الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك عبست وبسرت، ثم أدبرت واستكبرت (1) وقد تصرّمت النفقة، وانقطع الرجاء، ويئست من الطمع، كما يئس الكفّار من أصحاب القبور (2).
وأعظم من ذلك عندى كربا، وأشده جهدا (3) أن غيرك يعرض علىّ الحاجة التى طلبتها إليك، فأكره أن تكون إلّا بسببك، وأن تجرى إلّا على يدك، ولعمرى ما كان ذلك إلا لسابق العلم فى شقوتى (4) بك. فأسأل الله الذى جعل جاهتك (5) من بلائى، وحسن منزلنك من مصابى. وطول حياتك فتنة لعيالى، أن ينقلك إلى جنّته (6) قبل أن يرتدّ إليك طرفك (7) والسلام».
(مفتاح الأفكار ص 277، والمنظوم والمنثور 13: 416)
104 - كتاب عيسى بن موسى بنزوله عن ولاية العهد لموسى الهادى
وفاوض المهدىّ عيسى بن موسى فى أن ينزل عن ولاية العهد لابنه موسى الهادى، وألحّ عليه فى ذلك فأبى، ثم أجابه إلى سؤله، على مال عوّضه المهدىّ إياه من حقّه: عشرة آلاف ألف درهم وضياع بالزّاب الأعلى (8) وكسكر (9)، وكتب
(1) اقتبسه من قوله تعالى «ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ» وبسر كنصر:
كلح وعبس.
(2)
أخذه من قوله تعالى: «قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ» .
(3)
الجهد: المشقة.
(4)
الشقوة: الشقاء.
(5)
الجاه والجاهة: المنزلة والقدر. وفى المنظوم والمنثور «جاهك» .
(6)
فى المنظوم والمنثور «أن يعجلك إلى نار جهنم» .
(7)
أخذه من قوله تعالى: «قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ» .
(8)
انظر ص 14 ج 3
(9)
كسكر: كورة جنوبى العراق، كانت قصبتها مدينة واسط (التى بين الكوفة والبصرة).
عليه بذلك كتابا أشهد عليه فيه جماعة أهل بيته وصحابته وجميع شيعته وكتّابه وجنده فى الدواوين، ليكون حجة على عيسى وقطعا لقوله ودعواه فيما خرج منه، وكان ذلك سنة 160 هـ.
وهذه نسخة الشرط الذى كتبه عيسى على نفسه:
«بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب لعبد الله المهدى محمد أمير المؤمنين، ولولىّ عهد المسلمين موسى بن المهدىّ ولأهل بيته وجميع قوّاده وجنوده من أهل خراسان، وعامّة المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها، وحيث كان كائن منهم، كتبته للمهدىّ محمد أمير المؤمنين، وولىّ عهد المسلمين موسى بن محمد بن عبد الله بن محمد بن على، فيما جعل إليه من العهد، إذ كان إلىّ، حتى اجتمعت كلمة المسلمين واتّسق أمرهم، وأتلفت أهواؤهم على الرضا بولاية موسى بن المهدىّ محمد أمير المؤمنين وعرفت الحظّ فى ذلك علىّ، والحظّ فيه لى، ودخلت فيما دخل فيه المسلمون من الرضا بموسى ابن أمير المؤمنين، والبيعة له، والخروج مما كان لى فى رقابهم من البيعة، وجعلتكم فى حلّ من ذلك، وسعة من غير حرج يدخل عليكم، أو على أحد من جماعتكم وعامّة المسلمين، وليس فى شىء من ذلك قديم ولا حديث لى دعوى ولا طلبة (1) ولا حجة ولا مقالة ولا طاعة على أحد منكم ولا على عامة المسلمين ولا بيعة، فى حياة المهدى محمد أمير المؤمنين، ولا بعده، ولا بعد ولىّ عهد المسلمين موسى، ولا ما كنت حيّا حتى أموت، وقد بايعت لمحمد المهدى أمير المؤمنين، ولموسى ابن أمير المؤمنين من بعده، وجعلت لهما ولعامّة المسلمين من أهل خراسان وغيرهم الوفاء بما شرطت على نفسى فى هذا الأمر الذى خرجت منه، والتمام (2) عليه، علىّ بذلك عهد الله وما اعتقد أحد من خلقه من عهد أو ميثاق أو تغليظ أو تأكيد،
(1) الطلبة بالكسر: الطلب، والطلبة بفتح فكسر: ما طلبته
(2)
تم على الأمر وتمم عليه بالتحريك: أى استمر عليه.
