الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كنت إلى يومك هذا كما ذكروا، إنك إذن لمن المستهزئين، ولئن كنت قد نزعت (1) عما عهدوا، ما خلصت لله إذن نيتك، ولا صدقت توبتك، وإن فى إيمانك لضعفا، وإن فى نفسك لوهنا، وإن فى صدرك لكبرا ما أنت ببالغه (2)، وإن فى قلبك لقساوة (3)، وإن فى معيشتك لإسرافا (4)، فاستعذ بالله إنّه سميع عليم».
(المنظوم والمنثور 13: 416 ومفتاح الأفكار 279)
157 - كتاب آخر
وكتب إليه:
«أما بعد، فإنى نظرت فى قول الله عز وجل فى كتابه: «يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ» فعلمت أنه يريد الطيّبات من المكاسب، وأنه لا يعنى بها الحلو والحامض، ولا الحارّ والبارد من الطعام، وقد زعم أهل المعرفة بك أنه لم يقع فى يدك من زينة الله الّتى أخرج لعباده (5)، وأرزاقه الطيبة التى بسطها على خلقه، ما تردّ به جوعة ولا توارى به عورة، وإن ذلك لم يصل إليك إلا ببغى المسلمين، وبطانة المستهزئين، وإفك المفترين، ولا أحسبك- إذا كانت
(1) نزع عن الشىء كضرب: كف عنه.
(2)
اقتبسه من قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ» .
(3)
اقتبسه من قوله تعالى: «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً» .
(4)
ورد عقب ذلك فى مفتاح الأفكار: «وما أحسبه صح فى يدك من زينة الله التى أخرج لعباده وأرزاقه الطيبة التى بسطها على خلقه، ما تبلغ به لذة، ولا تقضى به ذمة، لأن ذلك لم يصل إليك إلا ببغى المسلمين .... إلى آخر ما ورد فى الكتاب التالى» .
(5)
اقتبسه من قوله تعالى: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ» .
بهذا وأشباهه مكاسبك- تبرأ من كسبك من شىء من دينك إلى أحد من غرمائك إلا صرت بها تبرأ من ذلك إلى أهل الأرض، رهينة عند أهل السماء، ولا تصل بشىء من جمعك أحدا من ذوى قرابتك إلا كانت مسألة الله إياك عن قطيعتهم أهون عليك من محاسبته إياك بالذى وصل إليهم منك، ولا تنفق نفقة صغيرة ولا كبيرة (1) إلا وقّعت لك فى سجّين (2)، ولا ترفع منزلة إلا هبطت بك أسفل سافلين (3)، وما سلم- مع ما تعرف فى نفسك- قلبك، حتى عرفت به المشرق والمغرب إلا من ضعف قلبك، ولا فتح عليك حتى رجعت إلى أهلك إلّا من قلة عقلك، ولو نفرت فى الأرض حيران على وجهك (4)، وركبت الفلك أنفا من حدثك، أو سرت إلى الجبال هربا من خطيئتك، أو ترمّمت (5) العظام مع الكلاب، أو ولغت (6) فضول الماء مع السباع، لما كان ذلك بقدر جرمك خفضا ودعة فى حياتك، وبقدر عملك
(1) اقتبسه من قوله تعالى: «وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ» .
(2)
قال تعالى: «كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ. وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ.
كِتابٌ مَرْقُومٌ».
(3)
قال تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ» .
(4)
اقتبسه من قوله تعالى: «كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا» .
(5)
ترمم: تعرق، وتعرق العظم: أكل ما عليه من اللحم.
(6)
ولغ الكلب فى الإناء وفى الشراب ومنه وبه بلغ كيهب: شرب ما فيه بأطراف أسنانه، أو أدخل لسانه فيه فحركه.