الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
159 - كتاب يحيى بن خالد إلى أيوب بن هرون بن سليمان
ثم تغيّر الرشيد على البرامكة، فأوقع (1) بهم (سنة 187) وقتل جعفرا، وحبس يحيى والفضل وسائر البرامكة فى سجن الزّنادقة إلى أن ماتوا فيه، واستصفى أموالهم وضياعهم.
ووافى أيوب بن هرون بن سليمان بن على خبر مقتل جعفر وزوال أمرهم، فكتب إلى يحيى يعزّيه، فكتب إليه:
(تاريخ الطبرى 10: 87)
160 - كتاب يحيى بن خالد إلى الرشيد
وكتب يحيى بن خالد من الحبس، إلى الرشيد:
«يا أمير المؤمنين إن كان الذنب خاصّا فلا تعمّنّ بالعقوبة، فإن الله عز وجل يقول: «وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى» .* (اختيار المنظوم والمنثور 13: 386)
161 - بين يحيى بن خالد والرشيد
وكتب يحيى بن خالد وهو فى الحبس إلى هرون الرشيد:
«لأمير المؤمنين، وخليفة المهدّيين، وإمام المسلمين، وخليفة رب العالمين، من عبد أسلمته (2) ذنوبه وأوبقته عيوبه، وخذله شقيقه، ورفضه صديقه، ومال به
(1) كان البرامكة قد استأثروا بشئون الدولة وأموالها، وغلبوا الرشيد على سلطانه، ولم يكن له معهم تصرف فى ملكه، ولم يبق له من الخلافة إلا رسمها وصورتها- وحديثهم فى ذلك طويل ليس هاهنا موضعه- فعزم على نكبتهم، حتى انتهز فرصة رجوعه معهم من الحج سنة 187 هـ، فقتل جعفرا ليلا فى طريقه، وقبض على سائر البرامكة وسجنهم.
(2)
أسلمته. خذلته، فأسقطته من عليا مرتبته. أو أسلمته إلى السجن والعذاب، وأو بقته: أهلكته.
الزمان، ونزل به الحدثان (1). فحلّ فى الضيق بعد السّعة، وعالج البؤس بعد الدّعة، وافترش السّخط بعد الرّضا، واكتحل السّهاد بعد الهجود، ساعته شهر، وليلته دهر، قد عاين الموت، وشارف الفوت، جزعا لموجدتك (2) يا أمير المؤمنين، وأسفا على مافات من قربك، لا على شىء من المواهب، لأن الأهل والمال إنما كانا لك وبك، وكانا فى يدىّ عاريّة (3)، والعارية مردودة، وأما ما أصبت به من ولدى فبذنبه، ولا أخشى عليك الخطأ فى أمره، ولا أن تكون تجاوزت به فوق حدّه، فتذكّر يا أمير المؤمنين كبر سنّى، وضعف قوّتى، وارحم شيبتى، وهب لى رضاك، بالعفو عن ذنب إن كان (4)، فمن مثلى الزّلل، ومن مثلك الإقالة، وإنما أعتذر إليك بإقرار ما يجب به الإقرار حتى ترضى عنى، فإذا رضيت رجوت إن شاء الله أن يتبين لك من أمرى وبراءة ساحتى ما لا يتعاظمك (5) بعده ذنب أن تغفره، مدّ الله لى فى عمرك، وجعل يومى قبل يومك، وكتب إليه بهذه الأبيات:
قل للخليفة ذى الصّنيعة والعطايا الفاشيه
…
وابن الخلائف من قريش والملوك العاليه
إن البرامكة الذين رموا لديك بداهيه
(1) حدثان الدهر بالتحريك: حوادثه ونوبه؛ وربما أنثته العرب، يذهبون به إلى الحوادث كما فى قوله:
ألا هلك الشهاب المستنير
…
ومدرهنا الكمى إذا تغير
ووهاب المئين إذا ألمت
…
بنا الحدثان والحامى النصور
وأما حدثان الأمر (بكسر فسكون) فهو أوله وابتداؤه، يقال: أتيته فى حدثان شبابه، ووقع هنا خطأ لصاحب القاموس نشأ من الاختصار قال. «وحدثان الأمر بالكسر: أوله وابتداؤة كحداثته، ومن الدهر: نوبه كحوادثه وأحداثه» والصواب: والحدثان بفتحات من الدهر نويه
…
الخ والدعة: الراحة وخفض العيش.
(2)
الموجدة: الغضب.
(3)
العارية مشددة وقد تخفف: ما يستعار.
(4)
وفى العقد «ففكر فى أمرى- جعلنى الله فداك- وليمل هواك بالعفو عن ذنب
…
».
(5)
تعاظمه: عظم عليه.
صفر الوجوه عليهم
…
خلع المذلة باديه
فكأنّهم مما بهم
…
أعجاز نخل خاويه
عمّتهم لك سخطة
…
لم تبق منهم باقية
بعد الإمارة والوزا
…
رة والأمور الساميه
ومنازل كانت لهم
…
فوق المنازل عاليه
أضحوا وجلّ مناهم
…
منك الرضا والعافيه
يا من يودّ لى الرّدى
…
يكفيك منى ما بيه
يكفيك ما أبصرت من
…
ذلّى وذلّ مكانيه
وبكاء فاطمة الكئي
…
بة والمدامع جاريه (1)
ومقالها بتوجّع
…
يا سوءتى وشقائيه!
من لى وقد غضب الزما
…
ن على جميع رجاليه؟
يا لهف نفسى لهفها
…
ما للزمان وماليه؟
يا عطفة الملك الرّضا
…
عودى علينا ثانيه
*** فلم يكن له جواب من الرشيد.
*** وفى رواية أن الرشيد ردّ عليه من كتاب:
إن أمير المؤمنين لم يأت على ولدك اللّعين، ومن رأيه ترك الباقين، ولم يأمر بحبسك، وهو يريد بقاء نفسك، إنما أخّرك وإياهم لتعالج البؤس بعد النعيم، ثم تصير إلى العذاب الأليم، فأبشر أيها المخادع الزّنديق، والمخالف الفسّيق (2)، بما أعدّ لك أمير المؤمنين من تبديد شملك، وخمول ذكرك، وإطفاء أمرك، فتوقّعه صباحا ومساء»
(1) هى زوجه فاطمة بنت محمد بن الحسن بن قحطبة بن شبيب.
(2)
رجل فاسق وفسيق كسكير، وفسق كزحل: دائم الفسق.