الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزء الثالث
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
المحمود الله جلّت قدرته، وعمّت آلاؤه، والمصلّى والمسلّم عليه سيدنا ومولانا محمد، صلّى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه البررة الطاهرين.
وبعد: فقد كنت مزمعا أن أصدر الجزء الثالث من «جمهرة رسائل العرب» حاويا رسائل العصر العباسى الأول جميعها، بيد أنى- بعد مباشرة الطبع- رأيتها من الكثرة والوفرة بحيث يضيق عنها جزء واحد، فلم تكن لى مندوحة من أن أقسمها فى جزأين، يحوى أولهما الشّطر الأول منها، وثانيهما الشطر الثانى، وعلى الرغم من ذلك اضطررت أن أقتطع من سلسلتها الطويلة أربع حلقات:
(1)
رسالتى الأدب الكبير والأدب الصغير، لابن المقفع.
(2)
طائفة من رسائل الجاحظ.
(3)
طائفة من الرسائل الشعرية، لبعض الأدباء.
(4)
رسائل قليلة وردت فى كتاب «اختيار المنظوم والمنثور» غير معزوّة إلى ذويها.
وإنما حدا بى إلى انتقاص تلك الحلقات ما رأيته من أن ضمها إلى كتابى يفضى إلى إصدار جزء ثالث فى رسائل هذا العصر، لا يقل فى ضخامته عن أخويه، وفى ذلك ما فيه من انفهاق أمر الطبع على «الناشر» وإثقال كاهله بفادح النفقات، على أن الاطلاع عليها ميسور لمن شاء.
فالحلقتان الأوليان مطبوعتان منشورتان، طبع المرحوم أحمد زكى باشا «الأدب الصغير» سنة 1329 هـ- 1911 م، و «الأدب الكبير» سنة 1330 هـ 1912 م بمصر، وأوردهما الأستاذ محمد كرد على بك فى كتابه «رسائل البلغاء» وقد طبع طبعة أولى سنة 1326 هـ- 1908 م، وثانية سنة 1331 هـ- 1913 م بمصر، غير أنه ورد فيه الأدب الكبير معنونا بعنوان «الدرة اليتيمة» وهو خطأ، لأن الدرة اليتيمة لا تزال مجهولة مفقودة.
وطبع المرحوم الحاج محمد الساسى التونسى «مجموعة رسائل للجاحظ» بمصر سنة 1324 هـ، وعدتها إحدى عشرة رسالة، وقد طرّز هامش كتاب «الكامل» للمبرد طبع مصر سنة 1323 هـ بكتاب «الفصول المختارة من كتب الجاحظ» اختيار الإمام عبيد الله بن حسان، ويحوى ثمانى عشرة رسالة- منها تسع من المجموعة الآنفة الذكر- وطبع الأستاذ يوشع فنكل «ثلاث رسائل للجاحظ» بمصر سنة 1344 هـ- وقد ورد نحو نصف الرسالة الأولى منها فى كتاب الفصول المختارة.
وقد أوردت من الحلقة الثالثة ما اتسع له المقام، وتقرأ سائرها فى كتب الأدب، وبخاصّة كتاب «الأغانى» فقد ورد فيه طائفة منها فى خلال تراجم كاتبيها.
وأما الحلقة الرابعة، فقد أغفلتها لما قدّمت، ولأنه لا يدرى: أأموية هى أم عباسية؟ لعدم نسبتها إلى أصحابها، وإن كنت أرجح كل الترجيح أنها عباسية، ودونك كتاب «اختيار المنظوم والمنثور، فاقرأها فيه.
وقد نوّهت فى مقدمة الجزء الثانى بهذا الكتاب، وأعود هنا فأقول: إن ذلك الكتاب- على نفاسته وانفراده بما لم يحوه سواه من الرسائل- لقد عبثت به يد التحريف، فشوّهته كلّ مشوّه، حتى بدا كالغادة الحسناء فى خلق الرّداء، وقد أرهقنى تحقيق ما نقلت منه، وأمضّنى ردّه إلى نصابه، وعانيت فى ذلك السبيل من العناء وكدّ الذين واعتصاره ما يبعل به الجلد الصبور، وفال منى الجهد كلّ منال، حتى
لقد خفت أن يعود على صحتى بالأثر السيئ، إذ طالما تحبّست على تحقيقه ساعات متقالية، مكبّا على حلّ معمّياته، وفكّ طلاسمه، حتى أكاد أسقط إعياء وفتورا، وكنت إذا ما حزبنى الأمر واشتدت بى الحيرة، وضاق بى المخرج، أنهض فأصلّى لله عز وجل ركعتين، مستلهما إياه الصواب، مبتهلا إليه أن يهدينى سواء السبيل، ثم أجيل الفكر ثانية، فلا أعتّم أن ينفتح لى باب المغلق، وينجاب ظلام المبهم، وتضح لى الحقيقة سافرة ناصعة، وتلك نعمة جلّى من المولى القدير علىّ، أعدّها آية على رضاه عنى، فله- تبارك وتعالى أجلّ الحمد وأسناه، وأجزل الشكر وأوفاه.
ولست أدّعى أنى فيما حققت من الرسائل قد بلغت ذروة الكمال- فالكمال لله وحده- ولكنى أستطيع أن أجهر بأنى قد وفّقت فى صنيعى هذا- ولله الحمد والمنّة- إلى حدّ أغبط عليه نفسى، وأن ضميرى جدّ مستريح إلى ما بذلته من جهد فى تعبيد طرقها، وتصفية رنقها، فإن يحمد القراء صنيعى فذاك ما أصبو إليه، وإن تكن الأخرى فقد أعذرت أمام نفسى، وأدّيت واجبى غير وان ولا ملول.
أمدّنا الله وإياكم بروح منه، وكلأنا وكلأكم بعين رعايته وتوفيقه، إنه العلىّ المنّان، ذو الطّول والإنعام.
وحرر بالقاهرة فى المحرم سنة 1357 مارس سنة 1938
أحمد زكى صفوت