدَرُّج في تحريمها أوضح مثال من الأمثلة التي تدلنا على أن الخمر كانت مباحة على الأصل.
وقد لا نقول حلالاً إنما على البراءة الأصلية، فإذا جاءنا خبر بأن زيداً من الناس شرب الخمر، لكن شربه للخمر يمكن أن يكون في ذلك الزمان، فإذا جاء الحديث عن الرسول عليه السلام في فعل ما، كما نحن الآن في صدده، فإن صيام يوم السبت يمكن أن يكون قبل هذا التشريع الجديد بقوله:«لا تصوموا يوم السبت» .
فإذاً: ممكن أن يكون هذا الفعل كان في زمن الإباحة.
ثانياً: يمكن أن يكون لعذر، فعل صدر منه عليه السلام لعذر، فحينئذٍ نقول مادام أنه يحتمل أن يكون لعذر، فنقدم القول على الفعل؛ كما جاء في القاعدة.
ثالثاً وأخيراً نقول: يمكن أن يكون هذه خصوصية للرسول عليه السلام؛ مادام تعارض فعله مع قوله فالقول مقدم على الفعل.
الذي أردت بهذا: أن أقول فيه عدة احتمالات وهي ثلاث: إما كان فعله على الأصل، وإما إنه كان لعذر، وإما أنه كان لخصوصية له عليه الصلاة والسلام، لا يشاركه عليها أحد من الأنام.
من فائدة هذه القاعدة هو تطبيق على بعض النصوص المتخالفة ظاهراً، أنه ثبت في السنة الصحيحة:«أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائماً» .
وثبت أيضاً في السنة الصحيحة: أنه نهى عن الشرب قائماً.
ماذا يفعل الآن الفقيه الذي يريد الحق ولا يتأثر بالأجواء والعادات التي يعيش فيها أو بينها؟
الآن فَلْنُجَرِّب تجربة ثانية، نقدم القول على الفعل، وسنسمع طبعاً اعتراضات كثيرة؛ لكن هذه الاعتراض قائمة على خلاف القاعدة:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائماً» .
يقول بعض القدامى والمحدثين أن هذا النهي للتنزيه، لماذا نقول أو نتأول النهي بهذا المعنى، وهو كراهة تنزيهية؟ لأنه ثبت يقيناً أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائماً.
أنا أقول: كان من الممكن أن يقال بأن هذا النهي للكراهة التنزيهية، لو كان عندنا ثابت تاريخياً أن فعله كان بعد النهي، فيكون فعله بيان لقوله، ونحن نعرف أنه من قواعد الشريعة أيضاً أن فعله صلى الله عليه وسلم هو بيان للشرع سواءً كان قولاً أو غير قول، وهذا منصوص في القرآن كما تعلمون:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44].
فبيانه عليه السلام يكون تارةً بقوله، تارةً بفعله، تارة بإقراره، فلو أنه كان عندنا تاريخ صحيح أنه شرب بعد النهي، وقال قائل ما بأنه هذا النهي للتنزيه لأن الرسول صلى الله عليه وسلم شرب بعد النهي، يمكن لكني أقول لا أيضاً وستسمعون السبب.
سنطبق القاعدة كما طبقناها في بعض الأمثلة السابقة، يمكن أن يكون شرب الرسول عليه السلام على الإباحة ما دام ما عندنا تاريخ مذكور آنفا، فيمكن أن نقول كان شربه على الإباحة وقبل النهي.
يأتي الجواب الثاني أو الاحتمال الثاني: وهو أن يكون شرب قائماً لعذر، ومن كان معذوراً لا يلحق به من ليس معذوراً، وهذا أمر بدهي جداً.
أخيراً نقول: يمكن أن يكون ذلك من خصوصياته عليه السلام.
بمثل هذا أيضاً يُجَاب عن حديث البخاري ومسلم الذي هو في الصحيحين من حديث أنس: «لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، وكان على فرس له انحسر الإزار عن فخذه عليه السلام» وهنا لفظان، لا شك أن أحدهما وهذا يعود بنا إلى درسنا في الصباح الذين يقولون إن ما في الصحيحين مقطوع بصحته، هاتوا الآن جواب عن
هذه المعارضة الموجودة في حديث واحد رواه البخاري بلفظ: «فحسر الإزار عن فخذه» ورواه مسلم: «فانحسر الإزار عن فخذه» فلفظ البخاري حسر أي قصداً، وهنا حينذاك يظهر حكم جديد.
