الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هوادة ولا غميزة (1)، وأن يصبر نفسه على ما نابه وورد عليه من أمورهم ومظالمهم، وينظر ويجلس له، حتى يؤدّى إلى كل ذى حقّ حقّه، فإن فى ذلك صلاحهم ومعونته على ما ينوى من العدل عليهم، وتأدية حق الله عليه فيهم إن شاء الله.
وأمره بحسن الولاية ورفق السياسة، وإظهار العدل والعمل بالحق، وكفّ الظلم، وإبطال الجور، وإيثار أهل الطاعة والنصيحة والفضل والورع وصدق النية، ويفضّلهم على غيرهم، ويستعين بآرائهم فيما هو مصدره حتى يكون ما يمضى وينفذ منه بحسب ما يجتمعون عليه ويرونه موافقا للعدل، ومجانبا للظلم والجور.
هذا عهدى إليك، وأمرى إياك فيما وليتك، وأسندت إليك وقلّدتك، فامتثله، واعمل به ولا تجاوزه، واستعن بالله فيما غلبك، يعنك الله، والله أسأل أن يصلى على محمد عبده ورسوله، وأن يوفقك ويحسن كفايتك».
(المنظوم والمنثور 13: 503)
102 - كتاب المهدى إلى محمد بن سليمان
وكتب المهدىّ إلى محمد بن سليمان بن على بن عبد الله بن عباس، وهو والى البصرة، يأمره أن يردّ آل زياد إلى نسبهم (2).
(1) أى مطعن أو مطمع.
(2)
كانت سمية أم زياد قد وهبها أبو الخير بن عمرو الكندى للحارث بن كلدة الثقفى، وكان طبيبا يعالجه، فولدت له على فراشه نافعا، ثم ولدت أبا بكرة، فأنكر لونه، وقيل له: إن جاريتك بغى، فانتفى من أبى بكرة ومن نافع، وزوجها عبيدا وكان عبدا لابنته، فولدت على فراشه زيادا، (فى السنة الأولى من الهجرة كما جاء فى الطبرى 2: 259) فلما كان يوم الطائف نادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما عبد نزل فهو حر، وولاؤه لله ورسوله» فنزل أبو بكرة وأسلم ولحق برسول الله، فقال الحارث بن كلدة لنافع: أنت ابنى فلا تفعل كما فعل هذا، يريد أبا بكرة، فلحق به (العقد الفريد 3: 2).
وقد قدمنا لك أخبار زياد واستلحاق معاوية إياه- انظر الجزء الأول ص 335، ص 511 والجزء الثانى ص 34، ومنذ استلحاقه (سنة 44 هـ) أصبح هو وذريته يعدون فى سلالة أبى سفيان ويعتبرون من قريش، وبعد قليل أصبحت سلالة أبى بكرة مولى رسول الله تعد فى ثقيف.
فلما كانت خلافة المهدى أمر برد آل أبى بكرة من نسبهم فى ثقيف إلى ولاء رسول الله صلى الله عليه وسلم-
«بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فإن أحقّ ما حمل عليه ولاة المسلمين أنفسهم وخواصّهم وعوامّهم فى أمورهم وأحكامهم، العمل بينهم بما فى كتاب الله، والاتباع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصبر على ذلك والمواظبة عليه، والرضا به فيما وافقهم وخالفهم، للّذى فيه من إقامة حدود الله، ومعرفة حقوقه، واتّباع مرضاته، وإحراز جزائه وحسن ثوابه، ولما فى مخالفة ذلك والصّدود عنه وغلبة الهوى لغيره، من الضلال والخسار فى الدنيا والآخرة.
