الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله واستحفظه، وجعله القائم به، والمحافظ عليه، من ولاية دينه، ورعاية أهله، والمرجوّ لإتمام (1) ذلك بمنّه ورحمته.
وإنى كتبت إلى أمير المؤمنين يوم النّفر (2) الأول، وقد قضى الله مناسكنا، وتمّم حجّنا، وأرانا فى مواقفنا وإفاضتنا ومن حضر الموسم معنا من رعية أمير المؤمنين أفضل ما لم يزل يبلى (3) الله أمير المؤمنين ويعوّده، ويبلى الرعية فى خلافته، من السلامة والعافية، والتوفيق والكفاية، والله محمود.
ولم أر موسما كان أعمّ عافية وسلامة، وأحسن هديا ودعة، وأكثر داعيا لأمير المؤمنين وولىّ عهده بطول البقاء، من موسم الناس فى عامهم هذا، بنعمة الله وفضله.
أحببت الكتاب إلى أمير المؤمنين، لمعرفتى بعنايته وتطلّعه إلى عمله، ليسرّ به، ويحمد الله عليه ويشكره، فإنه شاكر يحبّ الشاكرين».
(اختيار المنظوم والمنثور 13: 371)
187 - كتاب المامون إلى الأمين
واستوزر الأمين الفضل بن الربيع، فما لبث أن سعى فى إغرائه بأخيه المأمون، وحثّه على خلعه، وصرف ولاية العهد من بعده إلى ابنه موسى، ولم يزل به يزيّن له خلعه حتى جنح إلى رأيه (4).
(1) فى الأصل «لإنعام» وأرى أنه «لإتمام» .
(2)
نفر الحاج من منى كضرب نفرا ونفورا، ويوم النفر الأول: هو الثانى من أيام التشريق (وأيام التشريق ثلاثة، وهى بعد يوم النحر، قيل سميت بذلك لأن لحوم الأضاحى تشرق فيها: أى تقدد فى الشرقة بالفتح وهى الشمس).
(3)
أبلاه: أنعم عليه وأحسن إليه.
(4)
وذلك أن الفضل بن الربيع كان مع الرشيد بطوس، فلما مات الرشيد أمر الفضل الناس بالرحيل ففعلوا ذلك محبة منهم للحاق بأهلهم ومنازلهم ببغداد، وتركوا العهود التى كانت أخذت عليهم للمأمون، وجمع الفضل جميع ما كان فى عسكر الرشيد وحمله إلى الأمين، وكان الرشيد قد أشهد به للمأمون، -
وكتب الأمين إلى المأمون يسأله أن يتجافى له عن كور من كور خراسان سمّاها وأن يوجّه العمال إليها من قبل الأمين، وأن يحتمل توجيه رجل من قبله يولّيه البريد عليه ليكتب إليه بخبره، فكبر ذلك على المأمون واشتد، وأحضر خاصّته من الرؤساء والأعلام، وقرأ عليهم الكتاب، واستشارهم فى الأمر، فأشار عليه كلّ بما يرى، فقال المأمون لوزيره الفضل (1) بن سهل ذى الرياستين: اكتب يا فضل إليه، فكتب:
«وقد بلغنى كتاب أمير المؤمنين، يسأل التّجافى عن مواضع سمّاها، مما أثبته الرشيد فى العقد، وجعل أمره إلىّ، وما أمر رآه أمير المؤمنين أحد يجاوز أكثره، غير أن الذى (2) جعل إلىّ الطّرف الذى أنا به لا ظنين فى النظر لعامّته، ولا جاهل بما أسند إلىّ من أمره، ولو لم يكن ذلك مثبتا بالعهود والمواثيق المأخوذة، ثم كنت على الحال التى أنا عليها: من إشراف عدوّ مخوف الشّوكة، وعامّة لا تتألّف عن هضمها (3)،
- ثم فكر الفضل بعد مقدمه العراق، وعلم أن الخلافة إن أفضت إلى المأمون وهو حى لم يبق عليه، فزين للأمين خلع المأمون والبيعة لابنه موسى- ولم يكن ذلك من رأى الأمين ولا عزمه- واتفق مع الفضل جماعة على ذلك، فمال الأمين إلى أقوالهم، ثم استشار عقلاء أصحابه فنهوه عن ذلك وحذروه عاقبة البغى ونكث العهود والمواثيق، وقالوا له: لا تجرئ القواد على النكث للأيمان وعلى الخلع فيخلعوك، فلم يلتفت إليهم، ومال إلى رأى الفضل بن الربيع.
(1)
هو الفضل بن سهل بن عبد الله السرخسى وزير المأمون، ويلقب بذى الرياستين لأنه تقلد الوزارة والسيف، وقد جاء فى رسالة الشكر- وسنرد عليك بعد-: «فأية نعمة أجل قدرا وأسنى أمرا معشر الشيعة، من نعمة أمير المؤمنين أيده الله عند الأمير ذى الرياستين، ومراتبه التى رتبه بها، فإنه أعطاه رياسة الحرب ورياسة التدبير
…
إلخ» وكذلك ذكر الجهشيارى فى كتابه «الوزراء والكتاب ص 387» قال: «ولقب المأمون الفضل بن سهل ذا الرياستين، ومعنى ذلك رياسة الحرب ورياسة التدبير» . وهو من أبناء الفرس، وكان بنو سهل صنائع البرامكة. وكان أبوه سهل مجوسيا فأسلم على يد المهدى، وأسلم الفضل على يد المأمون سنة 190، وقتله المأمون سنة 202 كما سيأتى، انظر ترجمته فى وفيات الأعيان 1: 413 والفخرى ص 202 وتاريخ بغداد للخطيب البغدادى 2: 339.
(2)
هو الرشيد، والطرف: منتهى كل شىء، وهو هنا خراسان لأنها منتهى الدولة، والظنين: المتهم.
(3)
أى عن طريق ظلمها ونقص حقوقها.