بينما لفظ مسلم «انحسر» أي ليس له كسب في ذلك، لأنه يطارد ويركض بفرسه، وهو بطبيعة الحال الثوب يطير مع الهواء وينكشف الفخذ.
هذا المعنى الثاني، إذا أردنا أن نُرجِّج قلنا: رواية مسلم أصح من رواية البخاري في هذه اللفظة، فإذا مانحن نقرأ في علم مصطلح الحديث أن ما رواه البخاري أصح مما رواه مسلم، وما رواه مسلم أصح مما رواه السنن وو .. إلى أخره من المسانيد.
هذه قاعدة ولكنها ليست مُطردة، فَرُبّ حديث لم يروه الشيخان، رواه الإمام أحمد في مسنده أصح من كثير من الأحاديث التي رواها البخاري ومسلم كلاهما معاً في الصحيحين.
القاعدة هذه قاعدة ليست مضطردة، وإنما يمكن أن نقول أنها قاعدة أغلبية.
فالآن: إذا افترضنا أن رواية البخاري: حسر الإزارَ وليس الراجح «انحسر الإزارُ» حسر الإزار.
افترضنا أن هذه رواية أصح بناءًا على القاعدة العامة أنه ما رواه البخاري أصح مما رواه مسلم، كيف التوفيق بين هذا الحديث الصحيح وبين قوله عليه السلام:«الفخذ عورة» .
نلجأ إلى القاعدة فنستريح: «الفخذ عورة» تشريع عام للأمة، عارضه هذا الفعل مع أن هذا الفعل فيه ذلك الإشكال، يا ترى كان قصداً منه أم دون قصد! لكن نفترض أنه كان بقصد منه، إذاً: هذا فعل وقد يكون على الإباحة الأصلية.
وقد يكون لعذر تضايق، وهو يطارد فكشف الثوب وانحسر ثوبه عن فخذه، وقد يكون خصوصيةً.
كذلك يقال عن حديث القليب الذي دلَّى فيه النبي صلى الله عليه وسلم رجليه فطرق طارق الباب وهو أبو بكر الصديق فاستأذن النبي قال ائذنوا له، فدخل وجلس عن يمين الرسول عليه السلام وأدلى رجليه في البئر، وهكذا جاء عمر عن يساره، وجاء عثمان فغطى الرسول عليه السلام على الرواية المختلف فيها أيضاً فرواية تقول: قد انكشف الثوب عن ركبته، وفي رواية عن فخذه، وفي رواية في صحيح مسلم «الشك من الراوي» بين فخذه وبين ساقيه لكن نحن تتبعنا الروايات فوجدنا الرواية الصحيحة خارج.
السؤال:
…
الشيخ: لا، أنا رأيد أن أقول خلاف ذلك، عن فخذه خارج الصحيح، عن فخذه؛ فهي التي تُرَجِّح إحد القولين اللذين شك بينهما الراوي، عن فخذه أو عن ساقه.
الشاهد نفترض أيضاً أن الرواية الصحيحة كما قلنا، إنه كان كاشفًا عن فخذه الذي قال به الحديث القولي:«الفخذ عورة» ولما دخل عثمان ستر فخذه وكانت الصِّدِّيقة بنت الصديق رضي الله عنهما وهذا من فقهها وحرصها على الفقه، وهي امرأة محجبة كانت تراقب مَنْ الداخل ومَنْ الخارج ماذا يفعل الرسول؟ فلما خرج الجماعة قالت: يا رسول الله دخل أبو بكر ما غيَّرت من وضعك، ودخل عمر كذلك، لما دخل عثمان بادرت فاستترت فقال عليه السلام:«ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة» .
إذاً: هو كشف فخذه أمام أبي بكر وفخذه أمام عمر، إذاً: كيف الفخذ عورة، في القول: نقول هذا فعله، ويحتمل واحدة من ثلاثةٍ أما قوله فهو شريعة عامة، ولسنا بحاجة -والحالة هذه- أن نلجأ إلى بعض أقوال علماء المالكية الذين قَسّموا العورة؛ توفيقاً بين الحديث القولي والحديث الفعلي، إلى عورة كبرى وعورة صغرى.
فالعورة الكبرى السوءتان، والعورة الصغرى الفخذان، لا حاجة بنا حينما نطبق هذه القاعدة الفقهية فنستريح من مثل هذا التعليل الذي لا مسوغ له، بعد أن عرفنا أن القاعدة العلمية تأمرنا بأن نعود إلى قوله عليه السلام وندع فعله لاحتمالٍ