الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فى ذات الله أن يهتبل (1) مثوبته فى أوانها، من مضض الأسى، وفجأة النكبة، وأولى بذ اللّبّ إذا علم ما هو لابدّ صائر إليه ألّا يبعد منه إبعادا يلزمه التفاوت عند التأمل واختلاف الحالين فى بعد الأمد بينهما.
وقد كنت أحبّ ألّا أقنع فى تعزيتك برسول ولا كتاب، دون الشخوص إليك بنفسى، لو أمكننى المسير، إجلالا للمصيبة، وتأنّسا بقربك، بعد الذى دخلنى من الوحشة، فقد عرفت ما خصّنى من المرزئة بذى اليمينين، لما كنت أتعرّف من جميل رأيه، وعظيم برّه حاضرا، وما كان يذكرنى به غائبا، ذكره الله فى الرفيق الأعلى، وأنت وارث حقّه علىّ، إلى ما كنت لك عليه، من صدق المودّة وخالص النصيحة، وإلى الله أرغب فى تأدية شكرك، والقيام بما أوجبه لك، فإن رأيت أن تأمر بالكتاب إلىّ بما أبلاك (2) فى نفسك، وألهمك من العزاء والصبر، مع ما أحببت وبدا لك إن شاء الله».
(كتاب بغداد لابن طيفور 6: 134، والمنظوم والمنثور 13: 326)
300 - كتاب عبد الله بن طاهر إلى نصر بن شبث
ولّى المأمون عبد الله بن طاهر الرّقّة كما قدمنا، وعهد إليه فى محاربة نصر ابن شبث- وكان خرج على المأمون بالجزيرة- فلما جادّه عبد الله بن طاهر القتال وحصره وبلغ منه، طلب الأمان فأعطاه وتحوّل من معسكره إلى الرّقة، وصار إلى عبد الله بن طاهر.
(1) أى يغتنم.
(2)
أى أنعم عليك.
وكان المأمون قد كتب إليه قبل ذلك كتابا (كتبه عمرو بن مسعدة (1)) يدعوه إلى طاعته، ومفارقة معصيته، فلم يقبل، فكتب عبد الله إليه:
«أما بعد: فإنك يا نصر بن شبث قد عرفت الطاعة وعزّها وبرد ظلّها، وطيب مرتعها، وما فى خلافها من النّدم والخسار، وإن طالت مدّة الله بك، فإنه إنما يملى (2) لمن يلتمس مظاهرة الحجّة عليه لتقع غيره بأهلها على قدر إصرارهم واستحقاقهم، وقد رأيت إنكارك وتبصيرك لما رجوت أن يكون لما أكتب به إليك موقع منك، فإن الصّدق صدق، والباطل باطل، وإنما القول بمخارجه، وبأهله الذين يعنون به، ولم يعاملك من عمّال أمير المؤمنين أحد أنفع لك فى مالك ودينك ونفسك، ولا أحرص على استنقاذك، والانتياش (3) لك من خطائك منى.
فبأىّ أوّل أو آخر أوسطة (4) أو إمرة إفدامك يا نصر على أمير المؤمنين، تأخذ أمواله وتتولّى دونه ما ولّاه الله، وتريد أن تبيت آمنا أو مطمئنا أو وادعا أو ساكنا أو هادئا، فو عالم السّرّ والجهر: لئن لم تكن للطاعة مراجعا، وبها خانعا (5)، لتستويلنّ (6) وخيم العاقبة، ثم لأبدأنّ بك قبل كل عمل، فإنّ قرون الشيطان إذا لم تقطع كانت فى الأرض فتنة وفسادا كبيرا، ولأطأنّ بمن معى من أنصار الدولة
(1) هو عمرو بن مسعدة بن سعيد بن صول، أحد وزراء المأمون، وكان كاتبا بليغا جزل العبارة وجيزها. سديد المقاصد والمعانى، توفى سنة 217 هـ انظر ترجمته فى وفيات الأعيان 1: 390 والفهرست لابن النديم ص 178، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادى 12: 203، ومعجم الأدباء 6:
88 (طبع مطبعة هندية).
(2)
يملى: يمهل، ومظاهرة الحجة: أى مضاعفتها.
(3)
انتاشه. أخرجه. والخطأ والخطاء واحد.
(4)
يقال وسطت القوم أسطهم وسطا وسطة، كوعد: أى توسطتهم.
(5)
الخنوع: الخضوع والذل.
(6)
المرعى الوبيل: الوخيم الثقيل، واستوبله: وجده وبيلا غير موافق.