وقد كان من رأى معاوية بن أبى سفيان فى استلحاقه زياد بن عبيد، عبد آل علاج من ثقيف، وادعائه ما أباه بعد معاوية عامّة المسلمين، وكثير منهم فى زمانه، لعلمهم بزياد وأبى زياد وأمّه، من أهل الرضا والفضل والفقه والورع والعلم، ولم يدع معاوية إلى ذلك ورع ولا هدى، ولا اتباع سنّة هادية، ولا قدوة من أئمة الحق ماضية، إلّا الرغبة فى هلاك دينه وآخرته، والتصميم على مخالفة الكتاب والسّنّة، والعجب بزياد فى جلده ونفاذه، وما رجا من معونته وموازرته إياه على باطل ما كان يركن إليه فى سيرته وآثاره وأعماله الخبيثة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الولد للفراش وللعاهر الحجر (1)» وقال: «من ادّعى إلى غير أبيه،
- وبرد آل زياد إلى نسبهم من عبيد. وكان سبب ذلك أن رجلا من آل أبى بكرة رفع ظلامة إلى المهدى، وتقرب إليه فيها بولاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال المهدى: إن هذا نسب واعتزاء ما تقرون به إلا عند حاجة تعرض لكم، وعند اضطراركم إلى التقرب به إلينا! فقال: يا أمير المؤمنين، من جحد ذلك فإنا سنقر، أنا أسالك أن تردنى ومعشر آل أبى بكرة إلى نسبنا من ولاء رسول الله، وتأمر بآل زياد بن عبيد فيخرجوا من نسبهم الذى ألحقهم به معاوية، فيردوا إلى نسبهم من عبيد فى موالى ثقيف، فأمر المهدى فى آل أبى بكرة وآل زياد أن يرد كل فريق منهم إلى نسبه، وكان مما قوى رأيه فى آل زياد أنه قدم عليه وهو ينظر فى المظالم رجل منهم، فقال له: من أنت؟ قال: أنا ابن عمك، قال: أى ابن عمى أنت؟
فانتسب إلى زياد، فقال له المهدى: يابن سمية الزانية، منى كنت ابن عمى؟ وغضب وأمر به فوجىء فى عنقه وأخرج، وكتب المهدى فيهم إلى محمد بن سليمان الكتاب المذكور، فأخرجوا من ديوان قريش.
ثم إن آل زياد بعد ذاك رشوا الديوان حتى ردهم إلى ما كانوا عليه- انظر تاريخ الطبرى 9: 334 والفخرى ص 162.
(1)
العاهر: الزانى، أى لا حق له فى النسب ولا حظ له فى الولد، وإنما هو لصاحب الفراش، أى لصاحب أم الولد وهو زوجها أو مولاها، وهو كقوله الآخر: له التراب، أى لا شىء له.
أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا (1)».
ولعمرى ما ولد زياد فى حجر أبى سفيان، ولا على فراشه، ولا كان عبيد عبدا لأبى سفيان، ولا سميّة أمة له، ولا كانا فى ملكه، ولا صارا إليه لسبب من الأسباب، ولقد قال معاوية فيما يعلمه أهل الحفظ للأحاديث عند كلام نصر بن الحجّاج ابن علاظ السّلمىّ ومن كان معه من موالى بنى المغيرة المخزوميّين، وإرادتهم استلحاقه وإثبات دعوته، وقد أعدّ لهم معاوية حجرا تحت بعض فرشه، فألقاه إليهم، فقالوا له:
نسوّغ لك ما فعلت فى زياد، ولا تسوّغ لنا ما فعلنا فى صاحبنا! فقال: قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لكم من قضاء معاوية، فخالف معاوية بقضائه فى زياد واستلحاقه إياه، وما صنع فيه وأقدم عليه، أمر الله جلّ وعزّ، وقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتّبع فى ذلك هواه رغبة عن الحقّ، ومجانبة له، وقد قال الله عز وجل:
«وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» وقال لداود صلى الله عليه وسلم وقد آتاه الحكم والنّبوّة والمال والخلافة-:
فأمير المؤمنين يسأل الله أن يعصم له نفسه ودينه، وأن يعيذه من غلبة الهوى، ويوفّقه فى جميع الأمور لما يحبّ ويرضى، إنه سميع قريب، وقد رأى أمير المؤمنين أن يردّ زيادا ومن كان من ولده إلى أمّهم ونسبهم المعروف، ويلحقهم بأبيهم عبيد وأمّهم سميّة، ويتّبع فى ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه الصالحون وأئمة الهدى، ولا يجيز لمعاوية ما أقدم عليه ممن يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله
(1) الصرف: التوبة. والعدل: الفدية- انظر الجزء الأول ص 33.