الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقصّر بى (1) عن أداء حقك والمحافظة عليه وعلى ما يجب من المعرفة بفضلك، تضييع الأمانة، ولا نسيان النعمة، ولا نقصان الشكر.
وقد علمت أن لك فى الشكر رأيا، وفى استخراجك الشكر منى دليل على أنى من أهله إن شاء الله، فإنى وجدت الشكر شقيق الحسب، والوفاء وجدته يجزى (2) من النعم ما قبله، ويستدعى تمامها بعده، فأىّ امرئ أخبث صنيعا إلى نفسه فيما يسوءها (3) منّى إذا كان شكرك عندى منقوصا، وبلاؤك لدىّ مكفورا، وفضلك علىّ مجهولا، ولكنه لم يساعدنى دهر معين فأجزى بالبؤسى، وأصفى بالنّعمى، وإن أبلغ ذلك بعون الله، فهو أملى وما فيه النعمة، وإن تقصّر بى دون ذلك مقصّرات التقدير، فنحن وأنت راضون (4) بما أتانا به تقدير المسوّى بعد له بين خلقه، والسلام». (اختيار المنظوم والمنثور 13: 406)
49 - جواب يحيى بن زياد
«أما بعد، دفع الله عنا وعنك ما نكرهه بالنعم السّوابغ، ووقانا وإياك الأمور المشتبهة بالكرامات الظاهرة، والأيادى المترادفة، حتى يزول القضاء بنا وبك إلى ما نحبّ ونرضى، فإنك كتبت إلىّ تذكر منزلة الأدب من المتأدّب، ورأيتك ترغب إلى الإكثار والترديد، وقد يفزع إلى ذلك بعض المجتهدين، فإن اسم الاجتهاد إنما يقع على من بلغ جهده، ولكنى قد رأيت لك إخوانا ممن لم تعلق بهم معرفتك يعجبهم من أنفسهم وإخوانهم أن يجدوا لكثير الكلام جوامع (5) يحيدون (6) بمعرفتها عن سقطة الهذر، ويأمنون بها مع ذلك الخطأ، ولم تعدل عن حسن النية فى الإرادة لذلك،
(1) فى الأصل «ولم يقصدنى» وهو تحريف.
(2)
فى الأصل «يجرى» وهو تصحيف.
(3)
فى الأصل «فمن سواها» .
(4)
فى الأصل «راجونا» وهو تحريف.
(5)
الجوامع: جمع جامعة، وهى القيد.
(6)
فى الأصل «محدون» وهو تحريف.
كما (1) عرفت من إعلام كتابك، إلا أن المريد بنيته غير معذور، دون أن يبلغ فيه بفعله (2)، وقد ينحّى عنى اسم العنف بك، ويلزمنى اسم التأديب لك، أن التأديب بينى وبينك غير منكر عندى وعندك، وإن حملناه على قعود (3) العنف كان كافيا لك من جميع صفات تعظيم الأدب أن تقول: لولا الأدب سقط اسم المتأدبين، وإذا سقط غلب اسم الجاهلين، وإذا غلب اسم الجاهلين عصى الخالق، وفسدت الدنيا ومن فيها.
وفهمت قولك، وما دللت به على نفسك من معرفة الشكر، فليس شىء مما سبقت به يدى إلى إخوانى، من مشاركتهم إياى فى مثل ما به نفسى، بسار لى أن يقع منى موقع إذلال لهم، أو عذاب عليهم، فإنه من يتخذ أيادى الإخوان عذابا على نفسه ووقرا (4) على قوّته، فقد تعرّض لمعاودة بعض الأدب، للاستزادة من الأوقار المغتمّ بها، الملول (5) من حملها، وبئست اليد يد جريرتها (6) استثقال الكتب، وضيق الذّراع من فوائد الأحبّة.