على السّمع والطاعة والنصيحة للمهدى محمد أمير المؤمنين، وولىّ عهده موسى ابن أمير المؤمنين، فى السرّ والعلانية، والقول والفعل والنية، والشّدة والرخاء، والسّرّاء والضّرّاء، والموالاة لهما ولمن والاهما، والمعاداة لمن عاداهما، كائنا من كان فى هذا الأمر الذى خرجت منه، فإن أنا نكبت (1) أو غيّرت أو بدّلت أو دغلت (2) أو نوبت غير ما أعطيت عليه هذه الأيمان، أو دعوت إلى خلاف شىء مما حملت على نفسى فى هذا الكتاب، للمهدى محمد أمير المؤمنين، ولولىّ عهده موسى ابن أمير المؤمنين ولعامّه المسلمين، أولم أف بذلك، فكلّ زوجة عندى يوم كتبت هذا الكتاب أو أتزوجها إلى ثلاثين سنة طالق ثلاثا ألبتّة (3) طلاق الحرج (4)، وكل مملوك عندى اليوم أو أملكه إلى ثلاثين سنة أحرار لوجه الله، وكل مال لى نقد أو عرض (5) أو قرض أو أرض، أو قليل أو كثير، تالد أو طارف (6)، أو أستفيده فيما بعد اليوم إلى ثلاثين سنة، صدقة على المساكبن يضع ذلك الوالى حيث يرى، وعلىّ من مدينة السلام (7) المشى حافيا إلى بيت الله العتيق الذى بمكة،
(1) نكب عنه كنصر وفرح: عدل.
(2)
دغل فى الشىء كمنع: دخل فيه دخول المريب، وأدغل فيه: أدخل فيه ما يخالفه ويفسده، والمعنى على كليهما مستقيم.
(3)
يقال: لا أفعله بتة بالنصب، ولا أفعله ألبتة، لكل أمر لا رجعة فيه ونصبه على المصدر، من البت: وهو القطع المستأصل، وطلقها ثلاثا بتة وبتاتا وألبتة: أى قطعا لا عود فيها، قال شارح القاموس:
«ألبتة، بقطع الهمزة كما فى نسختنا، وضبط فى الصحاح بوصلها» وفى شرح التصريح (1: 333 - باب المفعول المطلق): «وفى اللباب: لم يسمع فى البتة إلا قطع الهمزة، والقياس وصلها» .
(4)
أى طلاق التحريم، يقال: حرجت الصلاة على المرأة (كفرح) حرجا بالتحريك: أى حرمت وهو من الضيق، لأن الشىء إذا حرم فقد ضاق، وحرج على ظلمك حرجا أى حرم، ويقال: أحرج امرأته بطلقة أى حرمها.
(5)
العرض: المتاع، وكل شىء عرض إلا الدراهم والدنانير فإنها عين.
(6)
التالد والتليد والتلاد (بالكسر) والمتلد (بضم فسكون ففتح): المال القديم الأصلى الذى ولد عندك، والطارف والطريف: المال المستحدث.
(7)
هى بغداد، بناها المنصور وانتقل إليها من الهاشمية (وهى مدينة كان قد اختطها أخوه السفاح قرب الكوفة) وشرع فى عمارتها سنة 145 ونزلها سنة 149 فكانت قاعدة الدولة العباسية.