فأمّا ما عظّمت من الشكر، فإن الشكر مكافأة، وإذا كان الشكر كفىء (7) المنّة، فإن الكفىء لا يكون دون كفيئه، وإذا بلغت بالشكر منزلة المكافأة، فقد علوت به أعلى المنازل، وكان يجمع لك ذلك أن تقول: الشكر مكافأة، والمكافأة كفيئة، والكفىء مثل كفيئه.
فأمّا ما ظننت أنى أستدلّ به على أنك من أهل الشكر، بالكلمات التى وصفت، فلئن تقدمت باليد على جبالة- فى أول يوم- منّى بموضع الشكر، ما أنا (8) بمبصر موضع الأمر ببادرة من الكلام هى (9) مع ذلك غير حدود جامعة، ولو جمعت.
(1) فى الأصل «قما» وهو تحريف.
(2)
فى الأصل «بعقله» وهو تحريف.
(3)
أى على محمل العنف ومركبه، والقعود من الإبل: ما يقتعده الراعى فى كل حاجة.
(4)
الوقر: الحمل.
(5)
فى الأصل «الأموال» وهو تحريف.
(6)
أى ذنبها.
(7)
أى مكافىء.
(8)
فى الأصل «وأنا» وهو تحريف.
(9)
فى الأصل «ببادرة من الكلام مع ذلك» .
فأمّا ما ذكرت من إبطاء الدهر عنك بالتقوية على مساعدتى، فكأنك عنيت بهذه الكلمة [أنّ صداقتك لى من ذات (1)] الأيدى، فإن كنت عنيت، فما أشنع ما ألزمتنى ونفسك من قبيح الخلق، وقد يردّ عنى فورة الغضب أنك لم تقل ذلك قاصدا، واستدللت على أنك لم تقصد له، بأنك بنفسك بدأت بالإفحاش، وسأصغّر لك ما صغر الله من ذات الأيدى التى تقطّع إليها أعناق السّخفاء، وأعظّم لك منزلة المودة بتدبير العقل، بما عظّم الله منها؛ ألا ترى رحمك الله أن العقل يكسب المال، وأن المال معجوز به عن مكسبة العقل، حسبى وحسبك ممن لم تكن له أخا أن تجعله أخا، وحسبنا ممن كان بعيدا أن نجعله قريبا، وحسبنا من المخالفين أن يكونوا موافقين. فأمّا ما تملك الأيدى، فإنى لا أدرى: أما خدعت العدوّ عنه أكثر، أم ما تناولته بغير المؤامرة (2) من مال الصديق؟ فإن بلغت حدّ المؤامرة، فذلك وصم (3) فى صداقة المأخوذ منه، أو عجز من الآخذ من صديقه؛ قد مضى لك إخوان لم تلحقهم، وآخرون كثير أنت بين أظهرهم لم تعرفهم، كان الرجل منهم يكره أن يعد إخوانه الوفاء، فيضرّ اختلاط المواعيد بصادق النية المكسوب عليها، مع ما فى المواعيد من التغرير بالعجز عنها، وما فى الزمان من الخيانة لأهله، وما فى الاختلاط (4) من الضعف.
أما إنى قد كنت أرى مكان الموافقة فى الجواب، فأتعجّل حاضر سرورك بذلك، وتجرى بيننا وبينك الخديعة والرياء، فتركب (سبيل) السّفلة الذين أغلب الأشياء عليهم الملق، ولكن حرّكتنى المودة بالتأديب لبعض تلك المحرّكات فيما مضى حين عاودتنى المكاتبة بالمناسمة (5)، وإنى قد علمت أنّ كل ذى عقل ذو حاجة، وأن
(1) ما بين القوسين بياض بالأصل» وقد زدته لتستقيم العبارة.
(2)
المؤامرة: المشاورة.
(3)
عيب وعار.
(4)
فى الأصل «وما .... لاختلاط» .
(5)
ناسمته: شاممته، وجدت ريحه ووجد ريحى، والمعنى بتنسم أخبارك.